Saturday, December 21, 2013

بماذا نجحت دبي... و فشلنا نحن !!؟


مع الإعلان عن أي خبر "إيجابي" عن دبي، أسارع إلى إغلاق نوافذي الفكرية خوفاً من الإصابة بالكآبة و الاشمئزاز نتيجة قصف المقارنات بين دبي "الناجحة" و الكويت "الفاشلة" الذي أصبح يتقنه ثلاثة أرباع الشعب الكويتي و لا يلتفت له عشرة بالمئة من الشعب الإماراتي المبتلش فينا و بمقارناتنا!!

و الاشمئزاز هنا ليس من باب الحسد لا سمح الله، لكنه من باب أن أغلب هذه المقارنات مبنية على أساسات هشة لعقول لا تعرف في دبي سوى شارع "الشيخ زايد" و "دبي مول"، بل أن مفهوم "التنمية" مشوه في هذه العقول التي لو أُعطي لها القرار في تنفيذ أي مشروع تنموي (حقيقي) ستجدها ترفضه بكل ما أوتيت من قوة جاهلية.

لذلك أجدني أكتب هذا المقال لعرض مقارنة - غير تبجيلية - بين نجاح دبي و فشل الكويت.

في البداية، علينا الاتفاق على أن الأساس الذي قامت عليه مدينة دبي و الكويت و أغلب المدن الساحلية الخليجية هو الاعتماد على البحر كمصدر رزق من خلال الغوص على اللؤلؤ و صيد الأسماك و العمل في التجارة و النقل البحري، بالإضافة إلى تنافس موانئ هذه المدن على استقبال السفن التجارية فأصبحت هذه الموانئ منذ القدم أبرز مراكز تجارة "الترانزيت" في الخليج.

و لم تتغير هذه الهوية "البحرية التجارية" لهذه المدن إلا مع نهاية الأربعينيات مع تصدير أول شحنة نفط (من الكويت) في العام 1946، و بفضل الفوائض المالية الضخمة للنفط، تمكنت الكويت من التحرر من هويتها "البحرية التجارية" التي تعتمد أساساً على العمل الشاق لتنشغل حكومة و شعباً في الحقل السياسي المحلي و الإقليمي المتزامن مع انتشار الفكر القومي في الخمسينيات، و بذلك تحولت الكويت من بلد تجاري مهني إلى بلد نفطي لا يعمل به سوى الوافدون بينما ينصرف غالبية سكانه للاهتمام بالشؤون السياسية الإقليمية و المحلية، خصوصاً مع الانتقال إلى فترة الستينيات و إعلان الاستقلال و الموافقة على الدستور و تأسيس مجلس الأمة و انتخاباته و صراعاته المتتابعة.

هكذا لم يعد في الكويت اقتصاد سوى الإيرادات النفطية، و لم يعد فيها تجارة سوى المناقصات الحكومية، و لم يعد فيها مهنيين سوى الوافدين، بينما جيَّر الكويتيون أنفسهم للمد القومي ثم المد الديني و تحولت مدينة الكويت إلى مركز للـ"ترانزيت السياسي" بعد أن كانت مركزاً للـ"ترانزيت التجاري".

بالطبع لم يشعر الكويتيون بالآثار المالية السلبية لهذا الإهمال، فأموال النفط تنجح دائماً في تغطية التكاليف و زيادة، و لم ينتبه الكويتيون إلى إهمالهم لأنفسهم و بلدهم سوى في الثاني من أغسطس 1990، عندما تعرضت بلادهم للاحتلال خلال سويعات قليلة، و اضطر غالبية الشعب لمغادرة الكويت و اللجوء إلى المدن الخليجية الشقيقة، هنا فقط أصبح الكويتيون بمواجهة مباشرة مع دبي بشكل خاص، و الإمارات العربية بشكل عام، علماً بأن دبي في تلك المرحلة لم تكن تتفوق على الكويت بشيء، لكنها كانت تتمتع بالهدوء النفسي و الفكري الذي لم يعتد عليه المواطن الكويتي المُسَيَّس.

أما دبي، الهادئة سياسياً، فلم تكن هادئة تماماً، فقد استغلت التوتر السياسي المصاحب لحرب الخليج الثانية لتنطلق اقتصادياً بالانسجام مع هويتها الأصلية كـ"مركز ترانزيت تجاري"، لكنها لم تتوقف عند التجارة البحرية فسارعت بالتوسع نحو التجارة الجوية، و ذلك من خلال بناء مطار دولي جديد و تطوير الخطوط الجوية الإماراتية، بل ان النجاح الجوي لم ينسيها الأساس البحري، فقامت بتطوير المنطقة الحرة الملاصقة لميناء "جبل علي"[1]، و ساهمت القوانين المتسامحة للمنطقة (الحرة) في جذب الشركات العالمية لتأسيس مراكز إقليمية لها في دبي.

كانت أغلب هذه المراكز - في البداية - عبارة عن مناطق تخزينية للبضاعة فقط، و كان أغلب العاملين بها من العمال أصحاب الدخول المتدنية فقط، لكن الانفتاح الاقتصادي و الاجتماعي لدبي و احترام حاكمها و محكوميها للمقيمين الأجانب ساهم في دفع هذه الشركات العالمية إلى توسيع مراكزها الإقليمية و إرسال مدراءها الكبار للعمل في دبي لمتابعة مصالحها في المنطقة.

و مع توافد هذه الطبقة الإدارية على دبي، أصبحت الإمارة ملزمة بتوفير احتياجاتهم، فانطلقت حركة بناء الفنادق و قاعات المؤتمرات و المعارض لاستقبال رجال الأعمال من كل حدب و صوب، لكن ذلك لم يرض غرور دبي، فأصبحت الإمارة تتحدى نفسها في القدرة على جذب "عائلات" رجال الأعمال لزيارتها و الإقامة فيها فـ وفرت لهم كل ما يحلمون به من أبراج سكنية و مولات تجارية و أماكن ترفيهية، كل ذلك بمصاحبة المرافق الخدمية و العقلانية التشريعية التي وفرت لهم بيئة تتفوق في الكثير من جوانبها على بيئتهم الأصلية[2].

بطبيعة الحال، لم يقف أصحاب الثروات في المنطقة مكتوفي الأيدي أمام هذا النشاط و الحركة الاقتصادية، فتسابق الكثيرين منهم على نقل أموالهم من بلدانهم الرازحة تحت قيود الانغلاق الاجتماعي و الفساد الإداري و البيروقراطية الحكومية للاستثمار في دبي التي استقبلتهم كما تستقبل الأم وليدها.

و بذلك أصبحت دبي "المدينة الحلم"، أو "المتنفس المثالي" لكل من يبحث عن الحرية في المنطقة، فمن يريد التسوق يذهب إلى دبي، و من يريد السياحة لن يجد أفضل من دبي، و من يرغب بالتوسع تجاريا فأهلا به في دبي، و من يريد عقد الصفقات التجارية و الالتقاء برجال الأعمال لن يجد أفضل من مطار و فنادق و معارض و غرف اجتماعات دبي.

لكن هذا الحلم الجميل لم يأت بلا كوابيس، فقد نجح النجاح السريع لكل المشاريع الدُبيانية في تورط الشركات المملوكة لحكومة دبي في اقتراض مبالغ ضخمة (أكثر من مئة مليار دولار) للدخول في مشاريع تفتقر للجدوى الاقتصادية، و هذا ما أسقط الإمارة في فخ الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، و أصبح الشامتون يتندرون على هذه "المشيخة" الصغيرة عبر تداول قصص الهروب الجماعي من دبي و مبانيها النصف منجزة[3]، لكن دبي نجحت في الخروج من مرحلة "عنق الزجاجة" من خلال الدعم القادم من حكومة أبو ظبي أولاً[4].

ثم من خلال العودة إلى الأسس التي قامت عليها كمركز "ترانزيت تجاري" ثانياً، و تمكن القائمين عليها من استيعاب الدرس و التفريق بين الأنشطة المطورة لفكرة مركز الترانزيت التجاري و بين الأنشطة الأخرى الغير مرتبطة بهذا الهدف، فاستمروا بالأول و ابتعدوا عن الثاني، و هذا ما ساهم في تجدد الأمل بالعودة إلى النهوض و التغلب على الأزمة المالية من خلال الفوز (المستحق) بحق تنظيم معرض أكسبو العالمي 2020.

و بذلك نعود للإجابة على سؤالنا الأول، بماذا نجحت دبي.. و فشلنا نحن!!؟

الإجابة باختصار، هي أن دبي نجحت في تحديد "هويتها" كمركز ترانزيت تجاري و هي "هوية" منسجمة مع معطياتها التاريخية و الجغرافية و السياسية، و نجحت أيضاً في تطوير هذه الفكرة من خلال عدم الاكتفاء بالجانب التجاري فقط، فأضافت إليه الجانب السياحي الترفيهي رغم التحديات المناخية، لكن نجاح هذا النموذج لن يكتمل قبل تمكنها من الابتعاد عن منطقة الخطر الاقتصادي بسبب ديونها الضخمة، و هذا لن يكون مستحيلاً مع المؤشرات الإيجابية الأخيرة كالفوز بحق تنظيم معرض إكسبو 2020 بالإضافة إلى بوادر الانفتاح الغربي على إيران و التي قد تضاعف أرقام التجارة البينية بين دبي و إيران عشرات المرات.

أما الكويت.. فقد نجحت في طمس هويتها الأصلية كميناء تجاري و التحول إلى المركز الأول للـ"ترانزيت السياسي" في المنطقة، فأصبحت تستورد مشاكل الآخرين و تُصدِّر مشاكلها و أمراضها للخارج، أيضاً نجحت الكويت في الاعتماد على أموال النفط كمصدر وحيد للدخل خلال السبعين سنة السابقة دون القيام بأي محاولة جادة لإيجاد مصادر أخرى، و نجحت أيضاً في خلق – و الإبقاء على - نظام سياسي أحوَل من الداخل و أعرج من الخارج رغم فشله الدائم و المتكرر منذ اليوم الأول لتطبيقه[5]، و بذلك، نجحت في التسويق السلبي لأي فكرة إصلاح سياسي يحاول القيام بها مواطنو الدول المجاورة.

أيضاً نجحت الكويت في تضخيم ذوات مواطنيها حتى أصبحوا مثالاً للعنجهية و التصلف و عدم احترام الآخرين و القانون حول العالم، و نجحت في حقن هؤلاء بكل الصفات المتناقضة التي لا يمكن اجتماعها في كيان واحد، فأصبح الكويتي مغرور و مُحبَط و ساخر و حِشري و مُهمِل و مثالي و جاهل و مثقف و ثوري في آن واحد!!

لذلك نقول للمتحسرين على فشل الكويت و نجاح دبي، بأن الخطوة الأولى على طريق النجاح هي تحديد هوية (اقتصادية ثقافية) حقيقية للدولة، ثم وضع خطة واقعية للوصول إلى هذه الهوية أو الهدف، و يجب على الجميع الاتفاق على تجيير كل مقدرات الدولة لتحقيق هذا الهدف، و محاربة كل من يحاول عرقلة هذا الطريق، أما إن بقينا على ما نحن عليه، نتأرجح بين الهويات السياسية و الدينية و الآيدلوجية، نتصارع على التوافه و نتسابق على المراكز الأولى في السخافات، فلا طبنا و لا غدا الشر، و الأفضل لنا أن "نبلع العافية" و لا نشغل أنفسنا و نعطل الآخرين في مقارنات على شاكلة "بُص.. شوف.. بن راشد يعمل أيه"!!

  



[1] أضيف لهذا الميناء مطار جديد في العام 2013 سُمي بمطار المكتوم الدولي.
[2] نذكر منها مول الإمارات الذي احتضن أول منصة تزلج (داخلية) على الثلج في العالم، و دبي مول بنوافيره الرائعة، و برج خليفة الأطول في العالم، و جزيرة النخلة و فندق أتلانتس البحري، بالإضافة إلى شاطئ الجميرة و الفنادق الصحراوية..إلخ.
[3] يقول المثل الاقتصادي "رأس المال جبان"، و نقول نحن بأن "رأس المال الأجنبي هو أجبن أنواع رؤوس الأموال"، و بما أن دبي كانت تعتمد بشكل كبير على رؤوس الأموال الأجنبية، فكانت سرعة هروب رؤوس الأموال منها مضاعفة.
[4] ردت دبي هذا الجميل بتغيير اسم "برج دبي" الأطول في العالم إلى "برج خليفة" تيمناً باسم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
[5] خلال السنوات الأولى من تطبيق الدستور شهدت الكويت الأزمة الوزارية و استقالة الحكومة و استقالة رئيس مجلس الأمة و استقالة نواب الكتلة القومية.

Monday, December 09, 2013

الوحدة الخليجية.. شعار متقدم للحفاظ على التخلف


منذ أن دشّن المفكر السياسي الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي فكرة الـ"كونفدرالية الخليجية" و الحديث عنها ثم عن الـ"وحدة الخليجية" لم يتوقف، فالكل أصبح يتناول الفكرة بالتأييد أو المعارضة حسب الإنتماء و المصلحة، و لا عيب بالطبع في ذلك فالنقاش العام يساهم دائماً في بلورة الفكرة و تهذيب شوائبها.


طرح النفيسي الفكرة لأول مرة معتمداً على دراسة للخبير الأمريكي (كاتزمان) يتوقع فيها عدم قدرة دويلات الخليج الصغرى على الاستمرار حتى العام 2025، و هذا ما جعل النفيسي يطرح عليها فكرة الذوبان داخل كيان أكبر حتى تحافظ على وجودها في المدى البعيد، و تقوم فكرته على تشكيل كونفدرالية خليجية تتوحد فيها السياسة النفطية و السياسة الخارجية و السياسة الدفاعية كمرحلة أولى، و من ثم تطورت هذه الفكرة مع هبوب رياح الربيع العربي - على البحرين - لتتحول إلى شعار "الوحدة الخليجية"، الذي تحمس له عدد لا بأس به من السياسيين المروجين لفكرة الاستقطاب العربي (السني) – الفارسي (الشيعي).


قبل الدخول في صلب المقال، و بعيداً عن العبارات الإنشائية، علينا الاتفاق بأن أي مشروع كونفدرالي أو وحدوي بين الدول يقوم على أساس تنازل الدولة الأضعف عن جزء من سيادتها للدولة الأقوى مقابل الحصول على بعض المكتسبات من هذه الدولة (الأقوى)، و نجد هذا المثال واضحاً في الاتحاد الأوربي حيث تنازلت الدول الأضعف – اقتصادياً – بجزء من سيادتها الاقتصادية للدول الأقوى كـ ألمانيا التي أصبحت تتحكم بالسياسات الاقتصادية للدول الضعيفة مقابل مكتسب واضح و هو الدعم المالي الذي ينقذ هذه الدول من الإفلاس.


و يعتمد المتحمسين لفكرة الكونفدرالية أو الوحدة الخليجية على نفس المبدأ المصلحي، و هو تنازل الدول الصغرى (الكويت، البحرين، قطر، الإمارات) عن جزء من سيادتها للدولة الأقوى (المملكة العربية السعودية) مقابل مكاسب أمنية و مالية و سياسية في حال تعرض هذه الدول لخطر التغول الإيراني أو العراقي، و يذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيهمز و يلمز إلى قدرة المملكة العربية السعودية على حماية هذه الدول من الأخطار الداخلية في حال قيام فئة من مواطنيها (الموالية لإيران أو الإخوان المسلمين) بالثورة على النظام المشيخي الحاكم.


أي أننا نتحدث هنا عن صفقة واضحة ، تتنازل فيها العائلات الحاكمة في الكويت و البحرين و قطر و الإمارات عن جزء من سيادتها النفطية و الدفاعية و السياسة الخارجية للعائلة الحاكمة في السعودية مقابل أن تضمن عائلة آل سعود بقاء هذه العوائل في الحكم أمام التهديدات الإيرانية – العراقية من الخارج، و خطر الثورات الشيعية (في حالة الكويت و البحرين) و الإخوانية (في حالة الكويت و الإمارات) من الداخل.


أي أن هذه الوحدة أو الكونفدرالية لا تهدف إلى رفع المستوى المعيشي لمواطني هذه الدول، و لا تهدف إلى نشر الديموقراطية و زيادة الحريات لمواطني هذه الدول، و لا تهدف إلى تطوير القدرات الإدارية لحكومات هذه الدول، و لا تهدف إلى حماية حقوق الأقليات في هذه الدول، هي ببساطة تهدف إلى نقيض كل ذلك، يا عوائل حاكمة سلموني سياستكم الخارجية و النفطية و العسكرية و سأحميكم من الخطر الإيراني العسكري و الهجوم السياسي الغربي في حال أردتم قمع شعوبكم و الأقليات في دولكم كما حصل في البحرين على سبيل المثال، و السؤال الأهم هنا، هل تحتاج هذه الدول لهذه الحماية؟ و هل للمملكة العربية السعودية قدرة على ضمان هذه الحماية؟


للإجابة على هذا السؤال أحتاج للتوضيح بأني لا أتحمس كثيراً للكتابة عن شؤون الدول الأخرى حيث أطبق دائماً نظرية "أهل مكة أدرى بشعابها"، لكن مسألة الوحدة اليوم مطروحة و سنحتاج إلى تسليط الضوء على الحالة السياسية في دول الجوار، و بالنسبة للسياسة الدفاعية، فيجب علينا الانتباه إلى أن المملكة العربية السعودية بذاتها تعتمد في الدفاع عن نفسها على قوة خارجية و هي الولايات المتحدة الأمريكية، أي أنها في الأساس غير قادرة على حماية نفسها أمام المواجهات العسكرية الجدية، فكيف ستحمي غيرها؟ خصوصاً و أن كل دول مجلس التعاون المعنية بالوحدة تستعين هي الأخرى بالحماية الأجنبية الأمريكية بشكل أساسي في الدفاع عن نفسها، وهذا ما يجعلني أقول بأن السياسة الدفاعية لدول الخليج العربية موحدة بالفعل من خلال الاعتماد على القواعد الأمريكية و قواتها و عقود التسليح معها.


أما الثورات الداخلية فهي تعتمد أساساً على الفجوة ما بين الحاكم و المحكوم، فكلما اتسعت الفجوة بين السلطة و الشعب زادت احتمالات قيام الثورات الداخلية التي يعتمد فيها الثوار على تجييش المجاميع الشعبية ضد الحكم تحت شعار المطالبة بالمزيد من الحريات و مكافحة الفساد و الحفاظ على ثروات البلد من السراق، و السؤال الحتمي هنا هو هل الفجوة بين الشعب السعودي و أسرته الحاكمة أقل اتساعاً من الفجوة بين الشعب الكويتي و البحريني و القطري و الإماراتي و أسره الحاكمة؟


من خلال نظرة بسيطة يمكننا القول بأن الفجوة بين الحاكم و المحكوم في المملكة العربية السعودية أوسع بكثير منها في الكويت و الإمارات و قطر بسبب تدني متوسط دخل الفرد في المملكة بالتزامن مع تمتع أفراد الطبقة الحاكمة بثروات طائلة، يحدث هذا في مناخ يفتقد لأبسط آليات التنفيس و حرية التعبير و بلا أي مشاركة شعبية في اتخاذ القرار، لذلك لا أجد أي سبب منطقي يجعلني أتوقع قيام ثورة شعبية (إيرانية أو إخوانية) في الدول الخليجية الصغرى و لا أتوقع قيامها في المملكة العربية السعودية، خصوصا مع غياب الرؤية الواضحة لترتيبات الحكم في المملكة مع اقتراب انتقاله إلى الجيل الثالث من عائلة آل سعود.


أما بالنسبة للسياسة الخارجية، فالمملكة تتخذ الكثير من المواقف الخارجية الجريئة التي قد لا تضرها ذاتياً لكنها ستضر الكيانات الخليجية الأصغر في حال تبنيها لهذه المواقف، نذكر على سبيل المثال استقبال المملكة لزين العابدين بن علي و عدم تسليمه إلى الحكومة التونسية، بالإضافة إلى مواقف المملكة من الصراع السياسي في العراق و لبنان و العسكري في سوريا، علما بأن الموجة العالمية اليوم هي انفصال الكيانات الصغرى عن الكيان الأكبر بسبب عدم الرغبة في تحمل تبعات قراراته السياسية الخارجية، نذكر على سبيل المثال هنا الرغبة الاسكوتلندية في الانفصال عن انجلترا و الذي سيتم التصويت عليه في 2014.


و بالنسبة للسياسة النفطية، فالمسألة تعتمد على العرض و الطلب و لا أعتقد بأن الخيارات المتاحة لدول الأوبك أكثر مرونة من السابق، خصوصا مع مقدمات عودة النفط الإيراني و ارتفاع الانتاج العراقي و توقعات زيادة الانتاج الأمريكي من النفط الصخري، كل هذه الأسباب تجعلني لا أرى أسباب منطقية للحماسة نحو الوحدة الخليجية المزعومة، مع استثناء حالة البحرين التي ستسفيد مالياً من الدعم السعودي و سيستفيد النظام الحاكم فيها سياسياً من الحماية السعودية في ظل وجود أغلبية شيعية تشعر بالظلم و الاضطهاد.


الغريب في الأمر، أن أبرز من يروج لفكرة "الوحدة الخليجية" المتمركزة على فكرة التنازل عن سيادة الدولة - النصف ديموقراطية - لدولة أخرى يحكمها نظام ملكي عائلي هم أنفسهم من كان يطالب بالمزيد من الحريات و الحكومة المنتخبة!!  كل ذلك من أجل تحقيق حلمهم الاستمنائي السخيف بمقاومة "المد الصفوي" و "التغلغل الشيعي"، و هو ما لم يتمكنوا من تحقيقه في ظل التخلف الحالي و الدعم الأمريكي في السنوات السابقة، و المؤكد أنهم لن ينجحوا في تحقيقه مستقبلاً مع تغير الموقف الأمريكي في ظل وحدة خليجية تعتمد على تعميم التخلف و اضطهاد الحريات.