في الأمس , أبحر محمل بلادي بين أمواج العواصف , أهونها كان الإستجواب , و لم يكن سهلاً عليها ما أحاط بهذا الإستجواب , فالنفوس مشحونة , و القلوب متعبة , و الألسن ليست طاهرة , و الضمائر غائبة , و العقول ضائعة , هذه بلادي و هذا قدرها , و أمام حيرة الأقدار لا نقول إلا إنا لله و إنا إليه راجعون
.
أعتقد أن الجميع تابع تفاصيل هذا الإستجواب و ما أحاط به من أحداث , لذلك ليس لنا حاجة في الإطالة بالتفاصيل , و هذا ما يجعلنا نركز على رؤوس الأقلام فقط
.
صدقت توقعاتنا السابقة في نجاح الحكومة بالتصويت على سرية الجلسة
.
و صدقت توقعاتنا بنجاح المستجوبون بالتوقيع على طلب عدم التعاون
.
أيضا توقعنا تركيز المستجوبون على مقطع ضرب القوات الخاصة للدكتور عبيد الوسمي , و توقعنا أن يهز هذا المنظر وجدان جميع النواب , إلا أن توقعي الذي لم يصدق هو أن هذا المنظر لن يغير المواقف الأساسية للنواب , و للحقيقة كانت المفاجأة إنضمام بعض النواب للمعارضة إنتصاراً لما أسموه كرامة الشعب , و لا إعتراض على ذلك
.
و كان توقعي الأخير هو قدرة الحكومة على تأمين عدد كافي من الأصوات للحصول على الثقة – أو التعاون - و تأمين إستمرار الشيخ ناصر المحمد بمنصب الرئاسة , و كانت أغلب التوقعات الأولية تشير الى تصويت 29 نائباً مع التعاون أو الإمتناع , و حصول عدم التعاون على 21 صوت , أما توقعاتي الشخصية فكانت 27 للتعاون و 18 لعدم التعاون مع وجود عدد كبير من الممتنعين , لكني أعترف هنا بأن الحملة الشعبية التي يقوم بها نواب إلا الدستور و جماهيرهم أتت أُكُلها و أن من الظاهر أنهم سيحصلون على عدد قريب جدا من الـ 25 – أو 26 المطلوبة , لكنني لا أزال أستبعد حصولهم على الأغلبية و إعلان عدم التعاون مع الشيخ ناصر , و السؤال , على ماذا بنيت هذا الرأي ؟
.
حتى لا أطيل عليكم بنيته على التجارب السابقة لهذه الحكومة و هذا المجلس , حيث أن الحكومة كسبت معركة التصويتات بشكل متكرر , و كان آخرها معركة اللجان عندما تمكن التحالف الناصري - الفهدي من الإطاحة بلجنة الشباب و الرياضة التي كانت عرين الإستجواب المعني برئيس الحكومة حول قضية عدم تطبيق القوانين الرياضية , لذلك أنا على ثقة بأن التحالف الناصري – الفهدي سيتمكن من كسب معركة التعاون هذه المرة , هذا في حال إستمرار هذا التحالف و عدم إنفصال أحد الأطراف عن الآخر , و من سيحدد هذا الأمر هو عدة توازنات معقدة لكل طرف على حدة
.
كما يعلم الجميع فإننا على بُعد إسبوع كامل من موعد التصويت على التعاون من عدمه , خلال هذا الاسبوع سيقوم معسكر إلا الدستور بتكثيف ضغوطاتهم الشعبية من خلال الندوات و المقابلات التلفزيونية و سلاحهم الأهم و هو الإتصالات المباشرة بالنواب الذين لم يعلنوا عن موقفهم بعد , على الطرف الآخر ستستمر القنوات الفضائية الحليفة للشيخ ناصر بتكثيف الهجوم على رموز كتلة إلا الدستور و إجراء العديد من المقابلات التلفزيونية الداعمة لرئيس الوزراء , أتوقع أيضا دخول قُطب كبير من الأسرة للتأثير على النواب من خلال عقد إجتماعات فردية أو جماعية , أيضا تملك الحكومة سلاح الترغيب عبر تسهيل المعاملات و التعيينات و ترسية المناقصات , إلا أن الوقت لا يسير في صالح الحكومة , فالوقت قصير جدا و الحسابات معقدة
.
قد يتساءل البعض عن سبب ترديدي لكلمة حسابات معقدة , الجواب أن هذه الحسابات فعلاً معقدة , و سأحاول هنا شرح مواطن هذا التعقيد
.
العُقدة الأولى في هذا الإستجواب هو الوقت القصير نسبياً للعمل عليه , فالكثير من الفعاليات ستكون خارج الكويت أو في مزاج بعيد عن السياسة خلال عطلة رأس السنة , و سيعود الجميع إلى المزاج السياسي يوم الإثنين القادم , أي قبل يومين من التصويت , و هذا العامل سيكون ضد الحكومة بالذات لأنها لن تتمكن من تفعيل كافة أسلحتها الترغيبية للنواب
.
العُقدة الثانية هي قرب موعد الإحتفالات باليوبيل الذهبي لإستقلال الكويت , و المعروف أن الحكومة – و الحكم – يعملون على دعوة مئة رئيس دولة للمشاركة في هذه الإحتفالية , و من المتوقع أن تتم دعوة الضيوف للحضور في يوم 24 فبراير و المغادرة في السابع و العشرين من نفس الشهر , و هذا ما سيجبر الحكم على حل أزمة الإستجواب و تفاعلاتها قبل هذا الموعد , حتى تتم الإحتفالات في جو صحي لا تعكره أي أزمات سياسية
.
العُقدة الثالثة هي دخول سمو الأمير كـ طرف مباشر في هذه الأزمة عبر الإعلان عن مسؤوليته عن تعامل قوات الأمن في ندوة الحربش , و الأمير هو رمز الدولة , و رمز الأسرة , و رمز الحُكم , و هذا ما سيدخل النواب المستجوبون و مؤيديهم في مواجهة مباشرة مع مؤسسة الحكم , و بالرغم من حرص النواب على ترويج شعار " لا تزايدون علينا في طاعة الأمير " إلا أن مؤسسة الحكم و الأسرة تنظر إلى هذا الإستجواب كتحدي مباشر لحكمها و إستقراره , فاللبيب بالإشارة يفهم
.
العُقدة الرابعة هي دخول الشيخ فهد سالم العلي كـ داعم معنوي – و ربما مادي – لفريق نواب إلا الدستور مما يثير حفيظة و ريبة أطراف أخرى في الأسرة , فنجاح هذا الإستجواب سيعطي دفعة معنوية للشيخ فهد السالم الذي سيتشجع للعب دور أكبر في الحياة السياسية و هو نفس الدور الذي لعبه الشيخ جابر العلي قبل الحل الغير دستوري في 76 , و هذا ما سيجعل جميع الأطراف القوية في الأسرة تتكاتف للقضاء على هذا النفوذ الجديد للشيخ فهد , أما في حالة نجاح الإستجواب فإن تكلفة إرضاء الشيخ فهد السالم ستتضاعف عن السابق , فإن كان طموحه السابق منصب وزاري سيكون طموحه المستقبلي أكبر
.
العُقدة الخامسة هي التركيبة السيئة و المتناقضة لتكتل نواب المعارضة , فالكتلة تتشكل من ثلاثة مجموعات تتعاون و تتحارب في آن واحد , لذلك سيراقب كل منها الآخر و يحذره من التخاذل أمام الضغوطات حتى لا يتم فضحه , لذلك ستواجه الحكومة صعوبة كبيرة في إختراق هذا التكتل و عقد صفقات فردية أو جماعية مع أطرافه , و بالرغم من ذلك نتوقع مساومة الحكومة لنواب كتلة العمل الوطني في قضية الرياضة و غرفة التجارة , و لا أستبعد وجود ترضية أكبر على المجال الإقتصادي , أما نواب التكتل الشعبي و التنمية و الإصلاح فمن الصعب مساومتهم , و قد تستخدم الحكومة إسلوب الترهيب و الفضائح مع الأعضاء الجدد في هذا التكتل كالتركيز على إستفادة الكثير منهم من حظوة الحكومة و المنافع الشخصية
.
.
إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر الى رئيس الدولة
.
و للأمير في هذه الحالة أن يعفى رئيس مجلس الوزراء و يعين وزارة جديدة
.
أو أن يحل مجلس الأمة
.
و في حالة الحل ، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس
.
أما المذكرة التفسيرية فتقول
.
أما رئيس مجلس الوزراء الذي يتكرر قرار عدم التعاون معه وفقاً للمادة 102 فلا مندوحة من تطبيق المادة 103 في شأنه حتى لا يكون هناك فراغ وزاري
.
و الأغلبية المنصوص عليها . . . مقتضاها أنه إذا كان عدد الوزراء من أعضاء مجلس الأمة عشرة مثلا فالأغلبية اللازمة لسحب الثقة من الوزير هي أغلبية الأعضاء الأربعين غير الوزراء ، أي واحد وعشرون صوتاً على الأقل
.
.
نستنتج مما سبق أن الشيخ ناصر بحاجة إلى 25 صوتاً متعاوناً أو ممتنعاً للإستمرار في منصبه , أيضا نفهم من المادة السابقة أنه في حالة عدم قدرة الشيخ ناصر على ذلك سيضطر سمو الأمير إلى إعفاءه من منصبه , أما الخيار الآخر لسمو الأمير فهو حل المجلس و إعادة تعيين الشيخ ناصر رئيساً للوزراء , و إن أعادت الإنتخابات تشكيلة مقاربة للمجلس الحالي و تم إستجواب الشيخ ناصر و النجاح في عدم التعاون معه فلا يحق للأمير أن يعيد تعيينه من جديد , و هذا ما يحصرنا أمام إحتمالات محدودة
.
الإحتمال الأول هو نجاح الحكومة في تأمين أكثر من 25 صوتاً و النجاة من الإستجواب بفارق جيد
.
سيحتاج سمو الرئيس إلى تفعيل كافة قدراته الشخصية و تحالفاته السياسية داخل الأسرة و خارجها لتحقيق هذا الهدف , و ذلك بالتركيز على النقاط التالية
.
إقناع الأطراف المؤثرة في الأسرة الحاكمة أن نجاح هذا الإستجواب سيؤثر على الأسرة ككُل و ليس عليه فقط , لذلك فمن واجب جميع أبناء الأسرة بذل الجهود القصوى – مادياً و معنوياً – لمساعدته , و أعتقد أن سمو الأمير هو الطرف الأهم في هذه المعادلة , فهو يستطيع التلميح أو التصريح بدعم الشيخ ناصر , و ذلك من خلال عقد عدة لقاءات مع بعض النواب و من يؤثر عليهم
.
أما الطرف الثاني فهو الشيخ أحمد الفهد , و لا شك في أن له مصلحة غير مباشرة في نجاح هذا الإستجواب و إفساح المجال له للإقتراب أكثر إلى منصب رئاسة الوزراء , إلا أن هذه المصلحة لن تأتي وحيدة , فإنتصار النواب بإعفاء رئيس الوزراء سيُحمل كل رئيس وزراء بعده هذه التكلفة , و لا أعتقد أن هذه هي الظروف المثالية التي يطمح لها الشيخ أحمد , خصوصاً مع دخول عنصر قوي و مؤثر على الساحة السياسية و هو الشيخ فهد سالم العلي
.
النقطة الثانية التي سيحتاجها رئيس الوزراء هي التركيز على إيجاد عناصر مؤثرة جديدة للدفاع عنه على الفضائيات و التجمعات , فالفريق التقليدي لرئيس الوزراء ( القلاف , الجسار , رولا , الراشد , سكوب , العدالة ) لم يعد مؤثراً في الشارع من كثرة التكرار
.
الإحتمال الثاني هو نجاح الحكومة بفارق صوت أو صوتين
.
في هذه الحالة من المتوقع أن يستمر النواب في التصعيد حتى تسنح أمامهم فرصة جديدة للإنقضاض على الحكومة و إستجواب رئيس الوزراء , و حتى لو تمكن الشيخ ناصر من المرور بسلام من هذه الإستجوابات فإن قواه السياسية ستخور و تنهار , و هذا ما سيجعل الأسرة الحاكمة تطرح خيار تغيير رئيس الوزراء حتى لا تهتز مكانتها بسببه , و في هذه الحالة فالطريقة الأفضل لحفظ ماء الوجه هي قيام الشيخ ناصر برحلة طويلة للعلاج أو النقاهة ليعلن بعدها تنازله عن المنصب بداعي الصحة و تفضيله الخلود للراحة
.
الإحتمال الثالث هو فشل الحكومة في تأمين العدد الكافي من الأصوات
.
في هذه الحالة سيكون سمو الأمير أمام خيارين , إما إعفاء الشيخ ناصر المحمد و تعيين رئيس وزراء جديد , أو حل مجلس الأمة و إجراء إنتخابات جديدة , و بالرغم من أن خيار حل المجلس هو المرجح على الخيار الأول , إلا أن المأزق هنا هو المدة القصيرة التي تفصلنا عن إحتفالية العيد الوطني , لذلك سيكون على السلطة تحديد موعد قريب جداً لإجراء الإنتخابات قبل العشرين من شهر فبراير المقبل , و بسبب خطورة هذه الإنتخابات و أهميتها القصوى للحكم سيتم إستخدام كل الأسلحة الممنوعة فيها , فسنسمع عن المال السياسي , و إستخدام الدين , و التفرقة الطائفية , و الأهم من ذلك كله أتوقع أن تكون هذه الإنتخابات هي الأقذر من حيث التعرض للحياة الشخصية لبعض المعارضين , فالحكومة ستحتاج إلى مجلس ذو أغلبية – عظمى – موالية لها و لـ شخص الشيخ ناصر المحمد الصباح
.
الخلاصة
.
أتوقع شخصياً ترجيح الإحتمال الثاني و هو حصول الشيخ ناصر على أغلبية بسيطة و المرور بسلام من هذا الإستجواب , و عليه أن يتنازل عن بعض المعارك الفرعية لكسب حرب البقاء في رئاسة الوزراء , أيضا عليه تمرير بعض القوانين الشعبية لكسب التأييد الشعبي مع طلب التخفيف من حدة هجوم قنواته الفضائية على خصومه , فالواضح أن سبب وقوف الكثير من الموالين السابقين ضده اليوم هو إستياءهم الشديد من طرح الجويهل و سكوب و العدالة , أنا هنا لا أملك دليل مادي على علاقة هذه القنوات بالشيخ ناصر , لكنها تمجد فيه و تدافع عنه 24 ساعة
.
كلمة حق تُقال في نهاية هذا الموضوع
.
بالرغم من عدم إقتناعي بـ مصداقية نواب إلا الدستور إلا أنني أشعر بالفخر و الإرتياح من إتحاد نواب الشعب للإنتصار لكرامة الشعب و الدكتور عبيد الوسمي , فلا أحد يختلف على أن ما حصل للدكتور عبيد خطأ يجب أن لا يتكرر , و سيكون هذا الإستجواب ذكرى مريرة على كل رئيس وزراء أو وزير يستهين بكرامة الناس و يستخدم اساليب غير دستورية في التعامل معهم
.
, نعم أنا لا أثق بدوافع هذا الإستجواب , إلا أنني لا أملك إخفاء فخري و إعتزازي برؤية روافد الشعب المختلفة تقف جنباً إلى جنب للدفاع عن المواطن البسيط عبيد الوسمي , حلوة فزّة قلب الأخ على أخوه , و أتمنى أن تسود هذه الروح المجالات الأخرى , أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته