توقعت، قبل عشرة أيام، أن يلقي سمو
الأمير خطابا أميرياً للحديث حول موضوع "شريط" الشيخ أحمد الفهد و"مستندات"
النائب السابق مسلم البراك، وقد صدقت توقعاتي وجاء الخطاب الأميري في 25-6-2014،
أما أبرز رسائل هذا الخطاب فهي الآتي:
1-
اختيار الآية الكريمة: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ
اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ).
وهو
اختيار دقيق، قد يكون المقصود به الشيخ أحمد الفهد.
2-
الاستياء الشديد من عاصفة تراشق الاتهامات التي تجتاح
البلد، وخصوصا أن بعض هذه الاتهامات تُرمى جُزافاً بلا دليل أو سند
"موضوعي".
3-
كشف سمو الأمير عن قيامه بعقد لقاءات "أخوية"
مع العديد من المواطنين للتباحث حول هذه القضية، لكن ما نعرفه من تلميحات الشيخ
أحمد الفهد هو أن العلاقة شبه منقطعة بينه وبين القيادة العليا في البلاد، وعند
إضافة استقبال سمو الأمير للمتهم في القضية السيد جاسم الخرافي والشيخ ناصر
المحمد، يمكن القول بأن سموه مُهتم بالقضية لكنه غير مُهتم بوجهة نظر الشيخ أحمد
الفهد!!
4-
تأكيد سموه على نزاهة القضاء، وهو أحد الجهات المتهمة في
هذه القضية، بل أن سموه وضع الجهاز القضائي كـ حَكم في هذه القضية، وشدد على أن من
لديه أية معلومات حولها عليه تسليمها إلى النيابة العامة (السلطة القضائية).
5-
أما أهم رسائل سموه، فكان التأكيد، على أن ما نشاهده
اليوم من أحداث "لا يمكن أن يكون أمرا عفويا أو وليد الساعة بل هو جزء من مخطط
مدروس واسع النطاق يهدف إلى هدم كيان الدولة ودستورها وتقويض مؤسساتها وزعزعة الأمن
والاستقرار".
6-
النقطة الأخيرة وهي التأكيد على أن "أمن الوطن واستقراره
وسيادة القانون واحترام القضاء فوق الحريات وقبل كل الحريات"، وأن "قيمة
الحرية رهن بالتزامها بإطارها القانوني والأخلاقي الذي يحترم حريات الآخرين ويصون كرامتهم"،
وأن "الحرية والمسؤولية صنوان لا يفترقان"، وأن "لا خير في حرية...
تهدد أمن الكويت وسلامتها، ولا خير في حرية... تنقض تعاليم ديننا وشريعتنا، ولا خير
في حرية... تهدم القيم والمبادئ والأخلاق، ولا خير في حرية... تتجاوز القانون وتمس
احترام القضاء، ولا خير في حرية.. تشيع الفتنة والتعصب وتجلب الفوضى والخراب والدمار".
كانت هذه رسائل سمو الأمير وهي
واضحة، رغم أنها لم تأت بـ"الحواسم" و"القواطع" التي توقعتها،
أي أن سموه لم يعلن "حسمه القاطع" بعدم صحة هذه الاتهامات وزور القضية،
ومن هنا يمكن القول بأن الموقف "الرسمي" لسمو الأمير "متوازن"
بين أطراف القضية، لكن موقفه "الشخصي" يميل إلى عدم تصديقها وتأييد
براءة المتهمين فيها، سواء المتهم جاسم الخرافي أو ناصر المحمد أو رموز السلطة
القضائية.
وقد يستغرب البعض هذا الموقف من
سموه، لكن الأسس الموضوعية والمنطق السليم يؤكدان على أن ليس أمام سمو الأمير أي
"خيار" لاتخاذ موقف آخر، فالقضية – إن صحّت – فهي تمسه ولا تمس غيره،
فما جاسم الخرافي وناصر المحمد سوى "أكباش فداء" لتلقي الضربات الموجهة
إلى صباح الأحمد!!
وللتأكيد على ذلك، علينا العودة
إلى "الجذور" العميقة للقضية، واستخراج هذه "الجذور" لا يمكن دون
العودة إلى التسلسل التاريخي للأحداث، وهذا ما سأقوم به هنا:
1-
ظهرت قضية "الشريط" في ديسمبر 2013 في تويتر،
وكان محورها الرئيسي وجود مؤامرة يتعاون فيها جاسم الخرافي وناصر المحمد للوصول
إلى "الحكم" عبر استبعاد سمو ولي العهد وسمو الأمير، مع تلميحات بأن
مصدر هذا "الشريط" هو الشيخ أحمد الفهد، ومع ملاحظة عدم انفتاح رموز
المعارضة (مسلم البراك) بشكل كامل على الموضوع.
2-
بعد ذلك تقدم جاسم الخرافي ببلاغ إلى النائب العام وفيه
طلب شهادة الشيخ أحمد الفهد بالقضية، وبذلك انتهت قضية "الشريط"
إعلاميا، ووُضعت في "الفريزر" للأربعة أشهر القادمة.
3-
وفجأة، في شهر أبريل 2014، عادت "الأكشنة"
الإعلامية للقضية، فتم استدعاء أحمد الفهد للشهادة حول قضية "الشريط" في
النيابة، وعقد مجلس الأمة جلسة عرضت فيها الحكومة "الشريط" على الأعضاء.
4-
ودون أي مقدمات حقيقية، خرج النائب السابق مسلم البراك في
مقابلة على قناة "اليوم" للإعلان عن موضوع آخر، وقضية أخرى، وهي امتلاكه
لـ"مستندات" تُثبت تورط الشيخ ناصر المحمد في قضايا "غسيل
أموال"، وتورطه أيضاً في رشوة "قضاة" المحكمة الدستورية، مع
التلميح إلى أن هذه الرشوى تهدف إلى مكافأة القضاة على حكمهم بدستورية "الصوت
الواحد"، مع التأكيد على أن البراك لم يذكر لا من بعيد أو قريب عن ارتباط
"مستنداته" بالشيخ أحمد الفهد وقضية "الشريط".
5-
بعد ذلك دخلنا في سلسلة سجالات شكلية ومعارك صوتية انتهت
في دعوة النائب السابق مسلم البراك الجماهير للحضور إلى "ساحة الإرادة"
ليكشف أمامهم "مستنداته" التي تدين القضاة المرتشين وراشيهم الشيخ ناصر
المحمد، وذلك في 10-6-2014.
6-
وبالفعل توجهت الجماهير إلى هذه الندوة، وتم الكشف عن
بعض المستندات بالتنسيق مع حساب "كرامة وطن" في تويتر، ولكن مسلم البراك
لم يذكر أيضا علاقة الشيخ أحمد الفهد و"الشريط" بالمستندات الموجودة
لديه.
7-
وبعد أربعة أيام من ندوة "ساحة الإرادة"، وبعد
استخفاف الكثيرين بالمستندات التي كشف عندها مسلم البراك[1]،
أعلن تلفزيون "الوطن" فجأة عن لقاء الشيخ أحمد الفهد في 14-6-2014، وفي
هذا اللقاء كشف الشيخ أحمد عن علاقته المباشرة بموضوع "الشريط"
و"المستندات" في آن واحد، ولمّح إلى أنه هو "المصدر" الأول
لهذه الوثائق، وهو الذي يكشف ما يريد كشفه منها لحلفاءه – أو أتباعه – الذين
يقومون بعملية "البروباجاندا" بعد ذلك.
ومن هنا تم الكشف عن الارتباط الوثيق بين
"الشريط"، وما جاء فيه من مؤامرة (على سمو الأمير وسمو ولي العهد)،
بـ"المستندات" وما جاء فيها من غسيل أموال ورشوة قضاة، وكشف الارتباط
الوثيق - أيضاً - بين الشيخ أحمد الفهد (المصدر الأول للشريط والمستندات)،
بالمعارضة الممثلة بـ مسلم البراك والإخوان المسلمين وبعض المغردين (أداة نشر وعمل
"بروباجاندا" الشريط والمستندات في تويتر والمقابلات والتجمعات).
وكشف أيضاً بأن "المتعوس" و"خايب
الرجا"، أو الشيخ ناصر المحمد وجاسم الخرافي، هما المتهمان الرئيسيان في
"التآمر" على حياة سمو الأمير المُثبت في "الشريط"، ومؤامرة
"غسيل الأموال" و"رشوة القضاة" المثبتة في
"المستندات".
ورغم عدم قناعتي الشخصية (حتى الآن) بصحة
"الشريط" و"المستندات"، فإنني سأتجاوز المنطق وأُسلِّم بأنها
صحيحة، وأن ما جاء فيها من مؤامرات واتهامات صحيح، وهنا يأتي البحث عن
"الدافع" أو الـ Motive الذي يدفع الشيخ ناصر المحمد وجاسم الخرافي
للقيام بهذه المؤامرات، وخصوصاً رشوة القضاة من أجل الحكم بدستورية مرسوم
"الصوت الواحد".
فـ منطق التسلسل التاريخي للأحداث يقول بأن الشيخ ناصر
المحمد خرج من الحكومة في نوفمبر 2011، وبذلك أصبح خارج مرمى نيران المعارضة
واستجواباتها، وبذلك لم يعد بحاجة لشراء ذمم النواب الذين يصوتون لصالحه للتغلب
على هذه الاستجوابات.
بينما مرسوم "الصوت الواحد"، أصدره سمو الأمير
صباح الأحمد في أكتوبر 2012.
وسمو الأمير هو من واجه مسيرات "كرامة وطن"
المعارضة للصوت الواحد من خلال عقد سلسلة لقاءات بالمواطنين ومختلف القوى الشعبية.
وسمو الأمير هو من دعا مشاركة المواطنين بالانتخابات
لمواجهة حملة "المقاطعة".
وسمو الأمير هو من قام بعد ذلك بسلسلة من الزيارات
للقبائل الكويتية لرأب الصدع وحثها على المشاركة في الانتخابات القادمة.
وسمو الأمير هو من ألقى خطاب "لا غالب ولا
مغلوب" بعد صدور حكم المحكمة الدستورية بـ دستورية "الصوت الواحد"
وبطلان مجلس 2012 الثاني[2].
أي أن "دوافع" سمو الأمير، الشيخ صباح الأحمد،
لاستصدار حكم دستورية "الصوت الواحد"، أكبر بكثير من "دوافع"
الشيخ ناصر المحمد في دفع مبلغ 70 مليون جنيه إسترليني (حسب مستندات البراك)
للحصول على هذا الحكم!!
وبذلك..
يكون من "المنطقي"، أن يدافع سمو الأمير في
خطابه عن السلطة القضائية والتأكيد على نزاهة القائمين عليها.
ويكون من "المنطقي"، أن يربط المؤمنون بصحة
"المستندات" سمو الأمير بالشيخ ناصر المحمد ورشوة القضاة، حيث أنه صاحب
"الدافع" الأكبر لاستصدار حكمهم بدستورية "الصوت الواحد".
لكن غير "المنطقي"، هو أن يقوم الشيخ أحمد
الفهد بالكشف عن مؤامرة "الشريط" للدفاع عن حياة سمو الأمير، وفي الوقت
نفسه، يكشف (عن طريق مسلم البراك) عن مستندات تثبت تلقي القضاة لرشوة في قضية
أصدروا فيها حكم لصالح سمو الأمير!!
وهنا يأتي دور اختلاف "الأجندات المشتركة" بين
الشيخ أحمد الفهد ورموز المعارضة، فالشيخ أحمد يريد ضرب جاسم الخرافي وناصر المحمد
مع تحييد سمو الأمير، لذلك ربط نفسه بـ"الشريط"، لكن المعارضة تريد ضرب
جاسم الخرافي وناصر المحمد والقضاء مع عدم اهتمام حقيقي بتحييد سمو الأمير، ولذلك
ربطوا أنفسهم بـ"المستندات".
وعلى هذا الأساس، تم توزيع الأدوار بينهما، كل يضرب في
الاتجاه الذي يريده، وعلى هذا الأساس تحالف الخصوم لمواجهة هذه الضربات، فـ
استقبلت النيابة جاسم الخرافي وناصر المحمد وقضاة المحكمة الدستورية، وضرب مرزوق
الغانم مصداقية "الشريط" و"المستندات" في مجلس الأمة، وقمعت –
أو قمتت – الحكومة وسائل الإعلام التابعة للشيخ أحمد الفهد، وجاء خطاب الأمس لـ
يُتوج كل هذه التحركات بتأييد أميري للخرافي والمحمد والقضاء، وتذكير بالإحسان
وعدم البغي في الإفساد للطرف الآخر.