قد يعتقد البعض أن ظلم بعض الفئات من الوافدين ظاهرة جديدة على المجتمع الكويتي لم نسمع بها – او بآثارها – الا في السنتين الماضيتين , لكن الحقيقة المرّة هي أن ما نراه اليوم من ثورة للعمال البنغاليين هو مقطع قصير من مسلسل رمضاني طويل تدور أحداثه حول محور ظلم الكويت – الكويتيين – للعمالة الوافدة بجميع أشكالها و ألوانها
يولد الطفل الكويتي في بيت تعمل به خادمة – او أكثر – و سائق – أو أكثر – فيبدأ بمراقبة طريقة معاملة ذويه للخدم و يتشرب تدريجيا متعة ممارسة دور المعزب – أو المالك – على عبيده , يراقب الطفل – و يقلد – والدته و هي تصدر الأوامر للخادمة و ينتشي فرحا و هو يرى هذا المخلوق المغلوب على أمره ينفذ أوامره بلا قدرة على الاعتراض أو حتى رفع رأسه أمام ولي نعمته
و من بعد سنيه الاولى يدخل طفلنا المتختخ للمدرسة و يبدأ بالاحتكاك بنوع آخر من الوافدين – أو العبيد – و هم الأساتذة و المدرسات , فيبدأ باحترامهم أو الخوف من سلطتهم عليه الى أن تعترض أذنيه كلمة ترى أسفرك , بعد سماع هذه الكلمة الرنانة يبدأ التلميذ الكويتي بالتخلي عن احترامه لمدرسيه الوافدين , كيف لا ؟ و قد اكتشف أن أعتر مدّرس قد يبلل ملابسه الداخلية عند تهديده بكلمة ترى ابوي يسفرك , و لاأنكر هنا بأن شخصيات المدرسين الوافدين و استغلالهم الطلبة في تمرير الواسطات من معاملة المرور الى التغاضي عن الوزن الزائد في المطار أو التدريس الخصوصي تساهم بشكل كبير في فقد المدرس للهيبة و اكتساب الطالب للسلطة
و يكبر طفل الهمبوغر ليستوعب ما يدور حوله من احداث تؤكد نظرية أمّه في البيت بأن هؤلاء الوافدين لهم موقع خاص على سلّم المخلوقات , فهم يقعون ما بين القردة و الانسان بشكل عام , الا أن الانسان ينقسم الى فصائل عديدة أرقاها فصيلة الانسان الكويتي , خصوصا ان كان من سكان جنة ما قبل الدائري الثالث
و هنا يستثمر ولدنا أوقات فراغه في اكتشاف الفرق بين الكويتي و الانسان و الوافد , فالكويتي سخّر له رب العالمين العواصف و الأمطار و الحكومة لتلبية جميع رغباته – المنطقية - و تدليله من المهد الى اللحد , فالرب يطبق قوانينه الكونية على الجميع الا الكويتيين , دراسة ما يدرس , دوام ما يداوم , له الحق باستعباد البشر , يملك الاراضي التابعة لمنزله بطريقة وضع اليد , يوقع نفسه بالمشاكل و على الحكومة انقاذه منها , نعم فأنا كويتي
أما الانسان , فبالشكل لا يختلف كثيرا عن الكويتي الا أنه لا يتمتع بميزاتنا , فهو يدرس و يداوم و لا يملك أي أوبشنز اضافية تميزه عن بقية مخلوقات الرب
أما الوافد , و الذي سأتنازل هنا لشرح ظروفه , فهو مخلوق كان ينتمي الى فصيلة الانسان الا أنه يترك هذه الفصيلة فور خروجه من الطائرة المقدسة التي نقلته الى أرض الميعاد فيعترف و يقر بانه ترك انسانيته أمام موظف الجوازات في مطار الكويت الذي يتعامل معه بعصبية و غضب و زجر بلا سبب , و هنا يكتشف هذا الوافد الحقير بأن وصوله الى أرض الميعاد بحد ذاته نعمة من الرب توجب عليه الحمد و الشكر الى أبد الآبدين
فيجب عليه ان يحمد ربّه لأنه كان أحد المحظوظين الحاصلين على اقامة , و يحمد ربّه لأن هناك من قبل في أن يكفله , و يحمد ربّه بأن هناك من قبل في تشغيله , و يحمد ربّه ان دفع له رب عمله أجرته , و يحمد ربّه ان النفس طيبة عليه الى الآن , فيجب عليه التسبيح ليل نهار و تحمل ظروف المعيشة اللا انسانية و المعاملة اللا انسانية و حقوقه اللا انسانية , فلا يحق له تأسيس شركة و لا يحق له التملك و لا يحق له المطالبة بانشاء دار عبادة و لا يحق له الاحتفال بمناسباته الدينية , و لا يحق له المطالبة بحقوقه الوظيفية , كيف لا ؟ أولم يتنازل الأحمق عن انسانيته فور خروجه من الطائرة المقدسة ؟ ألا يعلم بان وجوده هنا تهمة بحد ذاتها , يحق لأي كان بالتحقيق معه من أجلها ؟ ألا يعلم المتخلف بأن الرب أهدى الكويتيين جزء كبير من صلاحياته الخاصة ؟
ألم يسمع قصص من سبقه من أبناء جنسه عن أرض الميعاد ؟ ألا يعلم بأن من حق الكفيل الكويتي أن يستلم ثمن كفالته ؟ ألا يعلم بأن من حق الكفيل الكويتي أن يرميه بالشارع بلا عمل ؟ ألا يعلم أن ما يعلنه رب العمل من مميزات وظيفية تدرج تحت خانة الحرب خدعة ؟ فالمئة و عشرين هي عشرين , و العشرين بالشهر هي عشرين كل أربعة أشهر ؟ ألا يعلم بأن لجنة المناقصات لا يهمها الا أقل الأسعار بغض النظر عن الجودة و الالتزام بشروط العقود؟ ألا يعلم بأن أرباب عمله أو أربابه – لا فرق – يستعملونه كسلعة يتاجرون بها في سوق النخاسة البشرية ؟
تبا لحقوق الانسان و الأمريكان الذين يتهموننا بما ليس فينا