"مطير قبيلة تحب الفتك و الغزو , و لا تخلد إلى الراحة طالما ينبض فيها عرق . و لهذا ترى أفرادها في شنّ الغارات الدائمة و الهجوم المتصل . و قد استاء الشيخ مبارك الصباح من عمل الدويش رئيس مطير لنزول أعرابه بجوار عجمي بك السعدون فكان خبر إستيائه منهم باعثاً على مزيد فرحهم فجيّشوا جيشاً , و أغاروا على أتباع مبارك النازلين في سفوان , و إستاقوا منهم إبلاً و أموالاً"
ترد هذه الفقرة في مجلة "لغة العرب" الهندية * و الصادرة قبل 100 عام من الآن أي في العام 1912 , و بالرغم من تحفظي الكبير على إستخدام الإسقاطات التاريخية , إلا أن هذه الفقرة لم تبارح ذاكرتي منذ مشاهدتي أخبار الأمس و مفاجأة الدكتور عبيد الوسمي نواب المعارضة بعزمه على تقديم إستجواب لرئيس الوزراء على خلفية إتصال تلقاه من عبدالله الشلاحي و هو المسجون بسبب لا نعلمه بالضبط لكن المرجح هو حرق مقر الجويهل أو إقتحام قناة الوطن للإعتداء على نبيل الفضل .
كتبت في مقالي السابق الفقرة التالية تعليقاً على مخرجات إنتخابات 2012 :"لا تطالبوا بعد ذلك بالتنمية و الجامعات و الإقتصاد و الأمن و سيادة القانون , كونوا صادقين مع أنفسكم و مع مُخرجاتكم , هذه المخرجات قد تطالب بمنع هذا و فرض رقابة على ذاك , لكنها بالتأكيد لن تدفع بأي إصلاح إقتصادي حقيقي , ربما تزعق مخرجاتنا الشعبية بمطالباتها بتطبيق القانون , لكن زعيقها سيتضاعف في تمييع القانون و تجاوزه عندما يقترب من المقربين منهم , هم إنعكاس مباشر لنا , و لنفوسنا , و لسوء نوايانا و إستهتارنا بمستقبل بلدنا"
و بالفعل هذا حصلنا عليه من نواب هذا المجلس , فمن المطالبة بتعديل المادة الثانية إلى إعلان منع الترخيص للكنائس وصولاً إلى زعيق عبيد في الأمس مطالباً بتطبيق القانون على من أهان القبائل "الجويهل" ثم تضاعف زعيقه في تمييع القانون و تجاوزه عندما إقترب من المقربين منه في قضية إقتحام و تخريب قناة الوطن و ما حولها من سيارات .
لن أناقش هنا مدى أحقية عبيد في تقديم الإستجواب فقد شبعنا من ترديد إسطوانة "الإستجواب" حق مشروع للنائب , و لن أناقش هنا إزدواجية الحكومة في تطبيق القانون فكل فئة تعتقد أن القانون يُطبق عليها و لا يُطبق على غيرها كما رأينا مع تجمع الشيعة ضد المليفي و غيرها من التجمعات , و الحقيقة هنا أن القانون كـ "قانون" لم يُطبق على أحد في هذا البلد , فحتى سحب جنسية ياسر الحبيب لم يكن فيها تطبيق للقانون , و القانون لا يطبق أيضا على القنوات الفضائية بنفس الدرجة التي لا يطبق على شركات البورصة ! ربما يعتقد البعض بأن "العقاب" أياً كان نوعه هو قانون , لكن هذا غير صحيح , و هذا ما يجعلني أسأل نفسي دائما هل العيب فينا ؟ أم في قوانيننا الغير قابلة للتطبيق ؟
ليس إهتمامي الآن على شرح ما سبق , فتركيزي هنا على الإنعكاسات السياسية لما قام به عبيد الوسمي بالأمس سواء قدّم إستجوابه أم لم يقدمه , أيدته كتلة المعارضة أم لم تُأيده , تعود معرفتي بالدكتور عبيد إلى العام 2000 عندما كنا نجتمع ليلياً في الأنترنت لنقاش المواضيع السياسية , و الذي لم يتغير في عبيد منذ ذلك الوقت هو نزعته التمردية أو لنقل رفضه التام لتصنيفه محسوباً على جهة أو حزب معين , لذلك كنت أتوقع أن يظهر لنا بمواقف معاكسة للموقف الرسمي للتكتل الشعبي أو حدس أو حتى القبائل , لكني لم أكن أتوقع ظهور هذا الموقف بالتوقيت الحالي .
ما قام عبيد في الأمس و من قبله ترشيحه لمنصب نائب الرئيس سـ يضر المعارضة أكثر مما يضر الحكومة , فمنذ إعلان نتائج مجلس الإنتخابات كتلة المعارضة تحاول التنسيق على قدم و ساق لتحديد أولوياتها في العمل بعد ان أصبحت هي الأغلبية في المجلس , و هذا ما جعل كل فئة منها تسارع في الإعلان عن أولوياتها فطرح هايف موضوع تعديل المادة الثانية , بينما طرح الإسلاميين الأقل نفاقاً حل وسط و هو أسلمة القوانين من دون تغيير المادة الثانية , ثم نزل عليهم أسامة المناور سلايد ليعلن أولويته في الرد على فرنسا و سويسرا من خلال منع إقامة كنائس جديدة و منع توسعة مواقف سيارات الكنائس الحالية ! يحدث كل ذلك وسط ذهول بقية المعارضين المنتمين للتكتل الشعبي و حدس , حيث أن هؤلاء يعتبرون زيادة مقاعدهم في هذا المجلس مكسب لن يكونوا سعداء في تضييعه , خصوصاً بعد تمكنهم من السيطرة على رئاسة المجلس و نيابته و رقابته .
بالعربي الفصيح , عندما خاطب عبيد في الأمس رئيس الوزراء قائلا "عِشك أهون من بيت العنكبوت و بنفخة يطير" فهو كان يوجه نفس الخطاب لكتلة المعارضة و يقول لهم عِشكم أو كُتلتكم أهون من بيت العنكبوت و بنفخة تتفكك" , فتركيز عبيد على قضايا أبناء القبائل "فقط" سيحرج حضر كتلة المعارضة , خصوصا و أن هؤلاء وقفوا مع القبائل في الندوات و التجمعات تعزيزا لمبدأ الوحدة الوطنية , لكن الوحدة الوطنية لا تشمل المطالبة بعدم محاكمة المتورطين بالجرم المشهود في حرق خيمة جويهل و إقتحام قناة الوطن و ضرب رجال الأمن .
أيضاً تركيز عبيد على قضايا أبناء قبيلته "فقط" سيحرج نواب القبائل الأخرى , فالجويهل تمكن من فرز المجتمع إلى بدو و حضر , لكن إندفاع نواب مطير و أولهم مسلم و عبيد سينجح في فرز البدو - أو القبائل - إلى مطران و عجمان و عوازم و رشايدة و هواجر و شمر و عنوز و قحاطين و فضول ! فالثقافة القبلية لا تقبل تفوق أو زعامة قبيلة على أخرى , و نستذكر هنا دخول أمير العوازم فلاح بن جامع على الساحة السياسية في الفترة السابقة , و نستذكر أيضا الأصوات الستة التي حصل عليها عبيد في إنتخابات نائب الرئيس .
و لا ننسى هنا الحرج الذي سيتسبب فيه عبيد لأحمد السعدون الذي وعد السُلطة بالسيطرة على المجلس في حال وصوله للرئاسة , خصوصاً مع إعلان قروب ناصر المحمد تأييد الإستجواب في رسالة واضحة للسُلطة بأن تحالفكم مع السعدون و التكتل الشعبي لن يضمن الإستقرار للبلد .
في نهاية الأمر أعتقد أن الحكومة , و بالتعاون مع بقية كتل المعارضة – الشعبي و حدس و السلف – ستحاول طمطمة الإستجواب و الوصول إلى صيغة معينة يقبلها عبيد مؤقتاً لتأجيل إستجوابه , و هذا ما قد يثير نواب ناصر المحمد فيهدد بعضهم بتوجيه إستجواب لرئيس الوزراء نعود من خلالها إلى لعبة المساومات و التكسبات التي شهدتها حقبة ناصر المحمد , الإستنتاج الأهم هنا هو تعرية عبيد لكتلة المعارضة و نفخه على أحلام أحمد السعدون و خالد السلطان و ربما محمد الدلال في تأسيس كتلة الـ 35 معارض ليعود كل منهم إلى حجمه الطبيعي في السيطرة على 6 إلى 7 نواب فقط .
____________________________________________________________
*أخبار الخليج العربي التاريخية في مجلتي لغة العرب و العرب الهندية للأستاذ طارق نافع الحمداني ص60