إلى الأستاذ عبدالرحمن بن محمد
الإبراهيم.. مع التحية
أصدرت كتابي الأول في الشهر العاشر
عام 2013، وهو كتاب معني بتاريخ الكويت السياسي، ولله الحمد حصل الكتاب على ردود
أفعال طيبة بالمجمل، ونفدت نسخ الطبعة الأولى من الناشر في أقل من سنة، وأعترف هنا
بأني أعتبر نفسي من الكتاب المحظوظين للعديد من الأسباب، أهمها توافر عدد جيد من
القراء المخلصين الذين يصرون دائما على إيصال ملاحظاتهم على الكتاب لي والتحاور
معي في شأنها، وقد يكون الأستاذ عبدالرحمن بن محمد الإبراهيم[1]
من أوائل هؤلاء القراء الذين حرصوا على تدوين ملاحظاتهم (وانتقاداتهم) على الكتاب
في مدونته الكريمة على هذا الرابط.
وللإمانة الأدبية، قرأت ملاحظات
الأستاذ عبدالرحمن عند نشرها في ديسمبر 2013، لكني لم أشأ الرد عليها رغبة مني في
انتظار المزيد من ردود الأفعال والملاحظات والتعليقات والانتقادات، حتى يكون ردي
عليها دفعة واحدة بدلاً من تكرار الرد على نفس الملاحظة أكثر من مرة.
وبما أنني اليوم في صدد إصدار
الطبعة الثانية من الكتاب، وبما أن أغلب القراء وجهوا لي ملاحظاتهم على الكتاب عبر
الإيميل ولم ينشروها على العامة، وقد رددت عليها كلها أيضا عبر الإيميل، فلم يبق
أمامي سوى الرد على ملاحظات الأستاذ عبدالرحمن، وهي للأمانة ملاحظات وانتقادات
قيمة واستفدت منها الكثير، لكن هذه الاستفادة لا تمنع الرد عليها في هذه المقالة
التي سأضع فيها ملاحظات الأستاذ عبدالرحمن باللون الأحمر، والرد عليها باللون
الأزرق.
1-
الاعتذار عن تحويل التواريخ الهجرية إلى ميلادية والعكس.
-
المقصود في هذا الاعتذار هو وجود بعض الأحداث التي وجدت
لها (في الكتب) أكثر من تاريخ هجري أو أكثر من تاريخ ميلادي وعدم تمكني من التأكد
من التاريخ الصحيح، أما لو كان تاريخ واحد سواء هجري أو ميلادي فمن السهل معرفته.
2-
الاعتماد فقط على المصادر المكتوبة وعدم الاعتماد على
المصادر الشفهية، رغم النقل عن مصادر مكتوبة اعتمدت على المقابلات الشفهية.
-
كنت أعلم جيدا بأن هذا الخيار سيكون نقطة ضعف بالكتاب،
لكنه خيار استراتيجي بالنسبة لي للعديد من الأسباب، ويمكنني هنا تشريح الموضوع
كالآتي:
-
بالنسبة للنقل من كتب اعتمد أصحابها على المقابلات
الشخصية، في هذه الحالة فأنا أعتمد على اطمئنان الكاتب الأصلي للأشخاص الذين
قابلهم ونقلوا له الحدث، خاصة في حال عدم إيجادي لأي اعتراض على المعلومة
المذكورة، أي أن تحمل مسؤولية أمانة النقل يقع على الكاتب الأصلي ولا يقع علينا.
-
بالنسبة للنقل من كتب أو مصادر غير محايدة، فالحديث هنا
يكون عن الحدث المنقول، وهل وجدنا اعتراضات على هذا الحدث أم لا؟ وأغلب المنقول من
كتاب الشيخ خزعل ليس عليه اعتراض حسب اطلاعي البسيط.
-
بالنسبة لعدم اللجوء للمقابلات الشخصية لتغطية بعض
الأحداث، السبب الأول هو أن المصادر المكتوبة لبعض الأحداث تكون كافية (بالنسبة لي)
للحصول على ما أحتاجه لتغطية الحدث، فأنا لا أرغب في التفصيل والإطالة في كل الأحداث،
السبب الثاني هو تخوفي من الاعتماد على "ذاكرة" كبار السن في نقل تفاصيل
الأحداث، خصوصا بعد اللغط المصاحب لمذكرات الدكتور أحمد الخطيب.
3-
الاعتماد على الوثائق البريطانية المنشورة في كتاب آلان
رش فقط.
-
اعتمدت على وثائق آلان رش بكثافة في نقل أحداث المجلس
التشريعي 1938، ووجدتها كثيرة وتغطي الحدث يوماً بيوم، خاصة بعد مقارنتها بمذكرات
خالد العدساني، كان من الأفضل لو أنك ذكرت لي حدث (جوهري) مذكور في الوثائق
البريطانية الأصلية وغير مذكور في كتاب آلان رش حتى تتضح ضرورة العودة للوثائق
الأصلية.
4-
عدم ذكر الصعوبات التي واجهتني في الوصول إلى بعض
المصادر.
-
لم أذكر الصعوبات لأنني لم أذهب إلى المكتبات المذكورة.
5-
إطلاق صفة "البصري" على الشيخ عثمان بن سند
صاحب كتاب سبائك العسجد.
-
لا أرى عيباً في ذكر كنية الكاتب بدلاً من اسمه الحقيقي،
فجميع كتب التاريخ الإسلامي تذكر الصحابة بكنياتهم المعروفة للجميع بدلا من
الأسماء الشخصية، فالكتب تتحدث عن الخليفة "أبو بكر الصديق" وهذه كنيته
المشهورة، بينما اسمه الحقيقي "عبدالله بن عثمان بن عامر".
6-
مصدر شهداء معركة "الرقة".
-
مصدر المعلومة تجده في نهاية الفقرة في ص37 رقم 1 وهو
كتاب خزعل، الجزء الأول، ص50، أما بالنسبة لذكر غيرهم من الشهداء فلم أجد لهم ذكرا
في هذا المصدر أو غيره.
7-
عدم أخذ معتقدات الوهابيين من مصادرهم الأصلية.
-
ذكرت في ملاحظتك بأني أتيت بمعلوماتي عنهم من موقع
"مقاتل من الصحراء" وهو موقع "سياسي عسكري"، وأنا أقول بأن
كتابي أيضا "سياسي تاريخي" وليس كتاب فقهي، لذلك ذكرت ما يخص الوهابيين
في الجانب السياسي التاريخي ولم يكن هدفي الغوص في معتقداتهم الفقهية.
-
وهنا نعود إلى ما ذكرناه سابقا في الإجابة الثانية، وهو
أن علينا التركيز على الحدث المنقول بالإضافة إلى المصدر، ففي كل مصدر هناك ما
يُنقل وهناك ما يُترك، وهذا موجود في جميع المصادر بما فيها كتاب الدكتور أحمد
الخطيب وكتابي، وما تم نقله من موقع "مقاتل من الصحراء" كانت رسالة
مشهورة للامام سعود بن عبدالعزيز وهي مذكورة بالنص في أكثر من مصدر، ورأيت فيها
تلخيص للآيدلوجية الوهابية وأهدافها.
8-
عدم وجود معلومة جديدة في عهد الشيخ مبارك وجابر وسالم،
وعدم التعمق في أحداث معركة الجهراء ودور "الشيعة" فيها.
-
أعتقد أنني ذكرت أهم الأحداث في عهد الشيوخ الثلاثة، خصوصاً
وأن فترة الشيخ مبارك أشبعت بحثا في الكثير من الكتب القديمة والحديثة، وكذلك
الأمر بالنسبة لتفاصيل معركة الجهراء، وهذا ما جعلني لا أجد ضرورة في نقل تفاصيل
الحدث.
-
أما بالنسبة لدور "الشيعة" في معركة الجهراء
والأدلة الجديدة التي قدمها الأستاذ محمد الحبيب فقد اطلعت عليها، لكن علينا
التفريق هنا بين البحث "الأكاديمي" والكتاب "التاريخي"، فالبحث
الأكاديمي يهتم باقتناص الحقائق الجديدة التي قد تفتح أبواب جديدة للمعرفة، لكن
هذه الحقائق قد لا تكون ذات أهمية تاريخية للكتاب التاريخي.
-
على سبيل المثال، اطلعت شخصيا على بحث الأستاذ محمد
الحبيب واكتشافه لمعلومة "الشهيد دشتي"، وهذا سبق "علمي" يسجل
له بلا شك، لكن هذه المعلومة لم تغير السياق العام للحدث التاريخي بالنسبة لي،
فوجود شهيد "شيعي" في المعركة لا يعني بأن الشيعة كـ كتلة أو مجموعة
شاركوا فيها، فهذا الشخص يمكن أن يكون موجودا في المعركة عن طريق الصدفة أو
لمصاحبته أحد المشاركين فيها سواء الشيخ سالم أو غيره، وليس بالضرورة أنه جزء من
مجموعة أو فرقة شيعية شاركت في المعركة.
9-
عدم تحليل أحداث المجلس التشريعي 1938.
-
أعتقد أن الكتاب أضاف الكثير من التفاصيل الجديدة رغم
عدم قيامه بتحليل الأحداث، فالكتاب ينقل الحدث من وجهة نظر خالد العدساني المؤيد
للمجلسيين، وينقله أيضا من وجهة نظر البريطانيين المعارضين للمجلس، ولم يهمل في
هذا السياق وجهة نظر الكتلة الشيعية التي طالبت بالجنسية البريطانية، ولم أجد كتاب
آخر يضع نص المقالات المنشورة في الصحف العراقية، وحقيقة الأدوار التي لعبها بعض
المعارضين، وتفاصيل الأحداث التي دارت بين المعتمد البريطاني في العراق والملك
غازي.
-
أما بالنسبة لتحليل الأحداث، فلم أفضل الخوض فيها حتى لا
أفسد على القارئ متعة التحليل الذاتي، خصوصاً وأن تحليلي قد يكون خاطئاً أو غير
دقيق لأنني لم أعاصر الحدث.
10-
عدم التعريف ببعض الشخصيات المهمة في الأحداث.
-
لا أريد التخفيف أو التهوين من هذه النقطة فأنا أتفق معك
فيها، لكني ربما وجدت صعوبة في تحديد الشخصيات التي يجب التعريف بها والتي لا يفترض
التعريف بها، أنا شخصيا ألجأ إلى "العم قوقل" عند قراءة الكثير من
الأسماء التي لا أعرفها في الكثير من الكتب.
11-
الاعتماد على معلومات الدكتور فلاح المديرس.
-
أعترف أنني اعتمدت شخصياً على معلومة الدكتور فلاح
المديرس ولم أجد من يعارضها، خاصة وأن كتابه جاء بعد كتب عبدالعزيز الرشيد ويوسف
بن عيسى، وهؤلاء (للدقة) لم يعارضوا معلومة المديرس ولكنهم لم يذكروها في كتبهم.
12-
عدم التحليل في الجزء الثاني والثالث.
-
من وجهة نظري المتواضعة، يجب الفصل دائما بين
"التأريخ" و"التحليل"، فالتأريخ هو ذكر الحدث كما حدث من وجهة
نظر المؤرخ، أما التحليل فيعطي للمحلل حرية أكبر في ذكر خلفيات الحدث وتبعاته
ودوافعه.. إلخ إلخ.
-
وأنا (في هذا الكتاب) اخترت الاكتفاء بالتأريخ دون تحليل
رغم استمتاعي بالتحليل في هذه المدونة التي نشرت فيها أكثر من 700 مقال، والسبب في
ذلك هو أنني منعت نفسي من الدخول في النوايا والتوسع في إعطاء رأيي في الأشخاص
والأحداث والأقوال والأفعال، فكل ذلك قد يفسد الجانب التأريخي من الكتاب، ويضعني
في صف طرف ضد طرف آخر، لذلك فضلت أن يقوم كل قارئ بمهمة التحليل بنفسه، أما أنا فأنوي
كتابة كتاب آخر أضع فيه تحليلاتي للكثير من الأحداث التاريخية والمستقبلية إن شاء
الله.
في النهاية، أعتذر لك عن التأخير في الرد والإطالة فيه، وأؤكد
لك دائماً بأني على استعداد لاستقبال كافة الملاحظات والانتقادات بصدر رحب، ولا
أتعامل مع هذا الموضوع بحساسية أو سوء نية، والله يوفق الجميع.
محمد اليوسفي