Wednesday, September 26, 2012

حكم القاضي !



 تابعت قبل يومين مقابلة تلفزيونية على قناة اليوم الفضائية - المقربة من الشيخ أحمد الفهد و التكتل الشعبي – للنائب و الوزير السابق أحمد باقر , في هذه المقابلة حاول المذيع الثعلبي محمد الوشيحي احراج باقر بوصفه بـ"معارضة المعارضة" حيث حاصره بالسؤال عن سبب كثرة إنتقادات باقر للمعارضة و قلة إنتقاداته للحكومة , بطبيعة الحال و بطبيعة الضيف الخجول حاول باقر التملص من الإجابة على هذا السؤال حتى لا يتناقض مع نفسه و لا يجرح أحداً من أصدقاءه .

و بصفتي أحد الذين يشوتون الحكومة مرة واحدة مقابل كل عشرة شوتات على المعارضة أجد أن من حقي الدفاع عن نفسي – و عن باقر – و الإجابة على سؤال الوشيحي بأن الحكومة و وزراءها لا يتقافزون أمامنا أينما ذهبنا كما يفعل نواب المعارضة الذين إن استطعنا تجاهل تصريحاتهم الصحفية دخلوا علينا في تويتر و إن عملنا لهم آن فولو في تويتر أمطرنا سكرتاريتهم بالريتويت لتصريحاتهم و إن عملنا بلوك للسكرتارية وجدناهم كل يوم و ترك في ساحة الإرادة و في القنوات الفضائية تحت مختلف المسميات و الألقاب و الأسباب حتى أصبحنا مجبرين على التفاعل معهم و مع شطحات قضاياهم التافهة و السخيفة في أغلب الأحيان , لذلك أقول بأن على من يتحسس من كثرة النقد و التجريح أن يخفف من تصريحاته و ظهوره الإعلامي و لكم في النائب السابق ناجي العبدالهادي أسوة حسنة..أما بعد 
 
 في الأمس صدر حكم المحكمة الدستورية برفض طعن الحكومة بدستورية الدوائر الخمس في حكم وصفته كتلة الأغلبية أو المعارضة - التي يتحسس الوشيحي من إنتقادها دون الحكومة - بالحكم الذي "أنقذ البلد من الدخول في نفق مظلم", بل أن النائب مسلم البراك وقف أمام وسائل الإعلام ملوحاً بعلامة النصر لصدور هذا الحكم الذي اعتبره بعض نواب المعارضة "صفعة" على خد الحكومة و كل من يحاول العبث في الدستور !!  
 
هكذا أصبح نواب المعارضة يطلقون تصريحاتهم المشيدة بالقضاء الكويتي و نزاهته و بدأ أتباعهم في التنظير علينا في تفسير النواحي القانونية للحكم و تبيان حيثياته التي حصنت الدوائر الخمس و الأصوات الأربعة من عبث الحكومة و السلطة التي كانت تتمنى الإنفراد في وضع ترتيب جديد للدوائر الإنتخابية يضمن لها عدم فوز أئمة المعارضة في الإنتخابات المقبلة .
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يؤمن هؤلاء النواب – فعلاً- بالدستور و أحكام المحكمة الدستورية حتى لو جاءت ضد مصالحهم ؟ و هل يعتبر هذا الحكم "صفعة" على خد الحكومة فقط ؟ أم أن "ألم" هذه الصفعة يمتد إلى خد من يعاير الحكومة بها ؟
للإجابة على السؤال الأول علينا العودة إلى الخامس عشر من مايو 2012 حين أقرت اللجنة التشريعية التي يسيطر عليها نواب المعارضة بعض التعديلات على قانون المحكمة الدستورية تهدف إلى تقليص صلاحياتها في تفسير مواد الدستور و النظر في الطعون الإنتخابية , و قد وصف المجلس الأعلى للقضاء هذه التعديلات بـ"الخطيرة..و تهدم القانون", بل أنه وضح للخبير "الدستوري" أحمد السعدون بأن هذه التعديلات ستعطي لأحكام القضاء وزناً "سياسياً" مما سيشكك في حياديتها حيث أن أعضاء مجلس الأمة غير مؤهلين للنظر في القضايا الدستورية .
 
 
ذلك الرد كان الصفعة القضائية الحقيقية على خد نواب المعارضة برئاسة الخبير الدستوري أحمد السعدون , و مما زاد طين "الأغلبية" بلة قيام سمو الأمير بـ رد التعديل المقترح من نوابها على المادة 79 من الدستور بقوله أنه "لا يجوز دستورياً" و أن التعديل يعارض "نصوصاً دستورية و يؤدي إلى خلاف سياسي و فتنة مذهبية", و لم يكتفي سمو الأمير بذلك , بل أنه ألحق صفعته الأولى بصفعة مزدوجة لنواب الأغلبية و الحكومة في السادس من يونيو عندما رد قانون "تغليظ عقوبة المسيء" و وصفه بالمخالف للدستور "بالتمييز بسبب الدين و غلو في التشريع".
 
 
 
 
مما سبق , و بالإضافة إلى حكم المحكمة الدستورية السابق بعدم دستورية إستجواب السعدون و العنجري لرئيس الوزراء السابق بسبب عدم تطابقه لشرط "السياسة العامة للدولة" مما أدى إلى سقوط الإستجواب و بالتالي نزول المعارضة إلى ساحة الإرادة و إقتحام المجلس – بسبب هذا الحكم – أستطيع أن أقول بأن نواب المعارضة و على رأسهم من يتشمت في الحكومة اليوم و يرفع راية النصر لم يكن ليحترم حكم المحكمة الدستورية لو صدر في ما يخالف مصلحته , و للتدليل على ذلك نعود إلى تصريح كتلة الأغلبية في الرابع و العشرين من يونيو حين قامت المحكمة الدستورية بالحكم بعدم دستورية حل مجلس 2009 و إبطال مجلس 2012 حيث صرح خبراءنا الدستوريون بأن "المحكمة تجاوزت حدود ولايتها" و أن قرارها "منعدم" !!
 
و لا أنسى هنا بأن النائب مسلم البراك الذي يلوح بعلامة النصر في أعلى المقال هو نفسه من رفض إحالة الدوائر الخمس للدستورية و وصفه بالإنقلاب على الدستور و دعى الجماهير بمشاركة الخبير أحمد السعدون للمبيت في الشارع و تسيير المسيرات , بل أنه أجزم في العاشر من أغسطس على أن قرار المحكمة الدستورية سيكون بـ"عدم دستورية الخمس" بالرغم من أنني أعلنت في اليوم السابق – في تويتر – بأن المحكمة الدستورية ستحكم بدستورية الدوائر الخمس التي ساهمت شخصياً في الترويج لها !!   
 
  
 
 
 
 
من كل ذلك أقول بأن نواب المعارضة أو الأغلبية بكل ما فيهم من خبراء دستوريون لا يحترمون أحكام المحكمة الدستورية لأن وجودها بشكلها الحالي يخالف مصلحتهم و ينسف برستيجهم أمام جماهيرهم , كيف لا و هي العامل الرئيسي لتعريتهم و فضح جهلهم بالدستور من خلال قوانينهم و إستجواباتهم الغير دستورية .
و بالإنتقال للإجابة على السؤال الثاني الذي يتعلق بحكم المحكمة الدستورية في الأمس و هل يعتبر هذا الحكم صفعة على خد الحكومة فقط أقول بأن حكم الأمس ينقسم إلى جزئين , في الجزء الأول توضح المحكمة أسباب نظرها في هذه القضية و في الجزء الثاني تناقش حيثياتها القانونية و تتبعه بالحكم النهائي .
و عند العودة إلى الحكم أجد بأن المحكمة في الجزء الأول منه تنسف العديد من المباديء و الإدعاءات التي حاول أعضاء كتلة الأغلبية الترويج لها كان أولها مبدأ عدم جواز النظر في قضية يختصم فيها طرف وحيد (الحكومة) دون وجود خصم مقابل حيث قالت المحكمة :
"أن المشرع في تحديده لطرق استنهاض اختصاص هذه المحكمة و الذي أورده بالنص هذه المادة استعمل لفظ "المنازعات" بمعنى "الخصومات" بما يتسع هذا المعنى لشمول الدعاوي و الطعون أيضاً التي ترفع أمام هذه المحكمة"
"أن الخصومة في مثل هذا الطعن عينية موجهة أصلاً إلى النص التشريعي المطعون فيه بعدم الدستورية , مناطها هو اختصام ذلك النص في ذاته استهدافا لمراقبته و التحقق من مدى موافقته للدستور"
"الطعن بهذه المثابة - و بحسب طبيعته الخاصة – ليس طعناً بين خصوم , و لكنه طعن ضد النص التشريعي المطعون عليه , و بالتالي فلا يتصور لا واقعاً و لا قانوناً جواز التدخل إختصامياً أو انضمامياً في ذلك الطعن , أو القول بإمكان المحكمة إدخال مجلس الأمة خصماً في الطعون الموجهة أصلاً إلى التشريعات التي يكون المجلس قد أقرها أو وافق عليها"
 
أما المبدأ الثاني فهو أن الحكومة "تقحم" السلطة القضائية و المحكمة الدستورية في الشأن السياسي بلجوئها إليها لتفسير مواد الدستور فيرد الحكم على هذه النقطة بـ :
"أن الرقابة الدستورية التي تباشرها – المحكمة - قف مجالها عند حد التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لأحكام الدستور وهي رقابة لها طبيعة قانونية لا جدال فيها و بالتالي فلا يسوغ التحدي بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته - مهما بلغت أهميته و أبعاده و آثاره - يعتبر عملا سياسياً أو أن استنهاض اختصاصها إقحام لها في المجال السياسي أو التحدي بمعاملة تشريع معين باعتباره من الحقوق الثابتة لأي من السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يجوز نقضه إذ أن من شأن ذلك أن يفرغ رقابة الدستورية من مضمونها , بل يجردها من كل معنى"
و أن المحكمة الدستورية هي "جهة الرقابة على الشرعية الدستورية لا تتخلى عن مسؤوليتها , ملتزمة بأداء وظيفتها القضائية التي أولاها إياها الدستور , بإعتبارها الحارسة على أحكامه , تدعيماً لمبدأ سيادة الدستور بوصفه المعبر عن إرادة الأمة , ضماناً لصون الدستور و الحفاظ على كيانه"
نأتي هنا إلى المبدأ الثالث الذي نسفته المحكمة الدستورية و هو أن القوانين التي يصدرها مجلس الأمة لا يجوز الطعن في دستوريتها لأن المجلس يمثل الأمة و الأمة مصدر السلطات جميعاً حسب المادة 6 من الدستور فيقول الحكم :
"لا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة , و لا هي صاحبة السيادة في الدولة , فالسيادة هي للأمة طبقاً لصريح نص المادة (6) منه , و إرادتها جرى التعبير عنها في الدستور , أما عن النص الوارد في (108) من الدستور بأن عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ,  فمعناه أن يكون عضو مجلس الأمة مستقلاً كل الإستقلال عن ناخبيه , و ليس أسيراً لمؤيديه من أبناء دائرته , تابعاً لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة , و إنما يرعى المصلحة العامة , دون تجاوز هذا المعنى"
و أخيراً و ليس آخراً فالمحكمة نسفت مبدأ الربط بين مسألة العدالة و المساواة بالوزن الإنتخابي للناخب في هذه الدائرة أو تلك حيث يقول الحكم :
"أن المساواة المقصودة ليست هي المساواة المطلقة أو المساواة الحسابية , فإنه لا يسوغ في مقام الوقوف على مدى دستورية القانون التحدي بواقع متغير لتعييب القانون توصلا الى القضاء بعدم دستوريته . و ترتيباً على ما تقدم , يكون الطعن على غير أساس حرياً برفضه . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة : برفض الطعن"
و نشير هنا بأن المحكمة تناقش مبدأ العدالة "الدستورية" و ليس مبدأ العدالة بمعناه الإجتماعي أو الديني , و الإشارة هنا واضحة للواقع المتغير بمعنى أن الدوائر الإنتخابية تحدد جغرافياً لكن عدد السكان في هذه الدوائر متغير فمن الممكن أن ينتقل عدد كبير من سكان الدائرة الرابعة إلى الدائرة الثالثة أو الثانية إلى الأولى و هلم جر , فكيف ستتعامل الدولة مع هذه التغيرات ؟ و هل عليها أن تغير الدوائر مع كل إنتخابات تحدث فيها هذه التغييرات ؟ أنا هنا أناقش هذه المسألة دستورياً و لا أناقشها من حيث العدالة لأنني لا أمانع بتقسيمة أخرى للدوائر تتقارب فيها الأوزان الإنتخابية لكل الناخبين .
و لكل ما سبق يمكن القول بأن الحكم النهائي للمحكمة الدستورية برفض الطعن يعتبر "صفعة" للحكومة إلا أن الجزء الأول من الحكم فيه صفعات متتالية للعديد من المباديء الهشة التي حاول نواب الأغلبية تأسيسها , أيضاً صدور الحكم برفض الطعن و ليس "عدم الإختصاص" يعتبر صفعة لنواب الأغلبية حيث أن الحكم بـ"عدم الإختصاص" يعني أن المحكمة امتثلت لمطالب النواب بعدم إقحام نفسها في الخلافات السياسية , لكن صدور الحكم برفض الطعن + مقدمة الحكم تعني بأن النظر في القضايا الدستورية ذات الطابع أو الأثر السياسي هو حق أصيل للمحكمة الدستورية لن تقبل بالتنازل عنه .
في الختام أود الإشارة إلى تصريح لفت نظري للنائب أحمد السعدون خاطب فيه سمو الأمير قائلاً :
 
"إذا حجت حجايجها...إحنا حراس قصرك و عيونك"
و سؤالي هنا للسعدون و أتباعه , لماذا ننتطر إلى أن تحج حجايجها حتى نحرس قصر سمو الأمير و عيونه ؟ ألم يكن الأولى بك أن تستمع على الأقل إلى توجيهات سمو الأمير حين قال "أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة..أنا المسؤول" بعد أحداث ديوان الحربش ؟ ألم يكن الأجدى بك أن تطلب من زميلك فيصل المسلم المثول أمام القضاء في قضية بنك برقان ؟ ألم نكن في حال أفضل لو انتظرتم نتائج لجان التحقيق في قضية الإيداعات المليونية و التحويلات بدلاً من إقتحام المجلس و التجمهر أمام قصر العدل ؟
سؤالي مرة أخرى هو إن لم يكن تعريف كلمة "حجت حجايجها" ينطبق على كل ما سبق فمتى ستأتي هذه اللحظة ؟ هل حج الحجايج لا تكتمل شروطه إلا في الحروب و الغزوات ؟
أنصحك بأن تراجع نفسك و تنقضاتك و أن تنتبه إلى الحروب الورقية التافهة التي تأججها بلا معنى , فما الضير في تأجيل تجمعاتكم و مسيراتكم إلى حين صدور حكم المحكمة الدستورية الذي جاء في النهاية لصالحكم ؟ لقد حجت حجايجها يالسعدون و لم تكن أنت و من معك حراساً للكويت و لا عيناً لمصلحتها .