Thursday, December 30, 2010

حلوة فزةّ قلب الأخ على أخوه

.
في الأمس , أبحر محمل بلادي بين أمواج العواصف , أهونها كان الإستجواب , و لم يكن سهلاً عليها ما أحاط بهذا الإستجواب , فالنفوس مشحونة , و القلوب متعبة , و الألسن ليست طاهرة , و الضمائر غائبة , و العقول ضائعة , هذه بلادي و هذا قدرها , و أمام حيرة الأقدار لا نقول إلا إنا لله و إنا إليه راجعون
.
أعتقد أن الجميع تابع تفاصيل هذا الإستجواب و ما أحاط به من أحداث , لذلك ليس لنا حاجة في الإطالة بالتفاصيل , و هذا ما يجعلنا نركز على رؤوس الأقلام فقط
.
صدقت توقعاتنا السابقة في نجاح الحكومة بالتصويت على سرية الجلسة
.
و صدقت توقعاتنا بنجاح المستجوبون بالتوقيع على طلب عدم التعاون
.
أيضا توقعنا تركيز المستجوبون على مقطع ضرب القوات الخاصة للدكتور عبيد الوسمي , و توقعنا أن يهز هذا المنظر وجدان جميع النواب , إلا أن توقعي الذي لم يصدق هو أن هذا المنظر لن يغير المواقف الأساسية للنواب , و للحقيقة كانت المفاجأة إنضمام بعض النواب للمعارضة إنتصاراً لما أسموه كرامة الشعب , و لا إعتراض على ذلك
.
و كان توقعي الأخير هو قدرة الحكومة على تأمين عدد كافي من الأصوات للحصول على الثقة – أو التعاون - و تأمين إستمرار الشيخ ناصر المحمد بمنصب الرئاسة , و كانت أغلب التوقعات الأولية تشير الى تصويت 29 نائباً مع التعاون أو الإمتناع , و حصول عدم التعاون على 21 صوت , أما توقعاتي الشخصية فكانت 27 للتعاون و 18 لعدم التعاون مع وجود عدد كبير من الممتنعين , لكني أعترف هنا بأن الحملة الشعبية التي يقوم بها نواب إلا الدستور و جماهيرهم أتت أُكُلها و أن من الظاهر أنهم سيحصلون على عدد قريب جدا من الـ 25 – أو 26 المطلوبة , لكنني لا أزال أستبعد حصولهم على الأغلبية و إعلان عدم التعاون مع الشيخ ناصر , و السؤال , على ماذا بنيت هذا الرأي ؟
.
حتى لا أطيل عليكم بنيته على التجارب السابقة لهذه الحكومة و هذا المجلس , حيث أن الحكومة كسبت معركة التصويتات بشكل متكرر , و كان آخرها معركة اللجان عندما تمكن التحالف الناصري - الفهدي من الإطاحة بلجنة الشباب و الرياضة التي كانت عرين الإستجواب المعني برئيس الحكومة حول قضية عدم تطبيق القوانين الرياضية , لذلك أنا على ثقة بأن التحالف الناصري – الفهدي سيتمكن من كسب معركة التعاون هذه المرة , هذا في حال إستمرار هذا التحالف و عدم إنفصال أحد الأطراف عن الآخر , و من سيحدد هذا الأمر هو عدة توازنات معقدة لكل طرف على حدة
.
كما يعلم الجميع فإننا على بُعد إسبوع كامل من موعد التصويت على التعاون من عدمه , خلال هذا الاسبوع سيقوم معسكر إلا الدستور بتكثيف ضغوطاتهم الشعبية من خلال الندوات و المقابلات التلفزيونية و سلاحهم الأهم و هو الإتصالات المباشرة بالنواب الذين لم يعلنوا عن موقفهم بعد , على الطرف الآخر ستستمر القنوات الفضائية الحليفة للشيخ ناصر بتكثيف الهجوم على رموز كتلة إلا الدستور و إجراء العديد من المقابلات التلفزيونية الداعمة لرئيس الوزراء , أتوقع أيضا دخول قُطب كبير من الأسرة للتأثير على النواب من خلال عقد إجتماعات فردية أو جماعية , أيضا تملك الحكومة سلاح الترغيب عبر تسهيل المعاملات و التعيينات و ترسية المناقصات , إلا أن الوقت لا يسير في صالح الحكومة , فالوقت قصير جدا و الحسابات معقدة
.


.

قد يتساءل البعض عن سبب ترديدي لكلمة حسابات معقدة , الجواب أن هذه الحسابات فعلاً معقدة , و سأحاول هنا شرح مواطن هذا التعقيد
.
العُقدة الأولى في هذا الإستجواب هو الوقت القصير نسبياً للعمل عليه , فالكثير من الفعاليات ستكون خارج الكويت أو في مزاج بعيد عن السياسة خلال عطلة رأس السنة , و سيعود الجميع إلى المزاج السياسي يوم الإثنين القادم , أي قبل يومين من التصويت , و هذا العامل سيكون ضد الحكومة بالذات لأنها لن تتمكن من تفعيل كافة أسلحتها الترغيبية للنواب
.
العُقدة الثانية هي قرب موعد الإحتفالات باليوبيل الذهبي لإستقلال الكويت , و المعروف أن الحكومة – و الحكم – يعملون على دعوة مئة رئيس دولة للمشاركة في هذه الإحتفالية , و من المتوقع أن تتم دعوة الضيوف للحضور في يوم 24 فبراير و المغادرة في السابع و العشرين من نفس الشهر , و هذا ما سيجبر الحكم على حل أزمة الإستجواب و تفاعلاتها قبل هذا الموعد , حتى تتم الإحتفالات في جو صحي لا تعكره أي أزمات سياسية
.
العُقدة الثالثة هي دخول سمو الأمير كـ طرف مباشر في هذه الأزمة عبر الإعلان عن مسؤوليته عن تعامل قوات الأمن في ندوة الحربش , و الأمير هو رمز الدولة , و رمز الأسرة , و رمز الحُكم , و هذا ما سيدخل النواب المستجوبون و مؤيديهم في مواجهة مباشرة مع مؤسسة الحكم , و بالرغم من حرص النواب على ترويج شعار " لا تزايدون علينا في طاعة الأمير " إلا أن مؤسسة الحكم و الأسرة تنظر إلى هذا الإستجواب كتحدي مباشر لحكمها و إستقراره , فاللبيب بالإشارة يفهم
.
العُقدة الرابعة هي دخول الشيخ فهد سالم العلي كـ داعم معنوي – و ربما مادي – لفريق نواب إلا الدستور مما يثير حفيظة و ريبة أطراف أخرى في الأسرة , فنجاح هذا الإستجواب سيعطي دفعة معنوية للشيخ فهد السالم الذي سيتشجع للعب دور أكبر في الحياة السياسية و هو نفس الدور الذي لعبه الشيخ جابر العلي قبل الحل الغير دستوري في 76 , و هذا ما سيجعل جميع الأطراف القوية في الأسرة تتكاتف للقضاء على هذا النفوذ الجديد للشيخ فهد , أما في حالة نجاح الإستجواب فإن تكلفة إرضاء الشيخ فهد السالم ستتضاعف عن السابق , فإن كان طموحه السابق منصب وزاري سيكون طموحه المستقبلي أكبر
.
العُقدة الخامسة هي التركيبة السيئة و المتناقضة لتكتل نواب المعارضة , فالكتلة تتشكل من ثلاثة مجموعات تتعاون و تتحارب في آن واحد , لذلك سيراقب كل منها الآخر و يحذره من التخاذل أمام الضغوطات حتى لا يتم فضحه , لذلك ستواجه الحكومة صعوبة كبيرة في إختراق هذا التكتل و عقد صفقات فردية أو جماعية مع أطرافه , و بالرغم من ذلك نتوقع مساومة الحكومة لنواب كتلة العمل الوطني في قضية الرياضة و غرفة التجارة , و لا أستبعد وجود ترضية أكبر على المجال الإقتصادي , أما نواب التكتل الشعبي و التنمية و الإصلاح فمن الصعب مساومتهم , و قد تستخدم الحكومة إسلوب الترهيب و الفضائح مع الأعضاء الجدد في هذا التكتل كالتركيز على إستفادة الكثير منهم من حظوة الحكومة و المنافع الشخصية
.


.
تنص المادة 102 من الدستور
.
إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر الى رئيس الدولة
.
و للأمير في هذه الحالة أن يعفى رئيس مجلس الوزراء و يعين وزارة جديدة
.
أو أن يحل مجلس الأمة
.
و في حالة الحل ، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس
.
أما المذكرة التفسيرية فتقول
.
أما رئيس مجلس الوزراء الذي يتكرر قرار عدم التعاون معه وفقاً للمادة 102 فلا مندوحة من تطبيق المادة 103 في شأنه حتى لا يكون هناك فراغ وزاري
.
و الأغلبية المنصوص عليها . . . مقتضاها أنه إذا كان عدد الوزراء من أعضاء مجلس الأمة عشرة مثلا فالأغلبية اللازمة لسحب الثقة من الوزير هي أغلبية الأعضاء الأربعين غير الوزراء ، أي واحد وعشرون صوتاً على الأقل
.

.
نستنتج مما سبق أن الشيخ ناصر بحاجة إلى 25 صوتاً متعاوناً أو ممتنعاً للإستمرار في منصبه , أيضا نفهم من المادة السابقة أنه في حالة عدم قدرة الشيخ ناصر على ذلك سيضطر سمو الأمير إلى إعفاءه من منصبه , أما الخيار الآخر لسمو الأمير فهو حل المجلس و إعادة تعيين الشيخ ناصر رئيساً للوزراء , و إن أعادت الإنتخابات تشكيلة مقاربة للمجلس الحالي و تم إستجواب الشيخ ناصر و النجاح في عدم التعاون معه فلا يحق للأمير أن يعيد تعيينه من جديد , و هذا ما يحصرنا أمام إحتمالات محدودة
.
الإحتمال الأول هو نجاح الحكومة في تأمين أكثر من 25 صوتاً و النجاة من الإستجواب بفارق جيد
.
سيحتاج سمو الرئيس إلى تفعيل كافة قدراته الشخصية و تحالفاته السياسية داخل الأسرة و خارجها لتحقيق هذا الهدف , و ذلك بالتركيز على النقاط التالية
.
إقناع الأطراف المؤثرة في الأسرة الحاكمة أن نجاح هذا الإستجواب سيؤثر على الأسرة ككُل و ليس عليه فقط , لذلك فمن واجب جميع أبناء الأسرة بذل الجهود القصوى – مادياً و معنوياً – لمساعدته , و أعتقد أن سمو الأمير هو الطرف الأهم في هذه المعادلة , فهو يستطيع التلميح أو التصريح بدعم الشيخ ناصر , و ذلك من خلال عقد عدة لقاءات مع بعض النواب و من يؤثر عليهم
.
أما الطرف الثاني فهو الشيخ أحمد الفهد , و لا شك في أن له مصلحة غير مباشرة في نجاح هذا الإستجواب و إفساح المجال له للإقتراب أكثر إلى منصب رئاسة الوزراء , إلا أن هذه المصلحة لن تأتي وحيدة , فإنتصار النواب بإعفاء رئيس الوزراء سيُحمل كل رئيس وزراء بعده هذه التكلفة , و لا أعتقد أن هذه هي الظروف المثالية التي يطمح لها الشيخ أحمد , خصوصاً مع دخول عنصر قوي و مؤثر على الساحة السياسية و هو الشيخ فهد سالم العلي
.
النقطة الثانية التي سيحتاجها رئيس الوزراء هي التركيز على إيجاد عناصر مؤثرة جديدة للدفاع عنه على الفضائيات و التجمعات , فالفريق التقليدي لرئيس الوزراء ( القلاف , الجسار , رولا , الراشد , سكوب , العدالة ) لم يعد مؤثراً في الشارع من كثرة التكرار
.
الإحتمال الثاني هو نجاح الحكومة بفارق صوت أو صوتين
.
في هذه الحالة من المتوقع أن يستمر النواب في التصعيد حتى تسنح أمامهم فرصة جديدة للإنقضاض على الحكومة و إستجواب رئيس الوزراء , و حتى لو تمكن الشيخ ناصر من المرور بسلام من هذه الإستجوابات فإن قواه السياسية ستخور و تنهار , و هذا ما سيجعل الأسرة الحاكمة تطرح خيار تغيير رئيس الوزراء حتى لا تهتز مكانتها بسببه , و في هذه الحالة فالطريقة الأفضل لحفظ ماء الوجه هي قيام الشيخ ناصر برحلة طويلة للعلاج أو النقاهة ليعلن بعدها تنازله عن المنصب بداعي الصحة و تفضيله الخلود للراحة
.
الإحتمال الثالث هو فشل الحكومة في تأمين العدد الكافي من الأصوات
.
في هذه الحالة سيكون سمو الأمير أمام خيارين , إما إعفاء الشيخ ناصر المحمد و تعيين رئيس وزراء جديد , أو حل مجلس الأمة و إجراء إنتخابات جديدة , و بالرغم من أن خيار حل المجلس هو المرجح على الخيار الأول , إلا أن المأزق هنا هو المدة القصيرة التي تفصلنا عن إحتفالية العيد الوطني , لذلك سيكون على السلطة تحديد موعد قريب جداً لإجراء الإنتخابات قبل العشرين من شهر فبراير المقبل , و بسبب خطورة هذه الإنتخابات و أهميتها القصوى للحكم سيتم إستخدام كل الأسلحة الممنوعة فيها , فسنسمع عن المال السياسي , و إستخدام الدين , و التفرقة الطائفية , و الأهم من ذلك كله أتوقع أن تكون هذه الإنتخابات هي الأقذر من حيث التعرض للحياة الشخصية لبعض المعارضين , فالحكومة ستحتاج إلى مجلس ذو أغلبية – عظمى – موالية لها و لـ شخص الشيخ ناصر المحمد الصباح
.
الخلاصة
.
أتوقع شخصياً ترجيح الإحتمال الثاني و هو حصول الشيخ ناصر على أغلبية بسيطة و المرور بسلام من هذا الإستجواب , و عليه أن يتنازل عن بعض المعارك الفرعية لكسب حرب البقاء في رئاسة الوزراء , أيضا عليه تمرير بعض القوانين الشعبية لكسب التأييد الشعبي مع طلب التخفيف من حدة هجوم قنواته الفضائية على خصومه , فالواضح أن سبب وقوف الكثير من الموالين السابقين ضده اليوم هو إستياءهم الشديد من طرح الجويهل و سكوب و العدالة , أنا هنا لا أملك دليل مادي على علاقة هذه القنوات بالشيخ ناصر , لكنها تمجد فيه و تدافع عنه 24 ساعة
.
كلمة حق تُقال في نهاية هذا الموضوع
.
بالرغم من عدم إقتناعي بـ مصداقية نواب إلا الدستور إلا أنني أشعر بالفخر و الإرتياح من إتحاد نواب الشعب للإنتصار لكرامة الشعب و الدكتور عبيد الوسمي , فلا أحد يختلف على أن ما حصل للدكتور عبيد خطأ يجب أن لا يتكرر , و سيكون هذا الإستجواب ذكرى مريرة على كل رئيس وزراء أو وزير يستهين بكرامة الناس و يستخدم اساليب غير دستورية في التعامل معهم

.
, نعم أنا لا أثق بدوافع هذا الإستجواب , إلا أنني لا أملك إخفاء فخري و إعتزازي برؤية روافد الشعب المختلفة تقف جنباً إلى جنب للدفاع عن المواطن البسيط عبيد الوسمي , حلوة فزّة قلب الأخ على أخوه , و أتمنى أن تسود هذه الروح المجالات الأخرى , أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

Friday, December 24, 2010

إلّا الدَستوور ! أي دَستوور ؟

قيادة الشعوب تحتاج إلى مصداقية
.
و المصداقية تحتاج إلى إلتزام
.
و الإلتزام يكون بالأفعال و ليس الظواهر الصوتية
.
كنت سأحترم , نواب حملة "إلا" الدستور لو كانوا يتمتعون بالمصداقية , و زيّنوا هذه المصداقية بالإلتزام , الإلتزام الفعلي بالدستور الذي وضعوه عنواناً لـ حملتهم , و طوقاً يقودون به الجماهير خلفهم , لكن الواقع مختلف تماماً عن الملحمة الخُرافية التي يحاولون كتابة نصوصها على قفا الشعب , أو قفا الدكتور عبيد الوسمي الذي يغسلون اليوم سواد وجوههم بـ كرامته و دمه
.
فـ عندما لا يلتزم القادة بالشعارات التي يرفعونها بأفعالهم , يفقدون المصداقية , و عندما يفتقد القائد للمصداقية ينفقد منه الإحترام لنفسه أولاً , و لجماهيره ثانياً , و الجماهير أنواع , منهم من لديه الشجاعة على قيادة نفسه بنفسه , و منهم من لا يتجرأ على الكفر بأصنامه , فـ طُرُق الحياة وعرة , و لا يمكن السير فيها بسلام من غير دليل يقوده , حتى و إن كان دليلهم صُمٌ بُكمٌ عُميٌ فهُم لا يعقلون , و هذا والله ما ينطبق على نواب حملة "إلا" الدستور و أتباعهم
.
فالدستور يا سادة يا كرام ليس فقط الأمة مصدر السلطات جميعاً , فـ فيه العدل و الحرية و المساواة دعامات المجتمع , و هو ليس فقط للأفراد حق الإجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق , فـ فيه الناس سواسية في الكرامة الإنسانية لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين , و هو ليس فقط لا يُعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة , بل فيه الحرية الشخصية مكفولة , و هو ليس فقط للمساكن حرمة , بل فيه حرية الإعتقاد مطلقة , و تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان , و هو ليس فقط المتهم بريء حتى تُثبت إدانته , فـ فيه حرية الرأي و البحث العلمي مكفولة
.
و الغريب في الأمر أن نواب حملة "إلا" الدستور لم يعرفوا من الدستور إلا بعضه , و يا ليتهم لم يعرفوا بقيته , إلا أنهم عرفوها و كفروا بها , بل أنهم لم يستتروا بـ كفرهم , و جاهروا به على أشهاد الأعلام , حتى أن تنكيلهم به أشد قسوة من تنكيل الزُرق بالدكتور عبيد , فلم يتركوا حرية إلا و قيدوها , و لم يقبلوا بالمساواة فـ فرقوا فيها , أما العدالة فلم يسمعوا بها و تناسوها , و حتى لا أكون مجحفا فهؤلاء هم بعض نواب الحملة , أما البعض الآخر فهم يتصارخون على كرامة الشعب المهدرة في كل آهة من آهات عبيد الوسمي , و سؤالي هنا , هل الكرامة في الجسد فقط ؟ أم أن للنفس كرامة لو كان لها صوت لـ ضجّ من صُراخها أهل السماوات السبع
.
نعم يا أيها المتباكون على الكرامة الإنسانية , إن كرامة الكويت و أهلها تنزف بلا توقف منذ سنوات طويلة , لكن أطنان البلادة التي تتغطون بها منعتكم من الإنتفاض لها قبل أن يصل النزيف الى أجسادكم , و هذا ما يجعلكم غير مؤهلين للعزف على وتر الدستور و كرامته , فلا مصداقية لكم في هذا المجال , و الأفضل لكم أن تبتعدوا عنه , فأنتم و أفعالكم و صراخكم عارٌ عليه و لا ذنب له فيكم , إتركوه لنا نُضمد بما تبقى منه كراماتنا المجروحة
.
لكم دَستوركم , و لنا
دستورنا
.
.
خوش تشكيلة
.

.
إلا العدل و المساواة

.

.
لا عقوبة إلا بناء على قانون
.
.
إلا العدل و المساواة
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا حرية الإعتقاد
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا العدالة و المساواة
.
.
إلا حرية القيام بشعائر الأديان
.

.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا العدالة و المساواة
..
إلا الحرية
..
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا الحريات
.
.
إلا الحريات
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا حرية الإجتماع
..
إلا الحرية الشخصية
.
.
المتهم بريء حتى تثبت إدانته
.
.
إلا العدالة و المساواة
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
إلا المعاملة الحاطة بالكرامة
.
.
إلا حرية الرأي و البحث العلمي
.
.
إلا حرية القيام بشعائر الأديان
.
.
إلا الحرية الشخصية
.
.
بالله عليكم ألا تخجلون من أنفسكم ؟
.
تدنسون طهارة دستورنا بناجاساتكم؟
.
إلا الدستور , أي دستور ؟

Thursday, December 23, 2010

كِش ملك

.
تُعتبر لعبة الشطرنج من أهم الألعاب الذهنية الإستراتيجية , و تدور اللعبة حول فريقين – أبيض و أسود – ينتصر كل منهما حين الإطاحة بـ ملك الفريق الآخر , لذلك يسعى كل لاعب لتحقيق هدفين منفصلين إلا أنهما يصبان في نفس الإتجاه , الهدف الأول هو حماية ملكه بكل الوسائل المتاحة , و الهدف الثاني هو الوصول الى ملك الخصم و الإطاحة به , أيضا بكل الوسائل المتاحة حسب قواعد اللعبة
.
.
أما في الواقع , فإن الإطاحة بالملك أو الحاكم من جهة داخلية يُسمى إنقلاب , و الإنقلاب له أشكال عديدة , فبعض الإنقلابات تكون مفاجئة و سريعة كالإنقلاب الذي قام به حاكم قطر الحالي على والده الحاكم السابق , أما النوع الآخر فهو الإنقلابات التدريجية طويلة المدى كالإنقلاب الذي قام به الإمام الخميني على الشاه في سبعينيات القرن الماضي , و تتميز هذه النوعية من الإنقلابات بالتدرج في التصعيد الذي يبدأ بالمعارضة السياسة ثم العصيان المدني و من بعده المواجهة الحاسمة لإنهاء حكم الحاكم الحالي و تنصيب الحاكم الجديد الذي يكون في العادة أحد قادة الإنقلاب
.
و في العُرف السياسي يُعتبر الملك أو الحاكم رمز للدولة أمام المجتمع الدولي , فالحاكم يرسل سفراءه إلى حكام الدول الأخرى , و هم بدورهم يرسلون سفراءهم إليه ليقوم بقبولهم شخصياً كممثلين عن حكوماتهم و حكام دولهم في بلاده , و تأتي أهمية الحاكم دولياً في أن الإعتراف به جزء من الإعتراف بدولته , بل أن عدم إعتراف المجتمع الدولي بالحاكم يعتبر مؤشر واضح على عدم إعترافه بالكيان المستقل للدوله و حاكمها , لذلك تأخذ أخبار إعتراف الدول بالحكام الجُدد و سرعة صدورها مساحة مهمة في وسائل الإعلام الدولية
.
.
و قد تكون المشكلة الأخيرة في ساحل العاج مثال واضح على أهمية الإعتراف الدولي بالحاكم و تأثيره على الدولة , أيضاً علينا إسترجاع التاريخ و التذكير بأن المجتمع الدولي – الأمم المتحدة – لم تعترف بالكويت و تقبل عضويتها كدولة مستقلة إلا بعد المحاولة الثالثة في العام 1963 , أي بعد سنتين من الإستقلال الفعلي للكويت , كذلك لم يتيسر القيام بعملية تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم - بهذه السرعة - إلا بصدور القرار 678 من مجلس الأمن الدولي , و لا يخفى عليكم أهمية الدور الكبير الذي لعبه حاكم الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح في تمثيل الشرعية الدولية للكويت خلال تلك الأزمة , فلولا وجود الحاكم المعترف به دولياً حياً يُرزق و يطالب بطرد الغازي من بلده لما تحركت دول العالم للقيام بذلك , و لكان من السهل على حاكم العراق عقد صفقات من تحت الطاولة للطمطمة على الموضوع و تسويف القضية
.
و مما لا شك فيه أن أغلب دساتير العالم تعطي للحاكم صلاحيات إستثنائية في إتخاذ القرارات المصيرية , و لا تأتي هذه الصلاحيات من باب التشريف فقط , بل أنه تكليف قام على أساس قدرة الحاكم على تقدير الأمور من خلال المعلومات المتوافرة لديه , و التي لا تتوافر في العادة للعامة من أبناء الشعب , و منها تقارير الأمن الداخلي – أمن الدولة – و تقارير التطورات الخارجية , بالإضافة إلى إتصالاته المباشرة باللاعبين الأساسيين داخلياً و خارجياً , و هذا ما يجعله المسؤول الأول عن إتخاذ القرارات الصعبة في الدولة , و عدم قدرته على القيام بهذه المهمة بالشكل السليم قد يؤثر على بلده و حكمه , و هذا ما حدث في عهد الشيخ جابر الأحمد عندما لم يتمكن من تقدير خطورة الوضع في الأيام القليلة السابقة للغزو العراقي بالرغم من التحذيرات المتكررة
.
.
أقول قولي هذا و أنا أرى بلادي اليوم تمر في مرحلة لا يستوعب خطورتها إلا العالم الخبير , فالحاكم الحالي للكويت أدخل ذاته طوعاً كـ طرف فاعل في الأزمة الأخيرة بين الحكومة و نواب حملة " إلا " , و قد بدأت عملية هذا الدخول بعقد الحاكم لقاء لرؤساء تحرير الصحف المحلية و الذي صرح من خلاله بصراحة و وضوح لا شبهة فيه عن مسؤوليته المباشرة عن إجراءات قوات الأمن إتجاه ندوة النائب الحربش و ما حصل بها من إستخدام للعنف إتجاه بعض النواب و الناشطين , أيضا وصف الحاكم إستجواب نواب حملة " إلا " لرئيس الوزراء بالـ " حركشات التي ليس لها أي معنى "
.
.
و بالرغم من الدخول المباشر للحاكم كطرف في القضية لم يتردد نواب حملة " إلا " في تقديم إستجوابهم الذي سـ يُناقش في الأسبوع المقبل , بل أن النواب شكلوا فريق يمثل ثلاثة كتل برلمانية لتقديم هذا الإستجواب , و قد تسابق هؤلاء النواب بتصعيد الموقف من خلال عقد ندوات مكثفة للترويج و الحشد لهذا الإستجواب , و أظهر قائد الحملة شراسة غير مسبوقة في هذه الندوات , ففي الندوة الأولى جمع أبناء قبيلته لترديد قصيدة يقول أحد أبياتها " بـ قيادة الدوشان عز و هلاهيل " , و المعروف أن الدوشان أو فيصل الدويش غزا الكويت في حرب الجهراء , فما المقصود من هذه القصيدة ؟ و إن كنتم تفتخرون اليوم بقيادة الدوشان , فأين الدستور من حملتكم المشؤومة ؟ أما الندوة الثانية فقد شهدت تشنجات من قادة الحملة تمثلت في رمي مايكرفونات قنوات فضائية و تحريض الجماهير لطرد النواب الموالين للحكومة من دواوينهم و الضغط عليهم لتغيير مواقفهم
.
.
و قد حاول الكثير من نواب حملة " إلا " التلميح و التصريح بمسؤولية الحكومة عن أحداث ندوة الحربش و عدم وجود علاقة للحاكم بها كالنائبة أسيل العوضي – الدقيقة 5 و 20 ثانية – التي أخطأت في التعذر بالنيابة عن الحاكم و وصفت تصريحه الواضح بالمسؤولية عن ما حدث بأنه مجرد " إمتصاص للشحن العاطفي " , و مع إحترامي للدكتورة أسيل إلا أن وصفها لتصريحات الأمير بأنها إمتصاص للشحن العاطفي سذاجة لا تناسب من هم بمكانها , فالحاكم الحالي للكويت سياسي معتق و يعرف تماما تبعات أقواله و أفعاله , و كان الأجدر بك يا دكتورة البحث عن السبب أو الدافع الذي إضطر الحاكم لإطلاق هذا التصريح و ليس الإستخفاف به , أليس من المحتمل أن الحاكم يرى ما لا ترونه ؟ و أن الوضع أخطر من إستيعابك و إستيعاب زملاءك النواب ؟ خصوصاً و أن سموه عقد إجتماعات عديدة مع مختلف الأطراف كان آخرها إجتماعه بالنائب القلاف و النائب حسين مزيد الذين أكدوا للجميع ضيق الأمير بالتصعيد الأخير لندوات حملة " إلا "
.
.
ما أود إيضاحه في هذا الموضوع أن المسألة اليوم أخطر من رفع حصانة نائب أو قمع ندوة , هي أخطر من ضرب الجويهل و إسقاط الحكومة , فالأزمة اليوم وصلت الى مرحلة اللا عودة , و الحاكم اليوم يستخدم التصريح لا التلميح للتعبير عن رأيه , و هو بذلك يُضّيق المساحة على مقدمي الإستجواب , خصوصاً و أن المحور الرئيسي لإستجوابهم مرتبط تمام الإرتباط بتصريحات سموه , و السؤال هو كيف سيرد المستجوبون على ذلك ؟ خصوصاً و أن المادة 54 من الدستور تنص على أن الأمير رئيس الدولة , و ذاته مصونة لا تمس
.
.
و الأهم من ذلك كيف سيتصرف سمو الأمير في حال إستمرار النواب بالتصعيد و الهمز و اللمز الموجه لمسند الإمارة ؟ هل سيتراجع الحاكم أم أنه سيواجه التصعيد بتصعيد مقابل ؟ و ما هو التصعيد الذي سيأتي بعد أحداث ندوة الحربش ؟ و هل ستقف الأطراف الخارجية متفرجة أمام هذه الفرصة الثمينة ؟ أم أنها ستستغلها في كسب بعض مواقع النفوذ المحلي ؟ خصوصا مع وجود طرف فاعل بالأسرة داعم لنواب حملة " إلا " ؟ علينا التفكير بكل هذه الأسئلة و رؤية الصورة الأكبر للأحداث و ردود أفعالها المتعددة , شخصياً أستطيع الإجابة على بعض هذه التساؤلات و لكني أفضل الإنتظار حتى الأسبوع القادم , فربما تكون هناك مفاجآت
.
.
أما بالنسبة للإستجواب , فأعتقد أن الحكومة ستنجح بسهولة في تحويل الجلسة إلى سرية , و سيركز النواب على عدة نقاط رئيسية و هي كالآتي
.
التعطيل المتعمد لجلسات مجلس الأمة بهدف رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم
.
سيكون رد الحكومة بأنها حضرت للجلسات ممثلة بوزير واحد و هذا ينسجم مع الدستور
.
قمع الحريات في ندوة النائب الحربش – مخالفة قانون التجمعات – بالإضافة الى ضرب النواب و سحب الدكتور عبيد الوسمي من داخل المنزل و ضربه بطريقة لا تصلح للإستخدام البشري
.
سترد الحكومة على هذا المحور بالآتي
.
أولاً , هي نفذت الأوامر العليا الصادرة من القائد الأعلى للقوات المسلحة سمو أمير البلاد في منع التواجد خارج المنزل
.
ثانياً , النواب هم من قاوموا رجال الأمن و ناكفوهم , و تصوير الأحداث الذي يظهر إعتداء الطبطبائي على رجال الأمن و تحريضه الجموع عليهم واضح

.
ثالثاً , بالنسبة للدكتور عبيد فما قام به يخرج من حيز التعبير عن الرأي الى حيز التحريض على مخالفة الاوامر الأمنية و مقاومة رجال الأمن من خلال الجلوس خارج المنزل , و هذا واضح في الدقيقة 4 و 15 ثانية من التسجيل , و ربما يكون رد الحكومة على هذا الجزء هو الأضعف , خصوصاً و أن المستجوبين سيكثفون عرض التسجيل الذي يظهر ركل رجال الأمن للدكتور عبيد بوحشية , و هذا ما سـ يهز وجدان الكثير من النواب و المواطنين , إلا أنه لن يكون سبباً كافياً في تغيير المواقف المبدئية للنواب
.
في النهاية أتفق مع ما توصل إليه الدكتور عبدالمحسن جمال في أن نجاح المستجوبين مضمون في توقيع طلب التصويت على عدم التعاون إلا أنهم سيفشلون بفارق كبير في تأمين العدد الكافي لتفعيل هذا الطلب , و هذا ما سيفتح الباب على مصراعيه للمزيد من الأزمات و الزوابع السياسية في المستقبل , و لا عزاء للدستور

Tuesday, December 14, 2010

لـ نتجرع كأس السُم

.
لا أخفي عليكم سراً بأني أشعر بالخجل لإنقطاعي الطويل عن الكتابة , فأنا لم أعتد و لم أُعوِّد قراء المدونة على ذلك , و منذ بداية تفاعلات قضية رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم و أنا أحاول الكتابة عن الموضوع , إلا أن عامل السفر و تسارع الأحداث جعلني لا أتمكن من كتابة موضوع متكامل عن القضية , فعندما بدأت بالكتابة عن رفع الحصانة قطعت طقّة الجويهل حبل أفكاري , و عندما بدأت بالكتابة عن طقة الجويهل قطعت أحداث ندوة الحربش حبل أفكاري , و عندما بدأت بالكتابة عن ندوة الحربش قطعت مقابلة صاحب السمو برؤساء تحرير الصحف حبل أفكاري , لذلك , تقبلوا مني هذا الموضوع الذي أثخنته جراح الشطب و إعادة الكتابة و التعديل
.
من السهل جدا أن أبدأ هذا المقال بالتحسر و اللطم – خصوصا في محرم – على الدستور و الدولة المدنية و حرية الرأي التي سُحلَت في الأمس مع المسحولين على أرض صليبخات , لكن الموضوع بالنسبة لي أكثر تعقيداً و تشابكاً , فالقصة ليست قميص – أو حصانة – النائب فيصل المسلم كما يريد البعض أن يُظهرها , القصة معقدة جدا و تتبادل أدوار الخير و الشر فيها حتى إختلطت علينا ليلى بالذئب الذي يسعى لـ إنتهاكها
.
قبل الدخول في الموضوع علينا تنبيه القاريء بأن الأحداث القمعية – إن صحّت هذه التسمية - ليست غريبة على الكويت و حُكامها الأفاضل , فالشيخ أحمد الجابر قمع في 38 , و الشيخ عبدالله السالم – أبو الدستور - قمع في 59 , و الشيخ صباح السالم قمع في 67 و 76 , و الشيخ جابر الأحمد – أمير القلوب - قمع في 86 , لذلك , فالأفضل أن يتوقف اللاطمون عن ترديد صيحات وينك يا جابر الأحمد و وينك يا عبدالله السالم , فجابر الأحمد و عبدالله السالم كانت لهم نفس ردود الأفعال – قياساً - عندما تعرضوا لنفس الموقف , فالحاكم يظل في نهاية الأمر حاكماً , و هو الأحرص على التمسك بسلطاته الدستورية و الغير دستورية إن لزم الأمر , و من السذاجة أن يتوقع البعض تساهل الحاكم أمام أي تهديد لإستقرار حكمه
.
بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد في بداية 2006 أدخلت الأسرة الحاكمة الكويت في مرحلة قصيرة جدا إلا أنها مهمة جدا و هي مرحلة " أزمة الحكم " , و بالرغم من وضوح تفوق فريق الحاكم الحالي على الفريق الآخر , إلا أن الكل يعلم بأن إنتقال السلطة لسمو الأمير لم يكن سهلاً أو أوتوماتيكياً , فقد دفعت الكويت ثمناً باهظاً نظير هذا الإنتقال و هو تسجيل سابقة تاريخية بقيام مجلس الأمة – ممثل الشعب - بالتصويت على عزل الأمير – المرحوم سعد العبدالله – بسبب ثبوت عدم قدرته الصحية على أداء مهام الحكم
.
.
و بسبب مخاض مرحلة " أزمة الحكم " تسلمت الإدارة الحالية الحكم في أجواء بعيدة عن المثالية و الإستقرار النفسي بالرغم من إنسجامها مع الدستور , لذلك كان أول أعمالها إبعاد المناهضين و تقريب الموالين , هكذا بدأت السلطة الجديدة في إعادة رسم خريطة التوازنات داخل الأسرة الحاكمة أولاً , و على الساحة السياسية ثانياً , و بهذا تم إختيار شخصية ذات مكانة عائلية – داخل أسرة الصباح - لرئاسة الوزراء و هو وزير الديوان الأميري السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح , إلا أن الشيخ ناصر شخصية تشريفية و ليست تنفيذية , فهو يتصرف على أساس أنه أمير في طور التكوين , يستحسن إصدار توصياته و توجيهاته – السامية – لوزراءه , لكن عامل السن و الخبرة العملية و التواجد الجغرافي لا يجعله قادراً على التنفيذ , و هذا ما جعله يُعوّض هذا العجز في القدرة على التنفيذ بـ إطلاق عنان شبكة التحالفات السياسية مع جميع الأطراف المؤثرة سياسياً في الكويت , أقطاب الأسرة , قيادات التيارات السياسية , رجال أعمال , إعلام , فالكل يستفيد من سخاء رئيس الوزراء بمن فيهم أعداءه
.
و أمام هذه الحالة الجديدة من عدم الإستقرار – نسبياً بعد حكم 28 سنة للشيخ جابر الأحمد – دخلت البلاد في سلسلة لا نهائية من الأزمات السياسية كان أولها بعد ثلاثة أشهر فقط من تسلم الشيخ ناصر لرئاسة الوزراء و هي أزمة تعديل الدوائر الإنتخابية التي تم بسببها حل مجلس الأمة في مايو 2006 , و بالرغم من إختلاف الأسباب المعلنة لهذه الأزمات إلا أن هدفها المبطن واحد و هو الحصول على مقعد دائم على طاولة صنع القرار بالبلد , فالحاكم جديد , و رئيس وزراءه جديد , و لا بد من ظهور – و أفول – نجم أقطاب سياسية جديدة
.
و بالرغم من البداية الضعيفة للشيخ ناصر في منصبه الجديد , إلا أنه تعلم الكثير مع كل إستقالة للوزارة و حل لمجلس أمة , فالحاجة أُم الإختراع , و هذا ما أوصله الى التشكيلة الوزارية الحديدية في الوزارة الأخيرة , فالفريق الوزاري كأفراد – و ليس أداء – له ثقل سياسي و شعبي من الصعب خرقه , فالبصيري و صفر و موضي و العفاسي و الحماد و الشريعان لهم مكانة خاصة في أوساطهم الشعبية , أيضا لا ننسى هنا وجود أحمد الفهد كـ سوبر حليف للشيخ ناصر , و هكذا نجح الشيخ ناصر – و حلفاءه - في التعامل مع جميع هذه الأزمات بشكل مثالي – له – , فهو أول رئيس وزراء يواجه الإستجواب و يخرج منه منتصراً , بل أن حكومته إجتازت أكثر من نصف درزن إستجوابات بلا أي جهد يذكر , لكن الشيخ ناصر لم يكتفي بذلك , فقد أدخل على اللعبة السياسية سلاح جديد و هو مقاضاة خصومه متى ما سنحت له الفرصة , أيضا تحالف الشيخ ناصر مع عدة أطراف إعلامية مسعورة , تمارس النباح – و العض إن لزم – إتجاه كل من يقترب منه
.
.
هكذا زاحمت الحكومة معارضيها في نفخ العضلات بلا مُخ , فبعد أن كان الوزير يرتعد لصراخ النائب و تهديده بالإستجواب أصبح النائب يُهان و يُفضح على شاشات و صفحات وسائل الإعلام الموالية للشيخ ناصر , و هذا ما جعل أغلب الأزمات السياسية تدور حول محور رئيسي واحد و هو عزل أو إستقالة أو رحيل الشيخ ناصر المحمد الصباح , هكذا تحولت الموالاة الى موالاة لـ شخص ناصر و تحولت المعارضة بدورها إلى معارضة لـ شخص ناصر , و هذا ما جعل مظلة المعارضة الجديدة تغطي كل من تضرر من وجود شخص ناصر , فأصبحت أجندتها الوحيدة ضرب شخص ناصر , و هذا ما جعلها تفقد الجزء الأكبر من جماهيرها السابقة , لكنها سعت لتعويض هذا المفقود بعنصر آخر و هو أبناء القبائل الذين يعانون من شعور دائم بالظلم , و هذا ما سهّل مهمة نواب المعارضة بالعزف على هذا الوتر عبر الترويج لقضية إسقاط القروض و فوائدها , بالإضافة لقضايا أخرى كمعارضة الخصخصة و غيره , هكذا تشكلت ملامح المعارضة الجديدة التي توزعت على عدة تكتلات – غير رسمية - أبرزها أعضاء الكتلة الشعبية بقيادة أحمد السعدون و مسلم البراك , الجانب الشعبي من حدس , نواب الأسلمة من القبليين , مع مشاركة متقطعة - حسب المصالح - من بعض التجار الحضر و من يمون عليهم
.
و بالرغم من الشعبية العارمة التي تتمتع بها هذه المعارضة في أوساط المناطق القبلية إلا أنها تفتقد لعنصر مهم جدا و هو الهدف , أو المنهج و النظرة المستقبلية , فمن خلال إستطلاع نشاطات أعضاءها نجد أن الأفكار متضاربة , و القلوب مشتتة , و الجامع الوحيد بينها هو التضرر من وجود شخص ناصر المحمد , فالشباب قاموا بحملة إرحل نستحق الأفضل , و بو رمية يريد إسقاط القروض , و الطبطبائي مشغول في جمع التبرعات و حرب الصهاينة في غزة , و هايف لم يخرج حتى الآن من حيِّز الجنس و المرأة , أما مرزوق + صالح + عادل فلا هم لهم إلا الإنتصار على طلال الفهد في معركة الرياضة , و لا يزال الزعيم السعدون يعيش أجواء 89 من خلال حملته المُملة " إلا " الدستور , و المشكلة أن دقمة الدستور لا تتحرك إلا في المواضيع المتعلقة بالمجلس و قدسية نوابه , فأين كانت " إلا " السعدون من بقية القوانين التي تنتهك الدستور ؟ و هل أتباعك من وعلان و عدوة و دقباسي و طاحوس أهل لرفع شعار " إلا " الدستور ؟ على من تضحكون ؟
.
.
و بالرغم من العجز الكامل و عدم الفعالية التي تعاني منها تكتلات المعارضة إلا أنها إستمرت في إختلاق الأزمات و التعامل مع كل قضية صغيرة كانت أم كبيرة بـ نَفَس تصعيدي ملتهب , فكل قضية تبرز على الساحة تتحول فجأة الى باكج كامل من التصريحات و الندوات النارية , و فيها يتركز الهجوم على شخص ناصر المحمد مع تكرر التلميحات الموجهة لسمو الأمير بشكل غير مباشر , و هذا ما جعل سمو الأمير يدخل بشكل مباشر كـ طرف مؤثر في الأحداث , فقد حل مجلس الأمة في مارس 2009 بعد تقديم حدس إستجواباً لرئيس الوزراء , ثم قام الأمير في ديسمبر 2009 بتوجيه خطاب شديد اللهجة رداً على تجمع العقيلة الذي يقدر عدد حاضريه بـ 15 ألف مشارك , و قد أشار سموه بوضوح إلى من يُزايد عليه في التمسك بالدستور و وصفهم بقوله " هم الأكثر إنتهاكاً له " , و قد كانت هذه علامة واضحة الى خطورة الوضع و جدية الأمير و إنزعاجه أمام ما يقوم به المعارضين من ندوات و تصعيد
.
.
و عندما جاءت قضية إسقاط حصانة النائب فيصل المسلم في القضية المرفوعة ضده من بنك برقان قامت قيامة المعارضة الجديدة و بدأ التصعيد عبر التصريحات و العزف على نغمة تفريغ الدستور من محتواه و تحويل مجلس الأمة الى مجلس شورى , و بسبب هذا التصعيد قامت الحكومة بتصعيد مقابل من خلال تكتيكها – المخجل – بتعطيل جلسات مجلس الأمة مما أسقط حصانة النائب المسلم أوتوماتيكيا , و عُقدت ندوة السعدون ليُضرب فيها الجويهل – متعمداً – , و نصل الى ندوة الحربش و ما فيها من أحداث قمعية مشؤومة
.
.
و قد كانت أغلب ردود الأفعال تصب في خانة مدى قانونية أو دستورية ما قام به رجال الأمن , إلى أن جاء إجتماع سمو الأمير برؤساء تحرير الصحف ليعلن مسؤوليته الكاملة عن ما حدث , و يلمح فيه إلى عدم جدوى تقديم إستجواب جديد لرئيس الوزراء , إلا أن نواب المعارضة إستمروا على نهجهم التصعيدي و قدموا إستجوابهم للشيخ ناصر , و هذا ما يجعلنا اليوم ندخل في حالة صدام مباشر بين سمو الأمير من طرف , و تكتلات المعاضة على الطرف الآخر , و هذا بالتأكيد سيدخل الكويت في نفق حالك الظلام , و قد لا نرى النور في نهايته
.
.
.
أما رأينا الشخصي في ما حدث و يحدث فهو كالآتي
.
كان من المفترض على النائب فيصل المسلم عدم مقاومة طلب رفع الحصانة النيابية عنه و المثول أمام القضاء للدفاع عن نفسه في قضية بنك برقان , فالقضية خلافية كما هو واضح من الآراء الكثيرة حولها و من حقنا كشعب أن نعرف رأي القضاء في حدود صلاحيات النواب , فهل من حق النائب أن ينشر أسرار الناس من حسابات مصرفية و مكالمات هاتفية و علاقات سرية ؟ و هل يختلف الوضع بين المواطن العادي و المواطن الذي يشغل منصب عام كالوزير ؟ هل الجُرم على من سرَّب المعلومة السرية أم على من نشرها ؟ و ما هو التصرف الأمثل لمن تقع في يده معلومة من هذا النوع عن طريق الصدفة ؟ هل يتصرف كالأطرش بالزفة أم يسارع بها الى المخفر أم ماذا ؟ من المعني بتحديد كل ذلك ؟ بالطبع المحكمة الجنائية أو الدستورية إن لزم الأمر , لكن مصلحة الوطن و المواطن الحقيقية هي في إستمرار هذه القضية حتى نعرف حكم القضاء النهائي فيها , أما تحويلها المفتعل لأزمة سياسية و خلط الحابل بالنابل فسيجعلنا نستمر في حالة الفوضى
.
.
أما موضوع الجويهل فمن الواضح أنه تصعيد مفتعل أيضا لقلب الطاولة على معسكر المعارضة , و أعتقد أنه نجح في ذلك و إستطاع أن يقلب الرأي العام على أصحاب الندوة , فمن منا يقبل مبدأ الضرب من الأساس حتى يقبله ضد شخص أعزل ؟ و من المؤلم حقاً أن يتحول الجويهل الى بطل قومي لكبار القوم , فبالرغم من إتفاق الجميع على خطورة قضية إزدواج الجنسية إلا أن اسلوب محمد الجويهل في علاجها غير مقبول , و الألفاظ التي يلوث بها أسماعنا ستنحط بالذوق العام المنحط أصلاً , صدمتي كبيرة بإستحسان الجمهور لمفردات كالزبالة و النعال و يخسي التي أصبحت جزء أساسي من ثقافتنا الإعلامية , وين كنا و وين صرنا؟
.
.
بالنسبة لتجمع ديوان الحربش فقد تابعنا الأحداث في الشاشات و لا أنكر هنا ألمي الشديد لما حدث , خصوصا في المقطع الذي يظهر ضرب الدكتور عبيد بطريقة تقشعر لها الأبدان , أيضا تابعنا الآراء الفقهية و الدستورية و الإنسانية حول تلك الاحداث و ليس لدينا إعتراض على هذه النقاشات , فمن الطبيعي أن يتناقش الناس عن دور القوات الخاصة و تفسير قانون التجمعات أو الإجتماعات و عن حدود المنزل و حديقته , بل أن من الطبيعي أن يصل النقاش الى المسؤول عن هذه الأحداث , هل هم أصحاب الندوة ؟ أم قائد القوة الأمنية ؟ أم وزير الداخلية ؟ أو رئيس الوزراء ؟ و لا ضير في ذلك , لكن إعلان سمو الأمير قيادته العليا للقوات المسلحة و مسؤوليته الكاملة عن تعامل قوات الأمن مع الجماهير تضع خط أحمر أمام الإستمرار في التصعيد
.
.
فالخلاف مع رئيس الحكومة و الوزراء مقبول , أما الخلاف المباشر مع سمو الأمير غير مقبول , فالأمير رمز الدولة أمام العالم , و الدستور الذي ندافع عنه يعطيه مكانة عالية و صلاحيات كبيرة , و من حقه حسب المادة 69 من الدستور إعلان الحكم العرفي في أحوال الضرورة , ثم أوضحت المذكرة التفسيرية أن هذا أمر متروك لتقدير الأمير و حكومته دون إلزام , و النقطة المهمة هنا أن الدستور يعطي لسمو الأمير الحق في تقدير الضرورات عند الحاجة , و إن كان تقدير سموه أن إستخدام القوة في ندوة الصليبخات " ضرورة " فعلينا القبول و الإلتزام بذلك , حتى و أن كان لنا رأي يختلف عن رأيه , فالخلاف مع الحاكم يُعتبر تفكك داخلي , و التفكك الداخلي أوسع الأبواب للتدخلات الخارجية , و التدخلات الخارجية لن تأتي بلا ثمن , أكرر لن تأتي بلا ثمن , و دروس التاريخ تعلمنا بأن أفضل طرف خارجي لن يكون أكثر عطفاً و حناناً على الشعب من الحاكم المحلي
.
و بما أن نواب حملة " إلا " قاموا بتقديم إستجوابهم لرئيس الوزراء , و سمو الأمير قد أعلن مسؤوليته المباشرة عن ما حدث , فهم يعلمون بأن مصير هذا الإستجواب لن يكون أفضل من سابقيه , و الخيار الأفضل لدي هو سحبه طوعاً لإظهار حسن النوايا إتجاه سمو الأمير و عدم التصعيد , و بهذا أنصح الجميع بقراءة رسالة قبول وقف إطلاق النار للإمام الخميني التي يقول فيها
.
أيها الأعزاء ، إنكم تدركون أن هذا القرار بالنسبة لي إنما هو بمثابة تجرع كأس السم ، ولإرضاء الله تعالى وصيانة دينه ، والمحافظة على الجمهورية الإسلامية وكرامتها أقدمنا على هذا الأمر
.
إننا قد ثرنا من أجل دينكم , و كذلك حاربنا , و الآن و من أجل هذا الدين قبلنا وقف هذه الحرب
.
علينا جميعا أن نتعلم ثقافة تقبل الخسارة , فمن خلال قراءتي للتاريخ و تتبعي للأحداث السياسية في المنطقة وجدت أن السبب الرئيسي في تخلفنا و حالنا التعيس هو عدم ممارستنا لثقافة تقبل خسارة معركة من أجل كسب حرب , عدم تقبلنا للخسارة يجعلنا لا نتعامل مع الأحداث بموضوعية و واقعية , نعم , أتألم شخصيا من رؤية مشاهد ضرب القوات الخاصة للمواطنين , لكن مصلحة الكل أهم من مصلحة البعض , و مصلحة السفينة أهم من مصلحة بعض ركابها , و اليوم سمو الأمير هو رُبان السفينة , فعلينا تقبل قراراته , و عدم مناكفته و إرباكه من أجل مصالح شخصية , فأهلاً بـ كأس السُم , أهلا بالخسارة , إن كانت الكويت هي الرابح

Monday, December 06, 2010

لكم أفراحكم و لي أفراحي

.
كنت سأفرح كثيرا لو كان أهل بلادي هكذا
.
.
و سأفرح بشكل أقل لو كان أهل بلادي هكذا
.

.
و قد أفرح قليلا لو كان أهل بلادي هكذا
.
.
لكن على ماذا أفرح و أهل بلادي هكذا؟
.

.

ملاحظة أخيرة

.

جميع لاعبين و إداريين منتخبنا الوطني أبطال , و لا أحاول هنا التقليل من حجم الإنجاز , فالذنب ليس ذنبهم