و مما يزيد الاثارة في هذه العمليات – انتقال السلطة - هو عندما تسقط الأمور في خانة عدم الحسم و وجود الخيارات الشبه مفتوحة لهذه العملية كما كان الوضع في الكويت عام 2006
فالخيارات كانت مفتوحة نظريا رغم أنها كانت محسومة واقعيا لصالح فريق الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد -حفظه الله - و ذلك لتأكد جميع الأطراف الرسمية و الشعبية من عدم قدرة الشيخ سعد العبدالله – حفظه الله – من القيام بمهام الامارة و واجبات الحكم
و السؤال الذي يفرض نفسه هنا , ماذا لو تكرر الخلاف مستقبلا بين طرفين متساويين بالقوة؟ و ماذا لو كان الخلاف بين ثلاثة أطراف أو اربعة متساوين بالقوة؟ ماذا لو لم يتنازل أي طرف عن طموحه في الحكم؟ كيف سيتصرف مجلس الأمة؟ و ما هو عقاب الأطراف التي وقفت مع الفريق – أو الفرق – الخاسرة؟ و ما هو ثواب أو غنيمة حلفاء الفريق المنتصر؟ هل حدوث هذه العملية مع كل انتقال للسلطة عامل مساعد على استقرار و تطور الكويت؟ أم انه عامل سلبي يجعل الكويت تدور في دولاب لعبة الكراسي سابحة بعيدا عن ركب التطور و التقدم المستمر في دول الجوار
لا أخفي عليكم أن مجرد تخيل أو التفكير في هذه الصورة يجعلني أصاب بحالة رعب شديدة, فمشاعر الريبة و القلق التي صاحبت عملية انتقال الحكم لا تزال حية في ذاكرتي , مبايعة و تقبيل أيادي و بلوتوث و تصريحات و حروب نفسية و اشاعات استهلكت البلد و الناس لمدة اسبوعين فعليا , و سنوات نفسيا
و الآن لنتحدث عن معطيات الوضع الحالي و انعكاساتها
يحكم الكويت اليوم الشيخ صباح الأحمد الصباح - أطال الله في عمره – و هو سياسي محنك صاحب خبرة كبيرة في عالم السياسة المحلية و الدولية المتغير باستمرار, و الذي يحتاج الى تأقلم سريع باستمرار أيضا
و يتولى الشيخ نواف الأحمد الصباح – أطال الله في عمره – منصب ولاية العهد و هو رجل يتميز بالهدوء و المحبة من قبل الجميع
و هنا سأضطر لاثارة نقطتين مهمتين
النقطة الأولى هي أن عمر الرجلين يدور في فلك السبعينات مما يزيد احتمال تقهقر الحالة الصحية كالاصابة بأمراض الشيخوخة أو الوفاة لا سمح الله, و هذا سيرجعنا الى نقطة البداية أواخر فترة حكم الشيخ جابر الأحمد و الشيخ سعد العبدالله عندما كانا يصارعان أمراض الشيخوخة الى أن وقعت الفاس بالراس و دخلت الكويت في دوامة صراع الحكم سيء الذكر
النقطة الثانية هي عدم وجود رؤية أو اتجاه واضح للمرشحين أو المرشح لخلافة الشيخ نواف الأحمد رغم وجود كم كبير من التنبؤات و الاشاعات المتفرقة بين الحين و الآخر
من خلال تحليلي الشخصي لأحداث 2006 فانني أعتقد أن منصب الامارة لم يعد سهل المنال كما كان في السابق, فالمنصب يحتاج الى عمل جاد و استعداد مبكر للوصول اليه
أول هذه الاستعدادات هو تكوين علاقة وثيقة بين المرشح و جميع فئات الشعب بالاضافة الى عدم وجود شبهات كبيرة حول وضع المرشح المالي و عدم وجود قضايا مالية كبيرة تشوه ملفه السياسي, أهمية الشعب و ممثليه لعبت دور أساسي في تنصيب الأمير و من غير المستبعد أن تزداد أهمية هذا الدور في الانتقالات المستقبلية
ثانيا يجب على المرشح أن يتمتع بعلاقة قوية مع أكبر عدد ممكن من الأطراف المؤثرة في الأسرة الحاكمة , فاتفاق كبار الأسرة على المرشح له تأثير كبير في رأي الشعب, فهناك علاقة تأثير متبادلة بين الشعب و الأسرة
شخصيا, أعتقد أن المنافسة على منصب الامارة ستكون محصورة بين أبناء الشيخ أحمد الجابر – رحمه الله – و عدد محدود جدا من فرع السالم
و من المتوقع أن يكون توجه السلطة نحو تنصيب الشيخ مشعل الأحمد و من ثم الشيخ ناصر صباح الأحمد للقيام بالمهمة , أو أن يتم تجاوز الشيخ مشعل الأحمد و تنصيب الشيخ ناصر صباح الأحمد مباشرة لخلافة الشيخ نواف الأحمد
في الحالة الأولى فالأمر بسيط كون الشيخ مشعل من جيل الكبار و لن يتجرأ الشباب على منافسته, لكن في الحالة الثانية فمن غير المستبعد أن يكون للشيخ ناصر منافس أو أكثر ( أبناء الشهيد فهد الأحمد , أبناء الشيخ صباح السالم , ابناء الشيخ سالم العلي , ابناء الشيخ جابر الأحمد) على هذا المنصب
و من هنا فان مؤسسة الحكم اليوم مطالبة أولا بالاستقرار في اختيار الشخص المناسب لخلافة الشيخ نواف الأحمد – بعد عمر طويل انشاءالله – و ثانيا هي مطالبة بعمل الترتيبات المناسبة لتكون عملية الانتقال سلسة و تلقائية بلا تنافس أو زوابع تعصف بالبلد و تزرع القلاقل بين أهله
فعلى سبيل المثال لو تم اختيار الشيخ ناصر صباح الأحمد لخلافة الشيخ نواف الأحمد فان هذا الاختيار يعتبر منطقي جدا في ظل الأسماء المتداولة على الساحة اليوم, و يجب على مؤسسة الحكم اتخاذ كافة التدابير الاحترازية لمنع تكرار حدوث أي صراع أو تنافس ممكن أن يتسبب في خلق فتنة و بلبلة الكويت في غنى عنها, و المؤسف هنا أن بعض هذه التدابير ممكن أن تكون مؤلمة و مرّة قليلا الا أنها ضرورية للمحافظة على استقرار البلد في الوقت الحرج
و أنا هنا لا أود الدخول في تفاصيل هذه التدابير الا أنني أعتقد أنها ستتركز على سحب بساط النفوذ تدريجيا من أي عنصر يطمح لمنافسة حاكم المستقبل على منصبه, فالنفوذ ينمي الشعبية و الشعبية تكسب القوة و القوة تنمي الطموح و الطموح يلهب المنافسة. أيضا لا أستبعد لجوء السلطة لكسب ولاءات و عقد تحالفات مبكرة مع الأطراف المهمة في الأسرة – الغير منافسة على الحكم – استعدادا لتجنيدها في معسكر حاكم المستقبل أمام أي محاولة طارئة للنزاع و التنافس
و الخطوة الأخيرة و الأكثر أهمية هي البدأ بعملية تسويق مدروسة جيدا للحاكم الجديد, هذا سيكون موضوع المقالة القادمة انشاءالله