Saturday, December 21, 2013

بماذا نجحت دبي... و فشلنا نحن !!؟


مع الإعلان عن أي خبر "إيجابي" عن دبي، أسارع إلى إغلاق نوافذي الفكرية خوفاً من الإصابة بالكآبة و الاشمئزاز نتيجة قصف المقارنات بين دبي "الناجحة" و الكويت "الفاشلة" الذي أصبح يتقنه ثلاثة أرباع الشعب الكويتي و لا يلتفت له عشرة بالمئة من الشعب الإماراتي المبتلش فينا و بمقارناتنا!!

و الاشمئزاز هنا ليس من باب الحسد لا سمح الله، لكنه من باب أن أغلب هذه المقارنات مبنية على أساسات هشة لعقول لا تعرف في دبي سوى شارع "الشيخ زايد" و "دبي مول"، بل أن مفهوم "التنمية" مشوه في هذه العقول التي لو أُعطي لها القرار في تنفيذ أي مشروع تنموي (حقيقي) ستجدها ترفضه بكل ما أوتيت من قوة جاهلية.

لذلك أجدني أكتب هذا المقال لعرض مقارنة - غير تبجيلية - بين نجاح دبي و فشل الكويت.

في البداية، علينا الاتفاق على أن الأساس الذي قامت عليه مدينة دبي و الكويت و أغلب المدن الساحلية الخليجية هو الاعتماد على البحر كمصدر رزق من خلال الغوص على اللؤلؤ و صيد الأسماك و العمل في التجارة و النقل البحري، بالإضافة إلى تنافس موانئ هذه المدن على استقبال السفن التجارية فأصبحت هذه الموانئ منذ القدم أبرز مراكز تجارة "الترانزيت" في الخليج.

و لم تتغير هذه الهوية "البحرية التجارية" لهذه المدن إلا مع نهاية الأربعينيات مع تصدير أول شحنة نفط (من الكويت) في العام 1946، و بفضل الفوائض المالية الضخمة للنفط، تمكنت الكويت من التحرر من هويتها "البحرية التجارية" التي تعتمد أساساً على العمل الشاق لتنشغل حكومة و شعباً في الحقل السياسي المحلي و الإقليمي المتزامن مع انتشار الفكر القومي في الخمسينيات، و بذلك تحولت الكويت من بلد تجاري مهني إلى بلد نفطي لا يعمل به سوى الوافدون بينما ينصرف غالبية سكانه للاهتمام بالشؤون السياسية الإقليمية و المحلية، خصوصاً مع الانتقال إلى فترة الستينيات و إعلان الاستقلال و الموافقة على الدستور و تأسيس مجلس الأمة و انتخاباته و صراعاته المتتابعة.

هكذا لم يعد في الكويت اقتصاد سوى الإيرادات النفطية، و لم يعد فيها تجارة سوى المناقصات الحكومية، و لم يعد فيها مهنيين سوى الوافدين، بينما جيَّر الكويتيون أنفسهم للمد القومي ثم المد الديني و تحولت مدينة الكويت إلى مركز للـ"ترانزيت السياسي" بعد أن كانت مركزاً للـ"ترانزيت التجاري".

بالطبع لم يشعر الكويتيون بالآثار المالية السلبية لهذا الإهمال، فأموال النفط تنجح دائماً في تغطية التكاليف و زيادة، و لم ينتبه الكويتيون إلى إهمالهم لأنفسهم و بلدهم سوى في الثاني من أغسطس 1990، عندما تعرضت بلادهم للاحتلال خلال سويعات قليلة، و اضطر غالبية الشعب لمغادرة الكويت و اللجوء إلى المدن الخليجية الشقيقة، هنا فقط أصبح الكويتيون بمواجهة مباشرة مع دبي بشكل خاص، و الإمارات العربية بشكل عام، علماً بأن دبي في تلك المرحلة لم تكن تتفوق على الكويت بشيء، لكنها كانت تتمتع بالهدوء النفسي و الفكري الذي لم يعتد عليه المواطن الكويتي المُسَيَّس.

أما دبي، الهادئة سياسياً، فلم تكن هادئة تماماً، فقد استغلت التوتر السياسي المصاحب لحرب الخليج الثانية لتنطلق اقتصادياً بالانسجام مع هويتها الأصلية كـ"مركز ترانزيت تجاري"، لكنها لم تتوقف عند التجارة البحرية فسارعت بالتوسع نحو التجارة الجوية، و ذلك من خلال بناء مطار دولي جديد و تطوير الخطوط الجوية الإماراتية، بل ان النجاح الجوي لم ينسيها الأساس البحري، فقامت بتطوير المنطقة الحرة الملاصقة لميناء "جبل علي"[1]، و ساهمت القوانين المتسامحة للمنطقة (الحرة) في جذب الشركات العالمية لتأسيس مراكز إقليمية لها في دبي.

كانت أغلب هذه المراكز - في البداية - عبارة عن مناطق تخزينية للبضاعة فقط، و كان أغلب العاملين بها من العمال أصحاب الدخول المتدنية فقط، لكن الانفتاح الاقتصادي و الاجتماعي لدبي و احترام حاكمها و محكوميها للمقيمين الأجانب ساهم في دفع هذه الشركات العالمية إلى توسيع مراكزها الإقليمية و إرسال مدراءها الكبار للعمل في دبي لمتابعة مصالحها في المنطقة.

و مع توافد هذه الطبقة الإدارية على دبي، أصبحت الإمارة ملزمة بتوفير احتياجاتهم، فانطلقت حركة بناء الفنادق و قاعات المؤتمرات و المعارض لاستقبال رجال الأعمال من كل حدب و صوب، لكن ذلك لم يرض غرور دبي، فأصبحت الإمارة تتحدى نفسها في القدرة على جذب "عائلات" رجال الأعمال لزيارتها و الإقامة فيها فـ وفرت لهم كل ما يحلمون به من أبراج سكنية و مولات تجارية و أماكن ترفيهية، كل ذلك بمصاحبة المرافق الخدمية و العقلانية التشريعية التي وفرت لهم بيئة تتفوق في الكثير من جوانبها على بيئتهم الأصلية[2].

بطبيعة الحال، لم يقف أصحاب الثروات في المنطقة مكتوفي الأيدي أمام هذا النشاط و الحركة الاقتصادية، فتسابق الكثيرين منهم على نقل أموالهم من بلدانهم الرازحة تحت قيود الانغلاق الاجتماعي و الفساد الإداري و البيروقراطية الحكومية للاستثمار في دبي التي استقبلتهم كما تستقبل الأم وليدها.

و بذلك أصبحت دبي "المدينة الحلم"، أو "المتنفس المثالي" لكل من يبحث عن الحرية في المنطقة، فمن يريد التسوق يذهب إلى دبي، و من يريد السياحة لن يجد أفضل من دبي، و من يرغب بالتوسع تجاريا فأهلا به في دبي، و من يريد عقد الصفقات التجارية و الالتقاء برجال الأعمال لن يجد أفضل من مطار و فنادق و معارض و غرف اجتماعات دبي.

لكن هذا الحلم الجميل لم يأت بلا كوابيس، فقد نجح النجاح السريع لكل المشاريع الدُبيانية في تورط الشركات المملوكة لحكومة دبي في اقتراض مبالغ ضخمة (أكثر من مئة مليار دولار) للدخول في مشاريع تفتقر للجدوى الاقتصادية، و هذا ما أسقط الإمارة في فخ الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، و أصبح الشامتون يتندرون على هذه "المشيخة" الصغيرة عبر تداول قصص الهروب الجماعي من دبي و مبانيها النصف منجزة[3]، لكن دبي نجحت في الخروج من مرحلة "عنق الزجاجة" من خلال الدعم القادم من حكومة أبو ظبي أولاً[4].

ثم من خلال العودة إلى الأسس التي قامت عليها كمركز "ترانزيت تجاري" ثانياً، و تمكن القائمين عليها من استيعاب الدرس و التفريق بين الأنشطة المطورة لفكرة مركز الترانزيت التجاري و بين الأنشطة الأخرى الغير مرتبطة بهذا الهدف، فاستمروا بالأول و ابتعدوا عن الثاني، و هذا ما ساهم في تجدد الأمل بالعودة إلى النهوض و التغلب على الأزمة المالية من خلال الفوز (المستحق) بحق تنظيم معرض أكسبو العالمي 2020.

و بذلك نعود للإجابة على سؤالنا الأول، بماذا نجحت دبي.. و فشلنا نحن!!؟

الإجابة باختصار، هي أن دبي نجحت في تحديد "هويتها" كمركز ترانزيت تجاري و هي "هوية" منسجمة مع معطياتها التاريخية و الجغرافية و السياسية، و نجحت أيضاً في تطوير هذه الفكرة من خلال عدم الاكتفاء بالجانب التجاري فقط، فأضافت إليه الجانب السياحي الترفيهي رغم التحديات المناخية، لكن نجاح هذا النموذج لن يكتمل قبل تمكنها من الابتعاد عن منطقة الخطر الاقتصادي بسبب ديونها الضخمة، و هذا لن يكون مستحيلاً مع المؤشرات الإيجابية الأخيرة كالفوز بحق تنظيم معرض إكسبو 2020 بالإضافة إلى بوادر الانفتاح الغربي على إيران و التي قد تضاعف أرقام التجارة البينية بين دبي و إيران عشرات المرات.

أما الكويت.. فقد نجحت في طمس هويتها الأصلية كميناء تجاري و التحول إلى المركز الأول للـ"ترانزيت السياسي" في المنطقة، فأصبحت تستورد مشاكل الآخرين و تُصدِّر مشاكلها و أمراضها للخارج، أيضاً نجحت الكويت في الاعتماد على أموال النفط كمصدر وحيد للدخل خلال السبعين سنة السابقة دون القيام بأي محاولة جادة لإيجاد مصادر أخرى، و نجحت أيضاً في خلق – و الإبقاء على - نظام سياسي أحوَل من الداخل و أعرج من الخارج رغم فشله الدائم و المتكرر منذ اليوم الأول لتطبيقه[5]، و بذلك، نجحت في التسويق السلبي لأي فكرة إصلاح سياسي يحاول القيام بها مواطنو الدول المجاورة.

أيضاً نجحت الكويت في تضخيم ذوات مواطنيها حتى أصبحوا مثالاً للعنجهية و التصلف و عدم احترام الآخرين و القانون حول العالم، و نجحت في حقن هؤلاء بكل الصفات المتناقضة التي لا يمكن اجتماعها في كيان واحد، فأصبح الكويتي مغرور و مُحبَط و ساخر و حِشري و مُهمِل و مثالي و جاهل و مثقف و ثوري في آن واحد!!

لذلك نقول للمتحسرين على فشل الكويت و نجاح دبي، بأن الخطوة الأولى على طريق النجاح هي تحديد هوية (اقتصادية ثقافية) حقيقية للدولة، ثم وضع خطة واقعية للوصول إلى هذه الهوية أو الهدف، و يجب على الجميع الاتفاق على تجيير كل مقدرات الدولة لتحقيق هذا الهدف، و محاربة كل من يحاول عرقلة هذا الطريق، أما إن بقينا على ما نحن عليه، نتأرجح بين الهويات السياسية و الدينية و الآيدلوجية، نتصارع على التوافه و نتسابق على المراكز الأولى في السخافات، فلا طبنا و لا غدا الشر، و الأفضل لنا أن "نبلع العافية" و لا نشغل أنفسنا و نعطل الآخرين في مقارنات على شاكلة "بُص.. شوف.. بن راشد يعمل أيه"!!

  



[1] أضيف لهذا الميناء مطار جديد في العام 2013 سُمي بمطار المكتوم الدولي.
[2] نذكر منها مول الإمارات الذي احتضن أول منصة تزلج (داخلية) على الثلج في العالم، و دبي مول بنوافيره الرائعة، و برج خليفة الأطول في العالم، و جزيرة النخلة و فندق أتلانتس البحري، بالإضافة إلى شاطئ الجميرة و الفنادق الصحراوية..إلخ.
[3] يقول المثل الاقتصادي "رأس المال جبان"، و نقول نحن بأن "رأس المال الأجنبي هو أجبن أنواع رؤوس الأموال"، و بما أن دبي كانت تعتمد بشكل كبير على رؤوس الأموال الأجنبية، فكانت سرعة هروب رؤوس الأموال منها مضاعفة.
[4] ردت دبي هذا الجميل بتغيير اسم "برج دبي" الأطول في العالم إلى "برج خليفة" تيمناً باسم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
[5] خلال السنوات الأولى من تطبيق الدستور شهدت الكويت الأزمة الوزارية و استقالة الحكومة و استقالة رئيس مجلس الأمة و استقالة نواب الكتلة القومية.

Monday, December 09, 2013

الوحدة الخليجية.. شعار متقدم للحفاظ على التخلف


منذ أن دشّن المفكر السياسي الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي فكرة الـ"كونفدرالية الخليجية" و الحديث عنها ثم عن الـ"وحدة الخليجية" لم يتوقف، فالكل أصبح يتناول الفكرة بالتأييد أو المعارضة حسب الإنتماء و المصلحة، و لا عيب بالطبع في ذلك فالنقاش العام يساهم دائماً في بلورة الفكرة و تهذيب شوائبها.


طرح النفيسي الفكرة لأول مرة معتمداً على دراسة للخبير الأمريكي (كاتزمان) يتوقع فيها عدم قدرة دويلات الخليج الصغرى على الاستمرار حتى العام 2025، و هذا ما جعل النفيسي يطرح عليها فكرة الذوبان داخل كيان أكبر حتى تحافظ على وجودها في المدى البعيد، و تقوم فكرته على تشكيل كونفدرالية خليجية تتوحد فيها السياسة النفطية و السياسة الخارجية و السياسة الدفاعية كمرحلة أولى، و من ثم تطورت هذه الفكرة مع هبوب رياح الربيع العربي - على البحرين - لتتحول إلى شعار "الوحدة الخليجية"، الذي تحمس له عدد لا بأس به من السياسيين المروجين لفكرة الاستقطاب العربي (السني) – الفارسي (الشيعي).


قبل الدخول في صلب المقال، و بعيداً عن العبارات الإنشائية، علينا الاتفاق بأن أي مشروع كونفدرالي أو وحدوي بين الدول يقوم على أساس تنازل الدولة الأضعف عن جزء من سيادتها للدولة الأقوى مقابل الحصول على بعض المكتسبات من هذه الدولة (الأقوى)، و نجد هذا المثال واضحاً في الاتحاد الأوربي حيث تنازلت الدول الأضعف – اقتصادياً – بجزء من سيادتها الاقتصادية للدول الأقوى كـ ألمانيا التي أصبحت تتحكم بالسياسات الاقتصادية للدول الضعيفة مقابل مكتسب واضح و هو الدعم المالي الذي ينقذ هذه الدول من الإفلاس.


و يعتمد المتحمسين لفكرة الكونفدرالية أو الوحدة الخليجية على نفس المبدأ المصلحي، و هو تنازل الدول الصغرى (الكويت، البحرين، قطر، الإمارات) عن جزء من سيادتها للدولة الأقوى (المملكة العربية السعودية) مقابل مكاسب أمنية و مالية و سياسية في حال تعرض هذه الدول لخطر التغول الإيراني أو العراقي، و يذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيهمز و يلمز إلى قدرة المملكة العربية السعودية على حماية هذه الدول من الأخطار الداخلية في حال قيام فئة من مواطنيها (الموالية لإيران أو الإخوان المسلمين) بالثورة على النظام المشيخي الحاكم.


أي أننا نتحدث هنا عن صفقة واضحة ، تتنازل فيها العائلات الحاكمة في الكويت و البحرين و قطر و الإمارات عن جزء من سيادتها النفطية و الدفاعية و السياسة الخارجية للعائلة الحاكمة في السعودية مقابل أن تضمن عائلة آل سعود بقاء هذه العوائل في الحكم أمام التهديدات الإيرانية – العراقية من الخارج، و خطر الثورات الشيعية (في حالة الكويت و البحرين) و الإخوانية (في حالة الكويت و الإمارات) من الداخل.


أي أن هذه الوحدة أو الكونفدرالية لا تهدف إلى رفع المستوى المعيشي لمواطني هذه الدول، و لا تهدف إلى نشر الديموقراطية و زيادة الحريات لمواطني هذه الدول، و لا تهدف إلى تطوير القدرات الإدارية لحكومات هذه الدول، و لا تهدف إلى حماية حقوق الأقليات في هذه الدول، هي ببساطة تهدف إلى نقيض كل ذلك، يا عوائل حاكمة سلموني سياستكم الخارجية و النفطية و العسكرية و سأحميكم من الخطر الإيراني العسكري و الهجوم السياسي الغربي في حال أردتم قمع شعوبكم و الأقليات في دولكم كما حصل في البحرين على سبيل المثال، و السؤال الأهم هنا، هل تحتاج هذه الدول لهذه الحماية؟ و هل للمملكة العربية السعودية قدرة على ضمان هذه الحماية؟


للإجابة على هذا السؤال أحتاج للتوضيح بأني لا أتحمس كثيراً للكتابة عن شؤون الدول الأخرى حيث أطبق دائماً نظرية "أهل مكة أدرى بشعابها"، لكن مسألة الوحدة اليوم مطروحة و سنحتاج إلى تسليط الضوء على الحالة السياسية في دول الجوار، و بالنسبة للسياسة الدفاعية، فيجب علينا الانتباه إلى أن المملكة العربية السعودية بذاتها تعتمد في الدفاع عن نفسها على قوة خارجية و هي الولايات المتحدة الأمريكية، أي أنها في الأساس غير قادرة على حماية نفسها أمام المواجهات العسكرية الجدية، فكيف ستحمي غيرها؟ خصوصاً و أن كل دول مجلس التعاون المعنية بالوحدة تستعين هي الأخرى بالحماية الأجنبية الأمريكية بشكل أساسي في الدفاع عن نفسها، وهذا ما يجعلني أقول بأن السياسة الدفاعية لدول الخليج العربية موحدة بالفعل من خلال الاعتماد على القواعد الأمريكية و قواتها و عقود التسليح معها.


أما الثورات الداخلية فهي تعتمد أساساً على الفجوة ما بين الحاكم و المحكوم، فكلما اتسعت الفجوة بين السلطة و الشعب زادت احتمالات قيام الثورات الداخلية التي يعتمد فيها الثوار على تجييش المجاميع الشعبية ضد الحكم تحت شعار المطالبة بالمزيد من الحريات و مكافحة الفساد و الحفاظ على ثروات البلد من السراق، و السؤال الحتمي هنا هو هل الفجوة بين الشعب السعودي و أسرته الحاكمة أقل اتساعاً من الفجوة بين الشعب الكويتي و البحريني و القطري و الإماراتي و أسره الحاكمة؟


من خلال نظرة بسيطة يمكننا القول بأن الفجوة بين الحاكم و المحكوم في المملكة العربية السعودية أوسع بكثير منها في الكويت و الإمارات و قطر بسبب تدني متوسط دخل الفرد في المملكة بالتزامن مع تمتع أفراد الطبقة الحاكمة بثروات طائلة، يحدث هذا في مناخ يفتقد لأبسط آليات التنفيس و حرية التعبير و بلا أي مشاركة شعبية في اتخاذ القرار، لذلك لا أجد أي سبب منطقي يجعلني أتوقع قيام ثورة شعبية (إيرانية أو إخوانية) في الدول الخليجية الصغرى و لا أتوقع قيامها في المملكة العربية السعودية، خصوصا مع غياب الرؤية الواضحة لترتيبات الحكم في المملكة مع اقتراب انتقاله إلى الجيل الثالث من عائلة آل سعود.


أما بالنسبة للسياسة الخارجية، فالمملكة تتخذ الكثير من المواقف الخارجية الجريئة التي قد لا تضرها ذاتياً لكنها ستضر الكيانات الخليجية الأصغر في حال تبنيها لهذه المواقف، نذكر على سبيل المثال استقبال المملكة لزين العابدين بن علي و عدم تسليمه إلى الحكومة التونسية، بالإضافة إلى مواقف المملكة من الصراع السياسي في العراق و لبنان و العسكري في سوريا، علما بأن الموجة العالمية اليوم هي انفصال الكيانات الصغرى عن الكيان الأكبر بسبب عدم الرغبة في تحمل تبعات قراراته السياسية الخارجية، نذكر على سبيل المثال هنا الرغبة الاسكوتلندية في الانفصال عن انجلترا و الذي سيتم التصويت عليه في 2014.


و بالنسبة للسياسة النفطية، فالمسألة تعتمد على العرض و الطلب و لا أعتقد بأن الخيارات المتاحة لدول الأوبك أكثر مرونة من السابق، خصوصا مع مقدمات عودة النفط الإيراني و ارتفاع الانتاج العراقي و توقعات زيادة الانتاج الأمريكي من النفط الصخري، كل هذه الأسباب تجعلني لا أرى أسباب منطقية للحماسة نحو الوحدة الخليجية المزعومة، مع استثناء حالة البحرين التي ستسفيد مالياً من الدعم السعودي و سيستفيد النظام الحاكم فيها سياسياً من الحماية السعودية في ظل وجود أغلبية شيعية تشعر بالظلم و الاضطهاد.


الغريب في الأمر، أن أبرز من يروج لفكرة "الوحدة الخليجية" المتمركزة على فكرة التنازل عن سيادة الدولة - النصف ديموقراطية - لدولة أخرى يحكمها نظام ملكي عائلي هم أنفسهم من كان يطالب بالمزيد من الحريات و الحكومة المنتخبة!!  كل ذلك من أجل تحقيق حلمهم الاستمنائي السخيف بمقاومة "المد الصفوي" و "التغلغل الشيعي"، و هو ما لم يتمكنوا من تحقيقه في ظل التخلف الحالي و الدعم الأمريكي في السنوات السابقة، و المؤكد أنهم لن ينجحوا في تحقيقه مستقبلاً مع تغير الموقف الأمريكي في ظل وحدة خليجية تعتمد على تعميم التخلف و اضطهاد الحريات.

Wednesday, September 25, 2013

يحيي العظام وهي رميم!!


"نهج" يعيد إحياء الحراك الشعبي

عنوان بسيط بين العناوين المتزاحمة على الصفحة الأولى لجريدة "عالم اليوم" الكويتية، والتي يمكن اعتبارها البوابة الإعلامية الأولى للمعارضة في السنوات الخمس السابقة، عنوان بسيط قد لا يلفت الانتباه إلا أنه نزع انتباهي واستوقفني لبرهة جلست أسترجع فيها شريط أخبار السنوات السابقة، ثم أعدت قراءته ببطء..

"نهج".. يعيد.. إحياء.. الحراك.. الشعبي !!

فتزاحمت على ذهني عاصفة من التساؤلات كان أولها هل يجوز إطلاق صفة "إعادة الإحياء" على الكائن الحي أصلاً؟ بالطبع لا فـ إعادة الإحياء تنطبق على الأموات فقط.. إذاً في هذا العنوان اعتراف ضمني بأن "الحراك الشعبي" ميت ويحتاج إلى من يعيد "إحيائه"!!

هنا سألت نفسي عن مصداقية "الحراك الشعبي" مع نفسه في حاجة البلد للمطالبات التي كان يطرحها، فلو كانت المطالبات نابعة من حاجة حقيقية للناس فكيف تموت قبل أن تتحقق؟ هل نحن بحاجة فعلا إلى مطالبات "الحراك الشعبي" من أحزاب ودائرة واحدة وحكومة شعبية!!؟

أم أن هذه شعارات استهلاكية طرحها الشباب واقتات عليها نواب المعارضة للحصول على الحشود المطلوبة لإضفاء صفة "الشعبي" إلى حراكهم؟

ثم.. من الذي يملك حاكمية الموت والحياة؟ من الذي لديه القدرة على أن يحيي ويميت؟ أليس هو الرب الذي قال في محكم كتابه الكريم: "اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ"؟

والسؤال "المنطقي" هنا.. من هو "رب" الحراك "الشعبي" الذي بيده أن يحييه ويميته متى شاء ذلك؟ وهل السياسيين من نواب حركة "نهج" هم "رب" هذا الحراك؟ يحيونه ويميتونه حسب المصلحة والتفرغ؟

هل ما شهدناه في السنوات الخمس السابقة حراك "شعبي" نابع من حاجات حقيقية أم "شعب" يتحرك بتحريض من نواب "نهج" متى ما قرروا تحريكهم أو إعادة إحياء حراكهم الميت؟

وما هي العوامل التي تجعل "نهج" تقرر أن تضغط دقمة (زر) إحياء الحراك متى شاءت؟ هل يتم ذلك حسب العوامل المناخية؟ فتتم إماتة الحراك في فصول الصيف وإعادة إحيائه مع موسم العودة من الإجازة واقتراب اعتدال المناخ؟

أم أن ذلك يتحدد بظروف انتهاء انتداب وليد الطبطبائي من سوريا وعودته للبلاد متفرغاً.. فيملأ أوقات فراغه بإحياء "الحراك الشعبي" عبر إقامة كم تجمع في ساحة الإرادة!!؟

أكرر مرة أخرى..

هو عنوان بسيط بين العناوين المتزاحمة..

وكان يجب أن أتجاهله ليمر مرور الأموات..

Wednesday, August 07, 2013

بالكويت...ماكو حكومة!!


بالكويت... ماكو حكومة!!

 

قد يستفز هذا العنوان البعض، وقد يشارك البعض الآخر بالسخرية من "ديرة البطيخ" إللي ما تديرها حكومة، لكن القصد من العنوان يختلف عما سيذهب إليه اغلب القراء.

على المحلل السياسي الناجح أن يتعامل مع المعطيات السياسية كما يتعامل الطبيب الشرعي مع "جثة" المريض، ففي الطب هناك مجال التشريح، والتشريح أيضا مهم للمحلل السياسي، أما من يحلل دون تشريح فستغلب على تحليلاته العاطفة، وبالتالي عليه ترك الملعب والصعود إلى مدرجات الجماهير لتشجيع هذا الفريق أو ذاك.

كتبنا سابقا عن الظروف "الطبيعية" التي تجعل أقطاب الأسرة الحاكمة يتوقعون خلو منصب "الإمارة" في أي لحظة، وهذا ما يجعل حدة التنافس والصراع على منصب "ولي العهد" القادم ترتفع، وذكرنا بأن على كل مرشح لهذا المنصب أن يعد العدة لـ"أزمة الحكم" القادمة، وأن تكوين تحالفات قوية تشمل قبائل ورجال أعمال وتيارات سياسية ورجال دين وصحف وقنوات فضائية ونواب مجلس أمة و"قوى خارجية" هي الأسلحة التي سيحتاج كل مرشح للحكم في إعدادها.

ومن هذا المنظور، سنقرأ الأحداث الاخيرة، قد يختلف البعض في تأييد أو معارضة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، لكن لا أعتقد (اليوم) هناك من يشكك في الحنكة السياسية للأمير، ومن خلال دراسة شخصية صباح الأحمد، نجد بأنه يتفوق على غيره بميزة "طولة البال" والقدرة على انتظار اللحظة المناسبة لتفتيت خصومه.

بالكويت... ماكو حكومة!! بالكويت... أكو شيوخ!! بالكويت... ماكو معارضة!! بالكويت... اكو معارضين لشيوخ!! بالكويت... ماكو موالاة!! بالكويت... اكو موالين للشيوخ!!

فهم هذه الجمل الأخيرة مهم جدا لفهم المشهد السياسي، سمو الأمير، عندما تعرض للضربات المتتابعة من المعارضة والتي كان آخرها تجمع "لن نسمح لك"، رد عليهم بتحركات فردية كـ "شيخ" ولم تتحرك الحكومة كاملة للرد على الهجوم، فصباح الأحمد هو من عقد اللقاءات الواحدة تلو الآخر مع القبائل والأكاديميين والدواوين ورجال الدين إلخ إلخ، صباح الأحمد هو من غيّر النظام الانتخابي إلى الصوت الواحد، وصباح الأحمد هو من بادر في زيارة القبائل لتغيير مواقفها من الصوت الواحد، وصباح الأحمد هو من أخرج عنوان المرحلة السابقة في الخطاب الذي قال فيه "لا غالب.. ولا مغلوب".

كل هذه التحركات كانت مجهودات فردية من "الشيخ" صباح الأحمد، ولم تكن تحركات "حكومة الكويت"، على الجانب الآخر، شراء القنوات الفضائية وإكرام النواب والإعلاميين وتسليط سوط القضايا على الخصوم كان أيضاً تحرك فردي من "الشيخ" ناصر المحمد، ولم يكن تحرك "حكومة الكويت"، لكن لأن "الشيخ" ناصر المحمد يرأس "حكومة الكويت" فاعتقد الناس بأن هذه التحركات هي تحركات "حكومة كاملة" وليس مجهود فردي لـ"شيخ".

اليوم، ذهب "الشيخ" ناصر المحمد وجاء "الشيخ" جابر المبارك، وكما احتاج "الشيخ" ناصر المحمد عدة تجارب لتشكيل حكومة قوية ومجلس موالي مكنه من الصمود امام مليون استجواب، سيحتاج "الشيخ" جابر المبارك أيضا إلى تجارب للوصول إلى التشكيلة الحكومية القوية والتحالفات النيابية التي ستمكنه من خوض تحدي الاستجوابات في المجلس، وصراع الحكم خارجه.

لذلك، فكان من اللازم على "الشيخ" جابر المبارك الذي يريد خوض "أزمة الحكم" القادمة كرئيس للحكومة، لما لهذا المنصب من أهمية كبيرة، والذي سيحتاج إلى تحالفات قوية داخل وخارج مجلس الأمة للاستمرار في هذا المنصب، أن لا يفرط بأصوات "البلوك الحكومي" في انتخابات رئاسة المجلس، ولذلك فعّل "الشيخ" جابر المبارك سلاح "التضامن الحكومي" بالتصويت.

أما عن سبب تفضيل مرزوق الغانم على علي الراشد، فالأسباب مع المعطيات السابقة واضحة، مرزوق سليل مجموعة عوائل ذات ملاءة مالية قادرة على دعم توجهاتها السياسة، بينما علي الراشد لا يملك هذه الفوائض المالية، مرزوق يتزعم كتلة نيابية هي "كتلة العمل الوطني" بينما علي الراشد مستقل وليس له تأثير إجباري على غيره من النواب، مرزوق الغانم صاحب نفوذ مباشر على جريدة – وقناة - الراي وغير مباشر على القبس، بينما علي الراشد لا يملك أي تأثير على القنوات الفضائية والصحف، وأخيرا وليس آخرا، علي الراشد حليف "محجوز" للشيخ ناصر المحمد، بينما مرزوق الغانم لا يرتبط بأي منافس قوي في صراع الحكم حتى الآن.

كل هذه الأسباب مجتمعة، جعلت "الشيخ" جابر المبارك وليس "حكومة الكويت" يختار مرزوق الغانم رئيساً لمجلس الأمة وحليفاً مستقبليا للصراع القادم.

وتبقى هنا إشارة مهمة، وهي عودة الشيخ محمد الخالد للوزارة، وعودته بحد ذاتها مؤشر مهم لتغيرات كبيرة تجري داخل أروقة الأسرة الحاكمة، فمحمد الخالد هو الممثل القوي للشيخ سالم العلي، وعودته تعني وجود تنازلات من السلطة لمعسكر الشيخ سالم العلي، وخصوصا مع وجود الشيخ ناصر المحمد وأحمد الفهد خارج الحكومة.
 

Friday, July 19, 2013

طاخ طيخ 8


 
كتبت في مثل هذا اليوم من العام السابق :
 
"أعتذر لكم عن عدم الوفاء بالوعد أو التوقع، فلم أنته حتى الآن من العمل في الكتاب، لكني أتوقع هذه المرة وبنسبة 85% من عودتي إلى هذا المكان في العام القادم – إن الله أحيانا – للتناقش حول الكتاب ومواضيعه معكم ولتلقي ملاحظاتكم عليه وعلى ما فيه"
 
وها أنا ذا آتي إلى هذا المكان للاعتذار - للمرة الثالثة - عن عدم الوفاء بالوعد أو التوقع، فالكتاب لم ينته حتى الآن، لكن نسبة الانتهاء منه ارتفعت إلى 95%.
و لا بد لي أن أعترف بأن تأخر هذا المشروع سنة بعد سنة أصبح يتعبني نفسيا و جسديا و ذهنيا، فقد تحولت خلال السنوات السابقة إلى عبد مملوك لمالك، و المصيبة هنا بأن هذا المالك هو بالأساس صنيعة العبد، أنا من وضعت لنفسي هدف كتابة الكتاب، وأنا من جعلت من نفسي عبداً لهذا الهدف، فهو من يتحكم في نومي ويقظتي، راحتي وتعبي، سعادتي وحزني، اضطرابي واستقراري، خوفي وشجاعتي...
فمع كل جملة أو معلومة أو ذكر لشخصية أدخل في حالة صراع مع النفس للوصول إلى قرار بكيفية ذكر الحدث وتبعات ذكري له من عدمه، عملية مجهدة للذهن أن تتوقع أو تفكر في ردود أفعال كل طرف على كل معلومة، من سينتقد ومن سيغضب ومن سيشجع ومن سيطعن بك وبنواياك ومصداقيتك.
أضف إلى ذلك اشتياقي الدائم إلى كتابة المقال الذي كانت هذه المدونة خير شاهد عليه، فكتابة المقال مسلية وتلقي ردود الأفعال "الفورية" عملية ممتعة كانت تدفعني دائما للتفاني في العطاء والإبداع، أما كتابة الكتاب والاضطرار إلى حبسه عن الأنظار فهي عملية متعبة، فمن الصعب على الإنسان أن يعمل ليل نهار ولا يكشف للجماهير عن عمله، فيصبح بعينهم مجرد "لوزر" يسهر الليل وينام النهار بلا عمل ولا انتاج !!
لكني دائما أعزي نفسي بأن ظهور العمل في النهاية إلى العلن وتقدير الجمهور لكمية الجهد والوقت المبذول في إنجازه سيعوضني عن كل هذا التعب والعناء والسهر الإرادي واللا إرادي.
وبالنسبة للكتاب فأنا حاليا أقوم بتصحيحه لغوياً وقريباً سأبدأ في إضافة الصور التدعيمية للمعلومات المذكورة والحوادث الشهورة، ولله الحمد تمكنت بفضل الأصدقاء من الحصول على كم جيد من الصور النادرة التي ستزيد من متعة قراءة الكتاب متعة، و يسعدني أن اعلن لكم بأن الكتاب ولضاخمة حجمه تحول إلى ثلاثة كتب، أو لنقل إلى ثلاثة أجزاء أو مجلدات، و ستكون عناوينها كالآتي :
1- الكويت، من النشأة إلى الاستقلال
2- الكويت، من الدستور إلى الاحتلال
3- الكويت، من التحرير إلى الاختلال
 
أتمنى بالفعل أن أتمكن من وضع التشطيبات النهائية على الكتاب خلال شهر رمضان والانتهاء من الاتفاق مع دار النشر ليكون بين أيديكم قبل نهاية العام 2013، وأتمنى كالعادة أن آتي إلى هنا في العام القادم للنقاش حول الكتاب وما جاء فيه من معلومات وحوادث، وسأظل ممتنا لهذه المدونة ولقراءها وللأيام الممتعة التي قضيتها في الكتابة فيها إلى الأبد، فهي البيت الأول لي ولأفكاري المشاغبة، وإللي ما له أول ما له تالي...
 
كل عام وأنتم وطاخ طيخ بألف خير..
 
محمد اليوسفي

Monday, April 22, 2013

المعارضة..ظاهرة صوتية !!


يقول عبدالله القصيمي في بداية كتابه "العرب ظاهرة صوتية":

"إن العربي ليرفض الصعود إلى الشمس ممتلكا لها إن كان ذلك بصمت ليختار التحدث بصراخ و مباهاة عن صعوده إلى القمر و امتلاكه له , أي بلا صعود و لا امتلاك .

إن العرب ليظلون يتحدثون بضجيج و ادعاء عن أمجادهم و انتصاراتهم الخطابية حتى ليحسبون إن ما قالوه قد فعلوه , و إنه لم يبق شيء عظيم أو جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه..".

عندما أصدرت المحكمة الدستورية حكمها برفض طعن الحكومة بالدوائر الخمس في سبتمبر الماضي كتبت مقالة أستغرب فيها من بهجة و سرور رموز المعارضة و جماهيرها بهذا الحكم و تسابقهم على كاميرات الصحافة للإعلان عن انتصارهم المؤزر بالرغم من أن حيثيات الحكم نسفت أربعة "مبادئ" سعدونية أساسية هي :

1-     عدم جواز رجوع الحكومة – وحدها – إلى المحكمة الدستورية و يجب أن يكون للقضية طرفان فبينت المحكمة جواز ذلك .
2-     عدم جواز إقحام القضاء في الخلافات السياسية فجاء الحكم بأن ذلك من صميم عمل المحكمة الدستورية .
3-     الأمة هي مصدر السلطات جميعا و المجلس سيد قراراته فأوضح الحكم بأن سيادة الدستور الذي تفسره المحكمة فوق سيادة الأمة .
4-     عدم اختصاص المحكمة الدستورية بالدوائر الانتخابية و جاء الحكم بـ"رفض الطعن" أي أن من حق المحكمة النظر في مسألة الدوائر .

 



رغم كل هذا الدمار الشامل للـ"مبادئ" السعدونية إلا أن المعارضة أشادت بالحكم و بعدالته , و كان السؤال الذي يشغلني هو هل هذه المعارضة بلا "مبادئ"؟ أم أنها ذات "مبدأ" يتغير حسب المصلحة ؟ و في الحالتين لم لا يقوم أحد العقلاء من جماهيرها بالسؤال عن هذا التناقض ؟

بطبيعة الحال لم أجد إجابة على سؤالي و بلعت الموس إلى أن جاء الحكم بسجن مسلم البراك بالسجن لخمسة سنوات بتهمة "التعدي على الذات الأميرية و مسند الإمارة", و كان قراري حينها بعدم التعليق على الحكم إلى أن تتضح أمامي الرؤية بالكيفية التي سيدير فيها دفاع البراك معركة الاستئناف .

و للحديث عن هذا الحكم علينا توضيح "مبادئ" المحاكمات القضائية , ففي المحكمة يكون هناك طرفين يفصل بينهما القاضي حسب القانون الموجود أمامه , و من حق كل طرف أن يأخذ وقته الكافي للدفاع عن نفسه و إثبات وجهة نظره من خلال "المرافعة" أو الاستعانة بشهود , و جرى العرف على أن يطالب الشاكي دائما بأقصى عقوبة كما يطلب المتهم دائما بالبراءة (حتى و إن كان مذنباً).

أما القانون الذي حوكم به مسلم البراك فينص على :

"يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام , أو في مكان يستطيع سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر , في حقوق الأمير و سلطته , أو عاب في ذات الأمير , أو تطاول على مسند الإمارة".

و في هذه القضية كان جهاز أمن الدولة هو الشاكي و هو من طالب – بطبيعة الحال – بأقصى العقوبة و هي السجن لخمس سنوات , أما المتهم فكان مسلم البراك برفقة ما يزيد عن ثلاثين محامياً لم "يترافع" أياً منهم للدفاع عنه بسبب رفض المحكمة لطلب المتهم باستدعاء الشيخ جابر المبارك – رئيس الوزراء – للمحكمة كشاهد في القضية , فـ"مبدأ" المحكمة هو أن الشيخ جابر المبارك "لا علاقة له بالواقعة لا من قريب أو بعيد و هو ليس بشاهد نفي أو إثبات في هذه القضية" و أن المتهم يصر على استدعائه للشهادة كـ"تكتيك" قانوني لإطالة أمد القضية و المماطلة فيها .

هكذا استمر العناد "المبدئي" بين الطرفين – المحكمة و المتهم – على مدى أربعة جلسات هي 28-1 و 11-2 و 25-3 و 8-4 , فالمحكمة أصرت على أن "يترافع" المتهم للدفاع عن نفسه و هو أصر على حقه باستدعاء الشاهد – رئيس الوزراء – و رفض التنازل عن هذا الـ"مبدأ" فكانت النهاية في قبول سماع القاضي لمرافعة الشاكي (أمن الدولة) و عدم سماعه لمرافعة الدفاع (مسلم البراك), و بما أن الشاكي يطالب بأقصى عقوبة فكان له ذلك و حكم القاضي بالسجن خمس سنوات على المتهم الذي ماطل أيضا في تنفيذ الحكم و تسليم نفسه .

و لا أخفي عليكم هنا بأني و بالرغم من اقتناعي الشخصي بما ذهبت إليه المحكمة إلا أني كنت معجب بتمسك البراك و درزنين المحامين إلي معاه بالمبدأ و إصرارهم على حضور الشاهد إلى المحكمة , لكني فضلت عدم التعليق حتى تتبين لي تكتيكات فريق الدفاع أمام محكمة الاستئناف لتأتي المفاجأة التي لم تفاجئني و هي أن المتهم و فريق دفاعه بلعوا "مبدأهم" السابق بعدم الترافع قبل مثول رئيس الوزراء أمام المحكمة و ترافع بدل المحامي أربعة دفاعاً عن البراك فحكمت المحكمة بوقف "نفاذ" حكم الخمس سنوات إلى صدور حكمها في الشهر القادم .

و كالعادة خرجت المعارضة بعلامات النصر و البهجة و السرور لتمكنها من كسر خشم السلطة الغاشمة رغم أنها هي من كسرت "مبدأها" بعدم الترافع دون شهود و هي من أكدت "مبدأ" قاضي أول درجة بحسم القضية دون الخضوع لتكتيكات فهلوية القانون , و بذلك يكون المنتصر الحقيقي هو السلطة القضائية التي لم تخضع للابتزاز الجماهيري و صيحات "يا مسلم يا ضمير الشعب كله", بل أن مسلم و فريقه أثبتوا بأنهم "ظاهرة صوتية" لا تعرف سوى الحديث و الصراخ على صعود القمر و امتلاكه بلا "صعود و لا امتلاك".

و يظل سؤالي الأزلي عالقاً...هل هي معارضة بلا "مبادئ"؟ أم أن "مبدأهم" يتغير حسب المصلحة ؟

Monday, February 18, 2013

هيئة الإستثمار و فرسان مكافحة الفساد


شاهدت قبل أيام مقابلة الشيخ على جابر العلي على قناة العدالة , و قد لفت نظري وجهة نظر الشيخ – المتخصص بالنفط - في الاستجواب المقدم من النائب سعدون حماد إلى وزير النفط هاني حسين , و كان رأيه أنه ضد سياسات الوزير لكنه أيضا ضد أن يستجوبه نائب بالمستوى الثقافي و التخصصي كـ سعدون حماد حيث لم يمانع الشيخ علي أن تقوم صفاء الهاشم المتخصصة بالاقتصاد بتقديم هذا الاستجواب .

تذكرت بعد هذه المقابلة مقابلة أخرى تحدث فيها الوزير السابق شعيب المويزري عن خسائر الاستثمار و كان من الواضح أن علاقة الرجل بالاستثمار كعلاقتي بالسوشي , أيضا تذكرت محاور استجواب الشمالي الذي قدمه البراك و الطاحوس و هم غير متخصصين بالاستثمار و عبدالرحمن العنجري المتخصص في المجال و الذي تناسى كل ما تعلمه عن أسس الإستثمار و بدأ يشرشح الوزير على خسائر الأوبشنز و دعم النووي الإيراني .

حقيقة أن الكويت فعلاً مبتلشة بـ فوضى التخصصات و إنحدار مستوى المهنية للمتخصصين فيها , فدكتور الشريعة يتكلم بالإقتصاد و المهندس يتكلم بالصحة و الطبيب يعالج مشاكل الزراعة و هلم جر , و عندما نفرح بتصدي شخص من نفس التخصص لمشكلة في مجاله تفضح لنا اطروحاته عدم معرفته في أساسيات هذا المجال مما يشككنا في شهادة الدكتوراه أو الماجستير التي يحملها , وصلتني مقالة بعنوان "هيئة الاستثمار و فرسان مكافحة الفساد" للباحث الاقتصادي محمد رمضان عن الصناديق السيادية و اختلاف طبيعتها و سياساتها من دولة لدولة و من مؤسسة إلى مؤسسة فقررت أن أشارككم بها :

تختلف الصناديق السيادية بأغراض انشائها وسياساتها الاستثمارية وحتى مستوى شفافيتها , فمثلا الصندوق السيادي السعودي والذي يقدر بـ532.8 مليار دولار يستثمر فقط باصول قليلة المخاطر (قليلة العوائد) مثل الديون السيادية . أما بالنسبة للامارات فيقدر مجموع الصناديق السيادية لـ أبوظبي بـ745 مليار دولار , مقسما بين هيئة أبوظبي للاستثمار (آديا) والتي تستحوذ على 70% من فوائض أبوظبي وتستثمر ما يقارب 50% من الأصول في صناديق المؤشرات التي لا تحتاج الى مدير ماهر ويصعب التلاعب من خلالها (Passive) . ومقسما مع شركة الاستثمارات البترولية الدولية والمتخصصة بالاستثمارات البترولية من خلال آبار وغيرها ويقدر هذا الصندوق بـ65 مليار دولار . ومقسما أيضا مع مبادلة والمؤسس لأغراض تطوير وتنويع اقتصاد أبوظبي وتحقيق ربح اجتماعي ومالي (مصدر للطاقة البديلة وصندوق تمويلي بشراكة مع GE Capital) ويقدر حجم الصندوق بـ53 مليار دولار. والصندوق السيادي لـ دبي (مؤسسة دبي للاستثمار) يقدر بـ70 مليار دولار بغالبية استثمارات داخل دبي مثل دبي للألمنيوم واعمار و طيران الامارات .

في الكويت لا يوجد سياسة استثمارية معلنة من قبل الهيئة العامة للاستثمار لكن الأموال مقسمة الى احتياطيات عامة لدعم الميزانية عند الحاجة (حساب جاري للدولة) واحتياطيات الأجيال القادمة (حساب توفير) والتي تقتطع من مجموع ايرادات الدولة كتوفير مستقبلي (10% في السابق و 25% للسنة الحالية) .

أي صندوق سيادي يحتوي على العديد من الاستثمارات , ولا يفترض أن يكون كل استثمار رابح في كل وقت , فبعض الاستثمارات تأخذ منحنى للأسفل كبداية مثل أي شركة جديدة تحقق خسائر في البداية ثم تبدأ بالأرباح تدريجيا وتحقق الربح للمساهمين على مر السنين . وبعض الاستثمارات لايحقق سوى الخسائر (التجارة ربح وخسارة) ولكن يفترض أن يكون أداء جميع استثمارات الصندوق يتماشى مع أداء المؤشرات المستهدفة مع تقارب في مجموع المخاطر الكلي , فلو افترضنا ان الاستثمارات كلها تصب في السوق الكويتي لقارنا أداء الصندوق مع المؤشر الوزني للبورصة أو مؤشر كويت 15 أو أي مؤشر آخر انشئ الصندوق ليتفوق أو يوازي أداؤه و يوازي أو يقل عن مستوى خطورة مجموع مكوناته .

قبل أيام , صرح العضو المنتدب في الهيئة العامة للاستثمار عن استثمار الهيئة في بنك البحرين العربي الدولي الذي تكونت خسائره (599 مليون دولار) خلال الفترة من 1980 الى 1985 وأكد انه قد تم الرد على الأسئلة البرلمانية منذ عام 1993.

فلو تناولنا كل استثمار حقق خسارة وتم تكوين مخصصات له واستمرينا نتحدث عنه ونشير بأصابع الاتهام لجميع المسؤلين طوال عشرات السنين لكان الأجدى والأحرى بمساهمي بنك سانتاندر الاسباني وبنك اتش اس بي سي الانجليزي (HSBC) وغيرهم أن يظلوا يحاسبوا أي ادارة تنفيذية تأتي للبنك حتى سنة 2030 لتعرضهم لخسائر تقدر بالمليارات نتيجة للاستثمار مع المحتال مادوف الذي اعتقل في ديسمبر 2008 .
 
@rammohammad