.
يختلف الناس في تعريف مصلح "الدولة" , لكن عقلي البسيط يُعرِّفها على إنها إجتماع لثلاثة عناصر رئيسية هي الأرض, الشعب الذي سيعيش عليها , و الحكم الذي سيدير حياة الشعب على تلك الأرض . و عند النظر إلى طبيعة تلك العناصر, نجد أن الأرض هي العنصر الأكثر حيادية , فالأرض تقبل الإنضمام أو الإنفصال عن غيرها من الأراضي بلا تودد أو تردد , كما أنها تقبل أي شعب و أي حاكم بلا عناد أو تحدي و دون أن تبدي ترحيباً أو ترهيبا
.
يختلف الناس في تعريف مصلح "الدولة" , لكن عقلي البسيط يُعرِّفها على إنها إجتماع لثلاثة عناصر رئيسية هي الأرض, الشعب الذي سيعيش عليها , و الحكم الذي سيدير حياة الشعب على تلك الأرض . و عند النظر إلى طبيعة تلك العناصر, نجد أن الأرض هي العنصر الأكثر حيادية , فالأرض تقبل الإنضمام أو الإنفصال عن غيرها من الأراضي بلا تودد أو تردد , كما أنها تقبل أي شعب و أي حاكم بلا عناد أو تحدي و دون أن تبدي ترحيباً أو ترهيبا
.
.
أما الشعب , فهو العنصر الأهم في الدولة , فـ المفهوم العام للدولة لا يستقيم بلا شعب , الأرض المهجورة ليست "دولة" , و الحاكم بلا شعب ليس حاكما على "دولة" , و الشعب , متى ما سكن أرضاً و نصَّب على نفسه حاكما , سـ يكون قد زرع البذرة الأولى لتشكيل "الدولة", و عند دراسة تاريخ الإنسان و الشعوب نجد أن أغلب الشعوب لا تنشد في الحياة غير السلام و الإستقرار و العيش الكريم بلا ذُل أو ظلم
.
.
المُكَوِّن الثالث للدولة هو الحُكم , و الحكم هنا ينقسم إلى الحاكم – الفرد – و الجهاز المعاون الذي يمارس من خلاله الحاكم حكمه , و يتكون هذا الجهاز في العادة من أفراد و مؤسسات نطلق عليها في صفتها الكُلية مصطلح "السلطة الحاكمة", و تتلخص أهداف السلطة الحاكمة بثلاثة مراحل رئيسية هي
.
الوصول إلى الحكم
.
المحافظة على الحكم و تأمينه
.
التوسع الخارجي في الحكم لتضخيم الثروة
.
.
و تختلف طرق و أساليب وصول تلك السلطات إلى الحكم , و في العادة تحكم أغلب السُلطات الحاكمة شعوبها دون أن تصل إلى مرحلة التوسع الخارجي للحكم و الثروة , ومن وصل منها إلى هذه المرحلة و نجح في تحقيقها يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ليضعه في مصاف العظماء و الفاتحين , بل أن التاريخ يكرمه متعمداً في تهميش سلبياته و غض البصر عنها , على أية حال .. ليس الهدف من هذا المقال تحليل مدى تاريخية التاريخ و إنتقاده , إنما الغرض منه هو التركيز على المرحلة الثانية من أهداف " السلطة الحاكمة " و هي المحافظة على الحكم و تأمينه , و في هذا السياق نذكر نصيحة الداهية ميكافيلي للحكام التي قال فيها
.
إجعل الشعب يُحبك
.
لكن إجعله أيضاً يخاف منك
.
و إذا كان الخيار بين الحب و الخوف , فالـ خوف أولى من الحب
.
لكن إحذر أيها الحاكم .. إحذر .. إحذر , من أن يتحول هذا الخوف إلى كُره
.
.
و عند التساؤل عن كيفية تحول خوف الشعب من حاكمه إلى كره يلخص ميكافيلي أسباب هذا التحول بسببين رئيسيين يتفرع منهما بقية الأسباب و هما
.
قطع الأرزاق و محاربة الشعب في لقمة عيشه
.
إنتهاك كرامة الشعب عبر إستباحة أعراضه
.
.
فالشعب الجائع الذي لا يحصل على قُوت يومه و تُنتهك كرامته في عرضه هو شعب ليس لديه شيئاً يخسره , و إذا لم يسارع القضاء و القدر في وفاة الحاكم فإن الثورة عليه قد تسبق قضاءه و قدره و ربما تكون شبه مؤكدة وما هي إلا مسألة وقت يحددها توقيت نزع الفتيل الأول للثورة
.
أقول قولي هذا و نحن نعيش في أسخن بقاع المعمورة و تحيط بنا الثورات من كل جهة و جانب , فـ مع بداية عام 2011 سجّل جنوب السودان إنتصار ثورته على الشمال بالإنفصال عنه , و بهذا حصل " شعب " الجنوب على حقه في تقرير مصيره و الإستئثار بثرواته , و لم تسعفنا الأيام الوقت الكافي لإستيعاب الصدمة , حتى فاجأنا " شعب " تونس الخضراء بثورة الياسمين على " حاكمه " زين العابدين بن علي الذي إستوعب – و فهم – الدرس بعد فوات الأوان لـ يرحل عن " الأرض " و يعيش كمواطن عادي تلاحقه القضايا و الشكاوي حول العالم , و قبل أن تستكين رياح المنطقة عاجلنا " الشعب " المصري بثورته التاريخية على " سُلطته الحاكمة " ليجبر " الحاكم " محمد حسني مبارك على التنحي عن السلطة حتى يعيد الشعب إختيار من يحكمه
.
.
هكذا قدمت " شعوب " جنوب السودان و تونس و مصر " حكامها " قرابين على مذابح الحرية المنشودة و المستقبل الأفضل , و لا نشك للحظة بأن النجاح الذي حققته هذه " الشعوب " قد ألهب حماس بقية " شعوب " المنطقة للسير على درب الثورة و الحصول على حقها الأصيل في تقرير المصير , و السؤال الذي تبادر إلى ذهن الجميع ، من هو الثائر القادم ؟
.
.
للإجابة على هذا السؤال علينا العودة إلى مصطلح " الثورة " و تصحيح مفهومنا المغلوط حولها , فمنذ نجاح الثورة الإيرانية في نهاية السبيعنيات و " دُول " المنطقة بشعوبها و حكامها تعيش هاجس " تصدير الثورة " القادم من إيران , أي أن الخميني " حاكم " إيران الجديد سـ يُرسل ثورته إلى الدول المحيطة لتنقلب الشعوب على حكامها بين يوم و ليلة , لكن الفهم الموضوعي " للثورة " يجعلنا نتيقن من سذاجة من كان يروج لهذا المصطلح لأن الثورة بطبيعتها غير قابلة للتصدير , لكنها بالتأكيد قابلة للإستيراد
.
.
و عند العودة إلى المعنى العام لمفردة " تصدير" نجد أنها تعتمد على طرفين يعيش كل منهما في مكان مختلف عن الآخر , و يملك الطرف الأول سلعة – أو شيء – يريد نقله – تصديره – إلى الطرف الثاني , و السؤال هنا عن السبب الذي يجعل الطرف الثاني – المُستورِد - يقبل بما يأتيه من الطرف الأول – المُصدِّر- ؟ فلو كان الطرف الثاني سعيداً بالثياب التي يلبسها ما الذي يجعله يقبل الثياب " المُصدّرة " إليه من الطرف الأول ؟ أما إن كان الطرف الثاني عارياً ليس لديه ما يلبس فإن " الحاجة " ستدفعه لـ " إستيراد " الثياب من الطرف الأول مهما غلا ثمنها , و هذا ما يجعلنا نبحث عن " الحاجة " التي تدفع الشعوب لـ " إستيراد " ثورات و تجارب الشعوب الأخرى ؟
.
.
هنا نعود لنسأل ماذا تريد " الشعوب " ؟ و ما هي حاجاتها ؟ الإجابة على هذا السؤال هي أن " الشعب " يريد العيش بكرامة تمكنه من ممارسة أنشطة حياته اليومية بلا ظلم و لا ذل و لا قهر , أي أن الشعب يحتاج إلى الأمن و الأمان , و الرعاية الصحية و التعليمية و السكنية و الوظيفية , و الحرية الشخصية الفكرية و العقائدية و التعبيرية بلا إضطهاد أو خوف , أو كما لخصها ميكافيلي بلا خوف من قطع في الأرزاق , أو إنتهاك للكرامة في العِرض , و هذا ما جعل الساسة عبر العصور ينشغلون في البحث عن أفضل الوسائل التي تحفظ " للشعوب " حاجاتها كوضعهم لقوانين حقوق الإنسان و الدساتير و الإنتخاب الديموقراطي الذي يهدف في محصلته النهائية إلى تمكين " الشعب " من إختيار كل أو جزء من " السُلطة " التي تحكمه
.
و السؤال الأخير في هذا الشأن هو هل " الشعوب " العربية تنعم بـ " حاجات " الشعوب الأساسية التي ذكرناها في الفقرة السابقة أم أنها بـ " حاجة " إلى " إستيراد الثورات " للحصول على حاجاتها ؟
.
.
إجابة هذا السؤال نجدها في الجدول أعلاه الذي أضع فيه ثلاثة مؤشرات رئيسية تلخص في مجموعها مدى نجاح " السلطة الحاكمة " في تلبية " الحاجات " الاساسية لـ " شعوبها "
.
في الخانة الأولى نجد معدل الدخل القومي للفرد و هو مؤشر يوضح متوسط نصيب كل فرد من الناتج القومي للدولة , و من خلاله نعرف – بشكل عام - الحالة المادية لأفراد هذا المجتمع , و قد وضعت حد الـ 10 آلاف دولار للفصل بين معدل الدخل المتوسط و المنخفض , و كلما إنخفض معدل دخل الفرد في الدولة ترتفع أمامه معدلات الجهل و البطالة و الجريمة
.
أما الخانة الثانية فتوضح نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في الدولة , و قد وضعت حد الـ 5 بالمئة للفصل بين النسبة الطبيعية و المرتفعة للفقراء في الدولة , أيضا كلما زادت نسبة الفقراء في الدولة تزداد معدلات الجهل و البطالة و الجريمة
.
و في الخانة الثالثة نجد نسبة البطالة في الدولة , و قد وضعت حد الـ 5 بالمئة للفصل بين نسبة البطالة الطبيعية و المرتفعة , و بمعرفة هذه النسبة تكتمل عندنا الصورة , فالـ " شعوب " تطالب بالحرية و العدالة و المساواة و الديموقراطية ليضمن أفرادها الحصول على فرصة كافية للتعليم , و من ثم الحصول على وظيفة مناسبة يرفع من خلالها دخله فلا يضطر لإرتكاب جريمة أو الهجرة للحصول على قُوت يومه و تأمين مستقبل أبناءه
.
.
و عند إعادة النظر في هذا الجدول سنجد أن أغلب " الشعوب " العربية تعيش بمعدلات دخل فرد منخفضة و معدلات بطالة و فقر مرتفعة , بل أن ما نعرفه و لا تحتويه أرقام هذا الجدول – المُجمَّلة – هو أن هذه الشعوب تعاني من القمع و الإضطهاد و الإستعباد من قِبل " سلطاتها الحاكمة " التي تستأثر بالسُلطة و الثروة , لذلك علينا أن لا نستغرب - أو نستنكر - تجربة هذه الـ " شعوب " لتلبية " حاجاتها " من خلال " إستيراد " الثورة "
.
.
أتوقع أن يستمر غليان الشرق الأوسط و يستمر نشاط هذه الشعوب في " إستيراد " الثورات من جاراتها إلى أن تفشل إحدى هذه الثورات في إحداث التغيير , أو قيام السلطات الحاكمة بتحسين الوضع لـ يسود اللون الأخضر مؤشرات جدولنا السابق , كان بِودي أن أتوجه بنصيحة إلى " حكام " الشعوب العربية للتعجيل بالإصلاح و إنقاذ ما يمكن إنقاذه , إلا أن المثل يقول " إذا فات الفوت ما ينفع الصوت " و " فاقد الشيء لا يعطيه ", لذلك أفضل إستمرار الشعوب في إستنشاق غبار الحرية في ميادين التحرير بدلاً من إستجداء قُطيرات الإصلاح القادمة من حنفيات السُلطات الحاكمة
المُكَوِّن الثالث للدولة هو الحُكم , و الحكم هنا ينقسم إلى الحاكم – الفرد – و الجهاز المعاون الذي يمارس من خلاله الحاكم حكمه , و يتكون هذا الجهاز في العادة من أفراد و مؤسسات نطلق عليها في صفتها الكُلية مصطلح "السلطة الحاكمة", و تتلخص أهداف السلطة الحاكمة بثلاثة مراحل رئيسية هي
.
الوصول إلى الحكم
.
المحافظة على الحكم و تأمينه
.
التوسع الخارجي في الحكم لتضخيم الثروة
.
.
و تختلف طرق و أساليب وصول تلك السلطات إلى الحكم , و في العادة تحكم أغلب السُلطات الحاكمة شعوبها دون أن تصل إلى مرحلة التوسع الخارجي للحكم و الثروة , ومن وصل منها إلى هذه المرحلة و نجح في تحقيقها يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ليضعه في مصاف العظماء و الفاتحين , بل أن التاريخ يكرمه متعمداً في تهميش سلبياته و غض البصر عنها , على أية حال .. ليس الهدف من هذا المقال تحليل مدى تاريخية التاريخ و إنتقاده , إنما الغرض منه هو التركيز على المرحلة الثانية من أهداف " السلطة الحاكمة " و هي المحافظة على الحكم و تأمينه , و في هذا السياق نذكر نصيحة الداهية ميكافيلي للحكام التي قال فيها
.
إجعل الشعب يُحبك
.
لكن إجعله أيضاً يخاف منك
.
و إذا كان الخيار بين الحب و الخوف , فالـ خوف أولى من الحب
.
لكن إحذر أيها الحاكم .. إحذر .. إحذر , من أن يتحول هذا الخوف إلى كُره
.
.
و عند التساؤل عن كيفية تحول خوف الشعب من حاكمه إلى كره يلخص ميكافيلي أسباب هذا التحول بسببين رئيسيين يتفرع منهما بقية الأسباب و هما
.
قطع الأرزاق و محاربة الشعب في لقمة عيشه
.
إنتهاك كرامة الشعب عبر إستباحة أعراضه
.
.
فالشعب الجائع الذي لا يحصل على قُوت يومه و تُنتهك كرامته في عرضه هو شعب ليس لديه شيئاً يخسره , و إذا لم يسارع القضاء و القدر في وفاة الحاكم فإن الثورة عليه قد تسبق قضاءه و قدره و ربما تكون شبه مؤكدة وما هي إلا مسألة وقت يحددها توقيت نزع الفتيل الأول للثورة
.
أقول قولي هذا و نحن نعيش في أسخن بقاع المعمورة و تحيط بنا الثورات من كل جهة و جانب , فـ مع بداية عام 2011 سجّل جنوب السودان إنتصار ثورته على الشمال بالإنفصال عنه , و بهذا حصل " شعب " الجنوب على حقه في تقرير مصيره و الإستئثار بثرواته , و لم تسعفنا الأيام الوقت الكافي لإستيعاب الصدمة , حتى فاجأنا " شعب " تونس الخضراء بثورة الياسمين على " حاكمه " زين العابدين بن علي الذي إستوعب – و فهم – الدرس بعد فوات الأوان لـ يرحل عن " الأرض " و يعيش كمواطن عادي تلاحقه القضايا و الشكاوي حول العالم , و قبل أن تستكين رياح المنطقة عاجلنا " الشعب " المصري بثورته التاريخية على " سُلطته الحاكمة " ليجبر " الحاكم " محمد حسني مبارك على التنحي عن السلطة حتى يعيد الشعب إختيار من يحكمه
.
.
هكذا قدمت " شعوب " جنوب السودان و تونس و مصر " حكامها " قرابين على مذابح الحرية المنشودة و المستقبل الأفضل , و لا نشك للحظة بأن النجاح الذي حققته هذه " الشعوب " قد ألهب حماس بقية " شعوب " المنطقة للسير على درب الثورة و الحصول على حقها الأصيل في تقرير المصير , و السؤال الذي تبادر إلى ذهن الجميع ، من هو الثائر القادم ؟
.
.
للإجابة على هذا السؤال علينا العودة إلى مصطلح " الثورة " و تصحيح مفهومنا المغلوط حولها , فمنذ نجاح الثورة الإيرانية في نهاية السبيعنيات و " دُول " المنطقة بشعوبها و حكامها تعيش هاجس " تصدير الثورة " القادم من إيران , أي أن الخميني " حاكم " إيران الجديد سـ يُرسل ثورته إلى الدول المحيطة لتنقلب الشعوب على حكامها بين يوم و ليلة , لكن الفهم الموضوعي " للثورة " يجعلنا نتيقن من سذاجة من كان يروج لهذا المصطلح لأن الثورة بطبيعتها غير قابلة للتصدير , لكنها بالتأكيد قابلة للإستيراد
.
.
و عند العودة إلى المعنى العام لمفردة " تصدير" نجد أنها تعتمد على طرفين يعيش كل منهما في مكان مختلف عن الآخر , و يملك الطرف الأول سلعة – أو شيء – يريد نقله – تصديره – إلى الطرف الثاني , و السؤال هنا عن السبب الذي يجعل الطرف الثاني – المُستورِد - يقبل بما يأتيه من الطرف الأول – المُصدِّر- ؟ فلو كان الطرف الثاني سعيداً بالثياب التي يلبسها ما الذي يجعله يقبل الثياب " المُصدّرة " إليه من الطرف الأول ؟ أما إن كان الطرف الثاني عارياً ليس لديه ما يلبس فإن " الحاجة " ستدفعه لـ " إستيراد " الثياب من الطرف الأول مهما غلا ثمنها , و هذا ما يجعلنا نبحث عن " الحاجة " التي تدفع الشعوب لـ " إستيراد " ثورات و تجارب الشعوب الأخرى ؟
.
.
هنا نعود لنسأل ماذا تريد " الشعوب " ؟ و ما هي حاجاتها ؟ الإجابة على هذا السؤال هي أن " الشعب " يريد العيش بكرامة تمكنه من ممارسة أنشطة حياته اليومية بلا ظلم و لا ذل و لا قهر , أي أن الشعب يحتاج إلى الأمن و الأمان , و الرعاية الصحية و التعليمية و السكنية و الوظيفية , و الحرية الشخصية الفكرية و العقائدية و التعبيرية بلا إضطهاد أو خوف , أو كما لخصها ميكافيلي بلا خوف من قطع في الأرزاق , أو إنتهاك للكرامة في العِرض , و هذا ما جعل الساسة عبر العصور ينشغلون في البحث عن أفضل الوسائل التي تحفظ " للشعوب " حاجاتها كوضعهم لقوانين حقوق الإنسان و الدساتير و الإنتخاب الديموقراطي الذي يهدف في محصلته النهائية إلى تمكين " الشعب " من إختيار كل أو جزء من " السُلطة " التي تحكمه
.
و السؤال الأخير في هذا الشأن هو هل " الشعوب " العربية تنعم بـ " حاجات " الشعوب الأساسية التي ذكرناها في الفقرة السابقة أم أنها بـ " حاجة " إلى " إستيراد الثورات " للحصول على حاجاتها ؟
.
.
إجابة هذا السؤال نجدها في الجدول أعلاه الذي أضع فيه ثلاثة مؤشرات رئيسية تلخص في مجموعها مدى نجاح " السلطة الحاكمة " في تلبية " الحاجات " الاساسية لـ " شعوبها "
.
في الخانة الأولى نجد معدل الدخل القومي للفرد و هو مؤشر يوضح متوسط نصيب كل فرد من الناتج القومي للدولة , و من خلاله نعرف – بشكل عام - الحالة المادية لأفراد هذا المجتمع , و قد وضعت حد الـ 10 آلاف دولار للفصل بين معدل الدخل المتوسط و المنخفض , و كلما إنخفض معدل دخل الفرد في الدولة ترتفع أمامه معدلات الجهل و البطالة و الجريمة
.
أما الخانة الثانية فتوضح نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في الدولة , و قد وضعت حد الـ 5 بالمئة للفصل بين النسبة الطبيعية و المرتفعة للفقراء في الدولة , أيضا كلما زادت نسبة الفقراء في الدولة تزداد معدلات الجهل و البطالة و الجريمة
.
و في الخانة الثالثة نجد نسبة البطالة في الدولة , و قد وضعت حد الـ 5 بالمئة للفصل بين نسبة البطالة الطبيعية و المرتفعة , و بمعرفة هذه النسبة تكتمل عندنا الصورة , فالـ " شعوب " تطالب بالحرية و العدالة و المساواة و الديموقراطية ليضمن أفرادها الحصول على فرصة كافية للتعليم , و من ثم الحصول على وظيفة مناسبة يرفع من خلالها دخله فلا يضطر لإرتكاب جريمة أو الهجرة للحصول على قُوت يومه و تأمين مستقبل أبناءه
.
.
و عند إعادة النظر في هذا الجدول سنجد أن أغلب " الشعوب " العربية تعيش بمعدلات دخل فرد منخفضة و معدلات بطالة و فقر مرتفعة , بل أن ما نعرفه و لا تحتويه أرقام هذا الجدول – المُجمَّلة – هو أن هذه الشعوب تعاني من القمع و الإضطهاد و الإستعباد من قِبل " سلطاتها الحاكمة " التي تستأثر بالسُلطة و الثروة , لذلك علينا أن لا نستغرب - أو نستنكر - تجربة هذه الـ " شعوب " لتلبية " حاجاتها " من خلال " إستيراد " الثورة "
.
.
أتوقع أن يستمر غليان الشرق الأوسط و يستمر نشاط هذه الشعوب في " إستيراد " الثورات من جاراتها إلى أن تفشل إحدى هذه الثورات في إحداث التغيير , أو قيام السلطات الحاكمة بتحسين الوضع لـ يسود اللون الأخضر مؤشرات جدولنا السابق , كان بِودي أن أتوجه بنصيحة إلى " حكام " الشعوب العربية للتعجيل بالإصلاح و إنقاذ ما يمكن إنقاذه , إلا أن المثل يقول " إذا فات الفوت ما ينفع الصوت " و " فاقد الشيء لا يعطيه ", لذلك أفضل إستمرار الشعوب في إستنشاق غبار الحرية في ميادين التحرير بدلاً من إستجداء قُطيرات الإصلاح القادمة من حنفيات السُلطات الحاكمة