أم المعارك

لو سألني أحدكم عن أكره صفة إنسانية إلى نفسي سيكون الجواب المباشر هو صفة إظهار الشماته , نعم انا لا أنكر بأني شمّات باطنياً , إلا أنني حريص جداً على عدم الوقوع في فخ إظهار الشماته , و انا لا أدعي ذلك بفضل أخلاقي العالية , لكن أسفل ظهري جرّب حرقة الشماته في السابق , و الدنيا يوم لك و خمسة عليك
.
أعلم أن هذه المقدمة ليس لها علاقة بالموضوع , إلا أنني حرصت على كتابتها حتى لا يعتقد البعض أن هذا الموضوع يندرج تحت خانة الشماته و السخرية من الآخرين , و الآن لنبدأ
.
هي بالفعل أم المعارك , لكن لماذا؟
.
أولا, قوة و تعدد الأطراف المتحاربة فيها , فالأطراف الرئيسية أقطاب من الأسرة الحاكمة و العائلات التجارية العريقة , و هناك تداخل واضح للمجاميع السياسية في المعركة
.
ثانيا, المساحة الشاسعة التي تغطيها , فالمعركة هنا إقتصادية , سياسية , إعلامية , رياضية , و ربما تمتد الى أبعد من ذلك
.
ثالثا, أسلحة الدمار الشامل المتوقع إستخدامها في هذه المعركة , فالردح الإعلامي بدأ منذ زمن , و التهديدات الآن تتجه الى إستخدام القضاء و العضلات المالية لتفتيت عِظام الخصوم
.
رابعا, توقعاتنا بالنتائج المصيرية لهذه المعركة و التي قد يكون لها آثار عنيفة في إعادة تشكيلة التحالفات و التوازنات على مختلف الأصعدة
.
يعتقد الكثيرين بأن بداية هذه المعركة كانت بسبب خلاف مفاجيء على تفاصيل الصفقة المزمعة لبيع 46% من أسهم شركة زين لشركة إتصالات الإماراتية , إلا أنني أعتقد بأن بداية المعركة أو جذورها تمتد الى سنوات سابقة , سأحاول في هذا الموضوع شرح خلفيات هذا الصراع مع التأكيد على أني لا أملك أي معلومات سرية أو داخلية , فأنا أعتمد فقط على الظاهر و ما يُنشر في الصحف حول أحداث هذه المعركة , و أعتقد شخصيا بأن ما يتوفر لدينا من معلومات يكفي لتكوين صورة شاملة عن هذه المعركة و نتائجها

.

في البداية علينا ذكر أهم الأطراف المتنازعة في هذه المعركة

.

.
توضح لنا الصورة أعلاه أهم الكُتل المشاركة في هذه الصراع و هي كتلة الشيوخ و التي يمثلها الشيخ أحمد الفهد و الشيخ علي الخليفة , أما الطرف الآخر فهو كتلة مكونة من ثلاثة عائلات تجارية – سياسية ترتبط بعلاقة قرابة و هي عائلات الخرافي و الغانم و بودي , أما الأطراف المساندة لكتلة الشيوخ فهي مجموعة الأوراق المملوكة للشيخ سالم العلي و جريدة الدار الموالية للشيخ ناصر المحمد و بعض نواب مجلس الأمة , أما الطرف المساند لكتلة التجار فهي جريدة القبس المملوكة لعدد من العائلات التجارية و بدرجة أقل جريدة الجريدة التجارية و صاحبة العداء القديم مع الشيخ علي الخليفة
.
أعلم ان بعض ما ذكرته في الفقرة السابقة غير مفهوم , فمن هو فلان و ما علاقة علّان في فلنتان؟ هذا ما سأحاول شرحه من خلال تفصيل كل طرف من هذه الأطراف و ذكر علاقته في القضية

.
توضح هذه الصورة تفصيل أكبر لكل طرف على حدة , و حتى يسهل الأمر سأبدأ بالترتيب حتى لا يتشتت القاريء بين الأسماء و الصور و المناصب
.
الشيخ أحمد الفهد الصباح
.
النائب الثاني لرئيس الوزراء و وزير التنمية , الأب الروحي للرياضة و المتكتك الفتّاك في مجلس الأمة و المسؤول الأول عن خطة التنمية و الـ 37 مليار دينار المرصودة لها , لذلك فأغلب التجار يحتاجون إلى بناء علاقة طيبة معه , ليحصلوا على الأفضلية في تنفيذ مشاريع التنمية
.
و الشيخ أحمد الفهد هو شقيق الشيخ طلال الفهد , الزعيم الحالي للرياضة في الكويت , فهو رئيس نادي القادسية و إتحاد كرة القدم و يسيطر على الهيئة العامة للشباب و الرياضة , و قد تضرر الشيخ طلال من قوانين الإصلاح الرياضي التي نصت أحد موادها على عدم الجمع بين المناصب , و بسبب مماطلته في تنفيذ هذا النص بدأت صحيفة الراي المملوكة لجاسم بودي بالهجوم عليه بشكل شبه يومي , علماً بأن جاسم بودي يرتبط بعلاقة عائلية بالخصم اللدود للشيخ طلال النائب مرزوق الغانم
.

.

و الشيخين أحمد و طلال الفهد أبناء عم الشيخ أحمد العبدالله , وزير الإعلام و النفط الحالي , و هو أحد الخصوم السياسيين لجاسم بودي الذي دأب على مهاجمته و تلقيبه بالوزير البلبول , علما بأن الشيخ أحمد قد قام بتعيين قيادات جديدة للشركات النفطية بقيادة السيد فاروق الزنكي , و قد كانت جريدة الوطن أكبر المتحمسين لهذه الخطوة , و هي الجريدة التي يديرها الشيخ خليفة علي الخليفة , إبن شقيقة الوزير أحمد العبدالله

و الشيخ خليفة علي الخليفة هو رئيس تحرير و مدير قناة و جريدة الوطن , المنافس الإعلامي الأول لجريدة و قناة الراي المملوكتين لجاسم بودي , بل أن الحرب بين الإثنان بدأت في شهر رمضان سنة 2007 فور بداية بث قناة الوطن , و قد كشّر الشيخ خليفة عن أنيابه في تلك الحرب و نصّب نفسه رسمياً كـ مخلب شرس يدافع عن والده الشيخ علي الخليفة العذبي

.

.

و الشيخ علي الخليفة العذبي هو وزير النفط و المالية السابق و الذي تم إتهامه في قضية سرقة شركة ناقلات النفط و الإستثمارات الخارجية بعد الغزو العراقي مباشرةً , و لكن المحكمة أخلت سبيله بسبب عدم كفاية الأدلة في عام 2008 , أيضا الشيخ على الخليفة هو مالك جريدة و قناة الوطن و هو المالك الرئيسي لشركة الفوارس التي تملك 5% تقريبا من أسهم شركة زين

.

.

أما المالك الأكبر لشركة زين فهي شركة الخير الوطنية , و التي تملكها عائلة الخرافي و يديرها قطب العائلة الإقتصادي ناصر الخرافي , و هو الذي يسيطر على مجلس إدارة شركة زين و أدار عملية بيع الجانب الأفريقي من الشركة قبل أشهر قليلة , أيضا هو من يدير صفقة بيع أسهم زين لشركة إتصالات الإماراتية عبر شركته الأخرى الإستثمارات الوطنية التي ستجني مبلغ 50 فلس على كل سهم مقابل تنفيذ الصفقة

.

.

و قد واجهت هذه الصفقة معارضة شديدة في بدايتها من قِبل مجموعة الأوراق المالية المملوكة لسمو الشيخ سالم العلي , و الشيخ سالم العلي هو أغنى أغنياء الكويت و يمتلك حصة مؤثرة في شركة زين , بل أنه عرض شراء أسهم زين بسعر مطابق للسعر المعروض من شركة إتصالات بعد خصم مبلغ الـ 50 فلس التي ستجنيها شركة الإستثمارات الوطنية المملوكة لعائلة الخرافي

.

و عائلة الخرافي تلعب دور آخر غير الدور الإقتصادي و هو الدور السياسي , فالقطب الآخر للعائلة هو السيد جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة الكويتي الذي لعب دوراً حاسماً في ترجيح كفة طرف على آخر خلال أزمة الحكم التي عصفت بالبلاد بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله , و بطبيعة الحال لم ينظر سمو الشيخ سالم العلي لهذا الموقف بعين الرضا , أيضا يُعتبر جاسم الخرافي المنافس اللدود للنائب أحمد السعدون على رئاسة مجلس الأمة

.

...

أما النائب أحمد السعدون فهو زعيم التكتل الشعبي في مجلس الأمة الكويتي و الذي يمارس من خلاله دور المعارضة , و قد تعرضت صورته للإهتزاز نتيجة لمواقفه الأخيرة , فقد كانت بعض مواقفه الأخيرة بعيدة عن مواقف بقية نواب كتلته , خصوصا في التصويت بالموافقة على خطة التنمية التي جعلته يظهر كـ حليف للشيخ أحمد الفهد , و هذا ما لمز له البعض بعد التصويت على اللجان المؤقته في إفتتاح دور الإنعقاد الحالي , خصوصاً بعد تهديد تكتله بإستجواب وزير المالية في حال موافقة الحكومة على بيع حصتها في شركة زين , و لا ننسى هنا موقف النائب السعدون و تكتله المؤيد لتعديل قانون غرفة التجارة

.

.

.
أما غرفة التجارة فهي العرين الأمين لرئيسها السيد علي الغانم , و قد تعرضت الغرفة لهجوم مكثف في الأسابيع الماضية من قِبل جريدة الوطن كـ رد فعل مباشر على قيادة النائب مرزوق الغانم و جريدة الراي لهجمة كاسحة على الشيخ طلال الفهد و موقعه الرياضي , و قد فتح الهجوم على غرفة التجارة الباب لدخول طرف آخر في النزاع و هو بعض نواب مجلس الأمة بقيادة النائب حسن جوهر الذي يطالب بتعديل قانون الغرفة

.

.
و قد أثار هذا الهجوم على الغرفة العائلات التجارية العريقة و التي تمثلها جريدة القبس و الجريدة لصاحبها النائب السابق محمد الصقر , و بالرغم من وجود خلاف قديم بين الصقر و الخرافي من جهة , و بين الصقر و علي الخليفة من جهة أخرى , إلا أنه في هذه المعركة إنضم الى فريق التجار حفاظاً على إرثه العائلي , خصوصا و أن العائلات التجارية العريقة لا تتأمل الحصول على الكثير من خطة التنمية , فهي لا ترتاح بتاتاً لتوجهات الشيخ أحمد الفهد الذي يلمح دائما الى إيجاد آليات حكومية لتمويل مشاريع التنمية و إنشاء شركات حكومية للمشاريع الإسكانية و غيرها , أي أنه يهمش دور البنوك المملوكة لهذه العائلات العريقة
.
و قد واجه التكتل التجاري الهجوم على الغرفة بثلاثة وسائل , الوسيلة الأولى هي تكثيف الراي هجومها على طلال الفهد و النواب المؤيدين لتعديل قانون الغرفة , الوسيلة الثانية هي قيام النائب مرزوق الغانم بالهجوم على الوطن و صاحبها على الخليفة في مجلس الأمة , أما الوسيلة الثالثة فهي تهديد النائب صالح الملا بتقديم إستجواب لرئيس الوزراء على الملف الرياضي

.

.

.
و بالرغم من عدم وجود ردود أفعال شخصية لرئيس الوزراء – حيث أنه دائم السفر – إلا أن معرفة توجهاته تتم من خلال رصد وسائل الإعلام الموالية له كجريدة الدار و قناة العدالة , و هذه الوسائل شنت حرب شعواء على غرفة التجارة و النائب مرزوق الغانم و الخرافي في وقت سابق
.
الخلاصة هي أن الخلاف على صفقة زين هو قمة جبل الجليد , و لهذا الخلاف جذور عميقة , أعلم بأن كل هذه الأطراف تحاول إستمالة الجماهير و الرأي العام لصالحها من خلال الترويج لمواقفها تحت مظلة الوطنية و تطبيق القانون و مباديء العدالة , إلا أن الحقيقة المرة أن لكل هذه الأطراف مواقف و مصالح متناقضة يسهل على السياسي المتابع سردها في وقت الحاجة
.
نعم لكل هذه الأطراف خلافات فرعية مع بعضها البعض إلا أن الظروف ساهمت في تحزب الفرقاء في معسكر واحد من أجل مواجهة المعسكر المنافس , فمعسكر سمو الشيخ سالم العلي و أحمد السعدون لم يكونا في يوم من الأيام حبايب الشيخ علي الخليفة و الشيخ أحمد الفهد , إلا أن كسر شوكة مجموعة الخرافي إقتصادياً و سياسياً أولى بالنسبة لهم من خلافاتهم القديمة , أيضا محمد الصقر ليس الحبيب الأوحد لمجموعة الخرافي و صهرهم علي الغانم , إلا ان المحافظة على مكانة التجار و غرفتهم أولى بالنسبة له في هذه المرحلة
.
أما بالنسبة لنتائج هذه الحرب , فعلينا تقسيمها الى نتائج خاصة بصفقة زين , و نتائج عامة للمعركة على جميع الأصعدة
.
و قبل الدخول في تحليل النتائج المعركة علينا توضيح تشابك علاقات و مصالح جميع الأطراف مع بعضها البعض , و المهم هنا أن كل الأطراف على علم و دراية بذلك , أيضا نحن مقبلين على إجازة طويلة بمناسبة عيد الأضحى المبارك , مما يفسح المجال لتدخل العقلاء من الطرفين لإصلاح ذات البين , و أنا شخصيا أعتقد أن السيد جاسم الخرافي و الشيخ أحمد الفهد أذكى من التضحية بهذه العلاقات و المصالح التاريخية
.
الشيخ أحمد الفهد جريح بسبب دوام تجريح جريدة الراي بأخيه الشيخ طلال , أيضا هو جريح بسبب الندية التي يتعامل فيها النائب مرزوق الغانم مع أخيه طلال , و أعتقد أن جاسم الخرافي سيستخدم هذه الورقتين لتقريب وجهات النظر مع الشيخ أحمد الفهد
.
و الشيخ أحمد الفهد قادر على تطويع مجلس الأمة لإيجاد حل وسط لوضع غرفة التجارة , و هو قادر على كف أذى الوطن عن السيد علي الغانم و إبنه النائب مرزوق , و بالرغم من ذلك , إلا أني أشك في قدرته على إقناع تكتل الشيخ علي الخليفة و الشيخ سالم العلي بتسهيل مرور صفقة زين و إتصالات الإماراتية , خصوصا و أن مقابلة الشيخ خليفة و بيان شركة الفوارس تُظهر بأن ليس لديهم خط رجعة
.

.
فـ بالتمعن بمفردات بيان شركة الفوارس نجده أشرس بكثير من مفردات بيان شركة الخير على عكس العادة , فشركة الخير خاضت الكثير من المعارك الإعلامية بالسابق و كانت دائما هي الأشرس في الهجوم , إلا أن الحال تغير هنا , فالخصم يعرف جيداً نقطة ضعف خصمه و مدى حاجة مجموعة الخرافي للكاش , و هو لا يتردد في التركيز على هذه النقطة سواء في المقابلة التلفزيونية أو في صفحات الجريدة و قد لاحظت إختلاف مكان الإشارة الى هذه النقطة بين الوطن الورقية و الوطن الأنترنتية , أعتقد شخصياً أن إثارة هذه النقطة بالذات كانت طعنة عميقة في جسد مجموعة الخرافي الهدف منها هو التندر و الشماته , خصوصاً و أن الشيخ خليفة قال بالفم المليان أن صفقة إتصالات منتهية بالنسبة له
.
.

.

كما قلت سابقاً , الحل الوحيد لإطفاء شعلة الحرب هو عزل جميع القضايا و الخلافات الأخرى عن الخلاف على صفقة زين , و هذا العمل يحتاج الى جهد كبير , خصوصا و أن النزعة الإنتقامية متوفرة عند أغلب عناصر الطرفين , اما النتيجة النهائية فستكون عودة قوية جدا لمعسكر الشيوخ , بالطبع أنا لا أتوقع إفلاس الطرف الآخر أو تحطيم قدراته الإقتصادية , لكن إعادة توزيع الأدوار و التوازنات قادمة لا محالة , و هي تصب في كفة فريق الشيوخ , فالشيوخ اليوم يسيطرون على مجلس الأمة و لا أدل على ذلك غير نتائج التصويت على لجنة الشباب و الرياضة , أيضا يمتلك الشيوخ قوة إعلامية جبارة لا تضاهيها الراي و القبس و الجريدة

.

.

على الطرف الآخر فالعالم اليوم يمر بأزمة إقتصادية لن يتم التخلص من آثارها بسهولة , و أغلب المجاميع التجارية تعيش بين مطرقة تدني قيمة الأصول و سندان الديون و حلول مواعيد الوفاء بها , و الشيخ أحمد الفهد هو الوحيد الذي يملك طوق النجاة أمام هذه المجاميع , لذلك أقول مبروك للشيوخ فقد إنتصرتم في هذه المعركة

.

.

قد يسألني البعض عن دورنا نحن , الأغلبية الصامته في هذه المعركة , الإجابة هي لا شيء , ليس أمامكم ما تستطيعون فعله غير شراء النفيش و الطماشة على أحداث الأيام القادمة
.
كل عام و أنتم بخير , عيد أضحى مبارك