Wednesday, January 27, 2010

مجلس الأمة , فساد رقابي و إفساد تشريعي - 6

لم أكن في حقيقة الأمر أود أن تطول السلسلة الى هذا الحد , لكني أحسست بالخجل من ترك الموضوع دون طرح بعض الاجتهادات كحلول مقترحة للمشكلة , لذلك سنحتاج في البداية الى عرض المشكلة و من ثم تحديد الأطراف المعنية بها
.
بطبيعة الحال لا تُشكل كل القروض مشكلة , لكن المشكلة في القروض التي يتعاقد فيها المواطن مع البنك بـ شروط معينة , و من ثم يتجاوز أحد الطرفان هذه الشروط كأن يتخلف العميل عن الدفع أو أن يبالغ البنك في تغريم العميل و التلاعب في الفائدة مما ينتج عنه الاحتكام للقضاء و فرض العقوبة على أحدهما
..
و عندما تزداد أعداد هذه الحالات فمن الطبيعي أن تتحرك الحكومة الرشيدة و المجلس الموقر لإيجاد حلول للمشكلة , لكن المؤسف في الأمر أن الموقر و الرشيدة في وادي , و العالم كله في وادي آخر , فالحلول المطروحة كانت قص و لزق و تبدأ من منتصف الطريق ثم تتوقف قبل أن تنهيه , أما رؤيتي الشخصية للحلول فهي تنحصر في أربع أطراف
.
الطرف الأول , المواطن المقترض
.

قلنا في السابق بأن الاقتراض بحد ذاته لا يعيب أحد , لكن العيب في سبب الإقتراض ؟ و ما هي المؤشرات التي ترسلها هذه الأسباب ؟
.
من خلال خبرتي السابقة في البنوك أستطيع أن أصدر حكم عام بأن الكثير من المقترضين يقترضون لأسباب كمالية ليست ضرورية , و ما عليك الا أن تزور أحد معارض سيارات المرسيدس و البي أم دبليو و البورش لتتضح أمامك ملامح شخصية المواطن الكويتي الإستهلاكية الغائبة تماما عن ثقافة الإدخار , فالكويتي يصرف 1000 في حال كان دخله 800 , و يصرف 2000 في حال كان دخله 1500 , ايضا يبالغ الكثير من المواطنين في تقديس المظاهر و عبادة الماركات , و هذا ما جعل مجتمعنا يُقيّم الإنسان على ما يلبس و ما يركب و أين يسافر , متجاهلا في نفس الوقت القيمة الفكرية و الإنسانية و الأخلاقية لهذا الشخص
.
و لهذا أعتقد بأن بداية الحل تكمن في محاربة و تحجيم ثقافة الإستهلاك و تقديس المظاهر عند المواطنين و إحلالها بثقافة جديدة هي ثقافة الإدخار و تقليل الإهتمام بالمظاهر الكمالية من خلال التركيز على المحتوى و الجوهر , و هذه الثقافة قائمة على صرف – استهلاك – 80% من الدخل الشهري و إدخار 20% لوقت الحاجة , و من المهم على الدولة أن تحرص على زرع هذه البذرة في مواطنيها منذ الصغر حتى تكون عادة أساسية لديهم في الكبر
.
أيضا علينا كـ مجتمع التوقف عن تقييم الناس حسب المظاهر و التركيز على إظهار التقدير و الإحترام لأصحاب الشهادات العليا و الإنجازات العملية ممن كافح و اجتهد , فهذا السلوك سـ يرسخ في أذهان أبناءنا الاهتمام في التحصيل العلمي و الثقافي بديلا عن الاهتمام في الشحاطة و الفشخرة
.
و لا يخفى على أحد أهمية إعادة برمجة المواطن على الإحساس بالمسؤولية الكاملة اتجاه تصرفاته و هذا الدور يتشارك فيه الجميع من حكومة و مجلس و مواطنين
.
الطرف الثاني , البنك المُقرض
.

من يقرأ هذه السلسلة سيعتقد بأني مدافع شرس عن البنوك التقليدية , لكن الواقع عكس ذلك تماما , فالحقيقة التي لا أتحمس للإفصاح عنها هي أنني أُفضل نظام تثبيت الفائدة الذي تمارسه البنوك " الإسلامية " على نظام الفائدة المتحركة بغض النظر عن إعتراضي على التسمية , فجميع البنوك تملك أداة غير مُفعلة و هي إدارة المخاطر التي تعمل على دراسة مسارات الإقتصاد العالمي و من ثم تكوين فكرة عامة عن تحركات أسعار الخصم و الفوائد المستقبلية للمرحلة القادمة
.
أما الطرف الثاني من معاملة الإقتراض فهو في الغالب إنسان ذو ثقافة مالية متواضعة و بالكاد يدير شؤونه الشخصية , لذلك هو غير قادر على حساب أو توقع اتجاهات أسعار الفائدة المستقبلية , و من هنا نجده يبرمج نفسه على المعطيات الحالية للقرض و لا يستطيع التعامل بـ مرونة مع تغيرات الفائدة المستقبلية , هذا ما يجعلني أتعاطف مع العميل و أقترح على البنوك تبني نظام جديد يتم من خلاله تحديد مساحة تحرك الفائدة على القروض الإستهلاكية
.
على سبيل المثال لو أن العميل اتفق مع البنك على قرض فائدته 6% , سيتفق الطرفان على أن هذه الفائدة تتحرك في حيّز 2% هبوطا و نزولا , فالفائدة القصوى ارتفاعا 8% , و الفائدة الأدنى نزولا 4% , و بذلك يستطيع العميل معرفة ما له و ما عليه فلا ينصدم أو يشعر بالتعرض للنصب و الإحتيال
.
أيضا على البنوك مراعاة الجانب الأخلاقي في تسويق سلعة القروض , فالمفروض أن يضع كل بنك على بابه تحذير صحي للعميل من عواقب الإدمان على القروض على غرار التحذير الموضوع على عُلب السجائر , نحن لا نعترض على قيام البنوك بالإقراض لكننا نعترض على استخدام أساليب التسويق الحديثة في إغراء العميل كـ وضع جوائز و سحوبات تساهم في سحب العميل لفخ الإقتراض و هو في غنى عنه
.
الطرف الثالث , الجهات الحكومية المُشرفة على هذه المعاملة
.
كان بـ ودي أن أمتدح الرشيدة و توابعها على أي شيء , لكن للأسف لم أجد ما يستحق المدح و الإشادة , فـ رشيدة نايمة في العسل كالعادة , و هي للأسف متخاذلة في تطوير أدواتها الرقابية و التشريعية على المؤسسات المالية بشكل عام و البنوك بشكل خاص , بل أن الأسوأ من كل ما سبق هو حرص رشيدة على عدم معاقبة العابثين في مدخرات الناس و أموالهم من شركات استثمارية و تمويلية
.
الحكومة أيضا راضية بتمثيل دور الكومبارس على الساحة الإقتصادية من خلال تكنيك ردود الأفعال و عدم المبادرة الى حل المشاكل قبل وقوعها , فلو لم يتكلم النواب عن القروض لما إلتفتت الحكومة لها , و لو لم يتكلم النواب عن البيئة لما إهتمت الحكومة بها , و لو لم يتكلم النواب التعليم لـ بقي الحال على ما هو عليه الى الأبد
.
لن أكون متفائلا هنا بلا سبب مقنع يدعو للتفاؤل الا أنني أتمنى أن تساهم المشاكل و القوانين الجديدة في تحسين الوضع , فالحكومة أمام خطة تنموية – خرطي – ستكلف الدولة أموالا طائلة و ستحتاج الحكومة لتفعيل أدواتها الرقابية لإنجاز هذه الخطة , أيضا سيساهم اقرار قانون لجنة سوق المال في تحسين قوانين التعامل بالأوراق المالية , بالطبع هذه مجرد تمنيات و لا نتوقع الكثير من رشيدة
.
الطرف الرابع , مجلس الأمة
.

مجلسنا الموقر لا يختلف كثيرا عن رشيدة , فهو أيضا ماشي على وصفة ردود الأفعال مع اضافة عنصر الأكشن و المفرقعات النارية لها , فالموقر شاغل الديرة في تحديد طبيعة الملائكة الذين يحق لهم دخول الجنة و كاشت في المواضيع المهمة المتعلقة بأرواح الناس
.
و الطامة الكبرى تحل عندما يقرر الموقر حل المشاكل بـ اسلوب رعاة الأغنام و شريطية الحراج المعتاد , حيث أن أعضاء الموقر مستعدين لنسف كل قوانين نيوتن من أجل عين أصوات الناخبين التعساء , فالأرض تصبح مسطحة , و الشمس لا تدور حول نفسها , و ألوان الطيف السبعة ليس لها وجود , لذلك أنا لا أتوقع الأفضل من الموقر , فـ تصويت أغلبية أعضاءه على قانون اسقاط فوائد القروض كانت كفيلة بإسقاط وقاره من عيني
.
في الختام أكرر ما بدأت به هذه السلسلة و هو أني أشعر بالأسى و الأسف على بلدي , وطني الذي أعلم أنه يستحق الأفضل , حكومة أفضل , مجلس أفضل , و الأهم من الاثنان شعب أفضل , فمراحل تطور قضية القروض تدق نواقيس الخطر أمام كل متفكر شريف يحمل هموم هذا الوطن و يتطلع لمستقبل أفضل لأبناء هذه الأرض , لا أخفي عليكم أن الأسابيع الماضية شهدت عدة نقاشات مع الأصدقاء حول موضوع الهجرة و الرحيل عن الكويت , فالوضع العام في البلد أصبح يستنزف طاقاتنا الفكرية و العملية في مواضيع تافهة لا يخرج منها الإنسان بفائدة , ان الوضع العام في الكويت يخيفني , يُخيفني على نفسي , يُخيفني من التحول الى إنسان سيء للإنسجام مع أهل هذا البلد
.
اللهم إني بلغت , اللهم فإشهد
.
انتهى

Monday, January 25, 2010

مجلس الأمة , فساد رقابي و إفساد تشريعي - 5

أعلم جيدا بأن من قرأ مقالات هذه السلسلة سيتساءل عن علاقة عنوانها " المجلس , فساد و إفساد " بمضمون السلسلة و الذي دار في محاور اقتصادية بحته و لم يتطرق لا من قريب أو بعيد لأعمال أعضاء مجلس الأمة الموقر , آمل أن تتم الاجابة على هذا التساؤل في هذا المقال
.
أعتقد أن مفهوم الفساد معروف للغالبية العظمى من الناس و لا حاجة لي للإطالة في توضيحه , فالفساد أنواع و أبسط أنواعه في كسر القانون و الشقلبة حوله كما يفعل الكثير من نوابنا الأفاضل , أي أن هناك قانون , و الفاسد يعتدي عليه و لا يُعاقَب على ذلك , أما الإفساد فهو خبيث كالسرطان , يتسلل الى قلب القانون و يمارس تخريبه من الداخل حتى لا يحتاج الفاسدين للتعدي عليه بعد الآن , فالقانون المُفسد راعي و حامي لهم و لفسادهم و من سيمكنهم من ممارسة فسادهم في وضح النهار و على رؤوس الأشهاد
.
و عند الحديث عن قضية القروض فإننا شرحنا في المقالات السابقة خلفيات هذه القضية التي عالجها مجلس الأمة المُفسد بقانون بوق و لا تخاف نمبر تو المسمى بقانون
إسقاط فوائد القروض , فالقانون يبدأ بتعريف فئة المستفيدين منه و هو العميل المقترض ليقول , هو كل مواطن من الأشخاص الطبيعيين عليه التزامات مالية أو رصيد مدينوية مستحق السداد لأي جهة من الجهات الدائنة وليس لديه أي ودائع مالية أو استثمارية أو أملاك غير السكن الخاص أو أصول ذات دخل مادي تفوق فيه التزاماته المالية
.
و السؤال أو الثغرة التي تطرح نفسها هنا ماذا لو كان العميل يكدس أمواله تحت المخدة و يحتفظ بها كاش في منزله ؟ كيف ستعرف الحكومة عن ذلك ؟ علما بأن لي تجارب شخصية في هذا المجال فأرجو عدم التقليل من شأن هذه الشبهة

.
ثم يُعرِّف القانون ما هي المديونية و يقول
هي الرصيد القائم للقروض الاستهلاكية والقروض المقسطة في تاريخ 14/12/2009
.

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا عن من حصل على قرض في 15-12-2009 ؟ و ماذا عن من انتهى من تسديد قرضه في 13-12-2009 ؟ و ماذا عن من لم يأخذ قرضا من الأساس ؟ ما هو المعيار الذي سيستعمله القانون للتفريق به بين هؤلاء و المستفيدين من القانون ؟ هل هي الحاجة ؟ أم الإحساس بالظلم ؟ أم الصراخ على قدر الألم ؟
.
ثم يعرف القانون الجهات الدائنة فيقول
هي البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة بنك الكويت المركزي
.

هنا أسأل , هل كل ديون الكويتيين في البنوك و شركات الإستثمار ؟ ماذا عن المدينين لشركات السيارات و الألكترونيات و مواد البناء و حتى مكاتب السفر ؟ لماذا لا يشملها القانون ؟ ألا تعاقب هذه الشركات من يتخلف عن السداد بالقضايا و المنع من السفر؟ أليس المدين لهذه الشركات أكثر شفافية من مدين القروض كون السلعة التي اشتراها أكثر وضوحا من شخص لا نعلم على ماذا صرف قرضه ؟

.
ثم يتنقل القانون لعلاج المشكلة فيقول في المادة الثانية تقوم الجهات الدائنة بإعادة جدولة مديونية العملاء المقترضين لديها حتى 14/12/2009 بعد إسقاط جميع الفوائد والعوائد المستقبلية التي تترتب على هذه المديونيات، ويسقط رصيد القرض على العميل المقترض على أقساط شهرية متساوية وبقسط لا يجاوز 35 في المئة من الدخل الشهري للعميل أو تقسيط رصيد القرض على عشر سنوات بدون فوائد وذلك نظير ما تم إيداعه من مبالغ لديه لدى البنوك من قبل المؤسسات الحكومية
.
هنا نركز على كلمة المؤسسات الحكومية , و سؤالي هو من المالك الحقيقي لأموال هذه المؤسسات الحكومية ؟ على سبيل المثال من يملك أموال التأمينات الاجتماعية ؟ هل هي حكومة دولة الكويت أم مساهمين المؤسسة من متقاعدين حاليين و مستقبليين ؟ من يملك أموال هيئة شؤون القُصر ؟ من يملك أموال الأوقاف ؟ و من يعوض هؤلاء عن توظيف أموالهم في ودائع بنكية بلا عوائد ؟ الجواب عند ضمائر الأمة
.
و تستمر المادة الثانية فتقول
وعلى البنك المركزي مواءمة الإجراءات الكفيلة بتطبيق هذه المادة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية وتعويض المؤسسات الحكومية المودعة عن الدخل المفقود على ودائعها لدى الجهات الدائنة
.
حلو , اذاً المشكلة في نظام البنوك التقليدية و الحل في جعلها تتوافق مع الشريعة الإسلامية
.
لكن المادة الثانية تناقض نفسها فتقول كما يجوز للبنوك الإسلامية جدولة أصل المرابحة للمواطنين مع التنازل عن الأرباح المحققة وذلك وفقاً لذات قواعد الجدولة المشار إليها في الفقرة السابقة على أن تقوم الدولة بإيداع قيمة أصل هذه المرابحة لدى البنوك الإسلامية بصفة وديعة دون أرباح
.
ماذا أقرأ ؟ ماذا أسمع ؟ ان كانت البنوك الإسلامية المتوافقة مع الشريعة لها نصيب في المشكلة فلماذا تأمرون البنوك التقليدية بالتحول للنظام الذي سميتموه إسلامي و الإسلام منه براء
.
ننتقل هنا للمادة الثالثة التي تنص على لا تتحمل الأموال العامة سداد أي فوائد تأخيرية نتيجة تخلف المدين عن السداد في المواعيد المحددة
.
عدنا الى كلمة فوائد و الفوائد حرام لأنها ربا , الكلمة الأصح هي غرامات تأخيرية و السؤال هنا من سيتحملها إذا ؟ و من سيتكفل بمصاريف القضايا بين البنك و العميل المتأخر الذي تدخلت الحكومة في إنقاذه ؟
.
المادة الرابعة من القانون تقول تقوم الجهات الدائنة بعد تطبيق أحكام المادة الثانية من هذا القانون بالتنازل عن أي دعوى قضائية متداولة تكون قد أقامتها تجاه العملاء المقترضين
.
لست خبيرا في القانون لكن كيف تتدخل السلطة التشريعية و التنفيذية في أعمال السلطة القضائية و تجبر المتخاصمين على التنازل عن دعاويهم ؟ و من سيتحمل ما تم صرفه من أتعاب المحاميين عن السنوات السابقة في القضايا الطويلة الأجل؟
.
المادة الخامسة نكته الرجاء التركيز فيها جيدا , تتحدث المادة عن حالة مخالفة المؤسسات الدائنة القانون و التوسع في الإقراض بما يخالف القانون و العقوبة هي كالتالي
غرامة تعادل ضعف القرض الممنوح للعميل المقترض من قبلها، ويرد إليها من هذه الغرامة ما يعادل رصيد القرض الممنوح منها للعميل حيث يعتبر ذلك تسديداً لهذا الرصيد
.
على سبيل المثال لو أقرض البنك العميل مبلغ 70 ألف دينار مخالفا القانون , و العميل قام بتسديد 20 الف دينار من القرض و تبقى له 50 الف , ستُفرض غرامة على البنك 140 ألف دينار للحكومة ثم تعيد الحكومة للبنك مبلغ 50 الف دينار لتسديد قرض العميل , يعني الخيار الأفضل للعميل هو مخالفة القانون حتى يتم سداد قرضه بالكامل و ليس الفوائد فقط , عجب
.
المادة السادسة تنص على
في جميع الأحوال لا يجوز اتخاذ أي إجراءات تحفظية بما في ذلك المنع من السفر بحق أي عميل مقترض يمنح بعد العمل بهذا القانون أي قرض استهلاكي أو قرض مقسط أو كليهما نتيجة تعثره في الوفاء بالتزاماته، إلا أن يكون بحكم قضائي
ويسري حكم الفقرة السابقة على كفيله وكفيل كفيله

.
هذه هي القمندة من القانون , الناس تبي تسافر , و نحن ضد تقييد حرياتهم لكن ما هو البديل ؟ ماذا لو سافر العميل و لم يعد ؟ من سيعوض الدائن ؟
.
و الآن مع مصيبة المصائب , المادة التاسعة من القانون المُفسد تنص على
يحظر على البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البنك المركزي منح القروض للمواطنين بفوائد مع جواز تمويل احتياجات المواطنين وفقاً لنظام المعاملات الإسلامية
.
أهدي هذه المادة للمواطنين المستفيدين من القانون لأن لولاها لما صوّت للقانون ثُلث من صوت لصالحه , فهذه الشرذمة من المُبتزين لم يصوتوا على القانون رِفقا بكم أو بالضرر الذي أصابكم , هم فعلوا ذلك فقط لتمرير هذه المادة التي ستدمر ما بقي من سمعة الكويت المالية و الاقتصادية
.
المادة الحادية عشر , تؤخذ الأموال اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون من الاحتياطي العام للدولة
.
أكيد يعني مو من مُبرة ضيف الله بو رمية
.
و الآن مع آخر المواد التي سأعلق عليها و هي المادة الثانية عشر , و تنص على
لا يستفيد من أحكام هذا القانون الوزراء وأعضاء مجلس الأمة وأزواجهم وأقاربهم من الدرجة الأولى
.
الله يذكر علي الراشد بالخير يوم قال دستوا بـ بطن الدستور , والله من المخجل أن يخرج علينا قانون بهذا الشكل المعيب , فما الرسالة المقصودة من هذه المادة ؟ أن فرسان الأمة يضحون من أجل الشعب و هم لا يطمحون للإستفادة ؟ أم أنهم شبعوا من استغلال مناصبهم و هم متنازلين عن الإستفادة هذه المرة ؟ طيب الوزراء و النواب و فهمناها , لكن ما ذنب أقارب الدرجة الاولى ؟ أليسوا مواطنين كويتيين حالهم حال من استفاد من القانون ؟ أم أن قريبهم الوزير و النائب سيعوضهم بالأفضل؟
.
طلب مني أحد القراء وضع جدول أوضح فيه ايجابيات و سلبيات هذا القانون , للإجابة على هذا الطلب أقول بأن قسم الإيجابيات سيكون فارغ تماما لأن كل ما في هذا القانون سلبي , فالقانون بصيغته الحالية كـ المشخال مخرّق من كل صوب , فهو يفتقد العدالة الدستورية و يعزز ترسيخ الثقافة المالية السيئة عند المواطنين , فقد اتفقنا بالمقالة الأولى على أن الإقتراض وسيلة عصرية لتلبية الحاجات الآنية , و لا يعيب أي كان اللجوء اليها , لكن العيب في عدم تحمل المواطن العاقل البالغ لمسؤولية أفعاله
.
و هذا القانون يعاقب الملتزم الذي تحمل مسؤولية أفعاله و يكافيء الغير ملتزم , ألن تكون هذه رسالة مباشرة لبقية المواطنين بتشجيع الدولة للغير ملتزمين بمسؤولياتهم ؟ هل المواطن الكويتي ناقص إهمال و عدم التزام ؟ و هل نجحت 2000 الكهرباء في تغيير سلوك المواطن لنتأمل أن تغيّر سلوكه بعد إسقاط فوائد القروض؟
.
و من الناحية الإقتصادية فقد ذكرنا في المقالة الثانية تأرجح الإقتصادات ما بين حالتي التضخم و الكساد , و ذكرنا دور البنك المركزي في ضبط ايقاع الاقتصاد بين هاتين الحالتين من خلال تغيير سعر الخصم , و سؤالي هنا ماذا سيحدث للإقتصاد في حال تطبيق هذا القانون ؟
.
أولا سندخل في حالة تضخم نتيجة ضخ السيولة المفاجئة للأسواق , و هذا ما يعني ارتفاع مباشر لأسعار السلع و إضعاف القدرة الشرائية للعملة , هنا سيضطر البنك المركزي لرفع سعر الخصم كإشارة للبنوك برفع أسعار الفوائد على الودائع و القروض و هذا ما لن يحدث , لأن البنوك متخمة بالودائع الحكومية و هي ليست بحاجة لمزيد من الأموال ؟ و سؤالي للدكتور يوسف بيرنانكي كيف ستعالج لجنتك المالية هذه الحالة الإقتصادية الشاذة ؟ و هل يستحق حل مشكلة فئة من المواطنين إرباك اقتصاد الدولة ؟
.
أما النقطة الأخيرة فهي خلط المباديء الإشتراكية بالدروشة بالإقتصاد من خلال فرض ما يُسمى بالنظام الإسلامي على البنوك التقليدية و لهذا القرار انعكاسات سلبية ليس لها أول و لا آخر , فمن هو هايف و الطبطبائي ليتدخلوا في عمل اقتصاديين جهابذة كالسيد ابراهيم دبدوب ؟ و من خوّل الخمسة و ثلاثين صوتا لتغيير طبيعة عمل مؤسسات تجارية يملك أسهمها مجموعة من المواطنين و جمعياتهم العمومية ؟ كيف نلغي كل هذه الأدوار من أجل قرقاشة هذا القانون ؟
.
و السؤال الذي يطرح نفسه , أين الحل ؟
.
يتبع

Saturday, January 23, 2010

مجلس الأمة , فساد رقابي و إفساد تشريعي - 4

تحدثنا في المقالات السابقة عن بحث الأموال حول العالم عن فرص مناسبة للإستثمار و عن ارتباط المُقترض المحلي بما يقرره مدير البنك الفيدرالي الأمريكي و عن الاختلاف ما بين البنوك التقليدية و ما يُطلق عليه اسم الاقتصاد الاسلامي , و الآن سأتحدث عن بعض أساسيات عالم الاقتصاد و التمويل حتى تتضح الصورة للقاريء الكريم
.
يخضع الانسان في العادة للقوانين الطبيعية مثل قانون تعاقب الليل و النهار و قانون النمو و الشيخوخة الذي لا يستطيع كائن من كان نفيها أو نفي وجودها و يعلن عدم ارتباطه بها , كذلك تخضع الأموال لقوانين اقتصادية و تمويلية لا تستطيع الخروج عنها , سأحاول تقديم شرح بسيط لأهم هذه القوانين
.
قانون العرض و الطلب
Supply & Demand
.

يرتكز هذا القانون على أن سعر أي سلعة أو خدمة يرتبط بـ عاملين رئيسيين هما العرض و الطلب , فلو زاد الطلب على السلعة مع عدم تغير العرض سيزداد سعرها - و ليس قيمتها - تلقائيا , و لا إعتراض على ذلك , أما في حالة نقص الطلب على سلعة مع بقاء العرض على ما هو عليه فسيهبط سعرها تلقائيا أيضا
.
أفضل مثال على زيادة الطلب و بقاء العرض هو أسعار الأغنام قبل أسابيع من حلول عيد الأضحى المبارك , ففي هذه الحالة تتضاعف أسعار الأغنام لأن الطلب أكبر بكثير من العرض , أما الحالة الثانية فهي تنطبق على أسعار تأجير المكاتب التجارية في العاصمة , فأسعار المتر هبطت من 14 دينار الى 7 و أقل بسبب كثرة العرض و قلة الطلب بعد الأزمة المالية الأخيرة , و يركز قانون العرض و الطلب على ديناميكية الأسواق أي أن حالة انخفاض أو ارتفاع السلعة سيستمر الى أن يتغير العامل الآخر لتتحول الأسعار الى الاتجاه المعاكس , و هذا ما يجعل أسعار الأغنام تهبط الى المعدل الطبيعي بعد العيد بأيام قليلة , و هذا ما سيجعل أسعار تأجير المكاتب ترتفع في حالة الازدهار الاقتصادي و دخول المزيد من الشركات الأجنبية للدولة
.
القيمة الوقتية للمال
Time Value of Money

.

يعتمد هذا القانون على تغير القوة الشرائية للمال مع مرور الوقت , و بسبب عامل التضخم يتجه هذا التغير الى السالب في أغلب الأحيان , أي أن المئة دينار اليوم لها قوة شرائية أكبر من نفس المئة دينار بعد خمس سنوات , و المثال المحبب الى قلبي في التدليل على هذا القانون هو ذكريات والدي الذي يقول بأن المئة فلس في أيامه كانت تشتري عصير و بفك و كتكات و باكيت زقاير للي يدخن , أما في وقتي كنت أحتاج الى خمسمئة فلس لشراء نفس السلع , و اليوم أعتقد أن الدينار لن يكفي لشراء هذه السلع , و هذا المثال ينطبق على جميع السلع تقريبا من الأراضي و السيارات و غيرها من الأمور مع الأخذ بالاعتبار قانون العرض و الطلب
.
تكلفة الفرصة البديلة
Opportunity Cost

.

يقوم هذا القانون على افتراض أنك تملك ألف دينار , و أمامك عدة فرص للاستثمار , و لكل فرصة عائد مختلف عن الأخرى , فأنت تستطيع أن تضع الألف في وديعة و تحصل على عائد 3% , و تستطيع أن تشتري بضاعة و تتاجر بها لتحقق 15% , و تستطيع أن تدخل بها البورصة و تحقق عائد 20% , لكن قانون تكلفة الفرصة البديلة يحذرك من أن اختيارك للوديعة سيجعلك تربح 3% و لكنك ستخسر الـ 15 و الـ 20 بالمئة , أي أنك لن تستطيع تحقيق كل العوائد في نفس الوقت , و تحقيقك لأحد الأهداف سيجعلك تخسر الأخرى , و هذا ما يجعل الأموال حول العالم في حالة بحث دائم عن أفضل الفرص للاستثمار , فتحقيقك لربح 5% قد يعتبر خسارة لفرصة أخرى حقق منها غيرك 15% , و تحقيقه للـ 15 قد يعتبر خسارة لفرصة بديلة تحقق عائد أكبر
.
و بالعودة الى نظرية الإقتصاد الاسلامي – تسمية تجاوزية – نلاحظ أنها تجاهلت تماما هذه القوانين , فهذه النظرية قائمة على عالم خيالي ليس به تضخم و بالتالي لا تتغير فيه القيمة الشرائية للنقود مع الوقت , فلو قام شخص بإقتراض 1000 دينار مني اليوم و أعادها لي 1000 دينار بعد خمس سنوات سأعتبر نفسي خاسرا و ليس مسلما صالحا , فقد خسرت جزء من القوة الشرائية لأموالي أولا و خسرت فرصة استثمارية بديلة ثانيا , و السؤال الذي يطرح نفسه من سيعوضني عن هذه الخسارة ؟ بل السؤال الأهم ما الذي سيجبرني على الإقراض وفق هذه الشروط ؟
.
لذلك اتخذت المؤسسات المالية الإسلامية طريق التحايل أو الالتفاف على جزئية الربا لكي تمارس أعمالها بشكل ينسجم مع القوانين أعلاه و لا يعرضها لخسارة القيمة الوقتية للمال و الفرص البديلة , و هذا ما يجعلنا نُشكك في سلامة منطق وجود اقتصاد اسلامي من الأساس , فـ حتى لو قررت أحدى الدول الإسلامية فرض هذا النظام على جميع مؤسساتها المالية – كما نصت المادة التاسعة من قانون اسقاط فوائد القروض – حتى لا تتعامل بالربا المحرمة فكيف ستُجبر بقية دول العالم على الأخذ بهذا النظام و نسف عنصر التضخم من اقتصاداتها ؟ و إن لم يقبل الاقتصاد العالمي بتغيير نظامه من أجلنا هل سنتمكن من عزل أنفسنا عنه كي نحافظ على نظافة أموالنا و خلوها من الأرباح الربوية ؟ و سؤالي للمبحرين في أمواج البنوك الاسلامية هل أموال بنوككم بهذا النقاء و الصفاء ؟ ألا تتعاملون مع البنوك الأجنبية و تمتلكون العقارات و محافظ الأسهم في شركات أجنبية تختلط أموالها بالربا و أنواع التجارة المحرمة ؟
.
أكرر سؤالي الأهم في الأعلى و هو ما الذي سيجبر أي شخص أو مؤسسة على الإقراض وفق المفهوم الإسلامي الحقيقي لتحريم الربا ؟ يعني تقرض ألف و تعود لك ألف بعد خمسة أو عشرة سنوات ؟ ألن تفكر حينها بأن الأفضل لك أن تضع هذه الألف في أماكن أكثر ربحا كالودائع و صناديق الاستثمار و المشاريع التجارية ؟ و إن امتنع الجميع عن الإقراض لأنه خسارة أكيدة فمن أين سيقترض الناس لسد حاجاتهم الآنية ؟ من سيتمكن من شراء سيارة ؟ أو منزل ؟ أو تأسيس مشروع تجاري ؟
.
قد يرد علي أحدهم و يقول بأن من سيقوم بهذا العمل هو من يفضل عمل الخير و تحقيق أرباح الآخرة الأهم من أرباح الدنيا و هنا سنقول بأن هذا جيد , لكن البنك ليس مؤسسة خيرية ليقوم بهذا العمل , نعم عمل الخير ممتاز و له مؤسساته المتخصصة كاللجان الخيرية و بيت الزكاة لكن البنوك التقليدية و " الإسلامية " مؤسسات تجارية لها الآلاف من المُلاك الذين سيحاسبون مجلس الإدارة على خسارة الدينار و لن يقبلوا بتحقيق الخسائر الدنيوية , بل أن الأموال التي تقرضها هذه البنوك ليست من حر مال البنك إنما هي أموال أصحاب الودائع و الحسابات التوفيرية الذين لن يقبلوا من البنك عدم دفع أرباحهم
.
نعم , في حالة تطبيق روح الإسلام الذي حرّم استغلال حاجة الناس ستنتقل وظيفة الإقراض من المؤسسات المالية الى لجان الأعمال الخيرية , و أنتم تعلمون بأن 99% من المقترضين لن تنطبق عليهم شروط هذه اللجان , فاللجان الخيرية تسد الحاجات و لكنها ليست مسؤولة عن الكماليات و الرفاهيات التي يطمع فيها أغلب المقترضين , فمن يملك ألفان و يريد شراء سيارة عليه التخلي عن فكرة سيارة بسبعة آلاف و البحث عن سيارة بألفين – و هي متوفرة في السوق - , و على من يملك ثلاثين ألفا و يريد الاقتراض لشراء منزل العدول عن هذه الفكرة و يشتري لنفسه شقة بما يملكه من مال , و ينطبق نفس المبدأ على الغير مقتنع بحالته المادية و يريد الإقتراض لتأسيس مشروع تجاري فالأفضل له أن يقتنع بحالته و لا يعرض نفسه للخطر
.
في ختام هذا المقال أوجه دعوة الى فقهاء الدين لتجديد خطابهم و نقله من معسكر الإنعزال في محاربة البنوك و النظام الاقتصادي العالمي الى معسكر البحث و التحليل في تعريف الحاجة , و تحديد الحاجة التي يقترض من أجلها الإنسان و الحاجة التي لا يحق له الاقتراض من أجلها , أيضا عليهم دراسة و تحديد من الذي له الحق في القيام بعملية الإقراض بطريقة لا ربوية ؟ هل هو بيت مال المسلمين الذي يعادل بيت الزكاة اليوم أم البنوك و المؤسسات المصرفية ؟ أيضا على هؤلاء الفقهاء عدم تحميل دين الإسلام ما لا يحتمل
.
فالإسلام له بعض التعليمات في المجال الاقتصادي و التجاري كمحاربة الربا و الغش التجاري الا أن ذلك لا يرقى الى اطلاق صفة النظام عليه , و الاسلام له بعض الإسهامات في المجال الغذائي كتحريم الخمر و الخنزير الا أن هذا لا يعني وجود نظام اسلامي غذائي , و نفس الحالة تنطبق على تعاليم الإسلام في مجال العناية بالبدن و النظافة و هي نصائح ممتازة الا أن ذلك لا يحولها الى نظام صحي متكامل , و أخيرا و ليس آخرا نحن لا نلوم من يُعجب بطريقة حكم الرسول السياسي للمدينة خلال السنوات العشر الأولى للهجرة الا أن ذلك لا يكفي لتطبيقه تحت عنوان النظام السياسي الإسلامي , أنا لا أقول هذا حقدا على الإسلام إنما خوفا عليه , فالطريقة الوحيدة لتطبيق الأنظمة الإسلامية المذكورة هو في تفريغها من محتواها و تركها عارية أمام عبث الجهلة و العابثين كأعضاء مجلس أمتنا المحترمين , الفاسدين المفسدين , و من هذه النقطة ستنطلق مقالتنا الأخيرة في هذه السلسلة
.
يتبع

Thursday, January 21, 2010

مجلس الأمة , فساد رقابي و إفساد تشريعي - 3

في الحقيقة لم أكن أود الكتابة عن موضوع الإقتصاد الاسلامي كوني لا أدعي الخبرة و التبحر في هذا المجال , إلا أن المادة التاسعة من قانون اسقاط فوائد القروض تقول " يحظر على البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البنك المركزي منح القروض للمواطنين بفوائد مع جواز تمويل احتياجات المواطنين وفقاً لنظام المعاملات الإسلامية " , و بما أن القانون حشر الشريعة الإسلامية في قضية اقتصادية أجد أن من واجبي توضيح الرأي الاقتصادي بما يُطلق عليه تجاوزا نظام إقتصاد إسلامي
.
قبل الدخول في قلب الموضوع أود التأكيد على أني أرفض رفضا قاطعا استخدام تسمية الاقتصاد الاسلامي على ما تمارسه المؤسسات المالية "الاسلامية" لكني مضطر لاستخدام هذا الأسم المتعارف عليه تسهيلا للقاريء , و لو حاولت افتراض حسن النية فإن التسمية الأنسب لهذه المعاملات هي المعاملات الغير مخالفة للشريعة الإسلامية , فإسم الاقتصاد الاسلامي أو المعاملات الاسلامية توحي بأنها صاحبة أهداف دينية نبيلة و تسبغ عليها الشرعية الدينية بغض النظر عن الشق الاقتصادي الذي لا يختلف كثيرا عن ما تقوم به المؤسسات المالية التقليدية , أما تسميتي فهي أدق في الوصف حيث أن هذه التعاملات تبريء ذمتها من شبهة مخالفة الشريعة الإسلامية مع عدم التأكيد على قبول الدين لها و ارتباط أهدافه النبيلة بأهدافها التجارية البحته
.
بدأت فكرة الإقتصاد الإسلامي في منتصف القرن الماضي عندما استهجن علماء المسلمين تعامل الشعوب الاسلامية بالفوائد البنكية و التي يعتبرونها من الربا الذي قال عنه القرءان الكريم " يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار اثيم " و من هذا المنطلق بدأ هؤلاء المفكرين بالبحث عن أبرز ما جاء في القرآن و السنة من نصائح و أحكام ذات انعكاسات اقتصادية ليتم البناء عليها من بعد ذلك , و قد كانت نتيجة هذا البحث مثمرة جدا لهؤلاء المفكرين حيث أنهم وجدوا كم لا بأس من القواعد التي يستطيعون البناء عليها و أهمها تحريم الربا و تحريم الاتجار بالنقد
.
الربا حسب التفسير الإسلامي هو أن يطلب الدائن من المدين مبلغا إضافيا على الدين كربح او فائدة , و هو بذلك يطابق ما تمارسه البنوك التقليدية , أما الاتجار بالنقد فهو استخدام النقود – الكاش – في الربح من دون مرور النقود في دورة تجارية كاملة كالبيع و الشراء كقوله تعالى " واحل الله البيع وحرم الربا " , و الإسلام حرّم الربا لأن فيها استغلال بشع لعازة الناس و حاجتهم , أما تحريم النقد فجاء بحجة أن النقد وسيلة و ليس سلعة تُباع و تُشترى , لذلك علينا استخدامها بشكل صحيح و هو بيع و شراء السلع لتنشيط الاقتصاد و تحقيق الاستفادة القصوى
.
و بهذا جاءت البنوك الإسلامية لتضرب عصفورين بحجر , العصفور الأول هو تحقيق نفس الأرباح التي تحققها البنوك التقليدية , أما العصفور الثاني فهو تحقيق هذه الأرباح بطريقة لا تخالف الشرع و خصوصا في بند الربا و الاتجار بالنقد , و لتبسيط الأمور سأضرب المثال التالي
.
أحمد مهندس حديث التخرج و يعمل في مؤسسة البترول الوطنية براتب 1200 دينار و هو يريد شراء سيارة لكسز سعرها 15 ألف دينار كويتي في الوكالة , هو لا يملك المبلغ كاملا لكن راتبه يؤهله للإقتراض و الخيارات المتاحة أمامه كالآتي
.

.
أقتراض مبلغ 15 ألف من بنك تقليدي سيفرض عليه فائدة متغيرة 6 بالمئة و يسدد قرضه على ستين دفعة , أي خمسة سنوات , و كامل المبلغ الذي سيسدده للبنك 17 ألفا و 400 دينار كويتي
.
أما الخيار الثاني فهو الذهاب الى بنك إسلامي ليقترض 15 ألف دينار, في هذه الحالة سيقوم البنك الإسلامي بحساب فائدة أكبر من الـ 6 بالمئة إلا أنها ثابته و من ثم سيقوم أحمد بتسديد
18 ألفا و مئة و ثمانين دينارا في نفس المدة
.
يتضح هنا الإختلاف بين آلية عمل البنك التقليدي عن البنك الإسلامي على طرف الدائن – البنك – و هو أن البنك التقليدي أقرض مبلغ و سيفرض عليه فائدة – ربا بالمفهوم الاسلامي – و هي متغيرة مع تغير سعر الخصم المحدد من قِبل البنك المركزي , أما البنك الاسلامي فهو لم يقع في فخ الربا حيث أنه قام بعملية مرابحة يعوض فيها بالربح - التجاري - عن الفائدة , و الربح في هذه الحالة يضع في الحسبان تأرجح الفائدة لذلك نجد البنك الإسلامي يحتاط مقدما بوضع نسبة أعلى بقليل على أرباحه من فائدة البنك التقليدي , و بذلك يتمكن البنك الإسلامي من تثبيت ربحه ليستقر البنك و العميل في آن واحد
.
أما على طرف المدين فالأمر لم يتغير كثيرا , فهو يدفع مبلغ إضافي ليتمكن من شراء السيارة التي يريدها , و الفرق الوحيد هو انه مع البنك الإسلامي يدفع 780 دينار أكثر من البنك التقليدي مع العلم بأن الفائدة ستكون ثابته
.
قد يكون المثال السابق بسيط و مفصل على مقاس هدفي من المقال و المجال هنا لا يتسع لمزيد من الأمثلة , لكن السؤال المهم هو أين أهداف الإسلام النبيلة من هذه المعاملة ؟ فالمحصلة النهائية هي أن المدين دفع مبلغ إضافي للحصول على السلعة + خدمة التقسيط , قد لا يكون لي الحق في اطلاق صفة الربا على هذه المعاملة إلا أنها بالتأكيد لا تتماشى مع روح الاسلام الذي حرم الربا لأن فيه استغلال بشع لحاجات الناس
.
و بطبيعة الحال أنا لا أُدين المؤسسات المالية الإسلامية على القيام بهذه المعاملات , فنحن خير من يعلم عن حاجتها للربح و التنافس التجاري حالها في ذلك حال بقية البنوك التقليدية , لكن الإدانة هنا في حشر الدين من دون إذنه في هذه التعاملات التجارية , بل أن المُطلع على منتجات هذه المؤسسات يجزم بأنها لا تألوا جهدا في تطويع الفتاوى الدينية لتغريب الدين من الدين و تقريبه لأحدث ما توصلت اليه عقول خبراء التمويل في البنوك العالمية
.
و السؤال الذي يطرح نفسه , لماذا لا ألوم البنوك الإسلامية على الشق الربحي من تعاملاتها مع تحفظي الشديد على الشق الشرعي منه ؟ هذا ما سنجيب عليه في المقالة القادمة
.
يتبع

Tuesday, January 19, 2010

مجلس الأمة , فساد رقابي و إفساد تشريعي -2

ختمنا المقالة السابقة بنقطة مهمة جدا و هي شعور الكثير من المقترضين بالظلم و الخداع لإنعدام الشفافية من طرف البنوك و تضخم مديونياتهم بشكل غير طبيعي , و بالرغم من اني لا أعترض على مظلوميتهم الا اننا نحتاج الى شرح النظام المالي العالمي حتى تتضح الصورة
.
قد يسألني أحدهم و يقول , ما شأني و شأن النظام العالمي ؟ أنا انسان بسيط و لا يهمني الا قرضي , ردي على هذا التساؤل هو أن اعتقادك للأسف خاطيء , فأنت مرتبط مع البنك المحلي بقرض , و البنك المحلي مرتبط بالبنك المركزي بسعر الخصم , و البنك المركزي الكويتي مرتبط مع الاقتصاد العالمي بشكل عام و البنك الفيدرالي الأمريكي بشكل خاص , و البنك الفيدرالي الأمريكي مرتبط بشكل وثيق بما يحدث حول العالم بشكل عام و الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص
.
و السؤال الذي يطرح نفسه , لماذا تترابط هذه الأطراف – أو مصالحها – مع بعضها البعض؟
.

.
للإجابة على هذا السؤال علينا الإنطلاق من نقطة الصفر , و هي أن جميع الأموال حول العالم تتحرك بشكل مستمر - عبر الساعة - بحثا عن فُرص استثمارية مناسبة , و تعتمد عملية البحث على عاملين أساسيين هما عامل الخطر و هامش الربح , أي أنها تفكر دائما كم سأربح من هذا الاستثمار ؟ و كم ممكن أن أخسر منه ؟ و القاعدة الأساسية في عالم الاستثمار تقول كلما زاد عامل الخطر إزداد معه هامش الربح , فالاستثمار في الأسهم له خطورة عالية , لكنه في نفس الوقت يعطي أرباح عالية , و على الطرف الآخر فإن الاستثمار في الودائع ذو خطورة منخفضة جدا , لذلك نجد أن أرباحه منخفضة أيضا
.

.
و لنتمكن من ربط المعلومة السابقة بالقضية المطروحة للنقاش علينا ذكر نقطة مهمة و هي أن اقتصاديات العالم تتأرجح ما بين حالة التضخم – إنفلاشيون – و حالة الكساد – ريسشيون و يأتي دور البنوك المركزية في ضبط الإيقاع ما بين هاتين الحالتين , فإن زادت حالة التضخم عن الحد إزدادت أسعار السلع بشكل جنوني كما حصل مع أسعار العقار و المواد الغذائية و بالتالي انخفضت قدرة الفرد – الدينار - على الشراء , أما في حالة طغيان الكساد عن الحد المعقول فإن الأسواق تُصاب بالشلل و تزداد نسبة البطالة بما يصاحبها من ارتفاع معدل الجرائم و غيرها من الأمور السلبية
.
و يستخدم البنك المركزي – أو الفيدرالي الأمريكي – سلاح رفع أو خفض سعر الفائدة للتحكم بالوضع الاقتصادي بين حالتي التضخم و الكساد , فعندما يشعر بإزدياد التضخم عن الحد يرفع سعر الفائدة , مما يلحقه رفع البنوك لأسعار الفوائد على الودائع , و هذا ما سيشجع الأموال على الاستثمار في الودائع الادخارية و بالتالي تشح السيولة في الأسواق و يقل الطلب على السلع العقارية و الاستهلاكية فـ تُحافظ أو تنخفض أسعارها , و عند شعور البنك الفيدرالي بإتجاه الاقتصاد نحو الكساد يبادر لتخفيض سعر الفائدة فتنخفض فوائد الودائع بالبنوك مما يشجع رؤوس الأموال على نقلها من الودائع الى وسائل أخرى تحقق أرباح أكبر كشراء العقارات و الأسهم فتعود السيولة الى الأسواق و ينتعش الاقتصاد مرة أخرى
.
.
و بما أننا نعيش في عصر العولمة و الانترنت فإن جميع اقتصاديات العالم تتأثر بعضها البعض , و بطبيعة الحال فإن الاقتصاديات الكبرى تؤثر على الاقتصاديات الأصغر , لذلك تؤثر توجهات أسعار فائدة البنك الفيدرالي الأمريكي على بقية البنوك المركزية المحلية , فهذه البنوك المحلية تحاول في أغلب الأحيان أن تتناسق توجهاتها مع توجهات الاقتصاديات العالمية العملاقة , و تتعدد أسباب الحرص على هذا التناسق كوجود الاستثمارات الخارجية و استخدام الدولار في بيع النفط و وجود الفجوات الكبيرة قد يضر أكثر من ما ينفع
.
أما على المستوى المحلي فإن تغير سعر الخصم للبنك المركزي يصاحبه تغير مباشر في سعر الفائدة التي تدفعها البنوك على الودائع و التي تفرضها البنوك على القروض , فالبنك المحلي يضبط نفسه على سعر خصم البنك المركزي , على سبيل المثال لو إفترضنا بأن سعر خصم البنك المركزي – كايبور – يساوي 2 بالمئة , عندها سيضطر البنك المحلي على دفع فائدة 3 بالمئة لأصحاب الودائع , و في نفس الوقت سيفرض فائدة 6 بالمئة على المقترضين لديه , و لنفترض بأن البنك المركزي رفع الكايبور الى 4 بالمئة , عندها سيرفع البنك المحلي الفائدة المدفوعة للودائع الى 5 بالمئة , و سيفرض فائدة على المقترضين 8 بالمئة
.
.
المعلومة التي أريد ايصالها في هذا الموضوع هو أن الاقتصادات العالمية العملاقة تؤثر بالاقتصادات المحلية الصغيرة , و أن تغير سعر الخصم في البنك المركزي يؤثر على سعر الفوائد في البنوك , و تغير سعر الفوائد في البنوك يؤثر على المودعين و المقترضين في آن واحد , و السؤال الذي يطرح نفسه هنا , أين موقع الاقتصاد الإسلامي من كل ذلك ؟
.
هذا ما سنجيب عليه في المقالة القادمة
.
يتبع

Sunday, January 17, 2010

مجلس الأمة , فساد رقابي و إفساد تشريعي - 1

منذ بداية طرح النائب ضيف الله بو رمية لموضوع اسقاط القروض أو فوائدها و أنا أحاول جاهدا تحاشي الكتابة عن هذا الموضوع أو التعرض له بشكل مباشر , و السبب في ذلك يعود لعدة عوامل أولها قناعتي التامة بأن هذا الإقتراح لا يعدو كونه محاولة نائب \ مرشح دغدغة مشاعر ناخبيه و ضمان الحصول على أصواتهم في ظل ضعف إنتاجيته الجدية في البرلمان , أما العامل الثاني لعدم الخوض في غمار هذا الموضوع فهو عدم إنتمائي الشخصي لفئة المتضررين من القروض , و هذا ما جعلني أتردد في الكتابة عنه خشية تحول النقاش الى هجوم و إتهامات خاصة مع الشحن العاطفي و الجماهيري المصاحب له , لكن ما جعلني أغير رأيي اليوم و أبدأ في الكتابة عنه هو اعتقادي بأن مراحل قصة القروض من الألِف الى الياء تلخص أغلب الأمراض التي تعاني منها الكويت , من بداية خلق المشكلة ثم تجاهلها الى ان تتضخم ثم تدخل عوير و زوير في تشخيصها و من ثم طرحهم للحلول الفوضوية لها مع غياب تام لأهل العقل و الرأي الى أن تم التصويت عليها , بإختصار , هذه هي الكويت
.
ربما أكون قد أخطأت في اعتقادي بأن هذا القانون ساقط وراثيا و لن يمرره مجلس الأمة المتخم بالأعضاء الشرفاء و المحنكين تشريعيا , لكن القانون تطور و وصل الى شكله الحالي و نجح في المرور بـ 35 صوتا و هو الآن بإنتظار الكلمة النهائية لسمو الأمير الذي نتوقع منه رد القانون و إعادة العقول الى نصابها
.
قبل الدخول الى نقد القانون علينا التفكير بجذور المشكلة و أسباب تفاقمها مما يعني أننا نحتاج للعودة الى ما قبل القانون و شرح أساسيات القروض كوسيلة تمويل و سلعة تمويلية , لذلك سنبدأ هذه السلسلة بالحديث عن الاقتراض كـ خيار تمويلي , فعلى بركة الله نبدأ
.
الإقتراض
.

يواجه الانسان في حياته الكثير من الأعباء المادية التي قد لا يتمكن من التكفل بها عبر وسائل التمويل الذاتي , و في العادة تتمركز هذه الأعباء عند نقاط محددة في حياته و هي نقطة شراء السيارة , الدراسة في الخارج , شراء أو ترميم منزل , إنشاء مشروع تجاري أو الحاجة الى العلاج المكلف لا سمح الله , و أمام صعوبة تمويل الفرد لهذه الحاجات ذاتيا نجده يبدأ بالبحث عن وسائل التمويل الخارجي و التي يعتبر الإقتراض أكثرها سهولة و شيوعا , فالقرض وسيلة متطورة تضمن للعميل الحصول على مبلغ يسدد به حاجاته الآنية مقابل التزامه في رد هذا المبلغ على دفعات شهرية بالإضافة الى الفائدة المضافة و التي ترتبط بعدة عوامل أهمها حجم القرض و الفترة الزمنية التي يحتاجها العميل لتسديده
.
و مع تطور استيعاب الناس لثقافة الإقتراض تطورت المؤسسات المالية و التجارية لتواكب هذا التطور , فأصبحنا نرصد توسع الأفراد في استخدام آلية الإقتراض و لم يعد هذا الخيار للحصول على ضرورات الحياة بل تحول الى وسيلة للتمتع بالكماليات و وسائل الرفاهية كـ شراء السيارات الفارهة و المجوهرات و الآلات الألكترونية و حتى الرحلات السياحية , بطبيعة الحال ساهمت هذه الثقافة في نشر عدة مفاهيم خاطئة بين أفراد المجتمع كثقافة الاستهلاك و الاهتمام المبالغ به في المظاهر و التنافس في البذخ على الكماليات مع غياب شبه تام لثقافة الإدخار و القناعة بذات اليد و التخطيط للمستقبل مع الاعتماد على النفس
.
و بسبب تشبع غالبية أفراد الشعب الكويتي بثقافة الإستهلاك و تجاهلهم الواضح للإدخار بدأت تظهر على السطح العديد من الأصوات المتذمرة من هذه الأعباء المالية و المنادية بوجوب تدخل الحكومة للمساعدة , هذا ما دفع الحكومة للتدخل السريع في كبح جماح المواطنين نحو الإقتراض من خلال الزام المؤسسات التجارية و المالية بإستخدام نظام الساي نت و تخفيض نسبة السماح للإقتراض من 50 الى 40 بالمئة من الدخل الشهري للعميل , الا أن هذه المحاولات باءت بالفشل أمام مطالبات الناس بالمساعدة الحكومية
.
و في ظل ارتفاع أسعار النفط الى مستويات قياسية خلال السنوات السابقة حققت حكومة الكويت فوائض مالية عملاقة و بدأنا نقرأ اعلانات شبه يومية عن تبرعات بمئات الملايين لمساعدة حكومات صديقة و شقيقة , و قد أثارت هذه الاعلانات حفيظة نسبة كبيرة من المواطنين الذين وجدوها فرصة مناسبة لإحياء المطالبات الشعبية بإسقاط القروض و التخفيف عن كاهلهم , و قد تبرع النائب الفاضل ضيف الله بو رمية مشكورا بقيادة هذه المطالبات التي شهدت مساجلات عديدة بينه و بين وزير الصندوق العربي الوجيه بدر الحميضي
.
و قد ركز الحميضي آن ذاك على أن الكويت لا تعاني من أزمة قروض , فالمتعثرين نسبة قليلة جدا من المقترضين و كل حاجة تمام يا أفندم , أما بو رمية و فريقه فقد ركزوا على نقطة مهمة جدا و هي انعدام الشفافية في عقود الإقتراض و تغير نسبة الفائدة التي لا يعلم عنها العميل , و هذا ما تسبب في احساس العميل بأنه ضحية عملية نصب و احتيال , فقد إقترض مبلغ 20 ألف و سدد حتى الآن 30 ألفا و لا يزال مديون للبنك
.
هذا ما سيجعلنا نضطر لشرح النظام المالي للبنوك بشكل مختصر لكي تتضح الصورة و مواطن الخلل
.
يتبع

Tuesday, January 12, 2010

على أفا الوطن


.
أعتقد , والله أعلم , أن جدول نتيجة التصويت على قانون إسقاط فوائد القروض يلخص لنا الوضع السياسي التعيس الذي تمر فيه الكويت منذ سنوات طويلة , و يوضح لنا المتسبب الأساسي في تدهور كل شيء تقريبا – الا الفساد – في الكويت , ففي هذا الجدول يطفو لنا ما كان مخفيّاً على السطح , فكم من حنجرة تصدح بالانتصار للدستور و هي في الحقيقة من طينة .. سعدون حمّاد , و كم من لحية تتباكى على هدر المال العام و هي في الحقيقة لا تمانع بهدره من بين ريول الشعب , و كم و كم من تناقضات يسطرها أمامنا هذا الجدول الذي سيكون له أثر مباشر في تغيير قناعاتي المستقبلية عند صندوق الإقتراع
.
فكرت كثيرا في الكتابة عن مشكلة القروض و تفاصيل هذا القانون الا أنني كلما بدأت بالكتابة أتوقف و أقول مو معقولة أن يصوّت أي عاقل بالموافقة على هذا القانون , فنواب الضمير لا يحتاجون تلميح بأن القانون لا يخضع لمبدأ العدالة , و نواب الضمير لا يحتاجون لتوضيح بأن القانون سيتسبب بإنهيار النظام المصرفي و المالي في البلد , و نواب الضمير لا يحتاجون لتحذير بأن القانون سيتسبب بهدر في المال العام , و نواب الضمير لا يحتاجون لدليل على أن هذا القانون سيتسبب بأزمة أخلاقية كبيرة في حال إقراره
.
و هذا ما يجعلني أتوقف عن الكتابة لـ ثقتي الكبيرة بضمير نوابنا الأفاضل , نوابنا الشرفاء الذين قالوا إرحل لرئيس الوزراء نحن نستحق الأفضل , نوابنا الحريصين على محاسبة وزير الداخلية على الخمسة مليون و ستمية و تسعة و عشرين ألف دينار و الأربعمية و خمسين فلس , نوابنا الذين لم يقبلوا بتبذير رئيس الوزراء على السيارات و البخور , نوابنا اللي لوّعوا جبودنا بإتحادهم في العقيلة و تجمهر الآلاف لهم انتصارا للوحدة الوطنية , إلا أن ضمائر نُوابنا لم تختلف كثيرا عن ضمائر وزراءنا , و ضمائر وزراءنا لا تختلف كثيرا عن ضمائر أبناء شعبنا الوفي , فالكُل حريص على الفوضى , و الكل يمارس الدجل على أفا الوطن
.

.
و المضحك المبكي في الموضوع هو تنافس حزب القوارض على تصدير الفتاوى و الأحكام الدينية حول هذا القانون , فهذا يقول حرام و ذاك يقول حلال , أما السيء في الأمر فهو دخول كم لا بأس به من المنافقين على خط المزايدات الدينية لرد هذا القانون , بل أن حتى مشايخ غرفة تجارة و صناعة الكويت تحولوا الى ملالي يتحججون بالقرآن و السنة للحشد ضد هذا القانون , أقول برافو عليكم , عن جد برافو عليكم , فقد نجحتم في إصابتي بالغثيان بعد أن تغلبت عليه لتسعة أسابيع متواصلة
.
و في الختام ما نقول إلا حسافة عليك يالسعدون , و حسافة عليك يا عباس الشعبي , توقعتكم أصحاب مبدأ , أما بقية الأربعة و ثلاثين فارس ما عليهم شرهة , فنحن لم نتوقع منهم الأفضل على أي حال, و في النهاية نوجه تحية للنائب الفاضل محمد المطير حيث أنه أثبت للمرة الرابعة تمسكه بالمبدأ و عدم انجرافه وراء المصالح الإنتخابية
.
على العموم أتوقع أن يتم رد هذا القانون و لا نخرج من هذه التجربة بفائدة غير انكشاف المزيد من الأقنعة , لذلك أرجو من الشباب التخفيف من حماسهم و اندفاعهم في الدفاع عن الضمير فلان و مهاجمة الرمز فلنتان , فالجدول أعلاه يُثبت أن ما أخس من المربوط إلا المفتلت , و رحم الله إمرء عرف قدر نفسه

.

Friday, January 08, 2010

زقوم ببطن العدو

.
الحجية زين فرحانة أوي بتمرير 22 بوينت ثري مليون رسالة أس أم أس خلال رأس السنة
.
و نحن أيضا نبارك للحجية مو زين بهذا الانجاز العظيم
.
بس ممكن أحد يفهمني ليش الرسائل اللي بعثتها بُعِثت مرتين ؟
.
و ليش صاحبي يدق علي من أمريكا يقولي سَكِّر جهازك
.
لأن واصلني منك فوق الخمسة و ثلاثين مسج حتى الآن و مو راضي توقف؟
.
و يصكوني بفاتورة 60 دينار و يقطعون خطي ؟
.
سؤالي هو
.
هل المسجات المكررة تُحسب على العميل؟
.
و هل الشركات الأخرى تستخدم نفس الـ ألاعيب لزيادة الأرباح؟
.
و إذا بحوِّل خطي
.
هل تنصحوني بالوطنية أو فيفا؟
.

Monday, January 04, 2010

القضية خوش , بس المحامي إخرطي


.
لا يختلف اثنان على أن سنة 2009 كانت من أسخن و أنشط السنوات السياسية على الساحة الكويتية , لكن المخيب للآمال هو أن أغلب هذا النشاط يندرج تحت خانة الجعجعة بلا طحين , فالساحة مزحومة بالتجمعات و الحملات الشعبية و الاستجوابات و الانتخابات و التهديدات و المطالبات لكن النتيجة النهائية سبعة صفر مع الرأفة لصالح فريق طمام المرحوم
.
و عند تسليط الضوء على هذه القضايا نجد أن أغلبها يتسم بالعدالة أو الموضوعية على أقل تقدير , لكن السبب الرئيسي في فشلها يعود الى عدم كفاءة من يحمل رايتها من حيث اسلوب التعامل و اختيار قنوات التنفيذ , فالمشكلة في كثير من الأحيان تكمن في ضعف الدفاع و ليس قوة الهجوم , حتى أننا بدأنا نَشُك أحيانا في الرغبة الحقيقية لخط الدفاع لحل هذه القضايا
.
و من خلال متابعتي الحثيثة لتفاصيل القضايا المثارة استطعت أن ألخص الخطوات التي تمر فيها هذه القضايا و التي تؤدي في النهاية الى النتيجة السلبية و هي الإستمرار و التفاقم بدل العلاج و الحل
.
تبدأ القضية في العادة بمطالبة مجموعة من المواطنين بشيء معين من الحكومة , كأن يطالب البعض الحكومة بتخفيف أعباءه المالية و شراء ديونه أو فوائدها من البنوك , أو أن يطالب المسرحين عن العمل براتب بديل من الحكومة الى حين ايجاد وظيفة جديدة , أو أن يشتكي البعض من وجود منازلهم بالقرب من منطقة صناعية ملوثة تهدد صحتهم و صحة عوائلهم
.
بطبيعة الحال سيطرق هؤلاء المواطنين أبواب الحكومة و لن يتم الاكتراث بهم , فيكون خيارهم الثاني هو اللجوء الى مجموعة من ممثلي الشعب الأفاضل , و هنا تحدث تفاعلات كيميائية بين النائب و القضية , فيصبح بقدرة قادر الوكيل الحصري لها في الكويت و الشرق الأوسط , فهو الأب الروحي لها , و هو المتحدث الرسمي بإسمها , و هو الجهة الوحيدة المخولة بطرح حلول الوجبات السريعة لحلحلتها
.
و بسبب اندفاع و جهل نائبنا المغوار في حيثيات القضية و أبعادها المباشرة و الغير مباشرة نجد انه في العادة يطرح حلول الأحلام الوردية التي قد ينجح من خلالها في دغدغة مشاعر المواطنين و التلاعب في عواطفهم , الا أن هذه الحلول البعيدة عن الواقع تكون في العادة مليئة في العيوب و الفجوات كأن يطالب بو رمية بإسقاط القروض أرضاً , أو أن يطالب بعض النواب بعدم اشتراط موعد محدد لإيجاد وظيفة للمواطن المسرح , أو أن يطالب مجموعة من النواب بنقل مصانع شعيبة بشخطة قلم , و هذا ما يُسهِل على الحكومة رد هذه المقترحات و المماطلة في حل هذه القضايا الى أجل غير مسمى
.
و المشكلة الأكبر بعد كل ما سبق هو أن المواطن الحالم لا يزداد الا اقتناعا بالحلول الوردية للنواب و هذا ما يجعله يعيد ترشيح بيّاع الأحلام على أمل أن يحدث التماس كهربائي بين المجلس و الحكومة في ليلة خميس و توافق الحكومة على حلول النائب المغوار , لكن الواقع للأسف يقول عكس ذلك , فالكويت منكوبة بحكومة وزراءها مالهم شغل , و مجلس نوابه بلاعيم بلا عقول , و مواطن ضايع بالطوشة ما يدري وين الله قاطه
.
و الحل في تغيير الثلاثة
.