لي عادة موسمية في
تحليل نتائج إنتخابات مجلس الأمة في اليوم التالي لإعلانها , لكن إنتخابات الأمس
تختلف بشكل جذري عن غيرها بسبب حملة المقاطعة التي إلتزمت بها نسبة كبيرة من الشعب
مما يجعل تحليل نتائج هذا المجلس لا تعكس الصورة بشكل كامل , و هذا ما سيجعل
مقالنا اليوم أقرب إلى الجانب السياسي منه إلى الفني و هنا أحتاج إلى توضيح نقطة
مهمة هي أنني عندما أقوم بالتحليل السياسي أتجرد من معايير التحليل الأخرى , أي
أنني هنا أعالج الجوانب السياسية فقط بغض النظر عن الجانب القانوني و الإنساني و
الإجتماعي و العاطفي .
قبل الدخول في شرح
النتائج علينا الإتفاق على الفرضيات التالية , نسبة التصويت في الإنتخابات الأولى
لـ2012 قاربت الـ60% , و سنعتبر هذه النسبة محققة في جميع الدوائر كوننا لا نملك
تفاصيل نِسب المشاركة فيها , أما الفرضية الثانية فهي صحة ما تم الإعلان عنه عن
نسبة المشاركة في إنتخابات الأمس و هي قريبة من الـ40% , و بذلك تكون نسبة
المقاطعة "الملموسة" 20% يختلف تأثيرها من دائرة إلى أخرى .
الجدول التالي يوضح
نتائج إنتخابات الأمس :
الدائرة الأولى :
الوضع الطبيعي لهذه
الدائرة هو تقاسمها بين الشيعة و العوازم مع وجود فرصة لنجاح نائب أو إثنين من
الحضر السنة , لكن و بسبب الإلتزام الواضح لقبيلة العوازم بالمقاطعة فتح المجال لإكتساح
هذه الدائرة بفوز 8 نواب شيعة تغلب عليهم سمة الإنتماء للتكتلات الدينية بإستثناء
معصومة المبارك و عبدالحميد دشتي , و الجديد في هذه الدائرة هو فوز المرشح خالد
الشطي المعروف بتطرفه الواضح مما قد يتسبب بتهييج الشارع السني ضد الشيعة و تأكيد
مخاوفهم منهم , لذلك سيكون من واجب النواب الشيعة الأكثر خبرة كـ عدنان عبدالصمد و
مجموعته إحتواء الشطي و عدم فتح المجال لتكرار ظاهرة عبيد الوسمي و مسلم البراك
التي رأيناها في المجلس السابق بين نواب الطائفة .
و بالنسبة لمرشحي
السنة من الحضر فلم يكن فوز كامل العوضي و نواف الفزيع غريباً في ظل غياب ما يسمى
بالتيار الوطني و الكنادرة إلى حد ما في هذه الدائرة التي كانت نسبة المشاركة فيها
هي الأعلى بـ57% .
الدائرة الثانية :
نسبة المشاركة في هذه
الدائرة 55% تقريباً و هي ثاني أعلى نسبة للمشاركة , و كان فوز علي الراشد بالمركز
الأول متوقعاً فيها , أما الجديد هنا فهو فوز ثلاثة من الشيعة و الغياب الواضح
لمقاعد التجار بإستثناء عادل الخرافي المدعوم من جاسم الخرافي , و بهذا يخسر مرزوق
الغانم و محمد الصقر مقاعدهم – أو من يمثلهم – في هذا المجلس .
الدائرة الثالثة :
نسبة المشاركة في هذه
الدائرة قاربت الـ52% و لم تشهد الكثير من المفاجآت في ظل غياب رموز المعارضة عنها
, فغياب فيصل المسلم و السعدون و الطبطبائي و الإخوان و صالح الملا و أسيل العوضي
أدى إلى النتائج الواقعية لهذه الدائرة , و الملفت هنا هو فوز علي العمير بالمركز
الأول و بأصوات قاربت الـ6000 مما يشير إلى عدم إلتزام ناخبي السلف بالمقاطعة ,
أيضاً يعتبر حصول الجويهل على 130 صوت أحد مفاجآت هذه الدائرة بعد أن حل تاسعاً في
الإنتخابات السابقة , و ربما تكون هذه إحدى إيجابيات نظام الصوت الواحد و هو
الغياب التام لظاهرة النائب المقلوص و النائب المحرقة .
الدائرة الرابعة :
نجحت المعارضة في هذه
الدائرة في التأثير و بشكل واضح على نتائج الإنتخابات حيث لم تتجاوز المشاركة نسبة
الـ29% و هي منخفضة جداً , و الواضح هنا أن المعارضة لم تؤثر بقبيلة الرشايدة بنفس
النسبة التي أثرت بها على قبيلة مطير حيث أسفرت النتائج عن فوز 5 من الرشايدة كان
من بينهم المرشحة ذكرى الرشيدي و هذا يعتبر مكسب كبير للقبيلة و للمجلس
القادم , أما قبيلة مطير فقد غابت تماماً عن هذه الإنتخابات ترشيحاً و إنتخاباً
مما أفسح المجال لمرشحي القبائل الأخرى بالتقدم كالمرشح خالد الشليمي و الحسيني و
الحريجي .
أما مفاجأة هذه
الدائرة فجاءت بفوز المرشح الشيعي مبارك النجادة , و من الصعب هنا توقع مدى قدرة
هذه التشكيلة على الإستمرار في حال عودة قبيلة مطير للمشاركة .
الدائرة الخامسة :
تستحق هذه الدائرة
لقب "عرين المعارضة" فنسبة المشاركة بها هي الأقل على الإطلاق (20%) في
ظل مقاطعة واسعة من قبيلة العوازم و العجمان المسيطرة تاريخياً على هذه الدائرة ,
و بطبيعة الحال أدى هذا الغياب إلى نجاح مرشحين آخرين لم تكن لهم أي فرصة
بالنجاح سابقاً كالشيعة شمس و التميمي و الشمري , و الفيلكاوي طاهر بالإضافة إلى
الكندري و البوص و الدوسري .
نتائج هذه الدائرة هي
الأكثر تغييراً حيث لم يعد أياً من نوابها لمجلس 2012 الأول .
بشكل عام و بالمقارنة
مع المجلس السابق نجد أن هذا المجلس يتميز بالتالي :
1- وجود 30 نائب جديد
تغلب عليهم صفة الإستقلالية مما يجعل أداءهم غير متوقعاً مع سهولة إستمالتهم لهذا
الطرف أو ذاك .
2- إرتفاع نسبة الحضر
فيها عن السابق بسبب الغياب الواضح للقبائل الكبرى (العوازم و مطير و العجمان)
بإستثناء خالد العدوة .
3- إنخفاض نسبة
النواب الإسلاميين إلى أقل من النصف و هي النسبة الأقل على الإطلاق بالمقارنة مع
المجالس الأخيرة , ففي العادة يوافق نواب القبائل على كل قانون ذي صبغة
"إسلامية" يطرحه نواب السلف و الإخوان , و غيابهم عن هذا المجلس سيجعلنا بعيدين
عن معارك تغيير المادة الثانية و أسلمة القوانين مع وجود إحتمال إنتقال المعركة
إلى محور "الشيعة و السنة" بسبب الجرأة المتوقعة لنواب الشيعة في تمرير
بعض القوانين التي قد تستفز الشريحة السنية .
4- الغياب التام
للمعارض الدائم و هو النائب الذي لا يستطيع العمل خارج قالب المعارضة و تقديم
الإستجوابات كالنائب أحمد السعدون و مسلم البراك و فيصل المسلم و خالد الطاحوس و
غيرهم , علماً بأن عدد هؤلاء النواب في المجلس السابق كان 25 نائباً , و غيابهم عن
هذا المجلس يعني غياب الإستجوابات "الحقيقية" عنه , نعم سيكون هناك
إستجوابات لكنها لن تكون بنفس خطورة إستجوابات المعارض الدائم .
هنا علينا الإنتباه
إلى أن غياب المعارضة الدائمة لا يعني غياب المعارضة بشكل مطلق , ففي مقابل
المعارض الدائم هناك معارض متقطع و هو النائب المحسوب على قطب في الأسرة و
يستخدم نفسه كسلاح لضرب قطب آخر , أو النائب المتخصص في معارضة وزير معين , أيضاً
علينا الإنتباه إلى أن غياب المعارضة الدائمة لم يأتي بسبب تغير المزاج الشعبي
المعارض لكنه جاء بسبب مقاطعة هذه الفئة للإنتخابات , أي أن المعارضة الشعبية لم
تهدأ إلا أنها تعاملت مع السلطة بسلاح جديد و هو المعارضة التي تهدف إلى الطعن في
شرعية المجلس و السلطة التي جاءت به .
ماذا بعد ؟
للإجابة على هذا
السؤال علينا الإتفاق على أن محور المعركة الحالية هو الصراع بين سمو الأمير و
المعارضة , و الواضح هنا أن هذه المعارضة تعتمد أساساً على القاعدة القبلية و
الإسلامية السنية , أيضاً تتمتع هذه المعارضة بدعم بعض الشيوخ الطامحين للحكم
كالشيخ أحمد الفهد بشكل رئيسي مع فتح الباب لتلقي الدعم من معسكر الشيخ سالم العلي
و معسكر صباح السالم في المسيلة , أما المعسكر الآخر فيتمتع بدعم الشيخ ناصر
المحمد مع إمكانية التحالف مع رئيس الوزراء الحالي جابر المبارك , و هنا علينا
الإنتباه إلى أن سمو الأمير يتحرك مؤخراً كمحور مستقل و هو يتحرك بقوة تاركاً أمر
مواجته أو الإنضمام إليه للمعسكرات الأخرى .
أعتقد شخصياً بأن
النتيجة الأولية لحملة مقاطعة الإنتخابات جاءت بالتعادل بين الفريقين , فنسبة
40% ليست سيئة في ظل غياب دائم لـ40% سابقة مما يعني أن قوة المعارضة تتراوح بين
الـ15 – 20% , نعم هي نسبة كبيرة لكن إقتصارها على القبائل فقط و القبائل الكبرى
فقط يضعف من مصداقيتها , فهذه القبائل متضررة من النظام الجديد مما يجعل
إعتراضها قائم على المصلحة بدلاً من المبدأ , و هذا الإتهام من السهل توجيهه أيضاً
لتأييد الشيعة للنظام الجديد فتأييدهم له قد يأتي من أجل المصلحة و ليس المبدأ , و مما
يعيب خطاب المعارضة إعتماده الكبير على شيوخ – أو أمراء – القبائل في الترويج للمقاطعة
و التعامل مع الموضوع وفقاً للمعايير و المفردات القبلية البسيطة , فالكل يعلم أن الصراع سياسي بحت إلا أن خطاب رموز المعارضة يتعمد إستفزاز النخوة القبلية من
خلال حشر مفردات كـ الأحرار و الكرامة و المرجلة في الصراع في محاولة سمجة لتصوير
المتقاعس عنها كالفاقد لهذه الصفات .
و المتوقع هنا أن
يلجأ رموز المعارضة إلى تعميق هذه المفردات من خلال اللعب على وتر الشرف و العِرض
و التركيز على محور المد الصفوي و نجاح متطرفي الشيعة في تجييش القبيلة ضد السلطة
و المجلس الجديد , و ذلك قد ينجح في رسوخ المعارضة القبلية إلا أن هذه الأساليب الرخيصة
ستفقد جدوتها في الحفاظ على المكون الحضري في المعارضة , فعندما يتفاخر المطيري
بمعارضته على العازمي يصبح لسان الحضري "و أنا وين رحت !!".
مع كل ذلك أعتقد بأن
موقع سمو الأمير بعد الإنتخابات أقوى بكثير من موقعه قبلها , فإصرار سمو الأمير
على إقامة الإنتخابات بالنظام الجديد و نجاحها في إيصال مرشحي القبائل الأخرى و
نجاحها أيضاً في إيصال مرشحي الجهراء و الشيعة و حضر الدائرة الخامسة ستجعل كل
هؤلاء يتمسكون بهذا المجلس و النظام الإنتخابي الذي جاء به , و في حال نجاح
الحكومة في توزير وزراء ينتمون إلى (الفروع المنافسة) في قبائل المعارضة (مطير ,
عوازم , عجمان) فسيكون من السهل على السلطة سحب البساط تدريجياً من رموز المعارضة
الحالية لمصلحة رموز جديدة في هذه القبائل .
أيضاً سيتسبب نجاح
هذا المجلس و الحكومة في إقرار 3 أو 4 قوانين شعبية في تمسك مؤيديه به بشكل أكبر و
في إفراغ الخطاب المعارض الذي يعتمد على ضعف الإنتاج الحكومي من محتواه , و عندها
قد تساهم السلطة في دعم التيارات الشبابية داخل التيارات السياسية للإنقلاب على
القيادات التقليدية , خصوصا في التيار الوطني الذي فشلت قياداته في تحقيق أي من
أهدافها و خصوصاً الدفاع عن الحريات بينما ضحى سمو الأمير بـ شعبيته و إستقرار
حكمه من أجل الدفاع عنها برده لقوانين و تعديلات المجلس السابق .
أعتقد شخصياً بأن سمو
الأمير خاض معركة كبيرة في الأسابيع الماضية للحفاظ على البلد من "الضياع"
حسب تعبيره , و لكنه لم يصل حتى الآن إلى منتصف الطريق فالتحديات القادمة أكبر ,
فالتحدي الأول هو القدرة على الإنجاز و إقناع الناس بجدوى تدخلاته في النظام
الإنتخابي , أما التحدي الثاني فهو إجبار أقطاب الأسرة و خصوصاً الشيخ ناصر المحمد
و الشيخ أحمد الفهد على تأجيل الصراع على الحكم لفترة سنة على الأقل يتمكن من
خلالها الشيخ جابر المبارك من العمل , و أنصح شخصياً بأن يذيب سمو الأمير الجليد
بينه و بين الشيخ سالم العلي من خلال توزير الأكفاء من فرع السالم .
أما التحدي الثالث
لسمو الأمير فهو التعامل مع ما قد تقوم به المعارضة من نشاطات خارج المجلس ,
خصوصاً بعد فقدانها لكل أسلحتها المشروعة كإصدار القوانين و تقديم الإستجوابات
بسبب المقاطعة , هذا ما سيجعلها تتربص بهذا المجلس و تعد أنفاس أنفاسه , أيضاً
ستحاول المعارضة و الأطراف المتهورة فيها من إختلاق التصادمات من خلال القيام
بالمسيرات و ندوات السقف العالي على شاكلة "لن نسمح لك" .
على العموم , كل ما
سبق مرتبط بعوامل السن و المرض للعديد من الأطراف مع تأثره أيضاً بما يحصل في
الإقليم , فتطورات الثورة ضد الإخوان في مصر و الخليج و تطورات الأزمة السورية و
النفوذ الإيراني في المنطقة كلها عوامل قد تساهم في قلب أو إستقرار الأوضاع في الكويت
, أتمنى شخصياً أن لا يكرر البيت الشيعي خطأ الإخوان بالإستعجال على رزقهم و أن
يركدوا قليلاً و يُركدوا قواعدهم الإنتخابية فالمكاسب الآنية جاءت و بشكل أساسي
بسبب المقاطعة , أيضاً على المعارضة الإيمان بأن السكن في بيت خربان أفضل من السكن
في العراء لذلك عليهم أن يحذروا من سياسة الأرض المحروقة , خصوصاً و أنهم في
مواجهة أحكام قضائية أطمئنهم مسبقاً بحصولهم على العفو الأميري فيها , علينا
جميعاً مراعاة الله في أنفسنا و في بلدنا و في مستقبلنا و تغليب العقل على الطفاقة
و التهور .
حفظ الله الكويت من
كل مكروه