اقترب الوقت من الفجر , و بدأت خيوط النور تطل من بين ثقوب السواد , انها الحفرة السادسة و الأخيرة , وقف النوخذة بجانبها , و نظر حولها , فوجد البحار مطروحا على الأرض بالقرب من الشاطيء , فسارع النوخذة اليه , و مسح وجهه بماء البحر
.
فتح الشاب عينيه ليجد نفسه بين يد النوخذة , كان مشوشا و لا يرى بوضوح , قال بصوت مسحوب , الماء الماء , أنا عطشان , اسعفني يا هذا بالماء
.
و لكن اتفاقي معكم أن تجدوا لي الكنز أولا , ثم تحصلون على الماء و الطعام , و أنا غير قادر على كسر شروط هذا الاتفاق , قال النوخذة
.
جلس الشاب بصعوبة ثم قال , أرجوك يا سيدي , ما الذي ستخسره لو سقيتني الماء ؟
.
فرد النوخذة , سأخسر التزامي و احترامي لعقودي و اتفاقاتي , و أنت أيضا ستخسر التزامك و احترامك لعقودك , و هذا ليس من صالحك في هذه السن المبكرة
.
انا ملتزم بعقودي , و لكننا نمر الآن في حالة طواريء , فالمسألة مسألة حياة او موت
.
انا اكبر منك سنا و أعرف أن هذه ليست حالة طارئة , لا تخف يا بُني , ستعودون من حيث أتيتم , رد النوخذة , ما اسمك ؟
.
و ما شأنك في اسمي يا هذا , هل أنت سعيد بهذه اللعبة السمجة ؟ انا عطشان
.
سعيد ؟ لا أعتقد أني سعيد بما تعانيه , و لست حزيناً به أيضا , فالسعادة بشكل عام ليست حالة دائمة , هي حالة مؤقته جدا تصيب الانسان عند تحقق ما ينتظر وقوعه من أحداث ايجابية , أو حتى في حالة وقوعها من دون أن يتوقع , فلو سقيتك بالماء الآن ستكون سعيدا للحظات معدودة , ثم ستلتفت الى حاجاتك الأخرى و تطلب مني الطعام , فأعطيك قليلا من الطعام , ستدخل في حالة السعادة مرة أخرى , ثم ستلتفت الى حاجاتك الأخرى و تبدأ بالتفكير في كيفية الحصول عليها , هكذا أنت أيها الانسان , تسعى للحصول على حاجتك الملحة , ثم تشعر بالسعادة , و بعدها تبدأ اوتوماتيكيا بالبحث عن حاجة أخرى , و هكذا دواليك
.
بل أن الانسان يصل في بعض الأحيان الى حالة اشباع جميع حاجاته الأساسية , فينتقل من حالة البحث عن الحاجات الى حالة السعي لتطوير هذه الحاجات , كأن يسعى للحصول على نوعية أفضل من الأطعمة و الملابس و غيرها من الرفاهيات
.
ليست السعادة هي ما أبحث عنه , لكنني أبحث عن الرضا , و أنصحك بالبحث عنه أيضا , فالرضا بما لك و ما عليك هو أقصى مراحل الايمان و التسليم , و الانسان في العادة يكون راضيا بما لديه الى أن تقع عينه على ما عند غيره , و عندها تبدأ المقارنة , ليشعر بأن ما عند غيره أفضل مما عنده , فيبدأ بسؤال الأرض و السماء عن سبب تفضيلهما غيره عليه ؟ و يستسلم بعدها للشعور بالظلم و عدم العدالة , ثم يتحول شعوره السابق بالرضا الايجابي الى خمسة و سبعين شعور سلبي كالحسد و البغض و الحقد اتجاه الآخرين , لا لشيء , الا لأنه يعتقد بأن ما عندهم أفضل من ما عنده
.
فالأب راضٍ بأبنائه , الى أن يرى أبناء أخيه الأكثر تفوقا من ابنائه , ليشعر بعدم الرضا من ما لديه , و الزوج راضٍ عن زوجته , الى أن تقع عينيه على جمال زوجة جاره , فيرمي الرضا جانبا و يتفرغ لاستعراض مساويء زوجته مقابل محاسنها , و العامل راضٍ بأجره الى أن يكتشف أجر زميله فيبدأ بالضجر و الاهمال بالعمل لشعوره بالظلم و عدم العدالة
.
آه
.
لقد تعبت منكم أيها البشر , أتعبتموني بتفننكم باتعاب انفسكم , و بتضييع جهود عقولكم في ما لا ينفعكم , تعجزون عن حل أصغر مشكلاتكم , و تجتهدون لحشر أنوفكم في مشكلات غيركم , تشهرون ألف سيف و عشرات المدافع على زلّات الآخرين , ثم تذرفون أنهار الدموع لأن الآخرين لم يسامحوكم على أخطائكم
.
عليك بالرضا يا بدر , عليك بالرضا يا بني
.
و هنا التفت النوخذة الى بدر فوجده طريح الأرض ينازع الموت , فذهب اليه , و قبّله على رأسه , أسدل أجفانه على عينيه , فخرجت روحه حالا , ثم حمله النوخذة و وضعه في حفرته , و أهال عليه التراب و قال
.
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ , وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ
.
ثم انصرف النوخذة الى الحفرة الأولى , فوجد فهد و قد فارق الحياة داخل حفرته , فأهال عليه التراب و قال
.
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
.
ثم توجه النوخذة الى الحفرة الثانية , و هناك وجد أحمد ميت بجانب حفرته , فكرر معه ما فعله مع رفاقه ثم قال
.
وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
.
و عند صالح وقف النوخذة برهة ليتأمل في وجهه المبتسم , فوضعه داخل حفرته و دفنه ثم قال
.
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
.
و عند وصوله الى حفرة علي , كرر النوخذة ما فعله مع أصحابه ثم ابتسم بلطف و قرأ
.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
.
و جاءت الحفرة الخامسة , عميقة جدا , ليس بها كنز , هو باسل فقط , يبكي مرتعبا من رؤية وجه النوخذة , فقد عرف من هو , و عرف سبب وجوده معهم , فقال باسل
.
اتركني أرجوك
.
لقد تركتك قبل ثلاثة أيام بين أمواج البحر يا باسل , ان الامواج هي من أوصلت جثتك الى هذه الجزيرة مع أصدقائك , فاترك هذا الجسد و تعال معي , ليس لدي المزيد من الوقت
.
لم يستجب له باسل , و لكنه أغمض عينيه فقط
.
فقبّله النوخذة على رأسه منتزعا روحه بدون ألم و قال
.
وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ , لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا , وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ .
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف ليكمل أعمال يومه الجديد
.
انتهى
.
فتح الشاب عينيه ليجد نفسه بين يد النوخذة , كان مشوشا و لا يرى بوضوح , قال بصوت مسحوب , الماء الماء , أنا عطشان , اسعفني يا هذا بالماء
.
و لكن اتفاقي معكم أن تجدوا لي الكنز أولا , ثم تحصلون على الماء و الطعام , و أنا غير قادر على كسر شروط هذا الاتفاق , قال النوخذة
.
جلس الشاب بصعوبة ثم قال , أرجوك يا سيدي , ما الذي ستخسره لو سقيتني الماء ؟
.
فرد النوخذة , سأخسر التزامي و احترامي لعقودي و اتفاقاتي , و أنت أيضا ستخسر التزامك و احترامك لعقودك , و هذا ليس من صالحك في هذه السن المبكرة
.
انا ملتزم بعقودي , و لكننا نمر الآن في حالة طواريء , فالمسألة مسألة حياة او موت
.
انا اكبر منك سنا و أعرف أن هذه ليست حالة طارئة , لا تخف يا بُني , ستعودون من حيث أتيتم , رد النوخذة , ما اسمك ؟
.
و ما شأنك في اسمي يا هذا , هل أنت سعيد بهذه اللعبة السمجة ؟ انا عطشان
.
سعيد ؟ لا أعتقد أني سعيد بما تعانيه , و لست حزيناً به أيضا , فالسعادة بشكل عام ليست حالة دائمة , هي حالة مؤقته جدا تصيب الانسان عند تحقق ما ينتظر وقوعه من أحداث ايجابية , أو حتى في حالة وقوعها من دون أن يتوقع , فلو سقيتك بالماء الآن ستكون سعيدا للحظات معدودة , ثم ستلتفت الى حاجاتك الأخرى و تطلب مني الطعام , فأعطيك قليلا من الطعام , ستدخل في حالة السعادة مرة أخرى , ثم ستلتفت الى حاجاتك الأخرى و تبدأ بالتفكير في كيفية الحصول عليها , هكذا أنت أيها الانسان , تسعى للحصول على حاجتك الملحة , ثم تشعر بالسعادة , و بعدها تبدأ اوتوماتيكيا بالبحث عن حاجة أخرى , و هكذا دواليك
.
بل أن الانسان يصل في بعض الأحيان الى حالة اشباع جميع حاجاته الأساسية , فينتقل من حالة البحث عن الحاجات الى حالة السعي لتطوير هذه الحاجات , كأن يسعى للحصول على نوعية أفضل من الأطعمة و الملابس و غيرها من الرفاهيات
.
ليست السعادة هي ما أبحث عنه , لكنني أبحث عن الرضا , و أنصحك بالبحث عنه أيضا , فالرضا بما لك و ما عليك هو أقصى مراحل الايمان و التسليم , و الانسان في العادة يكون راضيا بما لديه الى أن تقع عينه على ما عند غيره , و عندها تبدأ المقارنة , ليشعر بأن ما عند غيره أفضل مما عنده , فيبدأ بسؤال الأرض و السماء عن سبب تفضيلهما غيره عليه ؟ و يستسلم بعدها للشعور بالظلم و عدم العدالة , ثم يتحول شعوره السابق بالرضا الايجابي الى خمسة و سبعين شعور سلبي كالحسد و البغض و الحقد اتجاه الآخرين , لا لشيء , الا لأنه يعتقد بأن ما عندهم أفضل من ما عنده
.
فالأب راضٍ بأبنائه , الى أن يرى أبناء أخيه الأكثر تفوقا من ابنائه , ليشعر بعدم الرضا من ما لديه , و الزوج راضٍ عن زوجته , الى أن تقع عينيه على جمال زوجة جاره , فيرمي الرضا جانبا و يتفرغ لاستعراض مساويء زوجته مقابل محاسنها , و العامل راضٍ بأجره الى أن يكتشف أجر زميله فيبدأ بالضجر و الاهمال بالعمل لشعوره بالظلم و عدم العدالة
.
آه
.
لقد تعبت منكم أيها البشر , أتعبتموني بتفننكم باتعاب انفسكم , و بتضييع جهود عقولكم في ما لا ينفعكم , تعجزون عن حل أصغر مشكلاتكم , و تجتهدون لحشر أنوفكم في مشكلات غيركم , تشهرون ألف سيف و عشرات المدافع على زلّات الآخرين , ثم تذرفون أنهار الدموع لأن الآخرين لم يسامحوكم على أخطائكم
.
عليك بالرضا يا بدر , عليك بالرضا يا بني
.
و هنا التفت النوخذة الى بدر فوجده طريح الأرض ينازع الموت , فذهب اليه , و قبّله على رأسه , أسدل أجفانه على عينيه , فخرجت روحه حالا , ثم حمله النوخذة و وضعه في حفرته , و أهال عليه التراب و قال
.
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ , وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ
.
ثم انصرف النوخذة الى الحفرة الأولى , فوجد فهد و قد فارق الحياة داخل حفرته , فأهال عليه التراب و قال
.
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
.
ثم توجه النوخذة الى الحفرة الثانية , و هناك وجد أحمد ميت بجانب حفرته , فكرر معه ما فعله مع رفاقه ثم قال
.
وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
.
و عند صالح وقف النوخذة برهة ليتأمل في وجهه المبتسم , فوضعه داخل حفرته و دفنه ثم قال
.
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
.
و عند وصوله الى حفرة علي , كرر النوخذة ما فعله مع أصحابه ثم ابتسم بلطف و قرأ
.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
.
و جاءت الحفرة الخامسة , عميقة جدا , ليس بها كنز , هو باسل فقط , يبكي مرتعبا من رؤية وجه النوخذة , فقد عرف من هو , و عرف سبب وجوده معهم , فقال باسل
.
اتركني أرجوك
.
لقد تركتك قبل ثلاثة أيام بين أمواج البحر يا باسل , ان الامواج هي من أوصلت جثتك الى هذه الجزيرة مع أصدقائك , فاترك هذا الجسد و تعال معي , ليس لدي المزيد من الوقت
.
لم يستجب له باسل , و لكنه أغمض عينيه فقط
.
فقبّله النوخذة على رأسه منتزعا روحه بدون ألم و قال
.
وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ , لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا , وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ .
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف ليكمل أعمال يومه الجديد
.
انتهى