Thursday, April 28, 2016

أمير الرؤية... ورؤية الأمير!!


في لقائه على قناة العربية، يقول ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمذيع تركي الدخيل:

’’صار عندنا حالة إدمان نفطية... هذي خطيرة.. وهذي إللي عطَّلت تنمية قطاعات كثيرة في السنوات الماضية‘‘.

وأنا أتفق تماما مع سمو الأمير، إدمان النفط خطير، لكن إدمان الاستماع إلى ’’تطبيل المنافقين‘‘ أخطر بكثير، فهؤلاء المرتزقة آفة كل حاكم، ولذلك أعتقد بأن سمو الأمير لا يحتاج اليوم إلى شيء، بقدر الحاجة إلى أشخاص يقولون له رأيهم بصراحة، دون نفاق أو تسلق للحصول على شرف الانضمام إلى حاشيته، ومن هذا الباب أكتب هذا المقال، للتعليق على البرنامج الذي طرحه سموه تحت عنوان ’’رؤية السعودية 2030‘‘[1].

وقد يتساءل البعض، مالذي يجعل كاتب كويتي يهتم ويُعلِّق على ’’خارطة طريق‘‘ أو ’’رؤية‘‘ تختص بالمملكة العربية السعودية!؟

والإجابة على هذا السؤال هي أن المملكة العربية السعودية الدولة الأكثر تأثيراً على الكويت من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأن أي تغيير يحصل في المملكة سيؤثر مباشرة في الكويت سواء إلى الأفضل أو الأسوأ، ولذلك، فمن واجب كل محلل سياسي كويتي أن يتابع ’’رياح التغيير‘‘ التي تهب على دول الجوار عامة، والمملكة العربية السعودية خاصة.

أما عن أهمية الأمير محمد بن سلمان، فلا ينكر أحد بأن قرار تنصيبه المبكر ولياً لـ ولي العهد قد أصاب الجميع بالدهشة، خاصة وأننا لم نسمع أو نعرف عنه الشيء الكثير قبل تولي والده (الملك سلمان) سدة الحكم، وأعتقد أنه في حال سير الأمور في مسارها المرسوم وعدم حدوث اضطرابات، سيكون للأمير محمد بن سلمان دور محوري في المنطقة للخمسين سنة القادمة.

لذلك، فمن الضروري متابعة هذا الرجل وفهم شخصيته، حيث يُطلق عليه في السعودية لقب Mr. Everything أو السيد ’’كل شيء‘‘ على ذمة مجلة ’’بلومبيرغ‘‘ الأمريكية.

وقبل الدخول في صلب الموضوع لمناقشة ’’الرؤية‘‘، علينا التنويه بأن فهم هذه الرؤية وأسلوب الأمير ’’بن سلمان‘‘ في تسويقها يعتمد على سلسلة من الخطوات وليس خطوة واحدة، فقد بدأ الأمير بالتسويق لها عالمياً عبر مؤسسة ’’بلومبيرغ‘‘ العالمية من خلال مقابلة مكتوبة، ثم انتقل للتسويق لها محلياً وعربياً من خلال الظهور المتلفز على قناة ’’العربية‘‘ الفضائية، وتزامن ذلك مع نشر نص الرؤية الواقع في 40 صفحة تقريباً، ومن دون دراسة هذه الخطوات الثلاثة ستكون رؤيتنا للرؤية قاصرة.


الأمير محمد بن سلمان:

يبلغ الأمير محمد بن سلمان الحادي والثلاثين من عمره، وهذه سن مبكرة جداً على تولي المناصب القيادية بالدولة، وهذا ما جعلنا نشعر بأنه تمكن من الوصول إلى مجموعة المناصب المفصلية التي وصل إليها من باب مجاملة الوالد لـ ولده، لكن ظهوره الأخير وإعلانه للرؤية جعلنا نُغيِّر وجهة نظرنا، ونعتقد بأن تسلمه لهذه المناصب أتى من باب الـ’’حاجة الماسة‘‘ التي يشعر بها الوالد (الملك) للتطوير والتجديد الذي لا يمكن أن يتحقق إلا على يد ولده.

وربما يكون محمد بن سلمان فعلاً شخصية ’’استثنائية‘‘ بين شباب الأسرة المالكة في المملكة العربية السعودية، حيث أظهرت ’’الرؤية‘‘ انشغاله الوجداني بمصير وطنه، بينما نجد بقية الشباب من الشيوخ والأمراء ينشغلون بالتفاخر على بعضهم البعض بالقصور واليخوت والسيارات الفارهة!!

ومن خلال المقابلة، يمكنني القول بأن الأمير محمد يحيط نفسه بمجموعة من ’’النخب الأول‘‘[2] من رجال الاقتصاد والاستثمار الانفتاحيين، حيث شعرت في كثير من فترات المقابلة بأن المتحدث أمامي أحد مدراء شركات الاستثمار العالمية، وليس أمير سعودي يُفترض أن لا تتجاوز همومه إطار منافسة إيران على النفوذ وتسليك الأجندة الأمريكية في المنطقة.

ولا أخفيكم سراً بالقول أن الـ’’كاركتر‘‘ الاقتصادي للأمير محمد تفوق بمراحل على ’’كاركتر‘‘ الأمير الوليد بن طلال، الذي يُفترض أن يكون رجل الاقتصاد الأول في العائلة المالكة.

والملاحظ أيضاً، أن الأمير محمد يعاني من ’’هوس التنظيم‘‘، أو أنه Restructuring Freak، أي أنه يرى بأن ’’إعادة التنظيم‘‘ (أو إعادة الهيكلة) بحد ذاته جزء أساسي من حل المشكلة، وهو يستعين بأهم بيوتات الاستشارات العالمية للقيام بهذه المهمة.

وهذه صفة أساسية في القائد الناجح، حيث أن إعادة تنظيم الأمور وفك التشابكات تساعد على تحديد حقوق وواجبات جميع الأطراف، وتمهد للقائد آلية اتخاذ القرار السليم وفق التسلسل المنطقي الصحيح لحلحلة المشاكل المطروحة.

أما الأهم من كل ما سبق، فهو أن الأمير محمد بن سلمان، ظهر بمظهر الشخص القادر على تقبل النقد[3]، على عكس أبناء عمومته الذين لا يتحملون أقل درجات النقد، سواء كانت حول أداء المنتخب في مباراة لكرة القدم أو اتهام بالاستحواذ على أراضي الدولة، وهذه النقطة بالذات، هي ما دفعني لكتابة هذا المقال.


الرؤية وأسبابها الحقيقية:

الرؤية.. أو الـ Vision، عادة ما تكون ’’هدف مستقبلي‘‘ يضعه متخذ القرار على قمة هرم الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وتحديد هذه الرؤية في وقت مبكر يجعلها بمثابة ’’نقطة تحكيمية‘‘ أو Bench Mark يُقاس عليها كل القرارات التابعة.

أي أنك عندما تضع رؤية تعتمد على هدف خفض نسبة البطالة من 10% إلى 5%، فإنك ستقوم بقياس كل قراراتك المستقبلية على هذا الهدف المحدد مسبقا، والقرار الذي يتناسب مع هذا الهدف ستوافق عليه، أما القرار الذي يتعارض معها فـ سترفضه على الفور.

وبالرغم من كل المحاولات التي تبذلها السلطات السعودية في التلطيف من أسباب حاجتها – المُلحة - إلى تطبيق هذه الرؤية، فإن السبب الحقيقي بالاستعجال بتطبيقها هو انكشاف هشاشة الوضع الاقتصادي للدولة خلال السنة الماضية، فـ تكاليف الحرب على اليمن، والتنافس مع المحور الإيراني من جهة، والمحور التركي/القطري[4] من جهة أخرى، استهلك ميزانية المملكة واحتياطياتها النقدية، وجاء ذلك في فترة حساسة انخفضت فيها أسعار برميل النفط إلى أقل من 30 دولارا أحيانا[5].



وبذلك تعرضت الميزانية إلى عجز يقارب الـ 200 مليار دولار (60 مليار دينار كويتي تقريبا)، ويقول المستشار الاقتصادي للأمير محمد بن سلمان عن هذه النقطة[6]:

’’المملكة تتجه مسرعة نحو الإفلاس. وفق مستويات الإنفاق الأخيرة في أبريل، من المتوقع أن تفلس المملكة العربية السعودية في غضون عامين فقط، في أوائل عام 2017، هكذا يقول الشيخ. وتجنبًا لحدوث تلك الكارثة، خفض الأمير الميزانية بنسبة 25 بالمئة‘‘.

ويضيف المستشار:

’’أخمن أن هناك ما يقرب من 80 إلى 100 مليار دولار من الأموال المهدرة في كل عام، أي ما يقرب من ربع الميزانية السعودية بأكملها‘‘.

ومن أجل التمكن من سد هذا العجز وتصريف العاجل من الأمور، اضطرت المملكة اليوم للاقتراض وتخفيض مصاريف الدعم على الكهرباء والماء والوقود، وستضطر في المستقبل إلى تطبيق الرؤية المستقبلية التي هندسها الأمير محمد بن سلمان وفريقه الاستشاري، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط.




والغريب في الأمر، أن هذه الأسباب ظهرت بوضوح في رسالة الأمير العالمية عبر ’’بلومبيرغ‘‘، لكنها لم تظهر بنفس الوضوح في مقابلته على قناة ’’العربية‘‘، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف ستتمكن الرؤية من تحقيق هذه الأهداف!؟


رؤية السعودية 2030:

تعتمد الرؤية المستقبلية التي طرحها سمو الأمير محمد بن سلمان على ثلاثة محاور أو مُرتكزات رئيسية، وتهدف كل منها في حال نجاح تطبيقها إلى تنويع مصادر الدخل أولا، وبالتالي تخفيف الاعتماد على النفط ثانياً:

المحور الأول: العمق العربي والإسلامي للمملكة العربية السعودية كونها حاضنة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة.

المحور الثاني: استغلال القدرات الاستثمارية للمملكة العربية السعودية، سواء القدرات الذاتية أو القدرات الجاذبة لرؤوس الأموال الخارجية.

المحور الثالث: استغلال موقع المملكة الجغرافي كنقطة اتصال بين ثلاثة قارات (آسيا وأوربا وأفريقيا).


وقد تم طرح العديد من الأفكار والخطط والمشاريع التي سيساهم كل منها في تحقيق أهداف هذه الرؤية عبر إحدى المحاور السابقة، والجدير بالذكر، أن لهذه المحاور جوانب استراتيجية وسياسية أيضاً بالرغم من عدم التركيز عليها، وسأحاول هنا شرح أهم هذه الأفكار والخطط والتعليق عليها، مع الربط بينها وبين ما تم طرحه في الكويت سابقا:


صندوق الاستثمارات العامة:

حسب فهمي (المتواضع)، بأن الحكومة السعودية أسست صندوق استثماري أطلقت عليه اسم ’’صندوق الاستثمارات العامة‘‘، وستقوم الحكومة بتحويل ملكية مساحات شاسعة من العقارات المملوكة للدولة إلى ملكية هذا الصندوق، وقد تصل قيمة هذه العقارات إلى ترليون ريال سعودي (80 مليار دينار كويتي)، أيضاً ستقوم الحكومة بتحويل ملكية ما نسبته 5% من شركة أرامكو النفطية إلى هذا الصندوق.

وهذا ما سيجعل قيمة الأصول التي يديرها هذا الصندوق تتجاوز الـ 2 ترليون دولار (600 مليار دينار كويتي)[7]، وهذا ما سيجعله الصندوق الاستثماري الأكبر بالعالم، وبعد أن تتحول هذه الأصول إلى هذا الصندوق، سيتم طرحه للاكتتاب العام، وسيتمكن المستثمرين من شراء حصصهم فيه، وبالتالي ستستفيد الدولة (التي تسيطر على الصندوق) من إدخال سيولة هائلة على ميزانيتها.



وللأمانة التامة، أعتقد أن هذه الفكرة ذكية، لكنها ليست عبقرية، فالأمير محمد حاول التسويق لها بالحديث عن ’’الشفافية‘‘ و’’تضخيم سوق الأسهم السعودي‘‘ و’’الانتقال من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على الاستثمار‘‘، لكن هذه الأهداف ليست ذات أهمية جوهرية، والهدف الأهم منها جميعا هو النجاح في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وإدخال مبالغ هائلة على خزائن الدولة.

أقول بأن هذه الفكرة ’’ذكية‘‘ لكنها ليست ’’عبقرية‘‘ أو استثنائية، فالكويت وأبوظبي وقطر يمكنها القيام بهذه الخطوة بسهولة من خلال خصخصة جزء من مؤسساتها النفطية وأملاك الدولة العقارية.

ولا ننسى بأن الدولة هنا ستتنازل عن جزء من ثرواتها الطبيعية وأصولها الاستراتيجية المستقبلية في مقابل الحصول على السيولة الحالية، أي أن السعودية ستبيع احتياطياتها النفطية الكامنة تحت الأرض مقابل الحصول على سيولة مالية آنية تساعدها على التحرك وتنويع استثماراتها العالمية.


البطاقة الخضراء أو الـ Green Card:

للأسف الشديد، وبالرغم من اعتماد دول الخليج على الوافدين بشكل أساسي في مختلف الأعمال والمهن، إلا أنها تتعامل مع هذه الفئة بطريقة ’’طاردة‘‘، فهي تتشدد معهم أمنياً وتعيق استقرارهم بالدولة من خلال منعهم من التملك العقاري وعرقلة عملية إحضارهم لعائلاتهم.

ولمواجهة هذه المشكلة، طرحت ’’الرؤية‘‘ فكرة إعطاء ’’البطاقة الخضراء‘‘ أو ’’الإقامة الدائمة‘‘ لبعض فئات الوافدين حسب الشروط المحددة، وسيتمكن الوافد الحاصل على هذه البطاقة من تأسيس الشركات والتملك العقاري في بعض المناطق مما سيساهم في استقراره بالبلد، وبالتالي استقرار أمواله أيضاً، وهذه العملية ستساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وزيادة معدلات الأمن في الدولة.

فعندما يتعامل الوافد مع الدولة على أنها ’’وطن‘‘، سيساهم في حفظ أمنها ونظافتها ومنشآتها.

وهذه فكرة ذكية طبقتها ’’دبي‘‘ في السابق وأنا أؤيد تطبيقها في الكويت أيضاً.


تحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز تجاري أو Business Hub:

هذه الفكرة تعتمد على عاملين رئيسيين:

1-     تطوير البنية التحتية للمطارات والموانئ وسكك الحديد والجسور والفنادق المهيئة لاستقبال رجال الأعمال.

2-     تسهيل إجراءات خدمة رجال الأعمال من إصدار التأشيرات وتأسيس الشركات وقوانين الضرائب.

ولكي لا نتعب أنفسنا بالشرح، يكفينا الإشارة إلى نموذج ’’دبي‘‘ التي طبقت فكرة الـ Business Hub في أزهى وأرقى صورها.

وهذه فكرة ذكية أيضا، لكنها ستحتاج إلى مجهود كبير لنقل المجتمع السعودي من الحالة ’’الطاردة‘‘ إلى الحالة ’’الجاذبة‘‘ للمواطنين والأجانب على حد سواء، فكيف سيتم جذب رجال الأعمال الأجانب إلى السعودية، والسعوديون أنفسهم يقيمون في دبي والبحرين هرباً من التزمت والانغلاق المجتمعي في السعودية.

فرجال (ونساء) الأعمال الأجانب لن يقبلوا بأن يزجرهم شخص رُبع متعلم لتغطية الوجه أو الخروج من السوق أو التوجه للصلاة!!

وربما.. ومن هذا الباب، بدأ الأمير محمد بن سلمان في الكشف عن توجهاته بتحرير المرأة السعودية في مقابل قصقصة أجنحة رجال ’’هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‘‘، أيضاً طرحت الرؤية وبشكل واضح فكرة الالتزام بـ’’حقوق الإنسان‘‘ ورفع مستوى المنشآت الترفيهية والسياحية من متاحف ومسارح، بل أنها نصّت بشكل واضح على دعم وجذب المؤلفين والمخرجين والفنانين!!

وهذه كلها أفكار جريئة وصادمة للمجتمع السعودي الذي ستحاول بعض فئاته مقاومة هذا التغيير سلميا وتصادمياً.



زيادة أعداد الحُجاج والمعتمرين:

تعتمد الجزيرة العربية منذ آلاف السنين على الحج كمصدر من مصادر الدخل والتنشيط الاقتصادي للدولة، وهو مصدر ثابت ومستقر بثبات واستقرار الإسلام والمسلمين، وقد اعتمدت ’’رؤية السعودية 2030‘‘ على فكرة زيادة مداخيل الدولة من الحج والعُمرة في نقطتين:

1-     تطوير البنية التحتية المتعلقة بالحج والعمرة من فنادق وسكك حديد مما سيجعلها قادرة على استيعاب أعداد أكبر من الحجاج والمعتمرين.

2-     تكثيف الأنشطة الترفيهية والسياحية والثقافية المرتبطة بالحج والعمرة مما سيجعل كل حاج ومُعتمر يستمتع أكثر في رحلته الروحانية وبالتالي يصرف المزيد من الأموال في هذه الرحلة.

وهذه فكرة ذكية بلا شك، بل أنها فكرة ’’ثورية‘‘ فجرها الأمير محمد بن سلمان عندما تساءل قائلاً:

’’معقولة إنك إنت قبلة المسلمين.. وأهم بلد إسلامي.. وما عندك متحف إسلامي في المملكة العربية السعودية!؟.. هل هذا يُعقل!؟‘‘.

ثم استرسل الأمير بفكرة تأسيس أكبر متحف إسلامي في العالم، ونحن لا نشك في قدرة المملكة وامتلاكها للمقتنيات التي ستجعل من هذا المتحف الأفضل في العالم، لكن المفارقة هنا هي أن الوهابيون من أتباع الملك المؤسس (عبدالعزيز) هم من حاربوا الآثار الإسلامية وقاموا بتخريب وتهديم مقدسات المسلمين من قبور وأضرحة ومواقع المساكن والغزوات وغيرها!!

وأعتقد أن طرح الأمير لهذه الفكرة، وبهذه الطريقة، فيها من الجرأة والثورة الشيء الكثير والذي سيجعله يتصادم مع أساطنة السلطات الدينية في المملكة.


تخفيض الإنفاق العسكري:

’’هل يُعقل.. إن 2014.. السعودية أكثر رابع دولة في العالم تنفق عسكرياً.. و 2015.. السعودية أكثر ثالث دولة في العالم تنفق عسكرياً.. وليس لدينا صناعة (عسكرية) داخل السعودية!؟‘‘.

’’عندنا مشكلة في الإنفاق العسكري.. مو معقول.. إن إحنا ثالث أو رابع أكبر دولة في العالم تنفق في المجال العسكري وتقييم جيشنا في العشرينات.. هناك خلل!!‘‘.

بهذه الكلمات القليلة، عبّر الأمير محمد بن سلمان عن استنكاره وسخطه الشديد على سياسات التسليح المتبعة في وزارة الدفاع السعودية على مر العقود الماضية!!

ويحق له ولنا أن نتساءل، كيف لجيش يُصرف عليه ما بين الـ 50 إلى 90 مليار دولار سنوياً أن يعجز عن تحقيق أي هدف استراتيجي أمام ميليشيات الحوثيين خلال سنة كاملة!؟ بالإضافة إلى التقاريرالعسكرية التي تؤكد ضعف القدرات العسكرية للجيش السعودي بالمقارنة مع الجيوش الأخرى!!

ويشدد تقرير ’’بلومبيرغ‘‘ على أن ’’أصبحت العقود (العسكرية) أكبر مصدر للفساد‘‘، أي أن هذه الأموال الطائلة التي كانت تُصرف على تسليح الجيش السعودي ذهبت في الأرجح على شكل عمولات وكوميسيونات لأطراف متعددة، وفي ذلك انتقاد غير مباشر من الأمير محمد لـ عمه الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان يسيطر على وزارة الدفاع السعودية منذ العام 1962 إلى 2011!!

ولو كان الناطق بالفقرات السابقة شخص آخر لتم اتهامه فوراً بالعمالة لإيران والصفوية والخروج على ولي الأمر!!

القنبلة الأخرى التي فجرها الأمير محمد، إعلانه عن تخفيض الإنفاق العسكري الخارجي بنسبة 50%، وفي هذا الإعلان ضربة مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعتمد على هذه المبالغ سابقاً، خاصة وأن هذا الإعلان يأتي في وقت يتكالب فيه مرشحوا الرئاسة الأمريكية على تهديد المملكة العربية السعودية سواء بالمطالبة بمزيد من الأموال أو فتح باب التحقيق في علاقة أطراف سعودية بأحداث 11 سبتمبر.







أعتقد، بأن النقطة الأخيرة بذاتها، ستجلب على الأمير الشاب الكثير من العداوات والمشاكل سواء من مؤسسات الدولة العميقة في المملكة أو من خارجها، ويمكنني القول بأن طرح هذه ’’الرؤية‘‘، حتى وإن لم تتحقق، كان بحاجة إلى شجاعة من الأمير محمد بن سلمان، فالتغييرات الجذرية لا تأتي بسهولة، ولنقل بأنها لا تأتي بلا ثمن، وقد يكون الثمن باهظا في هذه الحالة.

في نهاية المطاف، وبالرغم من تعاطفي مع الأمير محمد بن سلمان وتأييدي لأغلب ما جاء في رؤيته، إلا أنني سأكون صادقا بالقول بأن المملكة وبقية دول الخليج لن تتمكن من التخلص من لعنة الاعتماد على النفط في الإطار الزمني المتوسط، أو سنة 2020 كما أعلن الأمير، فالمسألة هنا لا تعتمد على الحماسة والتحفيز، لكنها تحتاج إلى عمل وجهد وتغييرات أشبه بالصعقات الكهربائية!!



لكن عدم تحقيق هذا الهدف، لا يعني فشل ’’الرؤية‘‘، فأغلب ما جاء فيها من تغييرات مستحقة ستنقل المملكة العربية السعودية ودول الخليج معها إلى مكانة أفضل مما هي عليه اليوم، ويبقى ذلك مرهونا في التفات حُكام الخليج إلى شعوبهم، والإيمان بأن الدلال المادي لن يأتي بنتيجة إيجابية إن لم تصحبه نهضة ثقافية وتثقيفية تحول الإنسان الخليجي من ’’علّاقة ماركات‘‘ إلى كائن مفكر ومبتكر قادر على تحليل الأمور بموضوعية.

فللأسف الشديد، ساهم الحُكام بشكل مباشر في عمليات تجهيل الشعوب الخليجية، فأصبحت هذه الشعوب تتلذذ بالجهل وتطرب له وتحرض حكامها عليه كلما سنحت لها الفرصة، وأصبحت ترى في الممارسات الجاهلية بطولات وخوارق سوبرمانية وهمية، وعندما جاءت ساعة الحقيقة، وأصبح الحُكام مجبرين على العودة إلى التصرف بعقلانية، لم يجدوا شعوبهم قادرة على استيعاب المستجدات، فتورط الحاكم بشعب جاهل، وتورط الشعب بحاكم متعقل، والله ولي التوفيق!!




[1] كل علم يتجدد، وتظهر فيه نظريات جديدة، ما سأذكره في هذا المقال يعتمد بشكل أساسي على فهمي الخاص لعالم الاستثمار والمال والاقتصاد، وقد تفوتني هنا بعض الأمور المستجدة التي لا أعلم بها أو بكيفية عملها.
[2] Top Notch.
[3] يظهر ذلك من خلال انتقاداته غير المباشر للممارسات الإدارية في المملكة.
[4] تحدث وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم عن هذا الموضوع في مقابلة أجراها مع جريدة الـ Financial Times الإنجليزية.
[5] ساهمت المملكة العربية السعودية بشكل مباشر في تخفيض أسعار النفط لأهداف استراتيجية.
[6] الأستاذ محمد الشيخ، وهو خريج جامعة Harvard الأمريكية.
[7] يُعتقد بأن حجم الصندوق السيادي الكويتي يقارب الـ 170 مليار دينار كويتي تقريباً، أما الصندوق السيادي الإماراتي فيقترب من الـ 260 مليار دينار تقريباً.

Monday, April 18, 2016

إضراب النفط.. بين العدالة بالمساواة، والمساواة بالعدالة!!



ملاحظة أولى: لست ممن يتلذذ في الكتابة ضد حصول الآخرين على ’’لقمة العيش‘‘، حتى وإن كنت لا أرى بأنهم يستحقونها، فأنا أتمنى للجميع الاكتفاء والرضا المادي سواء قاموا بمجهود يستحق ذلك أو لا.
ملاحظة ثانية: ليس لي خبرة ’’فعلية‘‘ في طبيعة القطاع النفطي وقد تفوتني بعض التفاصيل هنا وهناك، لكن ما سأكتبه رأي فلسفي حول الموضوع.
ملاحظة ثالثة: موضوع التوظيف والرواتب بالكويت يستحق دراسات أعمق لتفكيكه وشرحه ويمكنني الحديث عنه من مختلف الجوانب التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والعملية، إلا أنني في هذا المقال سأحاول الاختصار قدر الإمكان وعدم الانزلاق نحو الإسهاب في تفاصيل التفاصيل.


 الكويت... مَشيَخة يعتمد ناتجها القومي (GDP) بشكل أساسي على تصدير النفط، وهي دولة ’’ريعية‘‘ توفر لمواطنيها جميع الأساسيات الحياتية (الطبابة والتعليم والسكن والعمل) دون فرض أي رسوم أو ضريبة تحاول من خلالها التعويض بشكل أو بآخر عما يتم صرفه، وقد أعطى التقادم الزمني لهذه التوليفة الريعية صفة ’’الاستحقاق‘‘، فأصبح الناس لا يقبلون بما هو أدنى منها، ويعتقدون بأن أي مساس بهذه المعادلة (غير العادلة) انتقاصا مباشرا لحقوقهم الأساسية.

وبما أن للكويت الريادة في تطبيق هذا النظام على مستوى دول الخليج العربية، وبما أن التجربة الكويتية كانت النموذج الذي تقتدي به هذه المشيَخات، قررت الأنظمة السياسية في هذه الدول استعارة هذا النظام الريعي من الكويت وتطبيقه في بلدانها، فأصبحت منطقة الخليج ودول الخليج العربية تُعرف بما يسمى بـ’’دولة الرفاه‘‘، أي أنها الدولة التي تُدلل مواطنيها وتضمن لهم حياة كريمة دون إرغامهم على القيام بالحد الأدنى للعمل والإنتاج.

وبالرغم مما سبق، فإن الأنظمة الخليجية فضلت عدم الاقتداء بالكويت من حيث تنظيم سُلطة اتخاذ القرار، فـ فضلت الإبقاء على آلية ’’الرجل الواحد‘‘، أو ما نسميه بالـ One Man Show، أي أن سلطة اتخاذ القرار النهائي تصدر من شخص واحد، وهو الأمير أو الملك أو السلطان في العادة، فـ أوامر القائد تُنفَّذ دون جدل أو نقاش، سواء كان قراره الدخول في حرب، أو فرض رسوم، أو احتكار بعض الخدمات، أو الاستيلاء على أراضي الدولة، وهذا ما حاول النظام ’’شبه‘‘ الديمقراطي في الكويت بالحد منه.

وبعيدا عن مشيخات الخليج ورفاهيتها، دعوني أصحبكم في جولة سريعة حول الأنظمة السيو - اقتصادية الحقيقية، ففي الحالات الطبيعية، لا تتمتع الدول بثروات طبيعية قادرة على تأمين كل بنود ميزانيتها، ولذلك لا تتوسع هذه الدول في توظيف مواطنيها، ولا تحتكر تقديم الخدمات الأساسية لهم، بل أنها تقوم في أغلب الأحيان بفرض ضرائب باهضة على كل من يعيش على أراضيها.

فبعد الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم إلى مدرستين رئيسيتين في الاقتصاد والسياسة، هما المدرسة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي، والمدرسة الرأس مالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية المُصنِّعة، ويمكنني القول بأن الفرق بينهما هو الآتي:

-        المدرسة الاشتراكية: ترى بنظرية ’’العدالة بالمساواة‘‘، أي أن تحقيق العدالة، يتطلب أن يتمتع الجميع بامتيازات متساوية، وبذلك نساهم في الحد من انقسام المجتمع إلى طبقات اقتصادية، وبالتالي تنعدم حاجة المجتمع للدخول في صراعات طبقية، وقد تطرف أصحاب هذه المدرسة بتطبيق النظام ’’الشيوعي‘‘، وهو مرحلة متقدمة من الاشتراكية، تتقلص فيها الملكيات الفردية، ويصبح فيها كل المجتمع يملك كل شيء.

-        المدرسة الرأس مالية: ترى بنظرية ’’المساواة بالعدالة‘‘، أي أن تحقيق المساواة، يتطلب أن يحصل كل فرد على المردود العادل مقابل ما يبذله من جهد، وبالتالي من يبذل جهد أكبر، سيحصل على مردود أكبر، وهذا ما سيؤدي إلى انقسام المجتمع إلى طبقات حسب الجهد والمردود.
وبالتالي يُدفع كل فرد بالمجتمع للقيام بمجهود أكبر، وإنتاج أكبر، للحصول على مردود مادي ومعنوي أكبر، وقد تسببت هذه الحالة الدافعة للتفوق والامتياز إلى الدخول في مرحلة متقدمة من الرأس مالية أُطلق عليها اسم ’’العولمة‘‘.

أما ’’العولمة‘‘، فهي ممارسة اقتصادية تسعى لتحقيق الهدف دون التقيد بقيود الحدود السياسية للدولة، ولتبسيط الأمور يمكن القول بأننا جميعا نمارس ’’العولمة‘‘ بشكل أو بآخر في حياتنا اليومية، فنحن نستعين بكم هائل من العاملين من خارج الحدود بسبب تدني الراوتب التي يقبلون بها، سواء كانت عاملة منزلية أو مندوب معاملات أو معلم شاورما!!

ونجد أن فائدة العولمة ترضي الطرفين، فالطرف المحلي يدفع أقل مقابل الحصول على نفس الخدمة، والطرف الأجنبي يحصل على مردود أكبر مما كان يحصل عليه في بلده الأم، وبالتالي، تتحقق أهداف الطرفين.


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما علاقة العولمة والرأس مالية والاشتراكية والدولة الريعية بموضوع إضراب العاملين بالقطاع النفطي الكويتي اليوم!؟


العلاقة تعود إلى العام 2011، فمع اشتعال موجات ’’الربيع العربي‘‘ إقليميا، أصيبت حكومات المنطقة بالهلع، وبدأت تغدق على شعوبها بالعطايا والمنح من كل صوب وناحية، وبذلك ارتفعت رواتب وامتيازات مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، وموظفو القطاع النفطي في قطر والإمارات بشكل خاص، وهنا بدأت المشكلة!!

فلأننا نعيش في عصر ’’العولمة‘‘، انتشرت أقاصيص حول انتقال بعض العاملين في القطاع النفطي الكويتي إلى الشركات النفطية القطرية والإماراتية، حيث أن الرواتب هناك ضعف الراتب هنا، وبما أن سعر برميل النفط كان يتجاوز الـ 100 دولار، وبما أن الحكومة كانت في أضعف حالاتها بسبب فضائح ’’الإيداعات‘‘ و’’التحويلات‘‘ و’’الميموني‘‘، بدأ موظفو القطاع النفطي الكويتي بالمطالبة بزيادة رواتبهم أسوة بموظفو الشركات القطرية والإماراتية!!


وبسبب التهديدات المستمرة بالإضراب، والدعم اللا محدود من المعارضة السياسية، خاصة وأنها صرّحت مرارا وتكرارا بأن هدفها الوحيد هو إسقاط الشيخ ناصر المحمد، اضطرت الحكومة للموافقة على زيادات رواتب القطاع النفطي على مضض، ووصلت هذه الزيادات إلى 66% بالمئة لبعض الشرائح الوظيفية، أي أن من كان يتقاضى راتباً قدره 1200 دينار، أصبح بين ليلة وضحاها يتقاضى 2000 دينار!!


وبطبيعة الحال، فتحت هذه الزيادة شهية بقية القطاعات الأخرى للحصول على زيادات مماثلة، أو التهديد بالإضراب كما فعل النفطيون، فرضخت الحكومة مرة أخرى لهذه المطالب، علما بأن هذه الزيادات في الرواتب أو ’’المردود‘‘ لم يقابلها أي زيادة في الجهد والعمل، ولم ترتبط بأي شكل من الأشكال بالأداء الوظيفي للعامل.


ومن سخريات الحياة السياسية في الكويت، أن أعضاء مجلس الأمة أجهضوا المحاولة الوحيدة لربط زيادة الرواتب بالأداء الوظيفي للعامل، وهي التي كان يقودها وزير التربية آن ذاك أحمد المليفي من خلال اقتراح ’’البونص‘‘ السنوي بدلا من زيادة عامة للجميع بلا تقييم ولا أداء!!


هكذا ارتفعت رواتب أغلب الموظفين الكويتيين دون ارتفاع الأداء الوظيفي أو الإنتاج بالعمل، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع سعر برميل النفط والتوقعات بوصوله إلى 150$، أما السبب الثاني فهو محاكاة الرواتب في الشركات القطرية والإماراتية!! وبالعودة إلى السببين علينا توضيح الآتي:

-        أسعار النفط:

رغم التحذيرات المستمرة من اضطراب أسعار النفط وعدم ضمان استمرارية ارتفاعه للأبد، إلا أن أشد المتشائمين تشاؤماً لم يكن يتوقع أن يصل سعر البرميل إلى 30 و20 دولار!! بل أن أسوأ التوقعات كانت تتوقع إمكانية وصول سعر البرميل إلى 75 دولارا!!

والسؤال هنا لموظفي القطاع النفطي المضربين عن العمل، إن كنتم ربطتم مطالبكم بالزيادات بسبب ارتفاع أسعار برميل النفط، أليس من المنطقي أن تتقبلوا التنازل عن الامتيازات الإضافية عند هبوط الأسعار!؟
فكل الشركات الخاصة تربط امتيازاتها الوظيفية بمعدل أرباح الشركة، وإن كنتم تعتبرون الشركات النفطية قطاع خاص، فعليكم القبول بتخفيض هذه الامتيازات بسبب هبوط أرباح الشركة.
أما إن كنتم تعتبرون أنفسكم تابعين للقطاع الحكومي الذي لا يتأثر موظفوه بالربح والخسارة، وتصل درجة الأمان الوظيفي فيه إلى استحالة الفصل عن العمل، وعدم ربط المردود المادي بتحقيق الأهداف، فلماذا تعتقدون بأنكم تستحقون رواتب أعلى بـ %40 إلى %60 من بقية موظفي القطاعات الحكومية!؟

-        رواتب شركات النفط القطرية والإماراتية:    
يتفذلك الكويتيون دائماً بالمقارنة ما بين الكويت والإمارات أو قطر، وللأسف تتسم هذه المقارنات دائما بالطابع المادي بأسخف درجاته، بل أن كمية التناقضات فيها تزكم الأنوف من عفونتها النتنة، فـ نفس الشخص الذي يمتدح دور قطر الإقليمي ينتقد مؤتمرات الكويت عندما تحاول أن تلعب دورا إقليمياً!!
ونفس الشخص الذي يمتدح مولات دبي يقيم الدنيا ولا يقعدها لو أنه سمع بأن الحكومة تنوي إعطاء أرضا لأحد التجار لتطويرها!!
ولأن السخافة سِمة أساسية في هذا الشعب، وجدنا بأن العاملون في القطاع النفطي يقارنون رواتبهم برواتب نظراؤهم في الشركات النفطية القطرية والإماراتية، دون المقارنة أيضا بأسعار السلع ومستوى المعيشة والإيجارات في هذه الدول!!
أو دون القبول بأن تتم مقارنة رواتبهم برواتب نظراؤهم في السعودية والبحرين وعمان أيضاً!!
أين الجهد أو الذكاء في مقارنة الرواتب عبر الحدود!؟ فكلنا يعلم بأن لكل دولة معدلاتها الخاصة في الغلاء والتضخم، وهي لا ترتبط (إجمالا)[1] بمستوى الغلاء والتضخم في الدول الأخرى، خاصة عندما ترتبط الحالة الاقتصادية بهذه الدول بقرارات ارتجالية من حكامها!!
فليس ذنب الكويت أن حاكم قطر أو الإمارات أو السعودية قرر فجأة أن يكرم شعبه بمنحة أو زيادة راتب أو أي من ذلك!!
فإذا كانت هذه المقارنات صحيحة، علينا أن نرفع أسعار البنزين ونضع رسوم على استخدام الطرق السريعة كما تفعل هذه الدول!!

لذلك، وبالعودة إلى الموضوع الأساسي، أجد أنني ملزم بالوقوف ضد هذا الإضراب، خاصة وأن أغلب مطالبات العاملين عليه تتسم بالرفاهية أو الـ Luxury وليس الحاجات الضرورية أو الـ Needs، فأين الضرر الحقيقي الذي سيصاب به الموظف في حال عدم حصوله على تذاكر سفر سنوية!؟ وأين الضرر الذي يقع عليه في حال عدم الذهاب إلى الدورات التدريبية الخارجية!؟ أو ركوبه الدرجة السياحية بدلاً من درجة رجال الأعمال!؟

وأين المشكلة في تخفيض ’’الزيادة‘‘ السنوية للراتب!؟ فهناك الكثير من موظفي الدولة الذين لا يحصلون على زيادة راتب سنوية من الأساس!! خاصة وأن أرباح الشركات النفطية انخفضت بسبب انخفاض أسعار برميل النفط!!

كل هذه المطالب، بالإضافة إلى الامتيازات الأخرى، لا تعدو كونها ’’إضافات‘‘ أو Extras وهي لا تهدد بشكل من الأشكال الحاجات الضرورية للموظف أو العامل، أما بالنسبة لمن يردد البروباجاندا السخيفة بأن خطوات الحكومة ستمهد للخصخصة، فهذا أسخف وأكذَب من أن يستحق الرد عليه.


بطبيعة الحال، أنا لا أدافع هنا عن الحكومة، او اسلوبها في التعامل مع الأزمة، فهي مساهم رئيسي في وجودها وتفاقمها منذ اليوم الأول، لكن الوقوف ضد الحكومة ومعارضتها شيء، وتعريض الكويت ومركزها الاقتصادي للخطر شيء آخر، خاصة عند العلم بأننا في نهاية الأمر مجرد مشيخة ’’ريعية‘‘، وأن رأس مالنا هالبرميل إللي ساتر علينا جدام الله وخلقه!!



[1] ترتبط معدلات غلاء المعيشة والتضخم بين الدول بطرق مباشرة أو غير مباشرة أحيانا، وربما رأينا تأثيرها بوضوح في دول اتفاقية اليورو حيث تسببت معدلات التضخم وغلاء المعيشة في دول بانتقال هذه المعدلات إلى الدول الأخرى، مما نتج عنه أزمات اقتصادية ضخمة كادت أن تتسبب بتفكيك هذه الاتفاقية وخروج اليونان منها.