Monday, February 20, 2012

نفخة عبيد

"مطير قبيلة تحب الفتك و الغزو , و لا تخلد إلى الراحة طالما ينبض فيها عرق . و لهذا ترى أفرادها في شنّ الغارات الدائمة و الهجوم المتصل . و قد استاء الشيخ مبارك الصباح من عمل الدويش رئيس مطير لنزول أعرابه بجوار عجمي بك السعدون فكان خبر إستيائه منهم باعثاً على مزيد فرحهم فجيّشوا جيشاً , و أغاروا على أتباع مبارك النازلين في سفوان , و إستاقوا منهم إبلاً و أموالاً"

ترد هذه الفقرة في مجلة "لغة العرب" الهندية * و الصادرة قبل 100 عام من الآن أي في العام 1912 , و بالرغم من تحفظي الكبير على إستخدام الإسقاطات التاريخية , إلا أن هذه الفقرة لم تبارح ذاكرتي منذ مشاهدتي أخبار الأمس و مفاجأة الدكتور عبيد الوسمي نواب المعارضة بعزمه على تقديم إستجواب لرئيس الوزراء على خلفية إتصال تلقاه من عبدالله الشلاحي و هو المسجون بسبب لا نعلمه بالضبط لكن المرجح هو حرق مقر الجويهل أو إقتحام قناة الوطن للإعتداء على نبيل الفضل .

كتبت في مقالي السابق الفقرة التالية تعليقاً على مخرجات إنتخابات 2012 :"لا تطالبوا بعد ذلك بالتنمية و الجامعات و الإقتصاد و الأمن و سيادة القانون , كونوا صادقين مع أنفسكم و مع مُخرجاتكم , هذه المخرجات قد تطالب بمنع هذا و فرض رقابة على ذاك , لكنها بالتأكيد لن تدفع بأي إصلاح إقتصادي حقيقي , ربما تزعق مخرجاتنا الشعبية بمطالباتها بتطبيق القانون , لكن زعيقها سيتضاعف في تمييع القانون و تجاوزه عندما يقترب من المقربين منهم , هم إنعكاس مباشر لنا , و لنفوسنا , و لسوء نوايانا و إستهتارنا بمستقبل بلدنا"

و بالفعل هذا حصلنا عليه من نواب هذا المجلس , فمن المطالبة بتعديل المادة الثانية إلى إعلان منع الترخيص للكنائس وصولاً إلى زعيق عبيد في الأمس مطالباً بتطبيق القانون على من أهان القبائل "الجويهل" ثم تضاعف زعيقه في تمييع القانون و تجاوزه عندما إقترب من المقربين منه في قضية إقتحام و تخريب قناة الوطن و ما حولها من سيارات .

لن أناقش هنا مدى أحقية عبيد في تقديم الإستجواب فقد شبعنا من ترديد إسطوانة "الإستجواب" حق مشروع للنائب , و لن أناقش هنا إزدواجية الحكومة في تطبيق القانون فكل فئة تعتقد أن القانون يُطبق عليها و لا يُطبق على غيرها كما رأينا مع تجمع الشيعة ضد المليفي و غيرها من التجمعات , و الحقيقة هنا أن القانون كـ "قانون" لم يُطبق على أحد في هذا البلد , فحتى سحب جنسية ياسر الحبيب لم يكن فيها تطبيق للقانون , و القانون لا يطبق أيضا على القنوات الفضائية بنفس الدرجة التي لا يطبق على شركات البورصة ! ربما يعتقد البعض بأن "العقاب" أياً كان نوعه هو قانون , لكن هذا غير صحيح , و هذا ما يجعلني أسأل نفسي دائما هل العيب فينا ؟ أم في قوانيننا الغير قابلة للتطبيق ؟

ليس إهتمامي الآن على شرح ما سبق , فتركيزي هنا على الإنعكاسات السياسية لما قام به عبيد الوسمي بالأمس سواء قدّم إستجوابه أم لم يقدمه , أيدته كتلة المعارضة أم لم تُأيده , تعود معرفتي بالدكتور عبيد إلى العام 2000 عندما كنا نجتمع ليلياً في الأنترنت لنقاش المواضيع السياسية , و الذي لم يتغير في عبيد منذ ذلك الوقت هو نزعته التمردية أو لنقل رفضه التام لتصنيفه محسوباً على جهة أو حزب معين , لذلك كنت أتوقع أن يظهر لنا بمواقف معاكسة للموقف الرسمي للتكتل الشعبي أو حدس أو حتى القبائل , لكني لم أكن أتوقع ظهور هذا الموقف بالتوقيت الحالي .

ما قام عبيد في الأمس و من قبله ترشيحه لمنصب نائب الرئيس سـ يضر المعارضة أكثر مما يضر الحكومة , فمنذ إعلان نتائج مجلس الإنتخابات كتلة المعارضة تحاول التنسيق على قدم و ساق لتحديد أولوياتها في العمل بعد ان أصبحت هي الأغلبية في المجلس , و هذا ما جعل كل فئة منها تسارع في الإعلان عن أولوياتها فطرح هايف موضوع تعديل المادة الثانية , بينما طرح الإسلاميين الأقل نفاقاً حل وسط و هو أسلمة القوانين من دون تغيير المادة الثانية , ثم نزل عليهم أسامة المناور سلايد ليعلن أولويته في الرد على فرنسا و سويسرا من خلال منع إقامة كنائس جديدة و منع توسعة مواقف سيارات الكنائس الحالية ! يحدث كل ذلك وسط ذهول بقية المعارضين المنتمين للتكتل الشعبي و حدس , حيث أن هؤلاء يعتبرون زيادة مقاعدهم في هذا المجلس مكسب لن يكونوا سعداء في تضييعه , خصوصاً بعد تمكنهم من السيطرة على رئاسة المجلس و نيابته و رقابته .

بالعربي الفصيح , عندما خاطب عبيد في الأمس رئيس الوزراء قائلا "عِشك أهون من بيت العنكبوت و بنفخة يطير" فهو كان يوجه نفس الخطاب لكتلة المعارضة و يقول لهم عِشكم أو كُتلتكم أهون من بيت العنكبوت و بنفخة تتفكك" , فتركيز عبيد على قضايا أبناء القبائل "فقط" سيحرج حضر كتلة المعارضة , خصوصا و أن هؤلاء وقفوا مع القبائل في الندوات و التجمعات تعزيزا لمبدأ الوحدة الوطنية , لكن الوحدة الوطنية لا تشمل المطالبة بعدم محاكمة المتورطين بالجرم المشهود في حرق خيمة جويهل و إقتحام قناة الوطن و ضرب رجال الأمن .

أيضاً تركيز عبيد على قضايا أبناء قبيلته "فقط" سيحرج نواب القبائل الأخرى , فالجويهل تمكن من فرز المجتمع إلى بدو و حضر , لكن إندفاع نواب مطير و أولهم مسلم و عبيد سينجح في فرز البدو - أو القبائل - إلى مطران و عجمان و عوازم و رشايدة و هواجر و شمر و عنوز و قحاطين و فضول ! فالثقافة القبلية لا تقبل تفوق أو زعامة قبيلة على أخرى , و نستذكر هنا دخول أمير العوازم فلاح بن جامع على الساحة السياسية في الفترة السابقة , و نستذكر أيضا الأصوات الستة التي حصل عليها عبيد في إنتخابات نائب الرئيس .

و لا ننسى هنا الحرج الذي سيتسبب فيه عبيد لأحمد السعدون الذي وعد السُلطة بالسيطرة على المجلس في حال وصوله للرئاسة , خصوصاً مع إعلان قروب ناصر المحمد تأييد الإستجواب في رسالة واضحة للسُلطة بأن تحالفكم مع السعدون و التكتل الشعبي لن يضمن الإستقرار للبلد .

في نهاية الأمر أعتقد أن الحكومة , و بالتعاون مع بقية كتل المعارضة – الشعبي و حدس و السلف – ستحاول طمطمة الإستجواب و الوصول إلى صيغة معينة يقبلها عبيد مؤقتاً لتأجيل إستجوابه , و هذا ما قد يثير نواب ناصر المحمد فيهدد بعضهم بتوجيه إستجواب لرئيس الوزراء نعود من خلالها إلى لعبة المساومات و التكسبات التي شهدتها حقبة ناصر المحمد , الإستنتاج الأهم هنا هو تعرية عبيد لكتلة المعارضة و نفخه على أحلام أحمد السعدون و خالد السلطان و ربما محمد الدلال في تأسيس كتلة الـ 35 معارض ليعود كل منهم إلى حجمه الطبيعي في السيطرة على 6 إلى 7 نواب فقط .

____________________________________________________________

*أخبار الخليج العربي التاريخية في مجلتي لغة العرب و العرب الهندية للأستاذ طارق نافع الحمداني ص60

Monday, February 06, 2012

رسائل مجلس 2012




أكثر ما يزعجني في الكويت هو ترديد الناس لمصطلحات بلا تفكير او تدبير لمعانيها الصحيحة و مدى إنطباقها على المعنى الذي يريدون , و مصطلح الديموقراطية هو أكثر هذه المصطلحات ظلماً في هذا البلد , فالجميع يتفاخر بديموقراطيتنا العريقة , و الكل يدعو الآخرين لتقبل نتائج الديموقراطية , لكن الحقيقة المُرة هي أن ما نمارسه من إنتخابات موسمية لمجلس الامة ليس له علاقة بالديموقراطية , أو بالأصح ليس له علاقة بالـ "نظام" الديموقراطي



ما نطلق عليه تجاوزا ديموقراطية هو في الحقيقة "نظام" ديموقراطي , و الهدف الأساسي من الأنظمة الديموقراطية تمكين الشعوب من حكم نفسها , أو تمكين الشعب من إختيار الإدارة التي تُدير أمواله المُحصلة ضريبياً , و هذا ما جعل هذه الشعوب تبتكر و تطور أنظمة ديموقراطية ترتكز أغلبها على إجراء إنتخابات يتم من خلالها إختيار الأشخاص الذين لهم الحق في إدارة شؤون الشعب



و قبل أن يسأل أحدكم ما شأن هذه المقدمة بالكويت أقول أن ما نمارسه في الكويت هو جزء من الـ "نظام" الديموقراطي و ليس كله , فعندما وضع جيل عبدالله السالم الدستور تجنبوا تطبيق الـ"نظام" الديموقراطي الرئاسي و إبتعدوا عن الـ"نظام" الديموقراطي الجمهوري و قرروا أن يأخذوا الأفضل من النظامين لتكوين مخلوق جديد إسمه النظام الديموقراطي الكويتي , لكنه إسم بلا مُسمى , ففي النظام الكويتي ينتخب الشعب نواب مجلس الأمة , لكن تعيين رئيس الوزراء أو الإدارة التنفيذية لشؤون الشعب يقع تحت سلطة الأمير المُطلقة



هذا ما يجعلني أشدد دائما على أن ما يقوم به الشعب الكويتي فعلياً في إنتخابات مجلس الأمة هو ليس إختيار حُكامه أو الإدارة التي ستُدير شؤونه , لكنه إختيار من سيراقب و يُشرع للإدارة التنفيذية , لذلك أميل إلى وصف نتائج إنتخابات مجلس الأمة في الكويت على أنها "رسالة" يوجهها الشعب الكويتي إلى سمو الأمير يُعلِمه فيها عن طموحاته و توجهاته و آماله التي يجب على سمو الأمير "مراعاتها" في إختياره لرئيس الوزراء الذي سـ يُشكل الحكومة



نحن هنا نتحدث عن رسالة من الشعب إلى سمو الأمير الذي يتعين عليه فهمها و إتخاذ قراره التاريخي على ضوءها , لذلك فمن المهم أن تكون هذه الرسالة واضحة , صريحة , و صادقة مع النفس و مع الطرف الآخر , فليس من المنطق أن أكون من محبي الـ جلو كباب لكن و بسبب عدم صدقي مع نفسي أعبر عن حبي للـ سوشي في الرسالة التي يتلقاها الطرف الآخر - صاحب مطعم البيدزا – الذي لا يتقن إعداد السوشي , لكنه يحاول أن يلبي طلبي و يصنع لي بيدزا بالـ سوشي فيتفاجأ – و أتفاجأ أنا – بأنني لا أرغب بتجربة هذه الوجبة



هذا بالضبط ما يحصل لدينا , فالشعب يريد "التنمية" بلا تعريف أو فهم دقيق لهذه التنمية , ثم يأتي و ينتخب نوابه الطائفيين الإقصائيين المتناحريين فـ يتلقى الأمير هذه الرسالة و يحاول تعيين رئيس وزراء قادر على الصمود أمام هؤلاء النواب عن طريق تشكيل وزاري يعتمد على خطة المحاصصة الدفاعية لـ يتفاجأ الشعب بهذه الحكومة و يقول لسمو الأمير أنت فهمتنا غلط , لكن الحقيقة المُرة هي أن سمو الأمير فهمهم بشكل دقيق , الشعب يريد الضرب , يريد التناحر , يريد إهانة الآخر و تمجيد ذاته القذرة , يريد التشفي بآلام الآخرين , يريد تطبيق فهمه السطحي لما يعتقد بأنه شريعة لم يكن من الممكن تطبيقها على من شكّلها , الشعب يريد أن يخوض حرباً بالوكالة بين الشيعة و السنة , الشعب يريد أن تشعر كل فئة من فئاته بأنها عنصر دخيل عليه , الشعب يستفرغ نفسه و يشعر بالغثيان من مكوناته في الوقت الذي يتلذذ في إستكلاب نفسه للحصول على رضا أسياده في الخارج



هذا هو الشعب ! هذه هي المواضيع التي يُسرف فيها أوقاته , تسيطر على مشاعره و إنفعالاته , هذا ما تريدونه , و هذه هي رسالتكم إلى الطرف الآخر , و هذا ما ستحصلون عليه , فلا تطالبوا بعد ذلك بالتنمية و الجامعات و الإقتصاد و الأمن و سيادة القانون , كونوا صادقين مع أنفسكم و مع مُخرجاتكم , هذه المخرجات قد تطالب بمنع هذا و فرض رقابة على ذاك , لكنها بالتأكيد لن تدفع بأي إصلاح إقتصادي حقيقي , ربما تزعق مخرجاتنا الشعبية بمطالباتها بتطبيق القانون , لكن زعيقها سيتضاعف في تمييع القانون و تجاوزه عندما يقترب من المقربين منهم , هم إنعكاس مباشر لنا , و لنفوسنا , و لسوء نوايانا و إستهتارنا بمستقبل بلدنا , فـ لنبدأ الآن بقراءة رسالتنا إلى السلطة



رسالتنا في الدائرة الأولى هي أننا لم نتغير البته , نحن ملتزمون تماما بالتصويت لأبناء طائفتنا الدينية , إلا أننا إزددنا تطرفاً و وقع إختيارنا على من هم اكثر شراسة في الدفاع عن معتقداتنا و الهجوم على من يعادينا , دليلنا على ذلك المراكز التي حققها الدويسان و القلاف و فوز عبدالحميد دشتي بعد عدة تجارب فاشلة



أما رسالة الدائرة الثانية فهي أيضا البقاء على العهد و البعد عن التغيير , و قبل أن ينبهني البعض إلى دخول أسماء جديدة أقول أن إسم المرشح الجديد لا يعني بالضرورة تغيير قناعات الناخبين , فالناخب لم يتغير فكريا في إسلوب إختياره لنوابه , هو غيّر القالب و لم يُغير النوعية , قد تكون المفاجأة الوحيدة هنا المركز المتقدم الذي حصل عليه الشاب رياض العدساني , بالرغم من وجود شاب آخر أكثر تمرساً منه في العمل السياسي و العمق الفكري و هو المحامي عبدالله الأحمد , إلا أن الأحمد لم يحقق النجاح المتوقع لأسباب إجتماعية على ما أظن



الدائرة الثالثة لم تكن أجرأ على التغيير من سابقاتها , لكن رسالتها تميزت بثلاثة مفاجآت , المفاجأة الأولى هي المركز المتقدم لأحد مؤسسي حركة "إرحل نستحق الأفضل" و هو الشاب فيصل اليحيى , أما المفاجأة الثانية و الثالثة فكانت فوز محمد الجويهل و نبيل الفضل مقابل خروج أسيل العوضي و صالح الملا , ما يميز محمد جويهل هو أنه المرشح الوحيد تقريباً الذي يحمل بين يديه قضية واحدة و واضحة تماما للجميع و هي قضية مزدوجي الجنسية , و بالرغم من عدم إعلانه ذلك إلا أنه يركز بشكل خاص على المزدوجين من أبناء القبائل الذين يحمل بعضهم التابعية السعودية + الجنسية الكويتية , أيضا ما يميز جويهل و يتشارك معه في ذلك زميله نبيل الفضل تحررهم من الإسلوب اللبق في الخطاب و إنفتاحهم الواضح نحو إستخدام الألفاظ البذيئة , الغريب في الأمر أن هذه الألفاظ تطرب أسماع جماهيرهم من كبار السن و صغارهم



أما ربط دخولهما بخروج أسيل و الملا فهو إنعكاس مباشر لبحث الحضر+ الشيعة عن نواب أكثر جرأة في التصدي للمعارضة من نواب القبائل و السلف , فالملا و أسيل كانوا غارقين في معركة إسقاط الشيخ أحمد الفهد البعيدة عن نبض الشارع , هذا ما تحقق لهم إلا أنه أسقطهم معه , نعم تغيرت رسالة الدائرة الثالثة قليلاً , إلا أن تغيرها لم يكن في الإتجاه الإيجابي



هنا علينا التوقف لفحص الدائرة الرابعة , هذه الدائرة الشبه محتكرة من الإنتخابات الفرعية سابقا و قد تجرأ فيها جزء كبير من قبيلة مطير بمقاطعة مخرجات فرعيتة القبيلة و التصويت مباشرة لمن يرون فيه أهلا لأصواتهم , ما يجب علينا الإنتباه إليه هنا هو أن خطوة تجاهل الفرعية خطوة إيجابة , إلا أنها لا تعني تغير فكر الناخب أو العوامل التي تساهم في تصويته , فمن فاز من خارج الفرعية هو نفسه من كان يفوز فيها سابقاً , بل أن الثلاثة الأوائل من مرشحي قبيلة مطير تمكنوا من تجاوز أصوات القبيلة و حصد كمية لا بأس بها من أصوات القبائل الأخرى , و هذا مؤشر إيجابي , لكن تحليلنا لن يكون موضوعياً دون النظر إلى أسماء – و عدد أصوات – بقية نواب الدائرة



الواضح هنا أن 90% من نواب الدائرة هم من نواب المعارضة الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من التصادم مع سلطات الحاكم , و هذا مؤشر خطير على السلطة ألا تتجاهله أو تستهين به , أما رسالة الدائرة الخامسة فهي تتشابه كثيرا مع شقيقتها الرابعة , إلا أن الصوت القبلي في هذه الدائرة كان أكثر إلتزاما بمخرجات الإنتخابات الفرعية



هذا هو مجلس 2012 , صادق , صريح , شرس , متطرف , بكل ما تعنيه هذه الكلمات , مجلس جاء بـ 19 وجه جديد بقوالب مُطورة عن إصدارات قديمة , نستثني من ذلك محمد الجويهل و نبيل الفضل حيث أنهما نواب جدد بكل شيء , و الجديد ليس بالضرورة إيجابي . ما سيميز هذا المجلس هو النزعة الواضحة إتجاه الإسلوب الساذج في ترقيع القوانين عبر أسلمتها أو دروشتها و هو ما نشط به نواب التيار الديني في التسعينات , تتعزز هذه النزعة بوجود عدد كبير من نواب القبائل الذين في العادة يؤيدون هذا التوجه لتصل نسبة المُأسلمين إلى 72% من النواب , أما من سيحاول مقاومتهم فهم 14 نائباً يشكلون 28% من المجلس فقط



أما النزعة الأخرى لهذا المجلس فهي التطرف في المعارضة , و عند الحديث عن المعارضة علينا التفصيل قليلاً , فالمعارضة في العادة تتشكل من حزب الأقلية البرلمانية , أما في الكويت فالمعارضة تجاوزت مرحلة معارضة الحكومة و دخلت في قالب معارضة شيوخ لمصلحة شيوخ , أي أن مصطلح "حكومة" تفتت و أصبح أغلب النواب يوالون هذا الشيخ أو ذاك , و لمصلحة هذا الشيخ أو ذاك , و المشكلة هنا تنقسم إلى جزئين



الجزء الأول هو أن هؤلاء النواب و من يرعاهم من الشيوخ إستمرؤوا إقحام الشعب في هذه اللعبة فأصبحت الفئات الشعبية أسلحة مُجيرة لمصلحة بقاء هذا الشيخ أو ذاك , أما المصيبة هنا فهي أن معدل ذكاء – أو خبث – رجل الشارع العادي ليس بمستوى ثعلبية السياسي المحترف , و هذا ما يجعله يتفنن في جعل نفسه وقوداً لمعركة لا ناقة له فيها و لا جمل , فالمواطن هو من يتظاهر في الساحات , و هو من يكتب في التويتر و المدونات , و هو من يتم القبض عليه ليأتي السياسي في نهاية الأمر و يعقد صفقة مع الطرف الآخر فيتحول فيها الفاسد إلى شريف و الشريف إلى فاسد



أما الجزء الثاني من المشكلة فهي أن هذا الصراع بما فيه من شيوخ و نواب و مواطنين أفقد السُلطة أو الحكم جزءا كبيرا من شعبيته , فمناكفة نواب المعارضة الدائمة لسمو الأمير و معاجلتهم إياه بوضع الشروط و المواعيد القصيرة لتحقيقها جعلت من السُلطة طرفاً دائما في النزاع , و أنا لا أبالغ هنا في ذهابي إلى إعتبار الأرقام القياسية التي حققها معارضي الدائرة الرابعة كرسالة مباشرة إلى السُلطة في إنحدار شعبيتها لدى الناخبين , سأكون اكثر صراحة و أقول أن العاطفة أو الغارية مفقودة بين فئة كبيرة من الشعب و السُلطة , علما بأن عواطف الشعب و غاريته تصل إلى أقصى مداها عند التعرض إلى رموزهم النيابية و الدينية , المُعاصرة و التاريخية , بل أن غاريتهم على الرموز السياسية للدول المجاورة أكبر من غاريتهم على رموزنا السياسية , أعتقد أننا أمام مشكلة , و علي القيادة السياسية دراسة أسبابها و وضع الأساليب العملية لمعالجتها



أمام هذا المجلس , و هذه الفجوة بين الشعب و السُلطة , أجد أن الخيار الوحيد أمام السُلطة هو الإبقاء على الشيخ جابر المبارك رئيسا للوزراء , و تصويت الحكومة لصالح أحمد السعدون في الرئاسة , ثم عقد صفقة مع التكتل الشعبي و كتلة السلف + الإخوان الجديدة , تحتفظ فيها أسرة الصباح برئاسة الوزراء و إختيار وزير الخارجية و الداخلية و الدفاع و النفط و المالية , و تعطي 4 وزارات للتكتل الشعبي و 4 أخرى لحدس , حتى و إن تمنعت الكتلتان عن المشاركة فعلى الحكوم أخذ توصياتهما و مباركتهما على أسماء جميع الوزراء , مع التشديد على وضع خطوط حمراء لهذه الصفقة و هي رئاسة الوزراء التي يسيل لعاب حدس عليها , و قوانين الحريات التي يسِن السلفيون سكانينهم للبطش بها , هكذا تضمن السُلطة سنة كاملة من التهدئة تستطيع من خلالها معالجة وضع الأسرة من الداخل و إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية , حيث أنها قد تحتاج لذلك في المرحلة المقبلة


بالرغم من كل ما سبق , فأنا كمواطن أنشد العيش الكريم و الحرية , لست ممتعضاً من رسائل مجلس 2012 , فإن إستطاع هذا المجلس - المتطرف - دفع الحكومة لتفعيل ما نُطلق عليه تجاوزاً "تنمية" من بناء المستشفيات و المدارس و الجامعات فهذا خير للبلاد و العباد , إما في حالة إستمرار هؤلاء النواب بتضييع أوقاتنا و أوقاتهم في مناكفة السلطة و النزول إلى الشارع على طريقة الربيع العربي فسيأتي اليوم الذي يحاسبهم فيه الشعب كما حاسب من قبلهم , أتمنى من كل قلبي أن يستمر هذا المجلس لأطول فترة و أن يستفيد أصحاب الفكر الليبرالي من هذه المدة في إعادة ترتيب الصفوف و إختيار كفاءات صادقة مع نفسها قبل أن تكون صادقة مع الآخرين


إنتهى

Wednesday, February 01, 2012

ثورة مطير على مطير

لا يخفى عليكم ان شخصية الكويتي تتميز بالزغالة , أو الميل إلى تربيط العصاعص و التشييش عندما تلوح من امامه فرصة للقيام بذلك , و أعترف هنا بأني لست أفضل من يميز بين المواقف التي تتحمل التعامل معها بزغالة و التي لا تتحمل ذلك و تستحق التعامل معها بشكل جدي , تابعنا جميعا اليومين الأخيرين من الإنتخابات و تابعنا أيضا تلذذ البعض بممارسة الزغالة سواء بالتعليق الساخر على الأحداث أو زيادة النار حطباً , لا بأس في ذلك , لهذا قررت التركيز على الجانب الغائب من الموضوع


كل من يعرفني يعرف جيداً بأني العدو الأول للتصرفات الجماعية أو ما يسمى بعقلية الجماهير أو القطيع , فأنا ممن يقدس الفردية بكل أبعادها و لا يزعجني شيء أكثر من الحديث بصيغة الجمع , لذلك لن أصف الفعل الغوغائي الذي قام به بعض الشباب في الأمس بأنه فعل "جماعي" لقبيلة مطير , فكل القوانين السماوية و الأرضية الناجحة تُأصل مبدأ مسؤولية الفرد "وحده" عن تصرفاته , فلا الزوجة مسؤولة عن تصرفات زوجها و لا الأخ مسؤول عن تصرفات أخيه , نعم قد يكون هذا عامل مساعد على الفعل لكن المسؤول الأول عنه هو من قام به


المشكلة هنا هو وجود هذا الكيان "الغير رسمي" المسمى بالقبائل , أو قبيلة فلان و علان , أقول بأنها مشكلة لأننا غير قادرين فعلا على معرفة من هو المسؤول عن هذا الكيان , هل هم شيوخ القبيلة ؟ أم انهم نوابها في المجلس؟ و هل هؤلاء النواب فقط نواب مجلس 2009 ؟ أو كل من نجح في الإنتخابات من 63 حتى الآن ؟ أم أن الفعاليات الإجتماعية كـ سلوى المطيري و تجارها كـ صاهود أيضا لهم الحق في الحديث بالنيابة عن القبيلة ؟ و إذا كان من حق كل من يحمل إسم "المطيري" كـ لاست نيم الحديث بإسم القبيلة , و التهديد بإسم القبيلة , و بالتالي شحن القبيلة فهل سيتحمل المنتمين إلى هذه القبيلة وزر كل معتوه يتحدث بإسمها ؟ و هل تتحمل القبيلة العقاب القانوني و الإجتماعي لكل أفعال هؤلاء الأوصياء عليها ؟


من طبيعة الإنسان في حالات ضعفه التنازل عن جزء من شروطه و معاييره في من يتحالف معهم , فالإنسان المديون لن يركز كثيراً في مصدر أموال من يقدم له المساعدة لتسديد دينه , و الإنسان المريض لن يضع شروط تعجيزية لمواصفات من يزوره , كذلك هو حال من يرشح نفسه للإنتخابات , فهو يضع نفسه طوعيا في حالة الضعف التي تدفعه للتنازل كثيرا إستجداءاً لصوت من ينتخبه , و أعتقد أنكم جميعا رأيتم أغنى الأغنياء و هم يشحتون الصوت من أفقر الناس , و رأيتم أكثر الناس عقلانية يفقد عقله و"عقاله" طلبا لفزعة الناخبين و أصواتهم , بل أنني أتلقى الكثير من الرسائل العنصرية و الطائفية ممن يدعون بعد موسم الإنتخابات إلى الوحدة الوطنية , هذه هي طبيعة الأشياء , و لا يستثنى منها إلا القِلة


أما بالنسبة لأحداث الأمس و ما قبله , فمن السهل علي تحليله من الجانب الإجتماعي , و من السهل تحليله من الجانب التاريخي , و من السهل إرجاعه إلى العامل الديني و الطائفي , لكني قررت أن لا أتشعب كثيرا في الأمر و التركيز بشكل أكبر عليه من الجانب الإنتخابي , قبل سنة و أشهر من الآن حصل الصدام بين السلطة و مجموعة من النواب و أنصارهم في ديوان الحربش , و قد أصبح د عبيد الوسمي أحد رموز هذا الصدام , ليس بسبب جملته الشهيرة "الكلاب من الشعب الكويتي" , لكن بسبب ما تعرض له من سحب و ضرب ثم سحل بسبب هذه الكلمة

ما يهمني هنا ليس عبيد , لكن إهتمامي ينصب على الفخ الذي نصبه أحمد السعدون لنواب ديوان الحربش و هو تشكيل تكتل جديد يحمل إسم "إلا الدستور" , و قد إنضم 23 نائبا إلى هذا التكتل بمن فيهم نواب القبائل , و هؤلاء في العادة يصلون إلى المجلس عن طريق الإنتخابات الفرعية المجرمة "دستوريا" , و هذا ما أوقع هؤلاء في حالة تناقض صريح بين شعار "إلا الدستور" و مشاركتهم في الفرعيات , فبادر عدد منهم و من قبيلة مطير بالذات بالطعن في قانون تجريم الإنتخابات الفرعية و عدم دستوريته , حيث أنهم يعلمون تماماً حجم المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه


و قد خلصت المحكمة الدستورية في 11 11 2011 إلى الطعن في الطعن و التأكيد على دستورية قانون تجريم الإنتخابات الفرعية , بهذا سدّت المحكمة الدستورية باب الفرعيات على نواب تكتل إلا الدستور , لذلك إضطروا جميعا – بإستثناء الصيفي – لخوض إنتخابات 2012 مستقلين بلا إلتزام رسمي من القبيلة , و أعتقد هنا أن أغلب قبائل الدائرة الرابعة "تعاطفت" ضمنيا مع مرشحيها فلم تعلن عن أسماء قائمتها الرسمية

وحدها فقط قبيلة مطير أعلنت عن قائمتها الرسمية المشكلة من أربعة مرشحين , في الوقت ذاته وصل عدد مرشحي القبيلة المستقلين إلى 6 مما يشير إلى غياب التنسيق داخل القبيلة , و غياب التسيق في الإنتخابات تعني خسارة حتمية للأصوات , و خسارة الأصوات و تشتتها قد تدفع بعض مرشحين القبيلة لإستخدام أساليب مبتكرة حتى يكونوا من الناجحين , فمثلما يستخدم جويهل سلاح الهجوم على المزدوجين و السلفيين – من القبائل – للحصول على أصوات الشيعة و الحضر, قد يستخدم مرشحي مطير الأقل حظاً سلاح سب الجويهل "للبدو" للحصول على المزيد من أصوات أبناء مطير و غيرها من قبائل الدائرة الخامسة
فالحسبة هنا بسيطة جدا , يمثل مطير في العادة 5 مرشحين , 4 من الفرعية + المايسترو مسلم البراك , أما في هذه الإنتخابات فحظوظ القبيلة ضعيفة أمام التسيق المتقن لبقية القبائل , فالرشايدة شبه متفقون على الدقباسي و المويزري , و نجد محمد الخليفة من شمر و عسكر من عنزة و العيار أيضا كمرشحين اقوياء , هذا ما قد يسبب خسارة حتمية لنصف – إن لم يكن أكثر – مرشحي مطير , خصوصا و أن التنافس الداخلي بين نواب القبيلة واضح من خلال إطلاق بعض الإشاعات على هذا المرشح أو ذاك , كل ذلك يشكل ضغطا على نواب القبيلة لخلق حالة عامة يتنافس فيها كل منهم مع الآخر بأيهم أكثرهم "مطيريةً"

و هذه العملية لا تحتاج الى القيام بأي مجهود "فعلي" , فالنفوس مشحونة , و العقول مفقودة , و لا أسهل على المرشحين إلا طلب الفزعة , خصوصا إذا أتت الفزعة من باب خير من إستأجرت القوي الأمين ذو اللسان الطويل , الذي سيتمكن من خلاله الدفاع عن كرامتكم و صون مكتسباتكم , و بسبب وفرة هذه النوعية من المرشحين في الدائرة الرابعة , فمن الطبيعي أن نجد تنافساً داخليا بينهم لإظهار من منهم اطول لساناً و أكثر جرأة على الشيوخ و المتنفذين , أعلم أن هناك عوامل أخرى لما يحدث , لكن علينا عدم إغفال عامل الإنتخابات و إستعداد المرشحين للتنازل أكثر و أكثر من أجل ضمان الصوت