التعصب يعصّب

اتهمني عدد لا بأس به من الأخوة بالتعصب و العنصرية بعد أن أظهرت باستحياء و خجل تعاطفي مع حزب الله اللبناني و أمينه العام السيد حسن نصرالله في مقال سابق, تلقيت هذه الاتهامات بصدر رحب أو حاولت أن أمثل دور مستر نايس جاي كالعادة و رددت على الأخوة بدبلوماسية حتى لا اثبّت هذا الاتهام على ذاتي المطقوقية

لكنني صراحة لم أرتاح و كالعادة بدأت في التفكير بجدية حول هذا الاتهام و ما هي انعكاساته على حياتي الشخصية و على شعبيتي في عالم المدونات و حسيت اني لازم أتعالج من مرض العنصرية و التعصب. لذلك بدأت بتقشير شرائح مخي و تفسير معنى كلمة تعصب و التأكد ان كانت تنطبق علي أو لا

بالنسبة لي كلمة تعصب تعني أن يتعصب الانسان لشيء ما الى درجة تجعله لا يتمكن من التوصل للحكم الصحيح الموضوعي على هذا الشيء, هذا الشيء ربما يكون دين او مذهب أو أصل أو مادة او نادي أو موقف أو شخص الخ الخ الخ

على سبيل المثال أنا أشجع النادي العربي ( عرباوي و شيعي و يحب حزب الله , اكملت ) و التعصب هو أنني لا أتقبل هزيمة مستحقة لهذا الفريق و أبدأ باختلاق الأعذار عن قصد أو غير قصد فقط لأبرر أن هذه الهزيمة ظالمة و مجحفة في حق فريقي المفضل

أو أن أنقل أحداث أحد تجمعات نبيها خمسة بصورة غير واقعية, كأن يكون المتجمعون مئة و أنا أكتب أنهم ألف, أو ان يكون التجمع مملا هادئا و انا أكتب أنه كان ملتهبا و حماسيا كما فعلت بعض الصحف المتعصبة للفتنة

هذه أمثلة مبسطة على عملية التعصب, و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل التعصب صفة سيئة أم خصلة حسنة؟ السؤال الآخر هل أنا المتعصب الوحيد , أم أننا جميعا متعصبون بشكل أو بآخر؟ هل أنا الوحيد المتعصب لمذهبي كما اتهمني الأخوة ام أن الجميع متعصبين لمذاهبهم و اصولهم و مصالحهم و القائمة تطول؟

شخصيا أعتقد بأن الغالبية العظمى من الناس متعصبين بشكل أو بآخر و لا أقول أنه عيب بالضرورة, فاذا كان معظم الناس متعصبون فالتعصب هو الحالة السائدة و الغير تعصب هو الحالة الشاذة, و المفروض أن القاعدة صحيحة و الذي يشذ عنها هو المخطىء

سؤال آخر أعتقد بأهميته, هل نحن مسيرون أم مخيرون في تعصباتنا؟

على سبيل المثال, هل انا من اخترت تعصبي لمذهبي؟ أم أن الظروف الاجتماعية و البيئية و الثقافية تجتمع لتحدد لي و لغيري الى ماذا نتعصب؟ هل رأيتم شخص شيعي المولد يتعصب للاخوان المسلمين؟ هل رأيتم شخص سني يتعصب لمبدأ ولاية الفقيه و الامام الخميني؟

لا أعتقد ان هذه الأمثلة موجودة بكثرة في مجتمعنا ان لم تكن معدومة, السبب برأيي المتواضع هو ليس عدم استحقاق فكر الاخوان أو فكر الامام الخميني للتعصب , و لكني أعتقد أن الغالبية العظمى من الناس قد خضعت لعملية برمجة مسبقة الى المجالات التي تستطيع أن تتعصب لها

عندما تولد في بلد اسلامي لأبوين مسلمين و ملتزمين دينيا, و تدرس في مدارس اسلامية تستقي منها القيم و المعاني الاسلامية كالجهاد في سبيل الله و نشر الدعوة الاسلامية فانك تكون مبرمج تلقائيا لتتعصب لأي شخص او فئة او موقف تجسد لك هذه المعاني

و عندما تولد في اسرائيل لأبويين يهوديين و تدرس في مدارس يهودية فمن الطبيعي أن تكبر و تتعصب لاسرائيل و تكره العرب و المسلمين الارهابيين

المشكلة تحصل عندما يتصادم المتعصبين كما يحصل اليوم, فئة متعصبة لحزب الله تدافع عنه باستماته و لا تقبل أي انتقاد للسيد حسن نصرالله و فئة أخرى متعصبة ضد حزب الله تفرغ شحناتها المتراكمة في الاساءة الى هذا الحزب و من يمثله

و السؤال لكل من هاجم حزب الله, هل أنت تهاجم حزب الله فقط لما يحدث هذه الأيام؟ أم ان موقفك مسبق و انت بالأساس تكره هذا الحزب بكل ما يمثله من أفكار و أيدلوجيات ؟

و السؤال الآخر للمتعاطفين مع الحزب, هل انت تدافع بشراسة عن الحزب لأنك فعلا ترى انه لم يخطىء و لم يرتكب جريمة بخطف الجنود؟ أم لأنك من الأساس متعاطف و محب لحزب الله بكل ما يمثله من أفكار و تاريخ و انجازات؟

أتمنى ان تنتهي الحرب في لبنان بأسرع وقت, و اتمنى ان لا ننتهي من حرب لبنان لنبدأ حرب أخرى في الكويت

أخيرا و بعد البحث في موضوع التعصب أطمئنكم بأني لست متعصبا و من اتهمني بالتعصب ظلمني, الله يسامحه

و الشكر الجزيل للجميع