قبل الدخول في غمار هذا الموضوع المعقد أحتاج الى مقدمة بسيطة
ليس الهدف من كتابة هذا الموضوع حل الخلاف بين السنة و الشيعة , فالخلاف ليس له حل و لن يحل لا في الكويت أو في غيرها من الدول , الهدف الرئيسي من كتابة هذا الموضوع هو معرفة العناصر الحقيقية و الحجم الحقيقي لهذا الخلاف و كيفية التعامل معه , خصوصا و أننا نعيش في مجتمع متخالط – مذهبيا – و في زمن يستحيل فيه التقوقع داخل كهف الخلافات القديمة
هذا الموضوع لن يصلح لمن يبحث عن منو صح و منو غلط , أو من يريد أن يوضح للآخرين من هو الصح و من الغلط , أنا هنا لا أريد هداية أحد , فمن يكتب هذا الموضوع شخص ارتقى بنفسه فوق هذه الخلافات ليعيش في زمنه و ليس زمن من سبقه , من يكتب هذا الموضوع هو ابن للانسان , و يتصرف مع الآخرين أيضا كونهم أبناء للانسان , لهم أخطاؤهم و اصاباتهم , لهم غريزة تغريهم و مباديء تحكم تصرفاتهم , انسان خليط من الخير و الشر, الحكمة و التهور , لذلك فليسمح لي من يعتقد أنه كاشف الغطاء و هو الصح و غيره الخطأ بأن لا أنشر تعليقاته , ليس حجرا على الآراء , و لكن حفظا للنظام و تسيير الأمور بالطريق الذي سيصل بنا الى بر الأمان
رغم أن الخلافات بين الشيعة و السنة كثيرة على مر السنين الا أنها تتمركز حول أربع مناسبات تاريخية لا نستطيع تجاهلها , سأحاول هنا ذكر الحادثة التاريخية و اتباعها بالكيفية التي ينظر بها كلا المذهبين نحو هذه الحادثة التاريخية و تبعاتها , سيلاحظ القاريء - الباحث - اختصاري للأحداث و تبسيطي المتعمد لها مما قد يجعله يعتقد أني أحاول اخفاء بعض التفاصيل , لكن الحقيقة هي أني أود قدر الامكان ذكر الأحداث المتفق عليها بين الفريقين و عدم تفضيل نسخة أي فريق على الآخر , الحدث الأول
غدير خم
بعد الانتهاء من أداء حجة الوداع , وقف الرسول صلى الله عليه و سلم في مكان يدعى غدير خم , و هناك صلى عليه السلام بالمسلمين ثم وقف فأمسك بيد الامام علي بن أبي طالب و قال
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى
فقال
ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى
فقال
فهذا ولي من أنا مولاه , اللهم وال من والاه و عاد من عاداه
النظرة الشيعية
يعتقد الشيعة بأن الرسول – ص – قد مهّد لخلافة الامام علي عليه السلام في الكثير من المناسبات و أهمها حديث يوم الغدير , فالشيعة يعتبرون هذا الحديث علامة واضحة من الرسول للمسلمين بأن علي بن أبي طالب هو الخليفة من بعده و قد ذكرت الروايات الشيعية أن الصحابة بايعوا الامام علي بعد القاء الرسول هذه الخطبة , و من هنا يحتفل الشيعة بهذا اليوم و يعتبرونه عيد الاعلان الرسمي لخلافة علي بن أبي طالب
النظرة السنية
لا ينكر السنة هذا الحديث , الا أنهم لا يرون فيه علامة حسم مسألة الخلافة و يعتقدون أن الرسول أراد به فقط اظهار حبه للامام علي و تحبيب المسلمين به
سقيفة بني ساعدة
عند اشتداد مرض الموت على رسول الله صلى الله عليه و سلم قرر كبار الصحابة من الأنصار الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة , و يذكر أن كبار الصحابة المهاجرين كأبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب سمعوا بهذا الخبر فلحقوا بهم . و في السقيفة بدأ النقاش حول من هو أولى الناس بخلافة رسول الله , هل هم المهاجرين السابقين في الاسلام و الذين تحملوا الظلم و القهر و التهجير في سبيله؟ أم أنهم الأنصار الذين فتحوا بيوتهم و قلوبهم للمهاجرين و أعزوا الاسلام و رسوله حتى أصبح قوة لا يستهان بها ؟
و قد كان الترجيح لكفة المهاجرين فتمت بيعة أبو بكر الصديق في السقيفة و من ثم تتابعت المبايعات في الأيام اللاحقة
النظرة الشيعية
ينظر الشيعة الى ما حدث في السقيفة بارتياب شديد و يعتقدون أنها مؤامرة لاقصاء علي بن أبي طالب من الخلافة و توجيهها الى أبو بكر الصديق , خصوصا و أن بعض كبار الصحابة لم يبادروا لمبايعة الخليفة الجديد و ظهرت بعض الأصوات المنادية بمبايعة الامام علي
و يعتبر الشيعة هذه المرحلة كأساس لبداية الخلاف بين أهل بيت الرسول بقيادة الامام علي بن ابي طالب و بين الصحابة بقيادة أبو بكر و عمر , و تحتفظ كتب الشيعة بالكثير من تفاصيل هذه الخلافات التي وصلت حدتها الى ارغام علي على المبايعة و سلب حق فاطمة الزهراء بارثها من النبي عليه السلام
و أهم أدلة الشيعة على وجود هذا الخلاف و قوته هو أسباب موت فاطمة الزهراء و هي في سن الشباب , أيضا عدم معرفة مكان دفنها يعتبر علامة من علامات هذا الخلاف
النظرة السنية
لا تنكر كتب السنة حدوث بعض التجاذبات حول مسألة الخلافة الا أنهم لا يعتقدون بوجود مواجهات جدية بين أهل البيت و الصحابة , فهم يستشهدون على طيب العلاقة بين الطرفين بوجود الامام علي بن أبي طالب كعنصر أساسي بجانب الخلفاء الراشدين أثناء حكمهم , أيضا يستند السنة الى استمرار علاقات النسب المتبادلة بين أهل البيت و الصحابة كعلامة للعلاقة الطيبة و الوطيدة التي جمعت الطرفين بعد وفاة الرسول
أيضا يعتقد السنة بأن أحداث السقيفة ترسخ مفهوم الشورى في الآية الكريمة – و أمرهم شورى بينهم
صفين و الجمل
بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان تمت مبايعة الامام علي بن أبي طالب على الخلافة , الا أن عدم اقتصاص الامام علي من قتلة عثمان مباشرة – لعدة أسباب – كان عذرا أمام معاوية بن أبي سفيان لعدم المبايعة و الانفصال بالشام عن دولة الخلافة الاسلامية الرئيسية , و قد أدى هذا الانفصال لقيام حرب صفين بين معاوية و الامام علي و انتهت بحادثة رفع القرءان المشهورة
أيضا و لنفس السبب قام مجموعة من الصحابة بقيادة طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و أم المؤمنين السيدة عائشة بحرب الامام علي في معركة الجمل , و قد انتصر جيش علي على الآخرين و قتل طلحة في هذه المعركة بينما بادر الامام علي باعادة أم المؤمنين عائشة الى المدينة معززة مكرمة
النظرة الشيعية
يعتبر الشيعة معركة صفين و الجمل نقطة مركزية في اثبات الخلاف بين بعض الصحابة و أهل البيت بقيادة الامام علي , و من هنا نجد أن النظرة الشيعية السلبية للصحابة تبلورت بشكل واضح بعد هاتين المعركتين
النظرة السنية
أعتقد أن معركة صفين و الجمل تعتبر نقطة اضطراب شديد للنسخة السنية من التاريخ الاسلامي , خصوصا و أن المذهب السني ينظر الى الصحابة بصورة ايجابية تزينها أحاديث التبشير بالجنة و بعض المواقف البطولية في بداية الاسلام , فعائشة هي أم المؤمنين و أحب أزواج النبي الى قلبه , و معاوية هو كاتب الوحي و الفاتح البطل السياسي الداهية , و الامام علي هو من كرم الله وجهه , و طلحة و الزبير لهم تاريخ بطولي لا ينكره أحد
و من هذه الحادثة بدأ تركيز السنة على مبدأ اجتهاد الحاكم المنقول عن حديث الرسول صلى الله عليه و سلم
عاشوراء
أعتقد أن الجميع يعرف حيثيات و أسباب حادثة الطف الشهيرة , كانت الشرارة الأولى بخلافة يزيد لوالده معاوية بن ابي سفيان في حكم الدولة الاسلامية , و هذا ما أدى الى رفض الامام الحسين بن علي للمبايعة , و من هنا حدثت الكارثة في كربلاء و قتل فيها الامام الحسين و من معه من أهل بيته و أصحابه اضافة الى أسر من معه من النساء
النظرة الشيعية
لا أحتاج أن اقول بأن لعاشوراء دور محوري في تشكيل الثقافة الاسلامية الشيعية و هم ينظرون لها كنتاج طبيعي لكل ما سبقها من أحداث اضطهاد و عداء لأهل البيت عليهم السلام , فالشيعة لا يفصلون بين السقيفة و صفين و الجمل و الطف , هم ينظرون لها كسلسلة مستمرة من الأحداث التي انتجت بعضها بعضا لابعاد أهل البيت عن الخلافة و القيادة , طبعا الأحداث المستقبلية تؤيد هذا التوجه خصوصا و أن الأئمة التسعة من أبناء الحسين تعرضوا الى مصير مشابه لما حدث لأبيهم
النقطة المحورية الأخرى هي أن أحداث التاريخ الواضحة أعطت للشيعة مجالا أوسع في لعن يزيد بن معاوية كونه المتهم الرئيسي في قتل الحسين , خصوصا و أنه سجله يفتقر للانجازات الاسلامية المشرفة كما كان الأمر مع والده و من سبقه من الصحابة
النظرة السنية
ينقسم السنة الى قسمين في التعامل مع عاشوراء , فهناك من يؤيد نظرة الشيعة ليزيد و يعتقدون بأنه مجرم و رئيس عصابة كما أسماه الشيخ محمد العوضي , و هناك من السنة من يبريء يزيد من هذه الجريمة كونه لم يأمر مباشرة بقتل الحسين و انما أمر بأخذ البيعة منه , و يعتمد السنة في هذه النظرة على بعض الروايات التي تذكر حزن يزيد على الحسين و معاقبته لمن تسبب في هذه الجريمة
الا أن التاريخ لا يرحم , و جرائم يزيد استمرت الى ما بعد الحسين
>
>
حاولت في هذه المقالة توضيح تطورات أهم الأحداث التاريخية التي اختلف الشيعة في تحليلها عن السنة , و سأركز في المقالة القادمة على كيفية انتقال هذا الخلاف في التفسير و التحليل الى اختلاف جذري في اسلوب المعالجة التاريخية الثقافية
يتبع