Sunday, March 29, 2015

عاصفة اللجم... !!



أعلنت، ومنذ الساعات الأولى لاحتلال الحوثيون العاصمة اليمنية (صنعاء) عن تحفظاتي على هذه
المجموعة، فالشعارات التي ترفعها حركة "أنصار الله" ينطبق عليها المثل القائل "الكتاب باين من عنوانه"، فهي ترفع شعار:

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام


و من خلال نظرة بسيطة لهذه الشعارات نستنتج أن أحوال الشعب اليمني لن تتقدم إلى الأمام (إن لم تعد إلى الخلف) بعد عشرة سنوات أو عشرين سنة من حكم الحوثيين، وأن حكمهم لن يكون أقل تخلفا من حكم علي عبدالله صالح أو عبدالهادي منصور، فالواضح أن هناك منافسة ضمنية بين جميع الأحزاب اليمنية على التخلف وإبقاء هذا البلد على ما كان عليه في زمن الجاهلية !!

فـ شعارات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" و"اللعنة على اليهود" تعني بأن استثمارات هذا الحزب ستتوجه نحو المدافع وليس الجامعات، نحو الحروب وليس المستشفيات، نحو بوليسية الدولة وليس الحريات، ومع كل هذه التضحيات، سيفشل الحزب والدولة التي يحكمها في تحقيق هذه الأهداف، فأمريكا لن تموت والإسلام لن ينتصر، وحتى لو "ماتت" أمريكا وإسرائيل، فهذا لا يعني بالضرورة تحسن أوضاع "العرب" وأحوالهم.

ورغم كل هذه الشعارات العدائية، علينا الاعتراف بأن حركة "أنصار الله" لم تعتد فعلياً على أي دولة خارجية، وأن معاركهم في اليمن تأتي في سياق سلسلة لا متناهية من المعارك بين الفصائل والمجاميع السياسية في اليمن، وأن تركيبة التحالفات الداخلية والخارجية بين هذه الفصائل تختلف في كل معركة، فالمصلحة هي سيدة الموقف، أما الدين والطائفة والمذهب والمبادئ فهي قابلة للانكماش والتمدد على حسب المعطيات المصلحية.


وهنا يمكنني القول بأن المعطيات الجيوسياسية تجعلني أتفهم إقدام المملكة العربية السعودية على توجيه ضربة عسكرية "استباقية" للحوثيين قبل أن يستقر لهم الحكم ويصبح من الصعب السيطرة عليهم وترتفع تكلفة مواجهتهم، لكن هذه الضربة تأتي في سياق عداء قديم ومتجذر بين الطرفين، وهذا ما يجعلنا نتفهم هذا التصعيد المشحون بينهما.


لكن الذي لا يمكن أن نتفهمه، هو مشاركة القوة الجوية الكويتية في هذه الضربة ضد "مجموعة" لم تقم بأي عمل عدائي ضد الكويت وشعبها !! فلماذا نكسب أنفسنا عداءات نحن في غنى عنها !! وإن كان ذلك من باب "الفزعة" للأشقاء في المملكة العربية السعودية، فالأجدر أن نُسخِّر طاقاتنا لمساعدة "الأشقاء" على احتواء الخلافات بدلاً من تفجيرها وتكديس العداوات بالوكالة !! ولنا في موقف سلطنة عمان خير مثال.

أقول ذلك وأنا أعلم "مسبقاً" بأن هذه الضربة الجوية لن تحقق أياً من أهدافها المعلنة، فالحوثي لن يستسلم، ولن يسلم سلاحه، ولن يتوقف عن السعي للسيطرة على اليمن بشكل عام، وصعدة بشكل خاص، وأقصى ما يمكن أن يطمح له القائمين على "عاصفة الحزم" هو تراجع الحوثي عن احتلال عدن والاكتفاء بصنعاء.

ما أكتبه هنا ليس معلومة سرية، فلو كانت المعركة الجوية قادرة على حسم معركة أو إنهاء قوة التشكيلات "الميليشياوية" لتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من القضاء على "حزب الله"، ولتمكن سلاح الجو السوري من القضاء على خصوم النظام، ولتمكنت سلاح الجو الأمريكي من القضاء على "طالبان"، هذه دروس لا تحتاج إلى تدريس، ومعلومات لا تحتاج إلى تعليم !!


ومع كل ما سبق، أكرر بأني أتفهم التشنج السعودي تجاه التوسعات الحوثية، لكنني أقف بحزم ضد مشاركة الكويت في هذه العملية العسكرية، وموقفي هذا لا يأتي من باب شق الصف ومواجهة القيادة السياسية، لكنه يأتي من باب التقليل من الخسائر وعدم كسب عداوات ليس لها ضرورة.

والتعبير عن هذا الرأي (ونشره) يأتي من خلال فهمي الخاص لمفهوم المواطنة، فالعلاقة بين المواطن ووطنه يحددها "عقد اجتماعي" وليس عقد "مُلكية" أو "عمل" حتى يضطر فيه لإخراس نفسه إرضاء لـ معازيبه، وهو عقد يضمن حقوق وواجبات الطرفين وليس من ضمنها أن يُطبل المواطن ويرقص على كل قرار تتخذه السُلطة، وهو يكفل للمواطن حق التعبير عن رأيه ولا يلزمه بتكييف عقله وفكره ومشاعره وحبه وكرهه حسب الرؤى الجيوسياسية للرأي العام والقيادة السياسية.


أقول قولي هذا بعد ارتفاع منسوب المزايدات والولاء المزيف للنظام والوطن في وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الإعلامية العريقة، بل أن نسبة لا بأس بها مارست التحريض الخبيث على كل من يعارض العملية العسكرية، وكان آخرها القائمون على "جريدة القبس" الذين تبجحوا علينا بمختصر غير مفيد يقول بأن "كل صوت معترض الآن مرفوض"، وأن "أي معترض كمن يشق الصف من حيث يدري.. أو لا يدري" !!


فأقول لهم بأنكم مارستم التحريض والتشكيك بالآخر "من حيث تدرون.. أو لا تدرون"، ولذلك عليكم أن تركدوا وتتعلموا أصول "المواطنة" من الشعوب الحرة الحية، ففي الديموقراطيات الحقيقية يعبر المواطن عن رأيه العلني ويمارس حقه في الاعتراض على قرارات السلطة بغض النظر عن المصالح الجيوسياسية، وخير مثال على ذلك ملايين الأمريكيين والبريطانيين (وغيرهم) ممن اعترض على الحروب التي شنتها بلدانهم.





ولنا في هذا المقام عبرة من بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي، الذي رفض المشاركة في الحرب الأمريكية ضد فيتنام رغم ما تعرض له من خسارة لألقاب وحرمان من المشاركة في البطولات والاحتجاز في السجن، فلا تزايدوا على أحد بالولاء والوطنية، حتى لا نضطر لـ "عاصفة لجم" بعد انتهاء "عاصفة الحزم"، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه !!