خصصت المقالة الأولي لشرح خيارات النكاح المتاحة في المجتمع الاسلامي الناشيء ثم انتقلت في المقالة الثانية لشرح الفرق بين زواج المتعة و الزواج الدائم, و اليوم سأناقش الموضوع من زاوية أخرى و هي الأقرب للقاريء كونها تحلل الموضوع من منظور اجتماعي معاصر
قبل التعمق في زواج المتعة أود أن أطوف بشكل سريع على نوعين من الزيجات المنتشرة في أقطار العالم الاسلامي في وقتنا الحالي و هما زواج المسيار و الزواج العرفي – السري - , أود هنا أن الفت نظر القراء الى أنني لا أذكر هذين الزواجين من باب تشابههما الشرعي مع الزواج المؤقت و لكني أذكرهما لأسباب اجتماعية عصرية بحته
فزواج المسيار و هو مجاز في المملكة العربية السعودية يتشابه كثيرا مع الزواج العادي مع اعطاء الحق للزوج في عدم الاقامة مع الزوجة و الاكتفاء بزيارتها بين الحين و الآخر – يسيّر عليها – بينما الزواج العرفي – السري – كما فهمت من خلال المسلسلات المصرية هو زواج غير موثق بشكل رسمي و هو منتشر في مصر و خصوصا بين شباب الجامعة
أنا هنا لن أعلّق على تحريم أو تحليل هذه الزواجات فهذا شأن رجال الدين , ما يهمني في هذه المقالة النظر بعين الواقع و الحكمة الى هذه الزواجات و معرفة أسبابها و آثارها الاجتماعية , فمن خلال واقعنا الاجتماعي نلاحظ تشابه كبير بين الفئات التي تلجأ الى زواج المتعة و المسيار و العرفي مع بعض الاختلافات الطفيفة
أعتقد أن من يلجأ الى هذه الأنواع من الزيجات – رجل أو امرأة – هو في العادة شخص غير راغب بتحمل مسؤوليات و التزامات الزواج الدائم بشكل كامل , قد يكون هذا الرفض ناتج عن عدم القدرة المادية أو المعنوية, و هنا نضطر الى ذكر شروط الزواج العصري الاجتماعية , و هنا أركز على كلمة اجتماعية كوني لا أناقشها من الناحية الشرعية
يصاحب الزواج في هذا العصر الكثير من المتطلبات و الالتزامات نذكر منها
غلاء المهور
يعتبر غلاء المهور و تكاليف الزواج بشكل عام أهم عائق أمام الشباب المشرفين على سن الزواج , ففي دولة مثل الكويت يكلف – متوسط – الزواج أكثر من عشرة الى خمسة عشرة آلاف دينار ما بين مهر و شبكة و شهر عسل و شوية متفرقات من حفلة و ما الى ذلك , ربما يكون هذا المبلغ يسير على البعض و لكنه مبلغ تعجيزي لنسبة كبيرة من الشباب
توفير السكن المستقل
لا يعتبر السكن أزمة كبيرة في الكويت فمن لا يجد بيت يسهل عليه الحصول على شقة بسعر لا بأس به مع دعم الحكومة , الا أن السكن يعتبر أزمة في مصر و غيرها من البلدان التي ينتشر فيها الفقر و يحتاج الشاب هناك لتحويش نسبة كبيرة من دخله و لمدة خمس الى ثمان سنوات حتى يتمكن من توفير عش الزوجية و هو عائق رئيسي أمام الشباب المصري بالخصوص
عدم التغيير و الملل
معظم العلاقات الزوجية تبدأ بروح الاثارة و المتعة لكنها سرعان ما تتجه نحو الرتابة و الملل , خصوصا مع ازدياد المسؤوليات و المشاكل المتبادلة بين الزوجين بالاضافة الى تدخلات الأهل و هلم جر, كل هذه العناصر تساهم في تحويل عش الزوجية الى مكان كئيب يسعى كلا الزوجين الى البحث عن السعادة خارجه – انشاءالله سأكتب موضوع تفصيلي حول هذه المشكلة
المعايير الاجتماعية و الطبقية
للأسف فاننا نعيش في مجتمع تنتشر فيه النعرات الطائفية و الطبقية الاجتماعية , فكل مجموعة تصنف نفسها على أنها أفضل من الأخرى و كلما تعمقت في المجاميع تزداد هذه التصنيفات العائدة الى الأصول و المستوى المادي ثم المذهبي, لا أعتقد أني أحتاج الى شرح أكثر كوني أثق بأن الجميع يمتلك أمثلة حية كثيرة على هذه النقطة
سهولة الاغراءات الخارجية و كثرتها
أخيرا و ليس آخرا دعونا نعترف بأننا نعيش في زمن لا يسعى فيه الانسان للفساد فالفساد هو من يسعى اليك , قنوات فضائية تتفنن في الاثارة الجنسية و بيع الجنس الرخيص , أفلام البلوتوث التي تصلك أينما كنت , الأنترنت و ما فيه من غرف دردشة يتحول فيها عزيزان الى قيس و لطيفة الى ليلى بالاضافة الى الانحلال الأخلاقي الملحوظ و توفر الدعارة بأسعار تنافسية لكل من يسعى الى مغامرة خارج سلك الزواج الدائم
.
جميع هذه الأسباب تشترك لتجعل خيار الزواج الدائم أقل اغراءا من الزواجات الأخرى , و كلما زادت هذه الأسباب سنجد فئة أكبر تلجأ الى الزواجات الأخرى كبديل عن الزواج الدائم
نقف هنا أمام مفترق طرق يحتم علينا الاختيار بين طريقتين لمعالجة الموضوع , الطريقة الأولى – السائدة - هي النظرة القاسية اتجاه كل من يلجأ الى هذه الزيجات و اطلاق صفة السرسرة على الرجال و صفة العهر على النساء لأنهم قبلوا بهذا الزواج , و الطريق الآخر هو تجريد أنفسنا من أنفسنا و انتحال شخصيات هؤلاء الرجال و النساء و محاولة فهم الظروف التي أجبرتهم على هذا النوع من الزيجات
في البداية يجب علينا التفريق بين من يمارس الزنا – أشكرة – و بين من يلجأ لهذه الزواجات , فمن يمارس الزنا هو شخص لا يكترث كثيرا بمسألة الدين ولا يهمه الحلال و الحرام فأهم ما عليه راحته النفسية – أو الجنسية – أما من يلجأ الى المتعة و المسيار و العرفي فهم عادة الأشخاص الذين يريدون الجمع بين اشباع غريزتهم الجنسية من جهة و عدم الاحساس بمرارة تأنيب الضمير الديني المصاحب لارتكاب الذنوب الكبيرة
بالنسبة للرجال فهم ينقسمون الى نوعين , النوع الأول هو الرجل الغير قادر ماديا على تكاليف الزواج كطالب الجامعة حديث التخرج أو الخطيب الذي يحتاج الى الانتظار سبع سنوات للحصول على شقة يسكن بها مع زوجته أو الموظف العربي الذي يعيش مع عشرة من زملائه تحت سقف غرفة واحدة و يعتبر الزواج مستحيلا مع حالته المادية التعيسة فيلجأ الى الزواج العرفي كي لا ينفجر
أما النوع الآخر من الرجال فهم القادرين ماديا و لكنهم غير قادرين معنويا أو اجتماعيا على تحمل تبعات هذا الزواج , كالرجال الذين لا يستطيعون الالتزام و لا يريدون المسؤولية , أو الرجال المتزوجين و حياتهم تعاني من مرض الاستقرار الممل فيلجؤون الى الزواج السري لاشباع رغباتهم الفانتازية من دون تأثير على زواجهم الممل – الأول – و لا أخفي عليكم أن للرجل أنانية غريزية تبرز في هذه النوعية من الزواجات
عندما نأتي الى قسم النساء اللواتي يقدمن على هذه الزيجات سنجد أسباب كثيرة و متعددة تدفع المرأة الى التنازل عن جزء من غرورها و كبريائها – الاجتماعي - و القبول بهذه الزيجات التي لا تحفظ حقوقها بالشكل المطلوب و بالتأكيد هي ليست اختيارها الأول
يقول الامام علي عليه السلام لو كان الفقر رجلا لقتلته , و الفقر أو العجز المادي هو أهم أسباب قبول الكثير من النساء بهذه النوعية من الزيجات, فعدم الحصول على حياة زوجية متكاملة الأضلاع أهون بكثير من العوز و تحمل اهانة مد اليد
أيضا يقف شبح العنوسة – عدم الزواج – كأحد أهم أسباب اقدام المرأة على قبول هذا النوع من الزيجات كونها تفكر بطريقة شيء أفضل من لا شيء
أعتقد في النهاية أن الزواج العرفي في مصر و زواج المسيار في السعودية هي محاولة عصرية لمعالجة المشاكل الاجتماعية بطريقة شرعية , و قد كان الشيعة الأكثر حظا حيث أنهم لا يحتاجون لاختراع طريقة عصرية تحل هذه المشكلة في ظل وجود الزواج المؤقت
أعلم أن أغلب القراء - و القارئات خصوصا - لديهم مواقف مسبقة رافضة لهذه الزواجات و أنا لا ألومهم على ذلك , لكن تعال معاي نفكر , هل تقبل سيدي القاريء بالزواج من سيدة مطلقة في الخمسة و الأربعين و أم لطفلين؟ و هل تقبلين أيتها القارئة بالزواج من شخص عربي يعيش مع سته من رفاقه في غرفة واحدة و لا يتجاوز مدخوله الشهري مئتين دينار؟
اذا كان جوابك على هذا السؤال نعم فأنت صايدني, أما ان كانت اجابتك لا أقبل لأني أستطيع الحصول على أفضل من هذا الشخص فعليك أولا أن تحمد الله على النعمة ثم ترجع سيفك الى غمده و تعرف أن زواج المتعة و غيره من مسيار و عرفي هي الطريقة الوحيدة – الشرعية – أمام هؤلاء
خلاصة هذه السلسلة هي أننا يجب أن ننظر الى هذه الحالات بشيء من الرحمة و بنظرة يسوع الناصري عليه السلام عندما أراد الناس رجم المجدلية و قال لهم
.
من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر
.
انتهى
_______________________________________