Saturday, September 25, 2010

و العود أحمد

.
عدنا و العود أحمد
.
قد لا يعلم أغلب القراء أني كنت خارج الكويت منذ منتصف رمضان الى الأيام القليلة الماضية
.
و المشكلة أني كنت في الولايات المتحدة الأمريكية , لذلك أعاني حاليا من حالة جت لاق عنيفة
.
دعواتكم رجاء حتى أعود الى برمجة نفسي على التوقيت المحلي لدولة الكويت
.
على صعيد آخر
.
أعلم أن الكثير منكم ينتظر إكمال سلسلة
.
مقال . . . إلى الأرض
.
لكني للأسف سأتأخر قليلا في كتابة و نشر الأجزاء المتعلقة في المستقبل
.
الموضوع يحتاج الى بحث و كتابة جادة
.
لنعتبر هذه الوقفة فرصة لفتح باب النقاش حول الحلقات المنشورة
.
شكرا للجميع على المتابعة
.
شكرا

Sunday, September 19, 2010

مقال . . إلى الأرض - 11

قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق
.
صدام حسين في 17 يوليو 1990
.

.
تنويه هام , جميع الإقتباسات في هذا المقال منقولة مباشرة من تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الأمة في العام 1992
.

بينما كانت الأوضاع السياسية في الكويت تغلي من الداخل بسبب حل مجلس 85 و تعطيل مواد الدستور كانت هناك تطورات كبيرة تدور في الخارج , ففي شهر أغسطس عام 88 توصل العراق و إيران إلى إتفاقية وقف إطلاق النار مسدلين الستار على حربهم التي دامت لثمان سنوات متواصلة , الحرب التي طحنت مئات الآلاف من القتلى و الجرحى و الأسرى من الطرفين , بل أن هذه الحرب أهدرت الثروات الطبيعية و الإقتصادية للجارتين المسلمتين , و في العام التالي توفيَ زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني لتتفرغ بعدها إيران لمرحلة إعادة بناء ما أكلته حرب الثمان سنوات , على الطرف الآخر كان العراق يلعق جراحه منتظراً المساعدة من دول الجوار العربي
.
أما الكويت , فقد تنفست الصعداء بـ إنتهاء هذه الحرب و ضغوطاتها , و بادرت لتهنئة العراق الشقيق بهذه النتيجة و بدأت بـ جس النبض لفتح الملف القديم و هو ملف ترسيم الحدود بين البلدين , و هكذا زار الشيخ سعد العراق لبحث هذا الملف الحساس , إلا أن الجانب العراقي لم يكن جاهزاً للترسيم و كان عدائياً في الرد على مطالبات الكويت و لم يعترف بتبعية جزيرة وربة لها , بل أنه طالب الكويت بـ تناصف جزيرة بوبيان و الحصول على تسهيلات و مناطق لإقامة قواعد عسكرية مطلة على الخليج , و هذا ما جعل الشيخ سعد ينوي قطع هذه الزيارة المشؤومة لولا تدخل الرئيس العراقي لمراضاته
.
و مع بداية العام 1990 قام وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد بزيارة العراق فوجد الجانب العراقي يقترح عليه توقيع إتفاقية تعاونية و إتفاقية أمنية تهدف إلى ربط الكويت بالعراق و جعل أرض الكويت مسرحاً مفتوحاً للقوات العراقية , و هذا ما رفضه الشيخ صباح بطريقة دبلوماسية , حيث أنه أوضح للجانب العراقي بأن دستور الكويت لا يسمح للأمير أو لأي مسؤول آخر بالتنازل عن الأرض , لكنه وعدهم ببحث كل الخيارات التي تعطي للعراق متنفساً بحرياً بعد الإنتهاء من ملف ترسيم الحدود
.
و فور عودته إلى الكويت بعث الشيخ صباح رسالة إلى نائب رئيس الوزراء العراقي سعدون حمادي قال فيها
.
إنني قد فوجئت بما قدمتموه لنا من مشروعي إتفاقيتين ذات مضامن أمنية ودفاعية كي تكون محور البحث بيننا, فقضية ترسيم الحدود بإعتبارها مسألة فنية ذات مدلول سياسي ليست بالتي تستحق منا - على أهميتها - كل هذا التأجيل
.

أيضا بعث الشيخ صباح رسالة أخرى في 17 إبريل 1990 قال فيها
.
إنه ليسعدني أن التقي معكم بالكويت لنعمل سويا على تهيئة نهائية لموضوع ترسيم الحدود في إطار الإتفاقيات المعقودة بين بلدينا الشقيقين ، والذي بلا شك سيمهد الطريق لبحث العديد من القضايا ذات الإهتمام المشترك
.

و قد كان واضحاً أن ردود وزير الخارجية الكويتي لم تعجب القيادة العراقية , و هذا ما جعلها تخطو خطوة مباشرة من خلال طلب قرض بقيمة 10 مليار دولار بالإضافة إلى إسقاط الديون الكويتية على العراق , لكن سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد رد على هذا الطلب بالإعتذار حيث أن هذا المبلغ يفوق طاقة الكويت , أيضاً حذر العراقيين من أن إسقاط الديون قد يضر العراق أمام دائنيه الآخرين الذين قد يُعجلوا بمطالباتهم في حال علمهم بعدم قدرة العراق على الإيفاء بجميع إلتزاماته , و قد زار المستشار عبدالرحمن العتيقي صدام حسين لـ إيصال هذه الرسالة التي يقول عنها
.
كان منفعلا جدا ولأول مرة يكون في حالة إنفعال تحس إن واحدا في شيء في داخله يريد يتفجر لكن غير قادر عن الإفصاح عنه
.

و هذا ما جعل العتيقي يقترح طرح الموضوع على دول مجلس التعاون الخليجي فكان رد الرئيس العراقي
.
لا يابه ، إحنا ما نريد هيجي ، إذا كان على إخواننا دول الخليج إحنا نعرف شلون نتصل ، إحنا ما نريد هيجي
.

.
و في هذه الأثناء كان الوضع السياسي داخل الكويت قد وصل إلى ذروة التوتر بسبب إفصاح القيادة عن نيتها في إجراء إنتخابات المجلس الوطني ليحل بديلاً عن مجلس الأمة , و هذا ما أثار الغضب الشعبي الذي دخل في مواجهات عنيفة مع السلطة أدت الى أحداث قمعية و إعتقالات واسعة لرموز الحركة السياسية الشعبية , و بطبيعة الحال كانت القيادة العراقية تراقب هذه الأحداث و تخطط لإستخدامها في المستقبل , فـ في شهر مايو 1990 عقد الرئيس العراقي صدام حسين مؤتمراً في بغداد أظهر فيه نيته العدوانية إتجاه الكويت و الإمارات جاء فيه
.
عدم إلتزام بعض أشقائنا العرب بالذات في مقررات الأوبك عندما أغرق السوق النفطي بما هو فائض عن الحاجة , و لو في الجلد ما فيه يحتمل لـ تحملنا , و لكنني أقول بأننا وصلنا الى حال لا نحتمل الضغط , إن المعركة تدار بالجنود , إلا أن الضرر الأكبر يأتي من الإنفجارات و القتل و محاولات الإنقلاب , و قد يكون أيضا بالوسائل الإقتصادية , إنني أقول لمن لا يريد أن يشن حرباً على العراق هذه هي نوع من الحرب على العراق
.

و في 15 يوليو 1990 صعّد وزير الخارجية العراقي طارق عزيز لغة الخطاب من خلال رسالته إلى الأمين العام للجامعة العربية حيث إتهم الكويت و الإمارات بـ إغراق السوق النفطية ثم إتهم الكويت بـ سرقة النفط العراقي من حقل الرميلة , و قد جاء في هذه الرسالة الآتي
.
أما بالنسبة لحكومة الكويت فإن إعتداءها على العراق هو إعتداء مزدوج , فمن ناحية تعتدي عليه و على حقوقه بالتجاوز على أراضينا و حقولنا النفطية و سرقة ثروتنا الوطنية و أن مثل هذا التصرف هو بمثابة عدوان عسكري
.
و من ناحية أخرى تتعمد حكومة الكويت تحقيق إنهيار في الإقتصاد العراقي في هذا المرحلة التي يتعرض فيها الى التهديد الإمبريالي الصهيوني الشرس و هو عدوان لا يقل في تأثيره عن العدوان العسكري
.

ثم حضر عزيز إلى إجتماع وزراء الخارجية العرب و قال فيه
.
إن بلادنا لن تركع أمامكم , و نساء العراق لن يتحوّلن إلى بائعات هوى , و أطفالنا لن يُحرموا من الحليب
.

و حول هذه التصريحات يقول وزير العدل الكويتي السيد ضاري عبدالله العثمان الآتي
.
بعد أن أودعت المذكرة في مجلس جامعة الدول العربية فكان فيه اجتماع في ثاني يوم لمجلس الوزراء ، وتم استعراض المذكرة العراقية التي بها تحديد لعناصر معينة , وكانت في قراءات متعددة للمذكرة , وكانت لي قراءتي الخاصة من خلال استعراض العبارات التي وردت في المذكرة
.
وأذكر في ذلك الوقت بأن المذكرة هذه أعتقد أنها البداية لتحرك معين من النظام العراقي ، والله يستر الى أي مدى يريدون أن يصلوا في هذا التحرك ، و أنا أعتقد أن النظام العراقي يريد أن يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل ، وهذه العبارة أتذكر أني قلتها
.
الحقيقة أني اتكلم و أنا منزعج جدا ، و أعتقد أن العراق يريد أن يقوم بعمل ما ضد الكويت ، وطبعا أنا إستبعدت القضية ، قضية نزاع على الحدود أو نزاع على الجزر ، لكن كنت أتصور أن القضية أكبر من هذا , أن القضية ليست قضية ما ورد في المذكرة أو قضية نفط و لا قضية مزارع ، القضية أن العراق يريد أن يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل ، فالذئب يريد أن يلتهم الحمل
.

.
و بالرغم من هذه المؤشرات المبكرة لـ نوايا عدوانية إلا أن الحكومة الكويتية ترددت في تصعيد الأمر حيث أن أغلب وزراءها لم يتوقعوا قيام العراق بغزو الكويت , هناك من توقع بأن العراق سيحتل وربة و بوبيان , لكن الغزو الكامل لم يكن متوقعاً , و بين تردد هذا و حذر ذاك جاء خطاب صدام حسين في 17 يوليو 1990 لينقشع الغبار عن نواياه العدوانية الصريحة حيث قال
.
إن العراقيين الذين أصابهم هذا الظلم المتعمد مؤمنون بما فيه الكفاية بحق الدفاع عن حقوقهم و عن النفس , فإنهم لن ينسوا القول المأثور , قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق
.
و إذا ما عجز الكلام عن أن يقدمه لأهله ما يحميهم فلا بد من فعل مؤثر يعيد الأمور الى مجاريها الطبيعية و يعيد الحقوق المغتصبة الى أهلها , و لكن أصحاب السوء هم وحدهم الذين يتحملون أمام الله و أمام الأمة نتائج سيئاتهم , فهم بدلا من أن يكافئوا العراق , غرزوا الخنجر المسموم في الظهر , اللهم الهمنا الصبر الى الحد الذي ليس أمام الصابرين غير ما تعتبره مشروعا و صحيحا ، يوم يفقد الصبر قدرة التأثير، و اللهم اقتل بذور الشر داخل نفوس حامليها
.
اللهم إشهد إنني قد بلغت
.

و فور إنتهاء هذا الخطاب قام عبدالرحمن العتيقي بمقابلة سمو الأمير و أخبره برأيه في الخطاب حيث قال
.
والله طويل العمر أنا أعتقد أن صدام جاي لنا ، الكلام ماله تهديد للكويت ، وأنا كمواطن عادي بغض النظر عن منصبي , الخطاب واضح و صريح ، الرجل جاي ، يقول قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق
.

أيضاً شعر السفير الكويتي في بغداد السيد خالد البحوه بالخطر بعد هذا الخطاب و إن صدام مقدم على فعل و ليس مجرد أقوال , فقام بإرسال عدة برقيات للكويت يقول عنها
.
أنا لم أستدع و لم يطلب مني الحضور للكويت ، و نعم في برقياتي أكدت على العمل العسكري و خاصة في آخر برقية التي نقلتها عن السفيرة الأميركية جلاسبي أن هناك عملا عسكريا
.

و بعد يوم واحد من الخطاب المرعب لصدام حسين قامت الكويت بالرد على إدعاءاته بـ إقتراح تشكيل لجنة عربية للدراسة و التحكيم في الموضوع , أيضا قامت الكويت في 21 يوليو 1990 بـ إخطار الأمين العام للأمم المتحدة و مجلس الأمن بالتطورات الأخيرة من دون طلب أي تحرك أو مساعدة أو تدخل في الموضوع , فالكويت كانت حريصة على حل الأمور تحت مظلة الجامعة العربية , و في نفس اليوم رد العراق على إقتراح الكويت برسالة جاء فيها
.
نحن نكتم الجرح حرصاً منا على الحفاظ على علاقات الأخوة التي لم يحترموها و على المصالح القومية العُليا التي إستهزؤوا بها عمداً
.

تسارعت الأحداث بعد هذا الرد و تلقت الكويت تأكيدات متضاربة حول نوايا صدام إتجاهها , فعلى الصعيد العربي كانت أغلب التأكيدات تطمئن الكويت و تطلب منها عدم تصعيد الأمر , أما الجهات الدولية فقد أكدت أكثر من مرة بأن صدام ينوي القيام بعمل عسكري , و في يوم 27 يوليو 1990 زارت السفيرة الأمريكية في بغداد السفير الكويتي هناك و أخبرته بتوقعاتها , أيضا أكدت الإستخبارات الفرنسية هذا الخبر للسفير الكويتي في باريس طارق رزوقي , و قد قام بدوره بالحضور للكويت لإبلاغ سمو ولي العهد بالأمر في 30 يوليو 1990 حيث قال
.
أن الحشود العراقية يزداد عددها و أنه من المحتمل أن تقوم بعملية و أنه لا يمكن تركها في مواقعها الحالية فـ أما أن تتحرك و ترجع الى الوراء و أما أن تتقدم الى الأمام
.

و قد أكد السفير الكويتي في واشنطن سعود ناصر الصباح بأن الجهات الأمريكية كانت تطلعه على خطورة الموقف و عن إستعدادها للتحرك في هذا الموضوع حيث يقول
.
كنت على إتصال دائم مع وزارة الخارجية الأميركية ، مع وكالة الإستخبارات الأميركية ، مع البيت الأبيض و مع وزارة الدفاع حول هذه الأمور و أقولها بكل أمانه بأن جميع هذه الأجهزة كانوا يطلعوني أولاً بأول بكل ما يحدث من تصعيد و من حشود عراقية على الحدود التي تلت تقديم هذه المذكرة ، و كنت على إتصال دائم مع حكومتي في هذا الموضوع
.
و كانوا الأميركان على إستعداد وعرضوا علينا كما عرضوا على الإمارات ، لو تذكرون بأن التهديد كان موجه ضدنا و ضد الامارات , بأن قوات 87 جاهزة للانتقال للكويت , طبعا تقييم الإخوان و المسؤولين في الكويت بأن هذا الموضوع فيه نوع من المخاطرة السياسية ، لإننا لا نستطيع أن نستدعي قوات اميركية في هذه الظروف لوجود تأكيدات عربية ، و فيه رأي عام كويتي ، هذا الأمر يحتاج الى نوع من التريث و مزيد من التشاور
.
إحنا – أي الأميركان – كأصدقاء و حلفاء لكم مستعدين بإرسال قوات الى الكويت فورا , لكن أحب أن اؤكد شيئا واحدا أن الأميركان عرضوا علينا إرسال قوات ، و لكن إحنا بالظروف اللي كنا فيها يمكن ما كنا نستطيع أن نقبل فيها
.
أنا – أي مساعد وزير الدفاع لشؤون التخطيط بول ولفوبش – ليس سياسي ، أنا مخطط عسكري ، و إحنا نشوف الوضع العسكري القائم على الخريطة أمامنا ، الوضع العسكري لا يبشر بخير ، و لذلك يجب أن تتخذوا التدابير اللازمة عربيا أو إذا أردتم نحن حاضرون
.
و يضيف سعود الصباح أن دولة الإمارات العربية المتحدة قبلت إرسال قوات إليها ، و إن تكن رمزية
.
ففي 25 يوليو 1990 أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة أرسلت طائرتين قادرتين على تزويد الوقود جوا - طائرتي صهاريج - إلى الامارات
.
و في 31 يوليو 1990 قال جون كيلي - وزير الخارجية المساعد لشؤون الشرق الادنى و جنوب آسيا - يجري حاليا في الخليج تدريبات على إعادة التزود بالوقود جواً مع دولة الإمارات العربية و يتضمن ذلك إستخدام ناقلات كي سي 135 و طائرتي شحن سي 141 مزودة بمعدات للصيانة
.
و في 1 أغسطس 1990 نشرت جريدة الواشنطن بوست الأميركية أن جون كيلي أضاف أن الولايات المتحدة مستمرة في تدريباتها الجوية المشتركة مع الإمارات
.

أيضا تلقت القيادة السياسية تحذيرات شعبية بشأن تهديدات العراق كان أحدها للسيد فيصل الدويش أحد أعضاء الوفد الشعبي الكويتي للعراق حيث إلتقى بوزير الخارجية و قال له
.
طال عمرك الوضع في منتهى الخطورة ، و أنا أفضل أنك تستعين بأصدقائك ما استطعت , و الكويت ترى إذا عرف صدام إنها ما هي بلقمة سايغة يبي يحسب ألف حساب
.

كما ذكر جزءا من حديثه مع وزير الخارجية يوم الأربعاء 1 أغسطس 1990
.
يا صباح ، البلد سوف يضيع ، قال لي ليه ؟
.
قلت يا طويل العمر على حدودك حسب وكالة الأنباء و اللي جايين ما بين 35 و مائة ألف عسكري يتأهبون لدخول البلد
.
و كان رد وزير الخارجية ما فيه أمر مقلق
.
.
و نستطيع هنا أن نلخص الطلبات العراقية من الكويت كما عرضتها جريدة الواشنطن بوست الأمريكية بعددها بتاريخ 31 يوليو 1990 بالآتي
.
عشرة مليارات دولار كمساعدة
.
مليارين و أربعمائة مليون دولار كتعويض عن النفط المسروق من حقل الرميلة
.
إلغاء ديون الحرب و التي تقدر بـ عشرة مليارات دولار
.
تخلي الكويت عن حقل الرتقة
.
إبرام عقد إيجار طويل المدى يسمح للعراق بالسيطرة على جزيرة بوبيان
.

و يتضح لنا من تقرير لجنة تقصي الحقائق وجود مؤشرات مبكرة نسبياً لإحتمال قيام العراق بعمل عدواني إتجاه الكويت , إلا أن القيادة السياسية لم تحسن قراءة ما بين السطور , أيضا نجد في التقرير بعض المساحات الفارغة , حيث أكد السفير سعود الناصر على وجود عرض أمريكي للدفاع عن الكويت بينما نفى كل من الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية ، و سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية وجود مثل هذا العرض الأميركي ، و أضافا أنه ليس من المستبعد أن يكون سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية - الشيخ سعود الصباح - قد نقل هذا العرض إلى مستويات أعلى بالنظر إلى أهميته
.
فقد أفاد وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد
.
لم يقدم عرض أميركي في هذا الموضوع حتى نرفضه , لم يعرض علينا هذا الموضوع و لا أذكره في حياتي أن عرضوا علينا الموضوع , لكن لسؤالك لم يطلب الأميركان فرقة و نحن قلنا لا , يمكن أشياء تتصل بين السفير و سمو ولي العهد و أنا مشغول في زحمة العمل يمكن ما يكون لي علم في الموضوع هذا
.

و أفاد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية
.
من جانبنا لم يحدث رسمياً حسب علمي كوزارة الخارجية بأن نقترب من الأميركان أو أي دول أخرى , لم يطرأ حديث على الإستعانة على الأجنبي و كان التركيز على الإستعانة بالجامعة العربية ، لم يكن هناك على الأقل بوزارة الخارجية ما يشير الى مثل هذه الاتصالات بشأن إجراء ترتيبات مع الولايات المتحدة
.
و عند سؤاله , ما وصلكم طلب من أميركا ، من السفير ، عرض ؟
.
أجاب
.
من زاويتي و لم أسمع أيضا حتى على مستوى أكبر أو من خلال وزارة الدفاع ، لم تتوفر لي أي معلومة , لم يكن هناك أي عرض حول الموضوع , لم يكن هناك أي تفكير أو عرض من الولايات المتحدة أو الدول الكبرى لتدخل في هذا الشأن
.

.
من الواضح أمامنا خضوع القيادة الكويتية لـ جرعات التخدير العربي حيث أرسلت الكويت بعض مسؤوليها لزيارة الدول العربية و قد عاد جميعهم بوعود و تطمينات مباشرة من القادة العرب , نذكر منهم في هذا المجال الرئيس المصري حسني مبارك , و الرئيس اليمني على عبدالله صالح , و الملك حسين من الأردن , و رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات , و الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة الذي أوصل للقيادة الكويتية نصائح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بعدم تصعيد الأمر و إستفزاز العراق , و نورد هنا بعض أقوال مسؤولين الحكومة الكويتية حول سبب عدم إتخاذهم التدابير اللازمة
.
ضاري العثمان وزير العدل و الشؤون القانونية
.
أنا أعتقد عدوان من هالنوع لا يمكن بأي حال من الأحوال من خلال فهمي المحدود بطبيعة الأعمال العسكرية بأن يواجه من قبل الكويت و القوات المسلحة الكويتية و حتى السعودية ، يعني القوة العراقية لا يمكن مجابهتها من قبل الكويت و لا حتى من قبل المملكة العربية السعودية , إننا نحن مهما حاولنا نجهز قواتنا فراح تكون النتيجة بالنسبة للكويت مكلفة و باهظة و قاسية جدا
.
لو هيئت القوات الكويتية لتتوقع هجوما محتملا من العراق آخذا بالإعتبار الوضع الجغرافي للعراق و الكثافة السكانية لها و الوضع الجغرافي للكويت و الكثافة السكانية لها ، لما كان هناك صمود أكثر من خمسة أيام هذا في حالة إذا كانت الجاهزية الكويتية عالية
.
أنا شخصيا بالرغم من أنني كنت من أكثر المتشائمين و ممن كانوا يتوقعون أن العراق سيتجاوز الحد المألوف بالنزاعات الحدودية بس مع ذلك لو قالوا لي و الله تتخذ قرارا بإستدعاء القوات الأمريكية ، أنا سأقول لا ، لأنه مو معقول أن كل هذا التراث من العلاقات سينسف بين ليلة و ضحاها ، و يقدم العراق على ما أقدم عليه الخيار العسكري ما كان واردا إطلاقا كان الخيار الوحيد في ذلك هو الخيار السياسي والخيار السياسي ضمن جامعة الدول العربية
.
كلنا مخطئون ، مافي أحد بريء - هكذا قال السيد ضاري العثمان أمام اللجنة
.
إذا أردنا أن نمارس التقييم الأمين و الموضوعي و التاريخي و المجرد ، فعلينا أن لا نبدأ بـ 2 - 8 حيث كنا حلقة من حلقات مسلسل مرعب بدأ من وقت ما تسلم صدام حسين السلطة بدأ من وقت ما كنا نروج أشرطة صدام حسين لما كان يقوِّم هذيله و يعدمهم ، و كنا إحنا نستانس
.
هذي الحقيقة , فلذلك لما تجيب مسؤول سنة 1990 لا تنسى أنه تربى 12 سنة أو أكثر أو أقل في ظل المدرسة الأخلاقية التي أوجدها صدام حسين بالمنطقة ، هذه الحقيقة
.

عبدالرحمن العوضي وزير الدولة
.
تساءلنا ، وتناقشنا بشكل تفصيلي يوم الأحد لدرجة ما كنا نعتقد أن هذا سوف يهاجم ، هناك تساؤل لكن أستبعد أنه يهاجم ، أن هذا من ضمن تهديدات صدام العادية لنا , بدأها بخطاب ، وبالتالي ما كان نتوقع أنه يهجم , للضغط عليها
.
يا معود ، خلو الموضوع لا تصعدونه ، حتى جيشنا المسكين كان محكورا في معسكرات حتى ما أعطي فرصة إنه يكون في حالة هجوم ، و جيشنا أعطى إجازة , لأن القرار كان سياسيا و لم يكن قرارا عسكريا , القرار السياسي كان رافضا مبدأ الحرب ، مو قابل أن الحرب واقع
.

سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية
.
في وزارة الخارجية لم يطرأ حديث عن الإستعانة على الأجنبي ، وكان التركيز على الإستعانة بالجامعة العربية ، و كان أسبق من هذا الرأي هو حل هذا الإشكال حل سياسي , أنا في تصوري أن لو الكويت بادرت و طلبت من فرنسا و الصين و غيرها بهذه القوات لكان مبرر واضح للعراق بأن و الله جابوا لنا إستعمار , يعني الحكومة لو أقدمت على هذا العمل لخلق إنشقاق كبير ليس داخل المجتمع الكويتي ، لكن حتى ضمن أوساطك الخليجية و العربية
.
إنت نفسك كدولة لا يمكن أبدا بأي شكل من الأشكال أن تمتلك قوة رادعة للعراق ، لأن ذلك الوقت مليون تحت السلاح و نصف مليون مستعدين للقتال ، جيشك في ذلك الوقت و كما يؤكد لي ليلة صباح الخميس اللواء الصانع أن ما يتجاوز 7 إلى 8 آلاف

.

وزير الخارجية الشيخ صباح
.
يعني ما كنت يوم من الأيام أتصور أن العراق بده يعمل بغض النظر عن أي مذكرة حصلت ، لكن قلت يمكن يحصل بوبيان و وربة يحتلها ، و لكن أن يصل أن يحتل بلداً بكاملها ، و اللي ما حطيتها في ذهني ، فكذلك قد يكون أنا بتصوري غلط ، لكن هذا كان إحساسي ، إحساسي مو أن يسوي شيء ، يسوي ممكن ما مو سيصل الى الكويت
.
أنه يدخل رأسا الى الكويت و يضمها التاسعة عشر بالسرعة بهذا الشكل ، لا كنا متوقعين يدخل 3 كيلو يأخذ النفط مال الرتقة ، يأخذ الجزيرة مالت وربة و بوبيان ، ينزل فيها ، كل هذا كنت متوقعه ، لكن ما توقعت يوم من الأيام أن يصل الى الكويت , لكن ما كنا يوم من الأيام أفكر في أن العراق سيصل الى هذا الحد
.

أيضا جاء في أقوال الشيخ صباح
.
و الله مالنا بد من هذا – أي الأسلوب العربي الدبلوماسي – ما في خيار لك أكثر من هذا , يعني قد يكون كانت نياتنا حسنة ، صحيح عندنا السلاح موجود ، لكن سلاحنا كله في المراكز ، ما طلعوه برة بناء على تعليمات الإخوان كلهم مصر و السعودية و الأردن ، أرجوكم أن لا تعملوا إستنفار بالجيش
.

سمو ولي العهد الشيخ سعد
.
أنا راح أقول لك الإنطباع اللي كان عندي أنا , أنه إذا حصل هجوم عراقي فقط فيكون محدود في أماكن معينة بأحد حقول نفط في الرتقة , يزيد و يحتل جزيرة بوبيان إنما ما تصورت في بالي بأنه سيحتل الكويت , و أنا قلت أكثر شيء هو بيعمله أنه يعسكر هناك و يساوم
.
إحنا كل الإنطباع عندنا أنه نوع من حرب الأعصاب و النرفزة للكويت
.
و يضيف سموه أنه عندما بلغه نبأ إختراق القوات العراقية الحدود الكويتية من قبل وزير الدفاع - الشيخ نواف - إتجه الى غرفة العمليات ، و ظل الحاضرون في هذا الإجتماع يتابعون - عن طريق الأجهزة سير القوات العراقية , سرعة دخول القوات العراقية تعدت النقاط التي كنت أنا أتوقع أن يتوقفوا عندها , و عندما وصلت قالوا أن القوات العراقية متجهة الى الجهراء , قلت ترى المكان هذا ساقط ننتقل الآن الى مقر الدفاع الجوي أو نروح قصر الشعب
.

و في الأيام الأخيرة من شهر يوليو 1990 زار الكويت بعض الصحافيين لتغطية الأزمة و كانوا يرغبون بزيارة منطقة حقل الرميلة لنقل صورة المنطقة المتنازع عليها إلا أن وزارة الدفاع الكويتية رفضت ذلك خوفاً من تفسير العراق لهذا الأمر بأنه تصعيد و إستفزاز , و مع دخول شهر أغسطس 1990 قامت المملكة العربية السعودية بمحاولة أخيرة للسيطرة على النزاع و دعوة الكويت و العراق للمشاركة في إجتماع جدة لحل الخلاف , و قد رحبت الكويت بهذه الخطوة و توجه الشيخ سعد العبدالله للإجتماع إلا أن الجانب العراقي تعامل معه بـ جفاف و إستكبار , بل أن العراقيين تجاهلوا الكويت تماماً في هذه المحادثات و لم يهتموا إلا بالطرف السعودي , و عاد الشيخ سعد إلى الكويت بـ خفي حنين
.
.
و بعيداً عن إجتهادات القادة في مجلس الوزراء كشفت إفادات القيادات الميدانية عن إختراق عراقي كامل للإعلام و الأمن الكويتي
.
أولاً , الإختراق الإعلامي
.

أفاد يوسف السميط مدير عام وكالة الأنباء الكويتية كونا
.
و للأسف كان هناك إختراق لكثير من المؤسسات الإعلامية و مكاتب الوكالة من قبل تنظيمات عراقية و أردنية ، و الأحكام الجنائية التي صدرت بحق مراسلينا في بعض المكاتب توضح ذلك
.

و أفاد حمد الرومي وكيل وزارة الإعلام
.
و للأسف كان الإعلام العراقي مسيطرا سيطرة تامة على معظم الصحف المحلية لدرجة أن الملحق الإعلامي بالسفارة العراقية بالكويت حامد الملا كان يداوم في بعض الصحف يومياً ، و كانت بعض المقالات ترسل من وزير الإعلام العراقي ، و للأسف تتصدر الصفحات الأولى لبعض الصحف المحلية ، و كان يقدم هدايا مغرية ، و سبق أن نبهنا وزارة الخارجية لنشاطه أكثر من مرة ، و كان الرد يأتي بتهدئة الأوضاع
.

و يقول السيد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية
.
ألا يمكن للصحافة التي إرتهنت تقريبا كلها للإعلام العراقي من خلال رشاوى و من خلال شراء صحف و توزيع و كل الوسائل , أذكر قبل الإجتياح طلبت من السفير العراقي لأن جاؤونا مجموعة من الإخوان الأدباء و قالوا لنا ما يمر ست أسابيع أو شهر إلا دعينا الى مؤتمر في العراق ، و وصلنا الى حد و الله قاعدين يزالون علينا ضغوط ، إذا تعذر علينا حضورنا إتهمونا بالعمالة الى إيران ، و التالي جاؤوا و بلغوا الشيخ صباح هذا الموضوع
.

و يظهر من ذلك
.
كان هناك إختراق لكثير من المؤسسات الاعلامية و مكاتب وكالة الأنباء الكويتية كونا من قبل تنظيمات عراقية و أردنية ، رغم سلامة و إخلاص أصحاب و مديري هذه المؤسسات
.
كان الإعلام الكويتي يكيل المديح للعراق و يحول أخطاءه الى إنتصارات و إيجابيات في المواقف الداخلية و الخارجية
.


ثانياً , الإختراق الأمني
.

كان العراق يعرف كل شيء عن الكويت و عن تحركاتها و تصرفاتها و ذلك عن طريق عناصر تعمل داخل الكويت تحت علم السفارة العراقية و بصفتها الدبلوماسية و ساعد في ذلك أنه في فترة الحرب العراقية الإيرانية أعطت الكويت العراق تسهيلات أرضية - في الشعيبة و الأحمدي - لإستقبال السلاح لدعم الجبهة العراقية
.
و إستمرت هذه التسهيلات بعد توقف الحرب , فـ إستغل العراق هذه التسهيلات لإدخال عناصر الى الكويت دون المرور بسفارة أو قنصلية الكويت لدى العراق ، و هذه العناصر كانت إستخباراتية و ليس عسكرية ، و كانت في صورة مجموعات تتغير على فترات لتحل مجموعة جديدة محل المجموعة السابقة ، و سكتت الكويت على ذلك و لم تعترض
.
و لعل أوضح مثال للإختراق الأمني ما ذكره السيد رشيد العميري و زيرالنفط السابق من أنه عقد إجتماعا سرياً مع هشام ناظر وزير النفط السعودي في فندق ريجنسي بالكويت بتاريخ 28 يونيو 1990 , و بعد إنتهاء الإجتماع غادر هشام ناظر متوجها الى بغداد ، فوجد أن المسؤولين العراقيين لديهم جميع تفصيلات هذا الإجتماع السري
.
هذا الإجتماع كان غير معلن و سري و لم تتناوله وكالات الأنباء و الصحافة ، و قعد معاي حوالي 6 ساعات و سافر الى بغداد
.
بس نحن الحقيقة كنا مخترقين ، بأن تفاصيل الإجتماع هذا وصلت ، إشلون وصلت ما أستطيع أن أجاوب عليه , كل تفاصيل آبارنا و إنتاجها و وضعها كانت معلومة لدى العراقيين من خلال الموظفين سواء كانوا من العراقيين أو الفلسطينيين أو من الناس المتعاونين مع النظام العراقي ، كانوا ينقلون لهم أول بأول ، فنحن كنا مخترقين
.

و يضيف السيد إبراهيم البحوه سفير الكويت لدى العراق
.
إنهم - أي العراقيين - يعرفون كل دبيب حركة من حركاتنا و من إتصالاتنا ، العناصر التي كانت تعمل في الكويت تحت علم السفارة و بحكم أنها دبلوماسية كانت عناصر أمنية , كانت العناصر التي تعمل في الجانب العراقي تدخل – الكويت - مباشرة دون المرور على السفارة الكويتية أو القنصلية لأخذ الفيز ، الإستخبارات العسكرية – العراقية - تبعث مندوب بقائمة تقول أن هؤلاء سوف يحلون محل المجموعة التي كانت في الشهر الماضي ، طبعا رُتَب و أسماء لا نعرف هل هم حقا ما يقولون
.
و فوجئت بأن المذكرات تأتي لي من الإستخبارات العسكرية العراقية ، و لا يفترض بالدبلوماسية أن تتعامل مع الجانب العسكري , فطلبت الخارجية العراقية و قلت لهم أن هذا الشيء لا بد أن ينظم بالأسلوب و العرف المتبع ، فقال لي ماذا تريد ؟
.
فقلت أريد أن تأتي مذكرات الفيز عن طريق وزارة الخارجية ، ظل يماطل الى فترة ، ثم قالوا لي هذا إتفاق بيننا قبل أن تتولى أنت هذه المهمة ، و الإتفاق قائم في ظروف الحرب و سوف يستمر ، و أعتقد أن وجهة النظر الكويتية كانت مطابقة لهذا الرد و إستمر هذا الشيء
.

.
هكذا نستطيع أن نلخص حالة المعسكر الكويتي في يوم 1 أغسطس 1990 بـ خمسة نقاط رئيسية هي
.
أولاً , عدم توقع العمل العسكري ، أو بالأقل عدم توقع الإجتياح الكامل للكويت
.
ثانياً , محاولة حل الأزمة بالطريق الدبلوماسي
.
ثالثاً , عدم تدويل الأزمة خارج النطاق العربي
.
رابعاً , تجنب أي عمل استفزازي قد يعرقل الطريق الدبلوماسي
.
خامساً , وجود إختراق إعلامي و أمني عراقي في الكويت بـ علم كامل من قيادات الحكومة الكويتية
.

و بطبيعة الحال أدت كل هذه النقاط مجتمعة الى الأسلوب الكارثي الذي تعاملت فيه الحكومة الكويتية مع القوات الغازية في 2 أغسطس 1990 , فقد إلتهمت القوات العراقية الكويت خلال مسافة السِكة حسب التعبير المصري , فلم تواجه أي مقاومة جادة كما صرّح رئيس الأركان الشيخ جابر الخالد – وزير الداخلية الحالي - في مقابلة مع جريدة الوطن في 12 مارس 1995 حيث قال
.
كلمة إنهيار غير مقبولة بحق الجيش الكويتي ، لأنه لم يكن في حالة إستعداد حتى يمكن أن تنطبق عليه أي درجة من درجات الإنكسار أو الإنهيار , فالقوات المسلحة لم تستلم أوامر القتال إلا في عشية الغزو في الثاني من أغسطس 1990 , و تحديدًا في الساعة 2.30 مساء – صباحًا
.
و بإضافة الوقت اللازم للتعميم على الوحدات ، و هو في حدود 30 دقيقة ، كانت أوامر القتال الفعلية في متناول الوحدات العسكرية المختلفة في حدود الساعة الثالثة صباحا , ولذلك لا يمكن أن نقيس ما حدث لقواتنا بمصطلحات مثل الهزيمة و الإنهيار , فهذه يمكن إطلاقها على قوات مسلحة إتخذت درجات استعدادها القتالي و قامت بالانفتاح لمواجهة العدو , و كقيادة عسكرية أتحمل مسؤوليتي بما حدث في الثاني من أغسطس ، و لكن
هناك حدود للمسؤوليات
.

و تشير التقارير إلى أن حجم الحشود العراقية على الحدود الكويتية في 30 يوليو 1990 , 100 ألف مقاتل ، 300 دبابة ، 300 قطعة من المدفعية الثقيل
.
و قد إنبنى إستبعاد الخيار العسكري على المعطيات التالية
.
أولا, المواجهة العسكرية مع العراق لم تكن ممكنة ، بالنظر إلى محدودية إمكانات الجيش الكويتي الذي لم يجاوز عشية الغزو ثمانية آلاف مقاتل ، فالمواجهة كانت عملية إنتحارية لا جدوى منها
.
ثانياً , لم تكن هناك – في ذلك الوقت – أي إتفاقية أمنية بين الكويت وأي دولة أخرى ، ذلك أن إتفاقية 19 يونيو 1961 بين الكويت وبريطانيا قد ألغيت سنة 1971
.
ثالثاً , و لو أن الكويت إستعانت بقوات أجنبية ، لما كان من الممكن جلب هذه القوات و وضعها في الموقع الملائم في الوقت المناسب بالنظر إلى ضخامة القوات العراقية التي كانت محتشدة على الحدود العراقية الكويتية
.
رابعاً , الأفكار التي كانت تعيشها الكويت آنذاك حكومة و شعبا - الأمة العربية ، القومية العربية ، عدم الإنحياز – و التي كانت تتعارض مع الإتجاه نحو السعي إلى طلب دعم عسكري خارجي ، و بصورة خاصة الدعم العسكري غير العربي
.
خامساً , الخشية من إستثارة النظام العراقي ، و الرغبة في عدم إعطائه الذريعة للقيام بأي عمل عسكري
.
سادساً , الرغبة في إعطاء الفرصة للحل الدبلوماسي للأزمة ، و في الحفاظ على علاقات الكويت بالدول العربية الصديقة التي تساند هذا التحرك السلمي و تضغط على الكويت للقبول به ، و بعبارة أخرى التخوف من أن تجد الكويت نفسها و قد انعزلت عن سائر الدول العربية و الخليجية
.
سابعاً , عدم فعالية إتفاقية الدفاع العربي المشترك في نطاق جامعة الدول العربية ، و ضعف هذه الجامعة ذاتها و تراخي التعاون بين أعضائها ، على خلاف الحال سنة 1961 أثناء أزمة عبدالكريم قاسم
.

أعتقد شخصياً بأن تفاصيل الأيام الأولى من الإحتلال العراقي للكويت معروفة عند الجميع و الحصول عليها يسير أيضا , لذلك قررت أن لا أتعمق أكثر في ذكر الأحداث اليومية لهذا الغزو , ما يهمني هنا هو بعض النقاط المحورية كـ نجاة الشيخ جابر حاكم الكويت من القوات العراقية و وصوله إلى الطائف في المملكة العربية السعودية ليعيد ترتيب أوراقه حتى يحرر وطنه و يعود الحكم الشرعي إلى أهله , و لم تكن هذه المهمة سهلة كما يتصور البعض , فالأمر يحتاج إلى قرارات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة , و هي تحتاج أيضا إلى قرارات محلية لكل دولة على حدة , فالأمر لم يكن كُن فـ يكون أو خُذ دينار و هات جيشك
.
.
بطبيعة الحال لعبت الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأكبر في تجييش الجيوش و حشد الحشود لطرد القوات العراقية من الكويت , لكن المعركة الأصعب كانت كيفية إقناع كل رئيس دولة شعبه بإرسال أبناءهم لتحرير بلد عربي , مسلم , صغير , و بعيد , قد لا يعرفون موقعه على الخريطة , و هذا ما لمّح إليه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران عندما أعرب عن صعوبة إقناع شعبه بالتضحية بأرواح أبناءهم من أجل تحرير بلد غير ديموقراطي , و هذا ما جعل القيادة الكويتية تستنفر للدعوة إلى مؤتمر وطني في جدة , يجتمع فيه الحاكم و الشعب , و يعلن كل منهما تمسكه بالآخر , هكذا بدأ رموز العمل الشعبي بالتقاطر على جدة لحضور هذا المؤتمر الذي عُقِد في 13 أكتوبر 1990 , و قد ألقى فيه السيد عبدالعزيز الصقر بيان الشعب الكويتي قال فيه
.
نعلن للعالم أجمع تمسكنا بنظام الحكم الذي إختاره شعبنا منذ نشأته و إرتضته أجياله المتعاقبة ، و تؤكد وقوف الشعب الكويتي كله ، رجالا و نساء و شيوخا و شبابا و أطفالا ، صفا واحداً خلف قيادتنا الشرعية ممثلة في أميرنا الشيخ جابر الأحمد الصباح و ولي عهده الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح حفظهما الله
.
الكويت : من الدولة إلى الإمارة ص 124
.

و من المهم أيضا أن نذكر المواقف السلبية لبعض الدول العربية , فقد أظهر الإحتلال المعدن الحقيقي لبعض القادة العرب الذين وقفوا إلى جانب العراق في غزوه للكويت كـ الأردن و السودان و ليبيا و اليمن و الجزائر و موريتانيا و تونس و السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات , و هذا ما تسبب في إضعاف دور جامعة الدول العربية و إضمحلال مكانتها في المستقبل , خاصة بعد تقديم أمينها العام الشاذلي القليبي – تونسي - إستقالته فور بدء حشد قوات التحالف لتحرير الكويت , أيضا لا ننسى وجود اليمن كـ عضو في مجلس الأمن و تصويتها بعدم الموافقة على القرار 678 الذي يعطي العراق مهلة للإنسحاب من الكويت حتى 15 يناير 1991 , و من هنا جاءت تسمية دول الضد التي أطقلها الكويتيون على هذه الدول
.
لم يُذعن العراق لهذا القرار فبدأت معركة عاصفة الصحراء في 16 يناير 1991 لتتحرر الكويت في 26 فبراير 1991 و يعود الحق إلى أهله , و من هنا عاد الحكم الشرعي الى آل الصباح و بدأت مرحلة التعمير و طمس آثار الغزو العراقي , أقول طمس لأن حكومة الكويت لم تسلك مسلك بقية دول العالم التي تُخلد أهم محطاتها التاريخية و أبطالها القوميين , لذلك لا يعرف الكثير من أبناء الجيل الجديد أسماء الشهداء و تفاصيل أحداث هذا الغزو , ربما كان السبب في ذلك عدم رغبة السلطة في فتح باب النقاش حول مسؤولية المتسبب في هذا الغزو و محاسبته , و هذا ما حاول القيام به مجلس 1992 بتشكيله للجنة تقصي حقائق مهمتها تحديد الآتي
.
أولا , الأسباب التي أدت الى كارثة 2 أغسطس 1990
.
ثانياً , تحديد مواطن الخلل في مختلف الأجهزة السياسية و العسكرية
.
ثالثاً , حقيقة الإجراءات التي تم إتخاذها صبيحة ذلك اليوم إزاء الهجوم العراقي على الكويت
.
رابعاً , إستظهار وجه القصور و مواطن المسؤولية عن أحداث الثاني من أغسطس 1990
.
خامساً , الخطوات الوقائية التي تم إتخاذها بعد التحرير لتفادي تكرار مثل هذه الكارثة
.
.
و قد قامت اللجنة بمقابلة أصحاب القرار في الدولة و توصلت الى النتائج التالية
.
ثالثا , أقر المسؤولون أن غزوا جزئيا كان متوقعا ، كإحتلال جزيرتي وربة و بوبيان ، و جزء من الساحل الشمالي ، و حقل الرتقة الكويتي ، و ان كانوا لم يتوقعوا الإجتياح الكامل الذي حدث في 2 أغسطس 1990 و يجمع المسؤولون الذين إستمعت اليهم اللجنة ، أن العدوان الجزئي كان متوقعا منذ أن قدم العراق مذكرته الاولى الى الأمين العام لجامعة الدول العربية في 15 يوليو 1990
.
رابعا , اذا كانت الحكومة قد توقعت فعلا العدوان الجزئي ، فقد كان في وسعها ايضا توقع ما هو أبعد من ذلك ، و هو الاجتياح الكامل لأرض الكويت ، و ذلك في ضوء المعطيات التالية
.
واحد , التوتر الكامن في العلاقات بين البلدين بسبب ادعاءات العراق الحدودية ، و هو توتر إمتد عبر سنوات عديدة
.
أثنين , الضغط العراقي للحصول على مساعدات مالية الذي تزايد منذ مؤتمر قمة بغداد 1990
.
ثلاثة , التهديدات العراقية الصريحة منذ 15 يوليو 1990
.
أربعة , التقارير الاستخباراتية - يراجع التقرير العسكري – و التحذيرات الكثيرة للحكومة احتمالات الغزو العراقي ، و التي وردت من شخصيات رسمية و غير رسمية قبل 15 يوليو 1990 و بعده
.
خمسة , عدم صدور أي بادرة من النظام العراقي في الفترة من 15 - 7 الى 1 - 8 تدل على الاستجابة الجدية للوساطة العربية ، و بصورة خاصة رفضه اقتراح الكويت تشكيل لجنة من اطراف عربية تنظر في أوجه الخلاف بين الدولتين
.
سته , شخصية صدام حسين التي تؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف
.
سبعة , كما انه مما كان يرجح اتجاه العراق نحو العدوان العسكري الظروف الإقتصادية القاسية التي كان يعيشها العراق بسبب حربه مع ايران و زيادة اعباء الديون ، بالاضافة الى طبيعة نظام الحكم في بغداد ، و عدم قدرته على استيعاب الطاقة البشرية الكبيرة التي تضمها قواته المسلحة في المجال المدني
.
خامساً , اطمأنت الحكومة تماما الى الوساطات العربية التي اكدت لها ان النظام العراقي لن يقوم بأي عدوان
.
وعلى هذا الأساس اختارت البديل السياسي ، و سارت فيه الى نهايته ، الى ان كان اجتماع جدة في 31 – 7 , 1 – 8 الذي لم يسفر عن شيء . و فيما بين فشل هذا الاجتماع و اختراق الحدود ، و هي فترة تقاس بالساعات ، لم يكن لدى القيادة السياسية الوقت الكافي لاختيار بديل آخر ، فكان الاجتياح الكامل و سقوط جميع مؤسسات الدولة في غضون ساعات
.
سادسا , يبدو انه حتى بعد فشل اجتماع جدة و عودة الوفد الكويتي الى البلاد في مساء يوم 1- 8 لم يكن الاجتياح العراقي متوقعا لدى القيادة الكويتية , فلدى عودته الى الكويت ، دعا سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء الى اجتماع لمجلس الوزراء يعقد في الساعة التاسعة من صباح يوم 2 – 8 , كما طلب النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء و وزير الخارجية من وكيل وزارة الخارجية الالتقاء بالسفير العراقي لدى الكويت في صباح اليوم ذاته للتباحث حول موضوع جانبي و فرعي
.
اي ان الحكومة لم تعتبر فشل اجتماع جدة فشلا للعمل الدبلوماسي . و لم يحدث ، منذ بداية الأزمة ، و حتى ساعة اختراق القوات العراقية الحدود الكويتية ، أن طلبت حكومة الكويت عونا عسكرياً خارجياً ، خليجيا ، أو عربياً ، أو أجنبيا ، و لم يحدث ان اتخذت اجراء ما ، عسكرياً أو مدنياً ، لمواجهة عدوان محتمل
.
و لم تفق الحكومة إلا بعد أن تم اختراق الحدود فعلا ، فكان طبيعيا أن تصاب بالارتباك و الهلع , و كان ذلك واضحا في اجتماع مجلس الوزراء ليلة 2 – 8 في الجيوان ، الذي حضره سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء و بعض الوزراء ممن أمكن دعوتهم لحضور هذا الاجتماع ، و من الطريقة التي غادر بها المسؤولون أرض الكويت باتجاه النويصيب ثم الخفجي
.
و على ذلك لم تضع اي خطة عسكرية تكون جاهزة عند الاقتضاء ، أو أي خطة عسكرية بديلة في حالة عدم نجاح الخطة الأصلية يقول سمو ولي العهد أنه في فجر يوم 2 – 8 بعد أن بلغه نبأ الاجتياح العراقي ، و انتقل من الجيوان الى مقر الدفاع الجوي في صبحان " طلعت قواتنا بالليل و طيارينا صحيناهم من فرشهم "
.
و إذا كان قرار سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء بالذهاب الى قصر دسمان و اصطحاب سمو أمير البلاد الى خارج البلاد هو من افضل و اسلم القرارات التي كان ممكن اتخاذها في ذلك اليوم و التي ادت الى انقاذ الشرعية
.
سابعاً , كان من الممكن ان تلجأ الحكومة الى الخيار العسكري , و لا نعني بذلك الاعتماد على القوة العسكرية الذاتية للكويت فقط ، فهي لم تكن تتناسب البته مع الحشود العسكرية العراقية ، لا من حيث العدد و لا من حيث العتاد و لا من حيث الخبرة ، و لكنها كانت تكفي لو تم إدارة الأزمة بالاسلوب السليم لتأخير الاجتياح العراقي و لو إلى حين
.
و في تقييم الأجهزة الغربية و المحلية أنه لو كانت هناك استعدادية قتالية لدى القوات المسحلة الكويتية لكان باستطاعتها تأخير تقدم القوات العراقية لمدة يومين و العمل كأسلاك شائكة ، مما يعطي الكويت الوقت الكافي لأن تستدعي قوات شقيقة و صديقة تصل لمساعدة الكويت , و لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، و صدرت الأوامر للقوات المسلحة بالتصدي للغزو العراقي ، بعد عدة ساعات من اختراق الحدود ، و في وقت لم تكن فيه جاهزية القوات المسلحة كاملة للقيام بمهامها القتالية و هو ما أدى إلى سقوط الدولة بالكامل بجميع مؤسساتها
.
و صحيح أيضا ان الاستعانة بالعون العسكري العربي لم يكن ليسعف , فالعلاقات العربية - العربية في 1990 لم تكن كما كانت عليه في سنة 1961 و الوساطات العربية التي كانت تدعو الى التهدئة ، تنبئ بذاتها بأن الدول العربية لم تكن ترغب في ان تخوض وحدها غمار حرب ضد العراق لاتعرف عواقبها
.
و مع ذلك فإن دعوة الدول العربية الى تحمل مسؤولياتها تجاه الأزمة ، كان من الممكن ان تكون لها جوانبها الإيجابية ، السياسية والعسكرية و لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، و اقتصر تحرك الحكومة في إطار جامعة الدول العربية - على العمل السياسي , كما أنه كان من الممكن ، فور التهديدات العراقية بدءا من 15 يوليو 1990 الطلب من الولايات المتحدة المشاركة في رد العدوان و تطمئن اللجنة في ذلك إلى ما أفاد به الشيخ سعود الصباح سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الاميركية من أنها كانت على استعدادا لهذه المشاركة إذا طلبت منها الكويت ذلك ، و هو ما لم يحدث , خاصة و أن الكويت قد نجحت اثناء الحرب العراقية الإيرانية في حماية ناقلات النفط الكويتية التي كانت تتعرض لإعتداءات مستمرة في الخليج برفع العلم الاميركي عليها و ذلك بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية
.
ثامناً , و لاتقتنع اللجنة بما ردده المسؤولون أمامها من أن تقييم الخيار السياسي ، و استبعاد الخيار العسكري ، لم يكن فقط بسبب التطمينات العربية ، بل كان ايضا بسبب المواقف المبدئية للكويت منذ استقلالها ، من حيث ايمانها بالقومية العربية ، و مبادئ عدم الإنحياز ، و إن الرأي العام الداخلي ما كان ليقبل الإستعانة بقوات أجنبية ، و أن ذلك كان من شأنه ان يحدث انشقاقا داخليا و خليجيا لا تقتنع اللجنة بشيء من ذلك ، فالمفروض أنه عندما يكون الوطن في خطر , أن تتوارى الشعارات لتحل محلها الوسائل الكفيلة بدرء الخطر فلحماية التراث الوطني تباح كل الوسائل التي يقرها القانون الدولي للدفاع عن النفس ، أما الرأي العام الداخلي فقد كان مغيبا بسبب حل المجلس النيابي و فرض الرقابة على الوسائل الأهلية للإعلام منذ سنة 1986 و لم تكن تتوافر للرأي العام ، كما توافرت للسلطة التنفيذية ، المعلومات عن حجم الحشود الرابطة على حدوده ، و مدى المخاطر التي توشك ان تتعرض لها البلاد و هذا الرأي العام الذي تقول الحكومة أنها أدخلته في الاعتبار و انه كان من اسباب تفضيلها للبديل السياسي ، هو ذاته الذي لم تعتد به الحكومة و لم تضعه في اعتبارها عندما أقدمت على حل مجلس الأمة حلا غير دستوري في سنة 1976 و سنة 1986
.
تاسعاً , ان علاقة الكويت بالعراق قبل و بعد 15 يوليو 1990 لم تبن على أسس علمية ، و لم تضع الحكومة في الاعتبار ان العلاقات الدولية انما تستهدف اولاً تحقيق المصالح الوطنية السياسية و الاقتصادية ، كما تراها الدولة صاحبة الشأن و ليس كما يراها الآخرون , و حتى الاعمال الانسانية التي تقوم بها الدولة ، كتقديم المساعدات العينية و المنح النقدية و القروض الميسرة ، لا تستهدف فعل الخير في ذاته ، و لا تنتظر الدولة المانحة عنها ثوابا أخرويا ، بل هي وسائل لغايات أبعد ، تصب كلها في مجرى المصالح الوطنية و كان على الحكومة في الكويت أن تدرك ان ما قدمته للنظام العراقي من مساعدات مختلفة الأنواع اثناء حربه مع إيران ، و قبل هذه الحرب و بعدها ، لم يكن من المؤكد ان يؤثر في العراق ايجابا بحيث يغير من سياسته تجاه الكويت ، تلك السياسة التي يعود تاريخها الى عدة عقود مضت ، و التي اصطبغ بها تفكير قادته سواء في ظل النظام الملكي ، أو في ظل أنظمته المتتابعة منذ سنة 1958 ، على اختلاف مبادئها و برامجها
.
عاشراً , إن سياسة الكويت في علاقتها بالعراق ، بل و بالدول الأخرى بصورة عامة ، يجب أن تقوم على استشراف المستقبل في ضوء الحاضر المعاش ، و في ضوء معطيات الماضي ، مع دراسة جميع الاحتمالات المستقبلية دراسة علمية كافية ، و وضع البدائل المختلفة لمواجهة جميع الاحتمالات بما يحقق الأهداف الوطنية و في مقدمتها الدفاع عن الوطن و سلامة أراضية و يدخل في ذلك دراسة طبيعة النظام العراقي و مبادئه و أهدافه و وسائله لتحقيق هذه الأهداف ، و كذلك دراسة شخصية قادته السياسيين و عاداتهم و طبائعهم و طموحاتهم ، و المفروض ان تستعين الحكومة في ذلك بمؤسسات تضم خيرة الخبراء في مجال العلوم السياسة و العلاقات الدولية و علم النفس ، و هم متوافرون في الكويت بفضل الله
.
احدى عشر , تستفاد من أقوال سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء ان اجهزة نقل المعلومات ، لم تنل عناية الحكومة إلا بعد التحرير ، فقذ ذكر سموه أنه " فيما يتعلق باجهزة نقل المعلومات للسلطات المختصة بالكويت و بناء هذه الإدارة على اسس علمية يعني هذه واردة عندنا و بدئ باتخاذ الخطوات الخاصة بإعادة تدريب و توظيف العناصر و الكودار التي تتواجد فيها المواصفات الخاصة للعمل في هذه الإدارة "
.
و عندما سئل لماذا لم تترك قبل مغادرة الكويت قيادة بديلة كان جوابه " أي قيادة تترك هي طامة " , و أنه تحمل مسؤولية تعريض الكويت للغزو العراقي و نتائجه ، و عندما سئل عما إذا كانت قد وصلت معلومات استخبارية عن احتمالات الغزو كان جوابه " أنا قلت إني أنا أتحمل المسؤولية أكثر من هذا تبوني أقولكم ؟ " و واضح من أقواله أن الحكومة كانت ليلة الغزو في اضطراب كامل ، و أنها فقدت القدرة على التصرف
.

.
و ترى اللجنة
.
أن السلطة التنفيذية لم تقرأ بصورة صحيحة موقف العراق تجاه الكويت اثناء الحرب العراقية الإيرانية و بعدها
.
و لم تتوقع الاجتياح الكامل برغم امكانية هذا التوقع
.
و إختارت الحل السياسي و استبعدت تماما الخيار العسكري الى أن وقع الغزو
.
و لم تطلب في الوقت المناسب العون العسكري من أي دولة خليجية أو عربية أو أجنبية ، برغم العرض الاميركي بتقديم المساعدة ، و هو ما فعله المغفور له الشيخ عبدالله السالم سنة 1961
.
و حل مجلس الأمة في سنة 1986 و فرض الرقابة على الصحف ، أدى الى تنامي المطالبة بالعودة إلى العمل بدستور سنة 1962 مما أوحى الى النظام العراقي بوجود انشقاق في الجبهة الداخلية يسهل له عملية الغزو
.
و الدولة كانت مخترقة – من قبل الجانب العراقي - أمنيا و إعلاميا مما سهل عملية الغزو
.
التغييب التام للرأي الشعبي ، حيث كان هناك تعمد لتغييب الخطر و المعلومات و التحركات و الحشود العراقية عن الشعب الكويتي
.
أن الحكومة لم تضع خططا بديلة و في الدراسات المقارنة ما يعرف في مجال العلوم السياسية بـ إدارة الأزمات يحث يضع المسؤولون السياسيون دراسات و خطط لتقليل الخطر عن الكيان السياسي ، و هذا عكس ما فعلته الحكومة في مجال التهديدات العراقية
.
لا يبدو منطقيا أو مقنعا التوجه الذي قامت به الحكومة بالإعتماد الكلي و الوثوق الأعمى بالتطمينات الرسمية من قادة الدول الشقيقة خاصة في ضوء استمرار الحشود العراقية – و تناقض التطمينات من الدول الشقيقة مع التقارير السرية التي نقلت للحكومة من عدة جهات غير عربية تؤكد عزم العراق على شن عدوان على الأراضي الكويتية
.
لم تقم الحكومة حتى باتخاذ أبسط الاحترازات الأمنية للتوقع الأسوأ ، و هو أبسط ما كان يجب أن يقوم به صناع القرار و هم يواجهون خطرا حقيقيا من طرف عرف بعدوانه و طباعه العدوانية , ليس هذا فحسب ، بل لقد قامت القيادة السياسية بخفض الجاهزية و الإستنفار العسكري ، فأصدرت تعليماتها للقيادة العسكرية بخفض حالة الإستنفار العام ، كما أعطيت تعليمات لإعطاء إجازات الضباط ، و ذلك لعدم إستفزاز العراق
.
تتحمل الحكومة ككل و خاصة رئيس مجلس الوزراء و وزير الخارجية و وزير الإعلام و وزير الدفاع و وزير الداخلية يتحملون مسؤولية التقصير و قصور الجاهزية ، و عدم اتخاذ أبسط التجهيزات و الإستعدادات الأمنية المدنية و العسكرية للتعامل مع التهديدات العراقية التي إستمرت طوال إسبوعين كاملين من 15 يوليو إلى 1 أغسطس 1990
.
لقد كان الإعتداء العراقي مبيتا و مخططا ، و تم الإعداد له منذ إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، و كان عدوانا محضا لم تقم دولة الكويت بأي عمل يبرره من قريب أو من بعيد ، بشكل مباشر او غير مباشر , و على ضوء ما تقدم فإن التقصير في مواجهة العدوان العراقي يقع بالدرجة الاولى على عاتق السلطة التنفيذية و بالتالي فهي تتحمل المسؤولية للأسباب التالية
.
أولاً , لم تقرأ الخطر و التهديدات العراقية الموجهة ضد الكويت قراءة صحيحة
.
ثانيا , لم تتعامل مع الخطر تعاملا صحيحا
.
ثالثا , لم تتخذ أبسط الإجراءات المطلوبة - كالدعوة لإجراء مناورات كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة – و الإستفادة من العرض الأميركي
.
رابعا , قللت من الخطر الماثل أمام الكويت و إستبعدت حتى التجهيز والإعداد الدفاعي و العسكري ، و ذكرت تقليلا للخطر بأنه سحابة صيف
.
خامسا , غيبت المشاركة الشعبية و الرأي العام و تعمدت إخفاء أخبار الأخطار العراقية في أجهزة الإعلام الرسمية
.
سادسا , فشلت في مساعيها السياسية التي كانت المحور و المسار الوحيد الذي إتخذته دون غيره من المسارات و لو من باب الإحتياط
.
و تقع المسؤولية كاملة على الحكومة , و بسبب تغييب وجود مجلس أمة و سلطة تشريعية لتتحمل المسؤولية مع السلطة التنفيذية - القائمة و المسؤولة عن إدارة دفة الأزمة - فإن القيادة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء فقط دون غيره تتحمل كل التبعات التي ترتبت على الغزو العراقي لدولة الكويت و ذلك لعدم قدرته على قراءة الأزمة ، و التعامل معها و التصدي و لو بالطرق البسيطة و المتواضعة لدرء أو حتى لتأخير تقدم القوات العراقية ، بما يكفي من وقت
.

قد يتساءل البعض عن الإجراءات أو العقوبات التي قررت اللجنة إتخاذها إتجاه من حمّلته مسؤولية الخلل في مواجهة الإحتلال و التعامل معه بإسلوب كارثي , الجواب على هذا السؤال هو
.
لا شيء
.

يتبع

Monday, September 13, 2010

مقال . . إلى الأرض - 10

إن السباحة في الألفاظ غير السباحة في الأمواج ، و إن سفينة الكويت ليست على الشاطئ و إنما وسط الموج تحدوها أضواء المستقبل
.
جابر الأحمد , أمير الكويت , يناير 1990
.

.
الفتى الذهبي
.

قبل الدخول في تاريخ الكويت بعد وفاة الحاكم الثاني عشر الشيخ صباح السالم الصباح أعتقد أننا بحاجة إلى تسليط الضوء قليلا على شخصية الحاكم الجديد للكويت الشيخ جابر بن أحمد الصباح , وُلد الشيخ جابر في العام 1926 بعد خمس سنوات من تسلم والده للحكم , و قد أمضى جابر سنواته الأولى حتى مرحلة الشباب و النضوج في كنف والده الأمير الذي إعتمده ممثلاً عنه في مدينة الأحمدي النفطية , و في العام 1950 توفي والده و إنتقل الحكم إلى خاله الشيخ عبدالله السالم
.
لم يقل إهتمام الحاكم الجديد بإبن أخته جابر , خصوصا و أن الأقدار قد قررت إفساح الطريق أمام هذا الشاب لأخذ مكانته العالية في الدولة , ففي العام 1959 توفي الشيخ فهد السالم أحد الأقطاب الرئيسية في الأسرة , و في العام 1961 غادر الكويت القطب الآخر للأسرة الشيخ عبدالله المبارك تاركاً خلفه مساحة كبيرة أمام الشباب لـ تسلم زمام الأمور , و هذا ما جعل جابر المرشح الأول لولاية العهد و رئاسة الوزراء فور وفاة خاله الشيخ عبدالله السالم و إنتقال الحكم إلى خاله الآخر الشيخ صباح السالم , و الجدير بالذكر أن الشيخ جابر حكم الكويت فعلياً لفترات متراوحة أثناء حكم الشيخ صباح عندما كان الأخير يغادر للعلاج في الخارج و عندما أعلن تطبيق الأحكام العرفية في الكويت في ظل حرب الـ 1967
.

.
و يعتقد بعض المحللين السياسيين وجود علاقة قوية – متعمدة أو غير متعمدة - بين تزوير إنتخابات مجلس الـ 1967 و حل مجلس الـ 1976 و الترتيبات التي كانت تسعى إلى تنصيب الشيخ جابر الأحمد كـ حاكم ثالث عشر للكويت , ففي الأعوام التي تلت وفاة الشيخ عبدالله السالم تسابقت أطراف قوية داخل الأسرة الحاكمة إلى تجنيس أعداد كبيرة من أبناء القبائل من أجل إعادة موازنة الولاء الشعبي للأسرة أمام تزايد شعبية أتباع الفكر القومي , إلا أن المتجنسين الجدد دانوا بالولاء للأشخاص الذين قاموا بتسهيل عملية تجنيسهم بدلاً من الولاء للأسرة كـ كتلة واحدة , و هذا ما أتعب الشيخ جابر في رئاسة الوزراء أمام نفوذ منافسه الشيخ جابر العلي المسيطر على العدد الأكبر من نواب مجلس الأمة
.
الكويت : من الإمارة الى الدولة ص 316
.

و من هنا يعتقد المحللون السياسيون بأن حل مجلس الأمة في السنة الأخيرة من حكم الشيخ صباح كان مُفتعلاً , و يهدف أساساً إلى إضعاف الشيخ جابر العلي بالوقت الذي تتعزز فيه سيطرة الثلاثي جابر الأحمد , و أخيه الأصغر صباح , و إبن خاله سعد العبدالله , و قد نجحوا في ذلك بالفعل عبر تنصيب الشيخ سعد العبدالله ولياً للعهد و رئيساً للوزراء في الشهر الأول من عام 1978
.
الكويت : من الدولة إلى الإمارة ص 56
.

و بعيداً عن الساحة المحلية كانت الأعوام الأولى من حكم الشيخ جابر الأحمد عاصفة بالتغييرات الجذرية في المنطقة , ففي بداية عام 1979 نجحت الثورة الإيرانية تحت قيادة الإمام الخميني من إسقاط الشاه محمد رضا بهلوي , و قد تسبب هذا الإنقلاب في قلب أحوال المنطقة , فـ تحولت إيران من الحليف الأهم للولايات المتحدة الأمريكية إلى المحور الرئيسي للشر – هكذا ! - في العالم , و في نفس العام تمكن صدام حسين من الوثوب على الرئيس البكر ليصبح رئيسا للعراق , و لم ينتظر الثائران الجديدان طويلاً حتى دخلا في حرب مدمرة إستمرت على مدى السنوات الثمان القادمة , و لا ننسى هنا ذكر وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز في العام 1982 و إنتقال الحكم في المملكة العربية السعودية إلى أخيه الملك فهد بن عبدالعزيز , إذاً , نحن أمام حالة فريدة و هي وجود أربعة حكام جدد لأربع دول متجاورة
.


.
في العام 1981 أعاد الشيخ جابر الحياة إلى مجلس الأمة بعد إعادة تقسيم الدوائر إلى 25 بدلاً من العشر الأصلية , و في نفس العام تم تشكيل مجلس التعاون الخليجي الذي جاء كـ رد فعل طبيعي على الثورة في إيران لدعم أنظمة الحكم الوراثية السُنية , و قد أصبح لهذا المجلس ثقلاً لا يستهان به في كتلة دول عدم الإنحياز , و ربما يكون تشكيل هذا المجلس هو آخر الأحداث الإيجابية في الحقبة الأولى من حكم الشيخ جابر , ففي منتصف العام 82 تعرض الإقتصاد الكويتي لضربة ماحقة في ما يعرف بـ إسم أزمة سوق المناخ , و تورط في هذه الأزمة عدد كبير من رجال السياسة و الإقتصاد الكويتي مما أجبر الحكومة على التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , لكن هذا التدخل لم يسلم من الفساد و كانت محصلته النهائية إنتصار المصالح الشخصية و النفوذ الفردي على القانون
.
إيران و الخليج ص 20
.


.
مع نهاية العام 1983 دخلت الكويت رسمياً كـ طرف مباشر في الصراعات الإقليمية , فقد إتخذت القيادة السياسية في الكويت موقفاً واضحاً لدعم العراق في حربه مع إيران , أيضا كان للكويت دور كبير في دعم منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات , و هذا ما جعلها مسرحاً للعديد من العمليات الإرهابية بداية من تفجير السفارات في 1983 إلى خطف طائرة كاظمة في 1984 و المحاولة الفاشلة لإغتيال سمو الأمير الشيخ جابر في 1985 , ثم تفجيرات القهوة الشعبية , و تفجيرات المنشآت النفطية في 1986 و إختطاف طائرة الجابرية في 1988 , و هكذا كانت سنوات الثمانينات الأكثر إضطرابا في تاريخ الكويت الحديث
.

.

.

.

.
و مما زاد الطين بلّة دخول الحكومة في صدامات قوية مع أعضاء مجلس الـ 1985 , فقد بدأ المجلس مشواره بمساءلة الحكومة عن العديد من القضايا الملغومة كالتجنيس و الأمن و الرياضة و المناخ , بل أن المجلس قدم إستجواباً عنيفاً لوزير العدل الشيخ سلمان الدعيج في شهر مايو 1986 , و جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير في نهاية هذا الشهر عندما طلبت الحكومة جلسة سرية لمناقشة قانون إستقلال القضاء , هذا ما جعل أكثر من نصف النواب يقدمون على الإنسحاب من الجلسة و إصدار بيان برفضهم المشاركة في مناقشة القوانين بعيدا عن الرقابة الشعبية , و هكذا تأزمت الأمور لتتكرر أحداث العام 1976 , فقد قام الشيخ جابر الأحمد بإصدار أمر أميري بحل مجلس الأمة و تعطيل العمل ببعض مواد الدستور
.
بسم الله الرحمن الرحيم
.
أمر أميري بحل مجلس الأمة
.
فقد شاءت إرادة العلي القدير أن نحمل المسؤولية عن هذا الوطن العزيز عاهدنا الله و عاهدنا المواطنين أن نعمل على حفظ الكويت من كل سوء
.
و لقد تعرضت البلاد لمحن متعددة و ظروف قاسية لم يسبق أن مرت بمثلها مجتمعة من قبل , فتعرض أمنها إلى مؤامرات خارجية شرسة هددت الارواح و كادت أن تدمر ثروات هذا الوطن و مصدر رزقه , و كادت نيران الحرب المستعرة بين جارتيها المسلمتين أن تصل إلى حدودها , و واجهت أزمة إقتصادية شديدة و بدلاً من أن تتضافر الجهود و تتعاون كل الأطراف لإحتواء هذه الأزمات تفرقت الكلمة و إنقسم الرأي و ظهرت تكتلات و أحزاب أدت الى تمزيق الوحدة الوطنية و تعطيل الأعمال حتى تعذر على مجلس الوزراء الاستمرار في مهمته
.
و لما كانت الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد لن ينقذها منها الا عمل حاسم و جاد , و لما كانت المؤامرات الإجرامية التي يتعرض لها الوطن لن يوقفها إلا اليقظة التامة و الاستعداد الكامل و الوحدة الوطنية الشاملة
.
و لما كانت ظروف المنطقة تتميز بالحرج و تحيطها ملابسات دقيقة و خطرة و لما كان استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرض الكويت إلى ما خشيناه و نخشاه من نتائج غير محمودة
.
و لما كانت الحرية و الشورى نبت أصيل نما و ازدهر منذ نشأت الكويت و كانت الكويت هي الأصل و هي الهدف و هي الباقية أما ما عداها فهو زائل و متغير وفقا لحاجاتها و مصالحها . فإن استمرار الحياة النيابية بهذه الروح و في هذه الظروف يعرض الوحدة الوطنية لإنقسام محقق و يلحق بمصالح البلاد العليا خطراً داهما لذلك رأينا حرصاً على سلامة و إستقرار الكويت أن نوقف أعمال مجلس الأمة , و أصدرنا بذلك الأمر الآتي نصه
.

و يكمل الأمر الأميري بسرد المواد المعطلة من الدستور و هي مطابقة بالنص للمواد المعطلة في حل 1976 , إلا أنه هذه المرة لم يذكر شيئاً عن النية لتنقيح الدستور أو عقد إنتخابات لمجلس بديل عن السابق , أيضا أُلحق هذا الأمر بقرار تعيين رقيب حكومي في جميع الصحف المحلية , و بذلك أصبح الدور الإعلامي غائباً تماماً عن الشارع , حتى أن الرقيب كان يمنع أي ذكر للديموقراطية و مجلس الأمة , أو حتى أسماء أعضائه , و بذلك دخلت الكويت – للمرة الثانية - إلى أحد عصورها الأكثر ظلاماً , إلا أن ذلك لم يوقف المحاولات الشعبية لإعادة العمل بالدستور و الديموقراطية , فقد شهدت تلك الفترة توجيه عدة رسائل و عرائض إلى الشيخ جابر إلا أنه رفض البت بأمرها حتى جاءت العريضة الشعبية التي بدأ توقيعها من مارس 1988 إلى يونيو 1989 و التي وقع عليها ما يقارب العشرين ألف مواطن , و قد كان نصها كالآتي
.
حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى حفظه الله
.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
.
نحن الموقعون أدناه نناشد سموكم إعادة الحياة النيابية وفق أحكام الدستور لما فيه خير و تقدم بلدنا الغالي في ظل قيادتكم الرشيدة
.
.
لحقت هذه العريضة بـ سابقاتها حيث رفض الديوان الأميري إستلامها و وضع شروطاً غير مقبولة – عند أصحابها – لتحديد موعد لمقابلة سمو الأمير , و هذا ما دفع مجموعة من النواب السابقين إلى عقد إجتماعات إسبوعية تحت مسمى حركة دواوين الأثنين , و كان هدف هذه الحركة الضغط على القيادة لعودة الديموقراطية و العمل بالدستور , و قد إكتسبت هذه الحركة شعبية عارمة بين أغلب فئات الشعب حيث أن الآلاف شاركوا في تجمعاتها , بل أن قوتها الإعلامية كانت واضحة التأثير بالرغم من بساطة الإمكانيات و الرقابة على الصحف , فقد كان للحركة شعراءها الذين جادت قريحتهم بالكثير من القصائد و الزهيريات التي ننقل منها الآتي لسبب بسيط و هو أن القراءة أو البحث عن الحدث لها مصداقية أكبر عند قراءة كلمات من عايش الأحداث و كتب عنها فور وقوع الحدث , لذلك أشعر أن قراءة هذه القصائد ستنقل الصورة بشكل أوضح من التحليل المسهب
.
هذي الكويت تئن اليوم من الألم
.
و تشتكي بلسان الشعب قاضيها
.
من يحجب النور عن ابناءها عودا
.
مثل الحريص على إنكار ماضيها
.
إن كان جدي قد أقام أساسها
.
نهضت بنيه تصد من يلغيها
.
لا يلزم الامر أن تنزل عساكركم
.
هل أجرم الشعب في آراء يبديها
.
إن الأمور إذا ما استحكمت عظمت
.
و من الجهالة حاولتم تخطيها
.
ماذا أقول لإبني حين يسألني
.
إن كان دستورنا بالنص يحميها
.
إن كان دستورنا صيغت لوائحه
.
فأين قبتنا الكبرى و بانيها
.
أين المكاسب بل أين ما سطروا
.
منا الاوائل تشريعا بأيديها
.
نحوا الغشاوة عن أهداب أعينكم
.
تلك الحقيقة لا يمكن تجافيها
.
لا يطمس الحق في تحطيم منبرنا
.
لا يحجب الشمس إنسان و يخفيها
.

.
و يقول آخر
.
يا دار لا تبكين حنا عيالك
.
و اللي حصل يا دار شدة و تنزاح
.
اللي قضبوهم كلبوهم رجالك
.
و الموت عند الرب قصاف الأرواح
.
اللي تستر بالنفاق و حكا لك
.
لا تحسبينه ناوي الخير لا صاح
.
هذاك يلقاله بديل بدالك
.
يطوي فراشه كان برق الخطر لاح
.
و غلا الرشيدي لا دعيتيه جالك
.
عندك خبر كم من فقيدن لنا راح
.
و الله ما نطمع بكثرة حلالك
.
كل الهدف يا دار مطلب و نرتاح
.
دستورنا اللي من زمانه شكالك
.
تلعب به الأمواج من بين الأرياح
.
يا دار لو ضحوك صعب منالك
.
لا خير فينا كان دستورنا طاح
.
.

.
و يقول بدوي ديمقراطي في قصيدة تجديد الولاء
.
يا شيخ حنا كلنا ربع عباس
.
و خوان مريم ربعنا دايم الدوم
.
كلمتك في ربعك ترى تجرح أحساس
.
ما قلتها للي لحق فعله اللوم
.
رضيتم الدستور للعدل مقياس
.
نشوف بالقانون ظالم و مظلوم
.
أحد يكوح أمن الدنانير بأكياس
.
و حد يقطع من معاشه و محروم
.
الله أمر للعدل مقياس
.
و كل يحب العدل و الظلم مذموم
.
كلمة صراحة واضحة ما بها باس
.
خوفك من اللي يطبخ الزاد بسموم
.
فعل الرشيدي و الشريعان نوماس
.
الفعل الأكشر عندكم عنه علوم
.
.
قال الذي يا ناس ما هو بغلطان
.
وينك عن اللي يوم الاثنين مفجوع
.
يوم يخلي بعض الأطفال شيبان
.
شفته بعيني لا تقولون مخدوع
.
يوم ارتفع بالجو يالربع دخان
.
و الناس صارت بين دافع و مدفوع
.
شرطة و طواريء و الحرس يا عرب كان
.
يرمي قنابل بعدها سالت دموع
.
سوى سوايا ما تحلى بها إنسان
.
يرجم و يشتم ما حد قال ممنوع
.
قلنا المساجد تحمي الخلق بإحسان
.
و أثر المساجد ما حدت عبد مدفوع
.
لكن صمود الشعب ما فيه خذلان
.
لا همته شرطة و لا موقف يروع
.
دستوره الي ما بغى فيه نقصان
.
يضمن حقوق الناس و الراس مرفوع
.
ما بين شورى و بين دستور شتان
.
نقولها للكل و الصوت مسموع
.
ما هو بهرج قاله فلان و فلان
.
ناس النفاق بدمها دوم مطبوع
.
.
و يقول الحطيئة في إحدى روائعه
.
كنا نحبك قبل يا زاهي أبـ . . . حسنة
تايه خداك الغرور و صديت عن . . . حسنة
أبوك و عمك نعم راحوا بكل . . . حسنة
تعلن تصرخ تقول هالشعب ماكو . . . وعي
يوم انزلت شرطتك هل كنت كامل . . . وعي
ناصح تعدر لنا و أنته بليا . . . وعي
بتقص لسان الشباب يا منكر . . . حسنة
.
.
و يقول آخر
.
اللي يحب الشعب يفتح لهم . . . بابه
و يسمع كلام الشعب و يكون لهم . . . بابه
مثلك طبيب و المرض معروف أسـ . . . بابه
صرنا فرايس نسر بين مخلب و منـ . . . قار
عم الفساد و انتشر و احنا لحسنا . . . قار
ناس بنسام الجبل و شعبك تقضبه الـ . . . قار
أدمي كفوف الشعب دق على الـ . . . باب
.
بتصرف
.
.
و يقول شاعر آخر في قصيدة قسم الجهرة
.
لقد عاهد الشعب نوابه , إلى الحق نمضي و لا نأبه
.
فبالجهرة الشعب أدى اليمين , سنهزم بالعزم إرهابه
.
فعز البلاد ألا لن يغيب , سنحرق بالنار حجابه
.
وعيد الشعوب وعود المجد , إلى العدل تفتح أبوابه
.
و دستوره رغم كل الطغاة , سيبقى مدى العمر محرابه
.
فوعي الشعب سياج الأماني , به يبلغ الحق أصحابه
.
فلا عسكر قد يخيف الجموع , إذا كشر الشعب أنيابه
.
و لا ( منحة ) سوف تغوي النفوس , لقد أدرك الشعب ألعابه
.
فتات الدنانير تعطي لشعب , و يسطو على الكنز أذنابه
.
غدا تشرق الشمس رغم السحاب , و نلبس للعرس أثوابه
.
.
و يقول مرزوق بن ظالم في قصيدة الحوار
.
صار الحوار إحوار يلعب بدون إر . . . باط
توه رضيع اللبن مولود في شهر إشـ . . . باط
قصاب سن عدته و شد الحوار إر . . . باط
طيب فقير يا شعب سووها فيك . . . دقّة
صيغة و صايغ ذهب يبغيها خوش . . . دقّة
صيغت نوازل عليك بالراس من . . . دقّة
إنهض تحرك شعب عزمك يفل إر . . . باط
.
تقول الشعب عزوتي و همي من . . . همّه
و صديت عن مطلبه ما بديت لك . . . همّه
كل شي وضح و إتضح ما همكم . . . همّه
دستوره لما إنكتب محد رفض أو . . . ثار
صدر يحضنه و يصير حقه اد . . . ثار
احذر شباب الوطن لمعزته لو . . . ثار
حتى الرضيع بالوطن يرضع لبن . . . همّه
.
و يقول آخر
.
الشعب يصيح بقهر معلوم وش . . . حدّه
بايق يبوق بالنهار ما نوقفه عند . . . حدّه
و الزاني يزني بشهود ما نقدر إنـ . . . حدّه
صارت نهيبة البلد و البوق صار أ . . . شكرة
جايك مصخ يا ولد معدوم حتى . . . شكرة
و اللي يصفعك يمين دور شمال وا . . . شكرة
أصبحنا ديره كلك و كل شيء وصل . . . حدّه
.
و آخر يقول
.
كأس الألم نشربه لأجل الوطن حالي
و اللي عشق ديرته حاله مثل حالي
مو بس فخرنا مضى , لا فخرنا حالي
خاب الذي ظننا من قوم ما كاري
نفدي الأمل بالعمر دوم الفدى كاري
أرض يضيع العمر بس تبقى أفكاري
دين الوطن مو أجل إنسدده حالي
.
الكويت : من الدولة إلى الإمارة ص97 الى 103
.

.
و أمام هذا الضغط المتواصل جاء الخطاب الأميري في يناير 1990
.
بسم الله الرحمن الرحيم
.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
.
إخواني
.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
.
من حق الكويت علينا أن نعالج قضاياها من مدخلين يتبادلان التأثير و لا يغني أحدهما عن الآخر أولهما عالمي و الثاني داخلي . ذلك لأن العالم من حولنا سريع التغير فيه الآن تكتلات جديدة تتكون و أخرى تتفكك ، و تحولات في العلاقات ما بين الشمال و مع دول الجنوب و ما بينها
.
و لا تستطيع سفينة في بحر السياسة العالمية أن تعزل نفسها عن عصف الريح و هدير الموج ، و لا يستطيع بعض أهلها أن يستقلوا بإرادتهم عن قيادتها و مصيرها ، أو يفقدوا التعاون بينهم و هي تشق طريقها لتبلغ مأمنها
.
وإن من أبرز هذه المتغيرات المعاصرة أن يقوى الحوار بين الدولتين الكبريين ، و أن يتم بينهما الاتفاق على قضايا خطيرة كمستويات نزع السلاح النووي ، مع أن أسلحة أدنى من هذا بكثير وصلت إلى دول صغيرة و ضعيفة فكانت أموالها للسلاح ثمناً و أبناؤها له ضحايا
.
لقد حدث الإتفاق بين القوتين الكبريين رغم ما بينهما من تناقضات مذهبية و اختلاف في المبادئ و الممارسات ، و لكن أمكن حقن الدماء و توجيه الإنفاق إلى ما هو أجدى
.
هذا الأسلوب من الحوار الحضاري تتبعه دول تغلب فيها الحكمة ، و إستطاعت به أن تطور حياتها الداخلية و علاقاتها الخارجية ، و هذا هو الأسلوب الذي إرتضيناه للكويت سبيلاً
.
في هذه المستويات جميعاً حاولنا أن نكون كلمة الحق و يد الإخاء و المصافحة و العون ، و ساهمنا في معالجة ما استطعنا من قضاياها ، و من أقربها إلينا العلاقات العراقية – الإيرانية ، التي نود أن يتم لها تنفيذ جميع بنود قرار مجلس الأمن 598 , و إن في مبادرة الأخ الرئيس صدام حسين ما يعين على سرعة تحقيق ذلك ، ونرجو أن تلقى هذه المبادرة استجابة من الحكومة الإيرانية , كذلك جاءت مساهمتنا في دعم الانتفاضة الفلسطينية الباسلة ، و في الجهود المبذولة لإعادة الإخاء إلى الحياة اللبنانية في إطار وحدتها الوطنية ، وإننا لنشيد بما تقوم به اللجنة الثلاثية من جهود إيجابية في هذا السبيل ، بالإضافة إلى مساهمتنا في حل مشكلات الأقلية التركية المسلمة في بلغاريا
.
إخواني
.
و لم تكن هذه المسؤوليات لتصرفنا عن أوضاعنا الداخلية ، بل إن ثمارها تصب عملياً في مجرى واحد ، هو تأكيد الشخصية الكويتية دون فصل بين الداخل والخارج
.
داخليا , كانت هناك متغيرات كثيرة ، و قابل وطننا محاولات اختراق و مؤامرات و تهديدات و إثارة العصبيات و الطائفيات ، و امتد العدوان إلى المنشآت و الطائرات و أرض الوطن و أبنائه هنا و في الخارج , لكن هذه الأمور لم تشغلنا عن التخطيط الطويل لبناء الإنسان الكويتي وتوفير مقومات نموه تحقيقاً للنقلة النوعية الشاملة في التسعينات ، و هي نقلة تمس كل مرافق حياتنا ولها ثوابتها التي يحسن بنا أن نتذاكرها حتى نستبين سبيلنا
.
و أولها أننا مجتمع قام على الإيمان بالله تعالى الذي علمنا في كتابه فقال إنما المؤمنون إخوة , و يجمعنا الرباط التاريخي و العقلي و القلبي فوق هذه الأرض الطيبة التي أكرمنا الله بها و جعلها لنا وطناً ، فنحن مسؤولون عن حمايته و تنميته
.
و الثاني أننا مجتمع قام من أول أمره و في مساره على الحوار والتشاور بين أبناء الجيل الواحد ، و بين الأجيال المتتابعة و بين القيادات و القواعد في احترام و تعاطف متبادلين ، فالشورى و الحوار في حياتنا عقيدة و سلوك
.
و الثالث أن تماسكنا كان العامل الأول في قدرتنا على اجتياز العقبات التي واجهتنا و تواجهنا و الالتفاف حول الصخور التي تعترض مسارنا
.
و الرابع ، التكيف و القدرة على التصرف الحكيم و هو الثمرة الطيبة للحوار ، و لن نستطيع أن نتابع المسيرة دون حوار و دون مرونة و شجاعة في مراجعة الذات
.
هذه بعض الثوابت التي ترقى فوق الشك و الجدل ، إنها قراءة تاريخنا و نبض حاضرنا و نور مستقبلنا , لقد سبق أن قلت ، و أحب أن أؤكد ، أنني مع قاعدة الشورى و الحياة النيابية و المشاركة الشعبية , و لكن لا بد لنا جميعاً أن نعترف أن تجربتنا النيابية تعرضت لعثرات و علينا أن ندرك أسبابها ، و يعلم الله أننا جميعاً حكومة و شعباً مشغولون بأمرها ، و أن موقفنا الثابت و المبدئي في شأنها يقوم على ركنين أساسيين
.
الأول : أننا نؤمن إيماناً راسخاً بقيمة الحرية ، و هو إيمان يعكسه السلوك الكويتي و تؤكده الممارسة اليومية في علاقات الناس بعضهم ببعض ، و علاقاتهم مع من يحملون مسؤولية الحكم بينهم
.
و الثاني : أننا نؤمن إيماناً لا شك فيه بأن المشاركة الشعبية خير يجب أن نتمسك به و نحرص عليه و ندافع عنه ، باعتباره مبدأ أقره الدين الحنيف و جبل عليه مجتمعنا الكويتي و مارسه منذ نشأته
.
و إذا كانت العثرات التي تكررت في ممارسة بعض جوانب الحياة النيابية قد اقتضت أن نتوقف فترة للتأمل و إعادة النظر ، فإن الشورى لم تتوقف أبداً ، و لم تتوقف كذلك المشاركة الشعبية بصورة أو بأخرى و ظل صوت أهل الكويت و آراؤهم و تطلعاتهم تجد طريقها في سهولة و يسر إلى الذين يحملون مسؤولية الحكم حيث تلقى الاعتبار و التقدير
.
و لكن الأسلوب الذي يجري الآن لطرح الآراء لن يوصلنا إلى الهدف الذي ننشده جميعاً
.
إن حمل المسؤولية أمانة ، و الله تعالى وصف كتابه العزيز ، وهو أعظم أمانات الوجود ، بقوله إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ، أي قولاً تستقر به الحياة و يستقيم مسارها
.
إخواني
.
نحن جميعاً شركاء في بناء الكويت ، و إن آية حب الكويت أن نحافظ على وحدتها و أن نعمل على تقدمها , و لنذكر أننا أهل ديرة واحدة صغيرة ، لا تحتمل الانقسام و الخلاف ، و من اليسير فيها الالتقاء على كلمة سواء ، تعيننا فيها النوايا الطيبة و سلامة الصدور
.
نحن في أيام تحتاج إلى الحكمة أكثر من حاجتها إلى الإندفاع ، و إلى التعاون أكثر من حاجتها إلى المواجهة ، و إلى المصافحة أكثر من حاجتها إلى التحدي
.
إننا في مرحلة تاريخية سريعة الخطى ، نقترب فيها من مطلق قرن جديد ، و إن مسؤوليات المستقبل هي أشد من مسؤوليات الماضي و الحاضر، و على قدر سعة الآمال تأتي ضخامة الأعمال
.
إن السباحة في الألفاظ غير السباحة في الأمواج ، و إن سفينة الكويت ليست على الشاطئ و إنما وسط الموج تحدوها أضواء المستقبل
.
إخواني
.
إن الكويتي الذي أنبتته هذه الأرض الطيبة إنسان عف اللسان ، أواب إلى الحق ، يحيا في إطار دينه و أعرافه الطيبة , و إذا دفعه الغضب بعيداً ، عاد به الإخاء , و إذا أماله الهوى ، أقامه الوفاء
.
إخواني
.
لقد اتقينا الله تعالى في حب الكويت و أهلها ، على هذا عاهدنا الله ، و على هذا بعونه نسير ، إنه تعالى يعلم السر و أخفى
.
إن باب الحوار مفتوح ، و قنوات الاتصال ترحب بالآراء
.
وطننا واحد ، و مصيرنا واحد ، فلنذكر دائماً حق الكويت علينا و إنه لكبير
.
وفقنا الله جميعاً ليكون غد الكويت أكثر ازدهاراً و جمع الله القلوب و العقول على الخير دائماً , إنه نعم المولى و نعم النصير
.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
.

و بالرغم من الإنتقاد الواضح لأسلوب حركة دواوين الأثنين في الخطاب إلا أن قيادة الحركة تعاملت بإيجابية مع الخطاب و ردت عليه بـ بيان بُعِث للصحف يعلنون فيه إستعدادهم لمقابلة سمو أمير البلاد و التباحث حول مطالباتهم , نذكر هنا نص البيان
.
إن وقفة الشعب الكويتي دفاعاً عن الشرعية الدستورية وعن مطالب الشعب العادلة كانت محل إعجاب و إكبار القاصي و الداني ، فلقد تحملتم بروح المسؤولية كافة الصعاب التي واجهتكم ، و لكن ارادتكم الصلبة وعزمكم الذي لا يلين من أجل الكويت وطننا الذي نحبه جميعاً ومن أجل دستورنا الذي نعمل متماسكين على عدم المساس به ، إن هذه الارادة قد أوصلت عملنا إلى مرحلة متقدمة أصبحت فيها مسألة الديمقراطية و حرية الشعب القضية الأولى في المناقشات و المنتديات ، و لذلك فإننا نشعر بالفخر و الاعتزاز لوقفتكم و دفاعكم عن قضاياكم العادلة التي لولاها لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه
.
إن تطور عملنا يفرض علينا أن نعمل بوعي و إدراك كبير و تحمل للمسؤولية الوطنية من أجل حماية وطننا و حرية شعبنا ، و لقد ألقى سمو أمير البلاد ، حفظه الله ، خطابه في 20 يناير 1990 و الذي دار حول ضرورة الحوار بين أبناء الوطن الواحد ، و الذي أكد فيه سموه على الإيمان بقضية الحرية و المشاركة الشعبية و الحياة النيابية ، و استجابة لما طرحه سمو الأمير من رغبة في فتح باب الحوار و انطلاقاً من أن شعار الحوار كان هو شعارنا طيلة عملنا منذ 3-7-1986 و حتى الآن فإننا و استجابة مع هذه الرغبة الأميرية قمنا بالاتصال بالديوان الأميري بطلب مقابلة سمو الأمير لفتح حوار مع سموه لما فيه مصلحة وطننا
.
إننا في الوقت الذي نؤكد فيه ما سبق فإننا نؤكد لكم أن قناعاتنا الأساسية هي قناعات ثابتة ، و أهمها ضرورة العمل بدستور 1962 كاملاً غير منقوص ، و ضرورة عودة الشرعية الدستورية و إعادة الحياة النيابية من أجل أن يتطور مجتمعنا بصورة ديمقراطية سليمة
.
إننا نؤكد لكم أنكم أصحاب القضية الأساسية و أنه لولا توفيق الله ثم وقفتكم و التفافكم لما استطعنا التقدم ، إننا أصحاب قضية عادلة و نحن دعاة للحوار و نبذ الخلاف مهما كان مصدره ، و إننا نمد يدنا بكل اخلاص إلى كل يد مخلصة تريد التقدم و التطور لهذا الوطن ، و نعدكم أننا سنوافيكم أولاً بأول بكل التطورات و أن دواويننا و دواوينكم مفتوحة بشكل دائم للحوار في قضية الديمقراطية
.
و لما كانت ديوانية الأخ الفاضل عباس مناور مقررة مسبقاً ، فلقد رأينا أنها فرصة يمكن من خلالها توصيل هذا الرأي إلى أكبر قدر ممكن من المواطنين ، و تأجيل اللقاءات القادمة في الديوانيات لإعطاء المجال للحوار في أن يأخذ مداه
.
وفقنا الله جميعاً لما فيه خير وطننا في ظل حضرة صاحب السمور أمير البلاد المفدى و سمو ولي العهد
.
.
إلا أن الصحف لم تنشر هذا البيان , و بدأت الإجتماعات التشاورية خلال شهر من البيان السابق , و قد عقد الشيخ سعد عدة إجتماعات مع مختلف الفئات و التجمعات الشعبية لتبادل الآراء , كان أهمها الإجتماع المعقود مع نواب المجلس السابق الذين أكدوا على ثوابتهم لأي حل محتمل للأزمة و تتلخص في ثلاث نقاط رئيسية هي
.
عودة العمل بالدستور
.
إعادة الحياة النيابية
.
و عدم المساس بقانون الإنتخاب
.

و بالرغم من إهتمام الشيخ سعد بسماع وجهة نظرهم , إلا أن القيادة كان لها رأي آخر , فقد أصدر سمو الأمير مرسوماً بإنشاء المجلس الوطني كـ بديل عن مجلس الأمة في الفترة الإنتقالية , و يتكون هذا المجلس من خمسين عضواً منتخباً زائد خمسة و عشرين عضواً معيناً , و لم تكن لهذا المجلس أي صلاحية فعلية في المحاسبة و الرقابة على الأداء الحكومي
.

.
إستقبل نواب حركة دواوين الأثنين هذا الخبر بالإستهجان و بدأوا في التحرك بقوة لإفشال هذا المجلس عبر إصدار البيانات التي نقتبس من أحدها هذه الفقرة المؤثرة
.
أنه مما يثير الأسف و يحز في النفس أن السلطات في الكويت تناست هذه الحقائق فاتخذت منذ عام 1976 سلسلة من الإجراءات التي انتهكت حرمة الدولة القانونية و أهدرت مبدأ سمو الدستور ، و هي إجراءات لا تستهدف في واقع الأمر و حقيقته سوى الإستئثار بالسلطة ، و كان آخرها إجراءات 22 أبريل 1990 ، و هي الإجراءات التي جاءت صاعقة على رؤوس المتمسكين بأهداف الدستور من شعب الكويت الوفي الأمين ، فتحقق بذلك ما توقعناه و بيناه لسموكم في برقيتنا المرفوعة إليكم بتاريخ 20/3/1990. و نحن إذ نأسف لذلك و نعلن موقفنا من هذه الإجراءات المتمثلَ في عدم الترشيح للمجلس الوطني و عدم المشاركة في انتخاباته ، فإننا نسأل الله أن يعين شعب الكويت في محنته ، و هو الشعب المسالم الذي جوزي بعض أبنائه في عيد الله و رسوله و المسلمين بالقمع و بالقنابل الخانقة و المسيلة للدموع
.
كما نسأل الذي لا يُسأل سواه أن يأخذ بيد شعب الكويت على جادة الحق و طريق الصواب و درب تحقيق آماله في أن يعيش في ظل ديموقراطية حقة يجازى فيها الحاكم على عدله بالطاعة و النصرة و ينصف فيها المحكوم ، آملين من سموكم إعادة النظر في إجراءات 22 أبريل الماضي بما يكفل العمل بدستور البلاد الصادر في نوفمبر 1962 و إجراء انتخابات مجلس الأمة وفقاً للدوائر الانتخابية القائمة و قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة الحالي
.

.
لكن هذه البيانات لم تثني السلطة عن الإستمرار في مشروع المجلس الوطني , و شهدت الأيام اللاحقة للبيانات حملة إعتقالات واسعة لقيادات تجمعات الأثنين بالتزامن مع دعاية حكومية مكثفة لـ حث المواطنين على المشاركة في إنتخابات المجلس الوطني , حتى أن الحكومة سمحت للعسكريين بالمشاركة الإنتخابية , فساهم ذلك في نجاح خطة الحكومة بالرغم من المقاطعة الشعبية الواسعة لهذه الإنتخابات بالمقارنة مع المشاركة في إنتخابات مجلس 1985 , و هكذا عقد المجلس الوطني أول جلساته في التاسع من يوليو 1990 , إلا أن هذا المجلس لم يستمر طويلاً , فقد كانت الكويت على موعد مع الغدر في الأسابيع القليلة القادمة
.
يتبع