Tuesday, September 16, 2014

الشعب يرفع والحكومة تكبس !!



الكويت.. ومنذ بداية جني الأرباح النفطية في الخمسينيات.. وهي لم تعد بحاجة "اقتصادية" لرؤوس الأموال الأجنبية، فقد أصبحت الدولة غنية وقادرة على دفع رواتب (بتوظيف أو بدون توظيف) لجميع مواطنيها دون الحاجة لأي كان.

لكن أصحاب البصيرة يعلمون بخطورة استمرار هذه الحالة، خصوصا وأن بند الرواتب يلتهم ما يقارب الثمانين بالمئة من ميزانية الدولة، ولذلك بدأت الحكومة في تشجيع الشباب على العمل في القطاع الخاص من خلال صرف راتب إضافي[1] من الدولة أولاً، وتشجيعهم على تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال تخصيص صناديق متخصصة في دعم هذه المشاريع بقروض ميسرة وشروط سهلة ثانياً.

تزامنت هذه التوجهات مع رغبة أميرية وحكومية وشعبية في تحويل الكويت إلى "مركز تجاري ومالي"، وبدأ ترديد هذا الشعار في جميع الخطابات الأميرية والحكومية وغيرها دون تحديد المقصود به، ودون تحديد أو توضيح الخدمات التي سيقدمها هذا "المركز التجاري والمالي"، ولمن سيقدمها؟

عندما نطلق مسمى "مركز" أو "HUB" على شيء، فالمقصود بالتأكيد أن هذا المركز لن يكتفي بالمتوفر لديه حالياً من فعاليات "محلية"، ولكنه يطمح لجذب فعاليات "أجنبية"، فعندما نقول بأن البحرين "مركز مصرفي"، فهذا يعني بأنها لم تكتف بجذب بنوكها المحلية، لكنها نجحت بجذب البنوك الأجنبية للعمل على أراضيها، وعندما نقول بأن دبي مركز "تجاري"، فهذا يعني بأنها لم تكتف بالنشاط التجاري لتجارها المحليين، لكنها نجحت في جذب التجار الأجانب لمماسة نشاطهم التجاري على أراضيها.

وبالعودة إلى الكويت، نجد أن الترديد المتكرر لشعار "مركز مالي وتجاري" لم ينجح في جذب الأعداد المطلوبة من الشركات ورؤوس الأموال الأجنبية، بل على العكس من ذلك، أصبحت الكويت الدولة الأولى في تصدير الشركات ورؤوس الأموال إلى الخارج، فالكويتيون وبجميع مستوايتهم الفردية والمؤسسية يستثمرون أموالهم ويؤسسون شركاتهم في الخارج بدلاً من الداخل.

وعند النظر إلى هذه الحالة، كنا نضع اللوم دائماً على التوجهات الحكومية في عدم السعي لتطبيق شعاراتها وإنجاز الخطوات المطلوبة لتحويل الكويت من مركز "تصدير مالي وتجاري" إلى مركز "جذب مالي وتجاري"، لكن حادثة الأمس وانتشار خبر تسريح شركة "أوريدو" للاتصالات لما يتجاوز المئتين موظف كويتي[2] جعلني أعيد النظر في انطباعي السابق من عرقلة الحكومة "منفردة" لتحويل الكويت إلى "مركز مالي وتجاري"، فقد اكتشفت بأن القطاعات الشعبية لا تقل "عدائية" لهذا الشعار من الحكومة!!

فمنذ انتشار خبر التسريح... وقبل معرفة تفاصيل الأسباب والأعداد الحقيقية... بدأت الفعاليات الشعبية (والشبابية) بحملات دعائية تطالب بمقاطعة الشركة وهذا شيء طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تمتد هذه الحملة لتتعدى حدود المقاطعة "التجارية" وتصل إلى مستوى التجريح بالدولة المالكة للشركة، وغير الطبيعي أن تشهد هذه الحملة تهجماً شخصياً على مدراء الشركة، وغير الطبيعي يصل السُعار إلى تأييد قيام أحد قراصنة الإنترنت بسرقة حساب الشركة على تويتر!!

أكرر بأن كل هذا حدث قبل التأكد من أسباب هذا التسريح، وقبل سماع رأي الشركة في الموضوع، مع التشديد على أنني أتفهم "فزعة" الشباب مع المسرحين، وأتفهم مطالبة الحكومة بتأمين مستقبل المسرحين سواء بإيجاد وظائف بديلة أو دفع رواتبهم إلى أن يتم توظيفهم في مكان آخر.

لكني لا أتفهم الانزلاق نحو شخصنة القضية وتسييسها وممارسة التشبيح ضد الشركة ومدراءها والدولة المالكة لها، خاصة وأنها حسب الرسالة المنشورة لم تخالف قوانين العمل في الدولة، وضمنت للمسرحين حقوقهم المالية والأدبية، وهذا هو القانون الذي ندعي احترامه سواء أعجبنا أو لم يعجبنا.

أنا هنا لا أدافع أو أشجع شركات القطاع الخاص على "التسريح"، فالقرار وتوقيته وحجمه أغبى من أن ندافع عنه، ولكني أرفض ردود الأفعال غير المنضبطة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. كيف ستتحول الكويت إلى "مركز مالي وتجاري" وتجذب رؤوس الأموال الأجنبية ونحن نتعامل مع الأمور بهذه الطفولية !!؟  













[1] يسمى بـ"دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص".
[2] الأعداد أو الأسباب غير دقيقة حتى الآن.