طلب مني بعض
الأصدقاء التعليق على موضوع "الاتفاقية الأمنية" بين دول مجلس التعاون
الخليجي، وبعد قراءة نص الاتفاقية المنشور في جريدة القبس تاريخ 11-2-2014 قمت
بتدوين الملاحظات التالية:
المقدمة:
الهدف المعلن
للاتفاقية هو التعاون في مكافحة الجريمة ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية في الدول
الأطراف.
المادة الأولى:
يكون التعاون في
هذه الاتفاقية وفقاً للتشريعات الوطنية – أو المحلية – لكل دولة.
المادة الثانية:
يكون التعاون في
ملاحقة الخارجين عن القانون دون التفرقة بين جنسياتهم، أي أن تطبيق التعاون سيشمل
المواطن والخليجي والعربي والأجنبي.
المادة الثالثة:
صياغة هذه المادة
غريبة وغير واضحة، لكن المفهوم بأن لكل دولة الحق في إطلاق صفة
"الجريمة" على الفعل المرتكب وفقاً لقوانينها المحلية، ولست متأكداً من
جزئية حق دولة في المطالبة بمواطن تابع لدولة أخرى في حال ارتكابه لفعل لا يعتبر
"جريمة" في دولته الأم، ولكنه يعتبر "جريمة" في دولة أخرى.
مثال، لنفترض بأن
القانون الإماراتي لا يعتبر التشبه بالجنس الآخر "جريمة"، لكن القانون
الكويتي يجرم هذا السلوك، فهل من حق الكويت مطالبة الإمارات بتسليم مواطن إماراتي
تشبه بالجنس الآخر في الإمارات؟ أو حتى مواطن كويتي تشبه بالجنس الآخر أثناء
تواجده في الإمارات؟ المسألة غير واضحة بالنسبة لي.
المادة الرابعة:
سيكون من حق كل
دولة طلب المعلومات الأمنية المتعلقة بمواطنيها أو المقيمين بها من الأجهزة الأمنية
الأخرى، وهنا لا تتحدث المادة عن طلب معلومات تتعلق بمواطني الدولة نفسها من
الأجهزة الأمنية الأخرى.
أي أن المادة
تعطي الحق للأجهزة الأمنية البحرينية بطلب معلومات حول مواطني مملكة البحرين
والمقيمين فيها من جهاز الأمن الكويتي، لكنها لا توضح إمكانية طلب الأجهزة الأمنية
البحرينية لمعلومات تتعلق بمواطن كويتي من الجهاز الأمني الكويتي.
المادة العاشرة:
تعطي هذه المادة
الحق للدولة بأن تطلب الدعم الأمني (الفعلي والميداني) من الدول الأخرى لمواجهة
الاضطرابات الأمنية.
وهنا علينا
الانتباه إلى الحالات التي ينطبق عليها وصف "اضطراب أمني"، وهل يمكن
اعتبار المظاهرات أو الاعتصامات الكبرى (كرامة وطن في الكويت واعتصام دوار اللؤلؤة
في البحرين) كحالة "اضطراب أمني" يجوز للدولة طلب الاسناد الخارجي فيها؟
المادة الرابعة
عشر:
تعطي هذه المادة
الحق للأجهزة الأمنية في الدول الأطراف بملاحقة المطاردين لديها داخل الحدود
البحرية للدول الأخرى، ويكون ذلك ضمن إطار التنسيق المشترك.
المادة السادسة
عشر:
تعطي هذه المادة
الحق للدول الأطراف، بمطالبة بعضها البعض، بتسليم الـ"أشخاص" المتهمين
لديها والموجودين في الدول الأخرى، ولم تفرق هذه المادة بين جنسية هؤلاء الأشخاص.
أي أن من حق
السلطات في المملكة العربية السعودية مطالبة الكويت بتسليم مواطن كويتي وُجهت إلى
"تهمة" في السعودية، ولكن المادة أيضاً تضع خط رجعة بأن هذه العملية تتم
وفق القوانين المحلية في كل دولة.
الخاتمة:
يجوز لأي دولة
طرف في هذه المعاهدة الانسحاب منها متى ما شاءت ذلك.
وباستعراض المواد
أعلاه، أرى بأن الهدف الحقيقي من هذه الاتفاقية هو "ترهيب" العناصر
المشاغبة في دول الخليج من إمكانية دفعهم لمواجهة أجهزة أمنية خارجية سواء بدعوة
هذه الأجهزة لدخول البلد، أو بإرسال المواطن المشاغب إلى الخارج للتحقيق معه بقسوة
لم يعتد عليها محلياً.
وأعتقد شخصياً،
بأن الاحتمالات الواقعية لتفعيل هذه الاتفاقية سيكون ضد المعارضة البحرينية (وهذا
ما حصل بالفعل من خلال دخول قوات درع الجزيرة للبحرين)، ويمكن استخدامها أيضاً مع
المعارضة الكويتية في حال تكرار أجواء مسيرات "كرامة وطن"[1]،
أو استخدامها ضد كوادر الإخوان المسلمين في حال انسياق السلطات في الكويت مع
التوجه الإقليمي في تحجيم الإخوان وقصقصة أجنحتهم، وخصوصاً في حال توجيه الأجهزة
الأمنية الإماراتية تهم "جدية" لعناصر الإخوان المسلمين في الكويت.
أما بالنسبة لمواجهة
الشيعة في المملكة العربية السعودية، فمن المستبعد أن تلجأ الأجهزة الأمنية السعودية
إلى طلب الدعم لمواجهتهم لقدرتها الذاتية على ذلك، أيضاً سيكون لهذه الاتفاقية دور
حاسم في السيطرة على مواطني دول الخليج المتورطين في القتال في سوريا حال قرارهم
العودة إلى بلدانهم، وهذا التوجه كان واضحاً من خلال قرار الملك عبدالله بن
عبدالعزيز بسجن كل سعودي يقاتل خارج المملكة.
من الناحية
السياسية، أعتقد أن الحكومة الكويتية ستتردد كثيراً في التوقيع على هذه الاتفاقية،
ويمكنها التملص من التوقيع عليها بعذر عدم موافقة نواب مجلس الأمة عليها، وسيكون
ذلك سهلاً على الحكومة والمجلس الحالي لكسب بعض الشعبية، وتفويت الفرصة على نواب
الشيخ ناصر المحمد في إيجاد سبب جديد لمهاجمة الحكومة واستجواب رئيسها.
وفي هذه الحالة،
يمكن لبقية دول الخليج التملص هي الأخرى من التوقيع على الاتفاقية بعذر أن الكويت
لم توقع، وبذلك تصبح مملكة البحرين الدولة الوحيدة التي ستوقع هذه الاتفاقية مع المملكة
العربية السعودية.
أما في حالة
توقيع الكويت عليها، أو توقيع بقية دول الخليج عليها، فمن المتوقع أن يكون التعاون
بينها بالحد الأدنى ويخضع دائماً لمزاجية الأجهزة الأمنية المحلية في التعاون مع
طلبات الأجهزة الأمنية الشقيقة، وستستخدم الاتفاقية فقط كأداة "ترهيب"
للعناصر المشاغبة في كل دولة.
حكمت بذلك من
خلال معرفتي السابقة بفشل الأجهزة الأمنية في التنسيق فيما بينها في الدولة
الواحدة، فما بالك والتنسيق سيكون مع جهاز أمني خارجي، أيضاً للأنظمة الخليجية
تاريخ حافل في عدم الالتزام بالاتفاقيات التعاونية.
وربما لم يكن
هناك أي مبرر لعودة ظهور هذه الاتفاقية ونقاشها في الكويت (بعد أن رفضتها سابقاً) لولا
طرح رموز المعارضة لفكرة "الكونفيدرالية الخليجية" التي كان يسوِّقها الدكتور عبدالله النفيسي، بل أن هؤلاء (المغفلين) أيدوا جميع بنود هذه الاتفاقية
بشكل غير مباشر من خلال مطالبتهم السابقة بإرسال القوات الكويتية للتدخل في
البحرين ضمن قوات درع الجزيرة.
والغريب في الأمر،
أن دجل هؤلاء جعلهم لا يخجلون من الخروج علينا للتنظير حول خطورة هذه الاتفاقية!! بل
أنهم يخططون لإعادة إحياء حراكهم الميت من بوابة العودة لمعارضة الاتفاقية
الأمنية!! فأين كانت "سيادة" الشعب البحريني عن الحربش عندما عرض الذهاب
إلى البحرين مشي للمشاركة في قمعه!؟ وأين كان "ضرر الاتفاقية" عن خالد
السلطان عندما عبّر عن خجله من عدم إرسال القوات الكويتية للبحرين!؟ وأين كانت
"الدولة البوليسية" عن "حدس" عندما طالب الناطق الرسمي باسمها
بفتح الحدود للذهاب إلى البحرين لقمع مواطنيها!؟
بل أين كان تحويل
الخليج إلى "سجن كبير" عن الطبطبائي عندما كان ينادي بدولة خليجية واحدة
مركزها السعودية!! ولا داعي هنا للتذكير بترحيب محمد هايف بقوات "درع الجزيرة"
في الكويت لقمع من يعبث بأمنها[2]!!
فبالله عليكم،
كيف سيأتي هؤلاء اليوم لمعارضة الاتفاقية التي طالبوا بتطبيق بنودها على الشعوب
الأخرى!؟ بل أنهم لم يخجلوا من استجواب رئيس الوزراء (الأسبق) لأنه لم يخضع
لمطالبهم في تنفيذ ما يرفضونه (اليوم) من شروطها!! فبأي وجه سيخرجون لرفض
الاتفاقية وحشد جماهيرهم ضدها؟ وبأي اذن ستستمع الجماهير لهذه الخطابات وتتفاعل معها؟ وبأي
وجه سنحترم أنفسنا ونحن مرة تلو الأخرى نكرر أخطاؤنا!؟ فهل يضحكون على أنفسهم أم نحن نضحك على أنفسنا!!؟
[1] قد تحاول المعارضة إحياء هذه المسيرات في حال
عودة الشيخ ناصر المحمد إلى المشهد السياسي بشكل رسمي كـ ولي للعهد في عهد الشيخ
نواف الأحمد.
"من يهدد بإسقاط دولة البحرين في المستنقع الإيراني نقول له تخسا وتعجز..
والله لو مشينا على أرجلنا من هني للبحرين".
أما النائب السلفي خالد السلطان فقال:
"تعرفون ليش رجعت القوات الكويتية.. لأن في قلة يمثلون جزءا من الشعب
الكويتي هددوا الحكومة وقيادتها... إحنا نقول.. أخجلتونا ووضعتونا في وضع ما نقبله
كشعب كويتي... وين صوت الـ 85% من شعب الكويت!؟ ما لهم حسبة عندكم!؟".
وبدوره قال النائب الدكتور فيصل المسلم:
"أعلن باسم أهل الكويت... أن موقف الحكومة الحالي لا يمثل أهل
الكويت.. إنما حكومة الكويت ورئيس وزرائها هو يمثل نفسه وحكومته... لا بد من وحدة
حقيقية بين دول مجلس التعاون... لماذا الشيخ ناصر المحمد يزور إيران كل سنة وترك
أو كل شهر وترك؟ لماذا الشيخ ناصر المحمد لا يستطيع أو لا يُراد له أو غير مرغوب
أن يزور السعودية؟".
أما النائب وليد الطبطبائي فقال:
"إذا كان الخليج يرسل جيش وقوات... فناصر المحمد يرسل ممرضين وممرضات
للبحرين... هل البحرين بحاجة إلى ممرضات؟... نحن ندعو من هذا المكان إلى وحدة
خليجية.. إلى كيان خليجي واحد.. ندعو إلى دولة خليجية واحدة... يكون مركزها
المملكة العربية السعودية... وتحتفظ كل دولة بعناصرها ونظامها الداخلي ويكون لهذه
الدولة الجيش الواحد والخارجية الواحدة.."
وأكمل:
ليت المتظاهرين في البحرين يعبرون عن رأيهم فقط.. هم "قطعوا الطريق وطالبوا
بتغيير النظام وطالبوا بجمهورية بدلاً من الملكية... وقاموا بالاستيلاء على مرافق
مثل المستشفيات وعطلوا مصالح الناس في تسكير الطرقات وغيرها.. فضلاً عن الاعتداء
على الشرطة والاعتداء على المواطنين هناك والمقيمين وكل هذا.. يطالبون بالدفاع
عنهم... الدفاع عن الفوضى لا يجوز.. لا يجوز الدفاع عن الفوضى".
وقد أعلنت "الحركة الدستورية الإسلامية" على لسان ممثلها أسامة
الشاهين: "من حق مملكة البحرين.. بل من واجب مملكة البحرين.. أن تستعين بقوات
"درع الجزيرة" لحماية نظامها وشعبها ومؤسساتها... نحن معها ولن نخذلها..
وإخوانكم في الحركة الدستورية الإسلامية في مقدمة الصفوف، فافتحوا الحدود أيها
الحكومة".
وبين ترديد الحضور لصيحات التكبير وصيحة "الشعب يريد إرسال
الجيش" رحب النائب محمد هايف بقوات "درع الجزيرة" قائلاً:
"من يدعي اليوم وتوسوس له شياطينه أن "درع الجزيرة" ممكن أن
يستخدم في الكويت... نقول أهلا ومرحباً.. ليستخدم درع الجزيرة حتى في الكويت إذا
كان هناك من يريد العبث بأمن البلاد... فأهلاً ومرحباً بدرع الجزيرة.. يُستخدم في
البحرين ويُستخدم في الكويت ويُستخدم في المملكة.. فنحن لا نخاف من أبنائنا في درع
الجزيرة.. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يسمعها رئيس الوزراء... الشعب نعم يريد إرسال
الجيش".
المصدر: محمد اليوسفي، الكويت من التحرير إلى الاختلال، ص228