Wednesday, August 07, 2013

بالكويت...ماكو حكومة!!


بالكويت... ماكو حكومة!!

 

قد يستفز هذا العنوان البعض، وقد يشارك البعض الآخر بالسخرية من "ديرة البطيخ" إللي ما تديرها حكومة، لكن القصد من العنوان يختلف عما سيذهب إليه اغلب القراء.

على المحلل السياسي الناجح أن يتعامل مع المعطيات السياسية كما يتعامل الطبيب الشرعي مع "جثة" المريض، ففي الطب هناك مجال التشريح، والتشريح أيضا مهم للمحلل السياسي، أما من يحلل دون تشريح فستغلب على تحليلاته العاطفة، وبالتالي عليه ترك الملعب والصعود إلى مدرجات الجماهير لتشجيع هذا الفريق أو ذاك.

كتبنا سابقا عن الظروف "الطبيعية" التي تجعل أقطاب الأسرة الحاكمة يتوقعون خلو منصب "الإمارة" في أي لحظة، وهذا ما يجعل حدة التنافس والصراع على منصب "ولي العهد" القادم ترتفع، وذكرنا بأن على كل مرشح لهذا المنصب أن يعد العدة لـ"أزمة الحكم" القادمة، وأن تكوين تحالفات قوية تشمل قبائل ورجال أعمال وتيارات سياسية ورجال دين وصحف وقنوات فضائية ونواب مجلس أمة و"قوى خارجية" هي الأسلحة التي سيحتاج كل مرشح للحكم في إعدادها.

ومن هذا المنظور، سنقرأ الأحداث الاخيرة، قد يختلف البعض في تأييد أو معارضة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، لكن لا أعتقد (اليوم) هناك من يشكك في الحنكة السياسية للأمير، ومن خلال دراسة شخصية صباح الأحمد، نجد بأنه يتفوق على غيره بميزة "طولة البال" والقدرة على انتظار اللحظة المناسبة لتفتيت خصومه.

بالكويت... ماكو حكومة!! بالكويت... أكو شيوخ!! بالكويت... ماكو معارضة!! بالكويت... اكو معارضين لشيوخ!! بالكويت... ماكو موالاة!! بالكويت... اكو موالين للشيوخ!!

فهم هذه الجمل الأخيرة مهم جدا لفهم المشهد السياسي، سمو الأمير، عندما تعرض للضربات المتتابعة من المعارضة والتي كان آخرها تجمع "لن نسمح لك"، رد عليهم بتحركات فردية كـ "شيخ" ولم تتحرك الحكومة كاملة للرد على الهجوم، فصباح الأحمد هو من عقد اللقاءات الواحدة تلو الآخر مع القبائل والأكاديميين والدواوين ورجال الدين إلخ إلخ، صباح الأحمد هو من غيّر النظام الانتخابي إلى الصوت الواحد، وصباح الأحمد هو من بادر في زيارة القبائل لتغيير مواقفها من الصوت الواحد، وصباح الأحمد هو من أخرج عنوان المرحلة السابقة في الخطاب الذي قال فيه "لا غالب.. ولا مغلوب".

كل هذه التحركات كانت مجهودات فردية من "الشيخ" صباح الأحمد، ولم تكن تحركات "حكومة الكويت"، على الجانب الآخر، شراء القنوات الفضائية وإكرام النواب والإعلاميين وتسليط سوط القضايا على الخصوم كان أيضاً تحرك فردي من "الشيخ" ناصر المحمد، ولم يكن تحرك "حكومة الكويت"، لكن لأن "الشيخ" ناصر المحمد يرأس "حكومة الكويت" فاعتقد الناس بأن هذه التحركات هي تحركات "حكومة كاملة" وليس مجهود فردي لـ"شيخ".

اليوم، ذهب "الشيخ" ناصر المحمد وجاء "الشيخ" جابر المبارك، وكما احتاج "الشيخ" ناصر المحمد عدة تجارب لتشكيل حكومة قوية ومجلس موالي مكنه من الصمود امام مليون استجواب، سيحتاج "الشيخ" جابر المبارك أيضا إلى تجارب للوصول إلى التشكيلة الحكومية القوية والتحالفات النيابية التي ستمكنه من خوض تحدي الاستجوابات في المجلس، وصراع الحكم خارجه.

لذلك، فكان من اللازم على "الشيخ" جابر المبارك الذي يريد خوض "أزمة الحكم" القادمة كرئيس للحكومة، لما لهذا المنصب من أهمية كبيرة، والذي سيحتاج إلى تحالفات قوية داخل وخارج مجلس الأمة للاستمرار في هذا المنصب، أن لا يفرط بأصوات "البلوك الحكومي" في انتخابات رئاسة المجلس، ولذلك فعّل "الشيخ" جابر المبارك سلاح "التضامن الحكومي" بالتصويت.

أما عن سبب تفضيل مرزوق الغانم على علي الراشد، فالأسباب مع المعطيات السابقة واضحة، مرزوق سليل مجموعة عوائل ذات ملاءة مالية قادرة على دعم توجهاتها السياسة، بينما علي الراشد لا يملك هذه الفوائض المالية، مرزوق يتزعم كتلة نيابية هي "كتلة العمل الوطني" بينما علي الراشد مستقل وليس له تأثير إجباري على غيره من النواب، مرزوق الغانم صاحب نفوذ مباشر على جريدة – وقناة - الراي وغير مباشر على القبس، بينما علي الراشد لا يملك أي تأثير على القنوات الفضائية والصحف، وأخيرا وليس آخرا، علي الراشد حليف "محجوز" للشيخ ناصر المحمد، بينما مرزوق الغانم لا يرتبط بأي منافس قوي في صراع الحكم حتى الآن.

كل هذه الأسباب مجتمعة، جعلت "الشيخ" جابر المبارك وليس "حكومة الكويت" يختار مرزوق الغانم رئيساً لمجلس الأمة وحليفاً مستقبليا للصراع القادم.

وتبقى هنا إشارة مهمة، وهي عودة الشيخ محمد الخالد للوزارة، وعودته بحد ذاتها مؤشر مهم لتغيرات كبيرة تجري داخل أروقة الأسرة الحاكمة، فمحمد الخالد هو الممثل القوي للشيخ سالم العلي، وعودته تعني وجود تنازلات من السلطة لمعسكر الشيخ سالم العلي، وخصوصا مع وجود الشيخ ناصر المحمد وأحمد الفهد خارج الحكومة.