Tuesday, December 25, 2012

الميموني


لست من هواة الكتابة في أمور خارجة عن نطاق – ما أعتبره – إختصاصي , و لذلك لم أعلق على حكم محكمة الإستئناف الصادر في قضية المرحوم محمد الميموني , فالقضية بالنسبة لي شأن قانوني بحت بالرغم من أبعادها السياسية , و ربما يكون لي رأي سياسي فيها إلا أنني أتحفظ دائماً على تسييس القضايا القانونية و الذي أصبح شائعاً في الفترة الأخيرة بسبب تغوُّل السياسيين و دس أنوفهم في كل مجالات الحياة في الكويت .

و لا بد الإشارة هنا إلى أن ما سأكتبه هو مجرد "رأي" من شخص غير متخصص في القانون و هذا ما يجعلني أكثر تقبلاً للنقد و التفنيد الذي قد يواجه به البعض هذه المقالة , و سأكون شاكراً بالتأكيد لمن يصحح وجهات نظري فيها .

من بين كل القضايا المتعلقة بممارسة السلطة للقمع و التعذيب و مصادرة الحريات و التعسف في تطبيق القانون و التي بدأنا نسمع عنها أخيراً يمكنني القول بأن قضية محمد الميموني هي القضية الوحيدة التي تستحق وقوف السلطة و الشعب عندها و مراجعة النفس في الكيفية التي بدأت و تطورت و إنتهت بها , فالبداية كانت بالإجرام الذي قام به رجال الأمن ثم الفزعة من قيادات وزارتهم في البيان "التدليسي" و من بعدها خداع الوزير حول حقيقة القضية التي جعلتها مادة خصبة للتكسب السياسي و الشحن الجماهيري .

و في حال ابتعادنا عن الشق السياسي للقضية و تركيزنا على الشق القانوني لها فعلينا الإنتباه إلى أن القاضي موظف عام لا يتمتع بسلطة مطلقة , فهو في نهاية اليوم حاله حال أي موظف له وظيفة محددة , و صلاحيات مقيدة يمارس من خلالها مهامه الوظيفية , و وظيفته هنا هي تطبيق "القانون" لا "خلقه" , فـ خلق القوانين مسؤولية تقع على عاتق الحكومة و مجلس الأمة , و هذا ما يجبر القاضي على الإلتزام بالقانون المقرر حتى و إن كان له رأي مختلف .

على سبيل المثال , لو كان القانون ينص على الحكم بـ خمس سنوات سجن مقابل جريمة السرقة , هنا سيضطر القاضي بالإلتزام بهذا الحكم سواء كانت قيمة السرقة خمسين ألف دينار أو خمسين مليوناً , بل أنه في بعض الحالات يضطر إلى معاقبة سارق الخمسين ألفاً بحكم أقسى من الحكم الذي سيحكمه على سارق الخمسين مليوناً , ففي حال تمت سرقة الخمسين ألفاً في أربعة وقائع منفصلة سيحصل المتهم على خمسة سنوات سجن لكل منها, فيكون بذلك حصل على عشرين سنة سجناً , بينما سيحصل سارق الخمسين مليون على حكم واحد بخمسة سنوات سجن في حال قيامه بسرقة كل المبلغ في واقعة واحدة .

و بالعودة إلى قضية الميموني أعتقد أن المسألة تتعلق بشكل مباشر في "التكييف القانوني" للتهمة الموجهة إلى المتهمين و قدرة دفاعهم على نقضها و إعادة "تكييفها قانونياً" , فعقوبة الإعدام في القانون الكويتي لا تُطبق إلا على جرائم "القتل مع سبق الإصرار و الترصد" , و الواضح أن دفاع المتهمين نجح في تكييف التهمة إلى "الضرب المفضي إلى الموت" لا "القتل مع سبق الإصرار و الترصد" , و في حال إقتناع القاضي بأن كل ما فعله المتهمين من ممارسات وحشية لا تصل أو تتوافر فيها شروط تهمة "القتل مع سبق الإصرار و الترصد" فسيكون من المنطقي أن يحكم عليهم بالسجن المؤبد و ليس الإعدام .
 

و يمكننا التأكد من ذلك من خلال قائمة الجرائم التي تمت إدانة المتهمين بها و هي :

1-     التعذيب الذي أدى إلى الوفاة

2-     الحجز في غير الأحوال التي يقررها القانون

3-     القبض على أشخاص و احتجازهم في غير ما يقرره القانون

4-     التزوير

5-     إستعمال القسوة

6-     الإكراه على توقيع مستند

7-     إخفاء أدلة الجريمة
 
و يتضح هنا غياب جريمة "القتل مع سبق الإصرار و الترصد" عن القائمة و هي الجريمة التي كان يمكن من خلالها الحكم بالإعدام عليهم , أكرر بأن هذا الرأي غير متخصص و هو لا يقلل من بشاعة و وحشية الجريمة و لا يقلل من آثارها السياسية و القانونية و الإجتماعية , و في النهاية يظل حكم الإستئناف غير نهائي في ظل لجوء الطرفين إلى محكمة التمييز , و لا يبقى أمامنا هنا سوى الترحم على روح محمد الميموني و الأمل - أو العمل - على أن تكون قضيته مفتاح لباب إصلاح التشريعات و تطوير القوانين و هي الوظيفة الأهم للحكومة و مجلس الأمة .
 
الروابط التالية للقراءة حول الإختلاف بين "القتل مع سبق الإصرار و الترصد" و "الضرب المفضي إلى الموت":

Monday, December 03, 2012

مجلس 2012 الثاني


لي عادة موسمية في تحليل نتائج إنتخابات مجلس الأمة في اليوم التالي لإعلانها , لكن إنتخابات الأمس تختلف بشكل جذري عن غيرها بسبب حملة المقاطعة التي إلتزمت بها نسبة كبيرة من الشعب مما يجعل تحليل نتائج هذا المجلس لا تعكس الصورة بشكل كامل , و هذا ما سيجعل مقالنا اليوم أقرب إلى الجانب السياسي منه إلى الفني و هنا أحتاج إلى توضيح نقطة مهمة هي أنني عندما أقوم بالتحليل السياسي أتجرد من معايير التحليل الأخرى , أي أنني هنا أعالج الجوانب السياسية فقط بغض النظر عن الجانب القانوني و الإنساني و الإجتماعي و العاطفي .

قبل الدخول في شرح النتائج علينا الإتفاق على الفرضيات التالية , نسبة التصويت في الإنتخابات الأولى لـ2012 قاربت الـ60% , و سنعتبر هذه النسبة محققة في جميع الدوائر كوننا لا نملك تفاصيل نِسب المشاركة فيها , أما الفرضية الثانية فهي صحة ما تم الإعلان عنه عن نسبة المشاركة في إنتخابات الأمس و هي قريبة من الـ40% , و بذلك تكون نسبة المقاطعة "الملموسة" 20% يختلف تأثيرها من دائرة إلى أخرى .

الجدول التالي يوضح نتائج إنتخابات الأمس :
 
 

الدائرة الأولى :

الوضع الطبيعي لهذه الدائرة هو تقاسمها بين الشيعة و العوازم مع وجود فرصة لنجاح نائب أو إثنين من الحضر السنة , لكن و بسبب الإلتزام الواضح لقبيلة العوازم بالمقاطعة فتح المجال لإكتساح هذه الدائرة بفوز 8 نواب شيعة تغلب عليهم سمة الإنتماء للتكتلات الدينية بإستثناء معصومة المبارك و عبدالحميد دشتي , و الجديد في هذه الدائرة هو فوز المرشح خالد الشطي المعروف بتطرفه الواضح مما قد يتسبب بتهييج الشارع السني ضد الشيعة و تأكيد مخاوفهم منهم , لذلك سيكون من واجب النواب الشيعة الأكثر خبرة كـ عدنان عبدالصمد و مجموعته إحتواء الشطي و عدم فتح المجال لتكرار ظاهرة عبيد الوسمي و مسلم البراك التي رأيناها في المجلس السابق بين نواب الطائفة .

و بالنسبة لمرشحي السنة من الحضر فلم يكن فوز كامل العوضي و نواف الفزيع غريباً في ظل غياب ما يسمى بالتيار الوطني و الكنادرة إلى حد ما في هذه الدائرة التي كانت نسبة المشاركة فيها هي الأعلى بـ57% .

 

الدائرة الثانية :

نسبة المشاركة في هذه الدائرة 55% تقريباً و هي ثاني أعلى نسبة للمشاركة , و كان فوز علي الراشد بالمركز الأول متوقعاً فيها , أما الجديد هنا فهو فوز ثلاثة من الشيعة و الغياب الواضح لمقاعد التجار بإستثناء عادل الخرافي المدعوم من جاسم الخرافي , و بهذا يخسر مرزوق الغانم و محمد الصقر مقاعدهم – أو من يمثلهم – في هذا المجلس .

 

الدائرة الثالثة :

نسبة المشاركة في هذه الدائرة قاربت الـ52% و لم تشهد الكثير من المفاجآت في ظل غياب رموز المعارضة عنها , فغياب فيصل المسلم و السعدون و الطبطبائي و الإخوان و صالح الملا و أسيل العوضي أدى إلى النتائج الواقعية لهذه الدائرة , و الملفت هنا هو فوز علي العمير بالمركز الأول و بأصوات قاربت الـ6000 مما يشير إلى عدم إلتزام ناخبي السلف بالمقاطعة , أيضاً يعتبر حصول الجويهل على 130 صوت أحد مفاجآت هذه الدائرة بعد أن حل تاسعاً في الإنتخابات السابقة , و ربما تكون هذه إحدى إيجابيات نظام الصوت الواحد و هو الغياب التام لظاهرة النائب المقلوص و النائب المحرقة .

 

الدائرة الرابعة :

نجحت المعارضة في هذه الدائرة في التأثير و بشكل واضح على نتائج الإنتخابات حيث لم تتجاوز المشاركة نسبة الـ29% و هي منخفضة جداً , و الواضح هنا أن المعارضة لم تؤثر بقبيلة الرشايدة بنفس النسبة التي أثرت بها على قبيلة مطير حيث أسفرت النتائج عن فوز 5 من الرشايدة كان من بينهم المرشحة ذكرى الرشيدي و هذا يعتبر مكسب كبير للقبيلة و للمجلس القادم , أما قبيلة مطير فقد غابت تماماً عن هذه الإنتخابات ترشيحاً و إنتخاباً مما أفسح المجال لمرشحي القبائل الأخرى بالتقدم كالمرشح خالد الشليمي و الحسيني و الحريجي .

أما مفاجأة هذه الدائرة فجاءت بفوز المرشح الشيعي مبارك النجادة , و من الصعب هنا توقع مدى قدرة هذه التشكيلة على الإستمرار في حال عودة قبيلة مطير للمشاركة .

 

الدائرة الخامسة :

تستحق هذه الدائرة لقب "عرين المعارضة" فنسبة المشاركة بها هي الأقل على الإطلاق (20%) في ظل مقاطعة واسعة من قبيلة العوازم و العجمان المسيطرة تاريخياً على هذه الدائرة , و بطبيعة الحال أدى هذا الغياب إلى نجاح مرشحين آخرين لم تكن لهم أي فرصة بالنجاح سابقاً كالشيعة شمس و التميمي و الشمري , و الفيلكاوي طاهر بالإضافة إلى الكندري و البوص و الدوسري .

نتائج هذه الدائرة هي الأكثر تغييراً حيث لم يعد أياً من نوابها لمجلس 2012 الأول .

 

بشكل عام و بالمقارنة مع المجلس السابق نجد أن هذا المجلس يتميز بالتالي :
 
 

1- وجود 30 نائب جديد تغلب عليهم صفة الإستقلالية مما يجعل أداءهم غير متوقعاً مع سهولة إستمالتهم لهذا الطرف أو ذاك .

2- إرتفاع نسبة الحضر فيها عن السابق بسبب الغياب الواضح للقبائل الكبرى (العوازم و مطير و العجمان) بإستثناء خالد العدوة .

3- إنخفاض نسبة النواب الإسلاميين إلى أقل من النصف و هي النسبة الأقل على الإطلاق بالمقارنة مع المجالس الأخيرة , ففي العادة يوافق نواب القبائل على كل قانون ذي صبغة "إسلامية" يطرحه نواب السلف و الإخوان , و غيابهم عن هذا المجلس سيجعلنا بعيدين عن معارك تغيير المادة الثانية و أسلمة القوانين مع وجود إحتمال إنتقال المعركة إلى محور "الشيعة و السنة" بسبب الجرأة المتوقعة لنواب الشيعة في تمرير بعض القوانين التي قد تستفز الشريحة السنية .

4- الغياب التام للمعارض الدائم و هو النائب الذي لا يستطيع العمل خارج قالب المعارضة و تقديم الإستجوابات كالنائب أحمد السعدون و مسلم البراك و فيصل المسلم و خالد الطاحوس و غيرهم , علماً بأن عدد هؤلاء النواب في المجلس السابق كان 25 نائباً , و غيابهم عن هذا المجلس يعني غياب الإستجوابات "الحقيقية" عنه , نعم سيكون هناك إستجوابات لكنها لن تكون بنفس خطورة إستجوابات المعارض الدائم .

هنا علينا الإنتباه إلى أن غياب المعارضة الدائمة لا يعني غياب المعارضة بشكل مطلق , ففي مقابل المعارض الدائم هناك معارض متقطع و هو النائب المحسوب على قطب في الأسرة و يستخدم نفسه كسلاح لضرب قطب آخر , أو النائب المتخصص في معارضة وزير معين , أيضاً علينا الإنتباه إلى أن غياب المعارضة الدائمة لم يأتي بسبب تغير المزاج الشعبي المعارض لكنه جاء بسبب مقاطعة هذه الفئة للإنتخابات , أي أن المعارضة الشعبية لم تهدأ إلا أنها تعاملت مع السلطة بسلاح جديد و هو المعارضة التي تهدف إلى الطعن في شرعية المجلس و السلطة التي جاءت به .

 

ماذا بعد ؟

 

للإجابة على هذا السؤال علينا الإتفاق على أن محور المعركة الحالية هو الصراع بين سمو الأمير و المعارضة , و الواضح هنا أن هذه المعارضة تعتمد أساساً على القاعدة القبلية و الإسلامية السنية , أيضاً تتمتع هذه المعارضة بدعم بعض الشيوخ الطامحين للحكم كالشيخ أحمد الفهد بشكل رئيسي مع فتح الباب لتلقي الدعم من معسكر الشيخ سالم العلي و معسكر صباح السالم في المسيلة , أما المعسكر الآخر فيتمتع بدعم الشيخ ناصر المحمد مع إمكانية التحالف مع رئيس الوزراء الحالي جابر المبارك , و هنا علينا الإنتباه إلى أن سمو الأمير يتحرك مؤخراً كمحور مستقل و هو يتحرك بقوة تاركاً أمر مواجته أو الإنضمام إليه للمعسكرات الأخرى .

أعتقد شخصياً بأن النتيجة الأولية لحملة مقاطعة الإنتخابات جاءت بالتعادل بين الفريقين , فنسبة 40% ليست سيئة في ظل غياب دائم لـ40% سابقة مما يعني أن قوة المعارضة تتراوح بين الـ15 – 20% , نعم هي نسبة كبيرة لكن إقتصارها على القبائل فقط و القبائل الكبرى فقط يضعف من مصداقيتها , فهذه القبائل متضررة من النظام الجديد مما يجعل إعتراضها قائم على المصلحة بدلاً من المبدأ , و هذا الإتهام من السهل توجيهه أيضاً لتأييد الشيعة للنظام الجديد فتأييدهم له قد يأتي من أجل المصلحة و ليس المبدأ , و مما يعيب خطاب المعارضة إعتماده الكبير على شيوخ – أو أمراء – القبائل في الترويج للمقاطعة و التعامل مع الموضوع وفقاً للمعايير و المفردات القبلية البسيطة , فالكل يعلم أن الصراع سياسي بحت إلا أن خطاب رموز المعارضة يتعمد إستفزاز النخوة القبلية من خلال حشر مفردات كـ الأحرار و الكرامة و المرجلة في الصراع في محاولة سمجة لتصوير المتقاعس عنها كالفاقد لهذه الصفات .

و المتوقع هنا أن يلجأ رموز المعارضة إلى تعميق هذه المفردات من خلال اللعب على وتر الشرف و العِرض و التركيز على محور المد الصفوي و نجاح متطرفي الشيعة في تجييش القبيلة ضد السلطة و المجلس الجديد , و ذلك قد ينجح في رسوخ المعارضة القبلية إلا أن هذه الأساليب الرخيصة ستفقد جدوتها في الحفاظ على المكون الحضري في المعارضة , فعندما يتفاخر المطيري بمعارضته على العازمي يصبح لسان الحضري "و أنا وين رحت !!".

مع كل ذلك أعتقد بأن موقع سمو الأمير بعد الإنتخابات أقوى بكثير من موقعه قبلها , فإصرار سمو الأمير على إقامة الإنتخابات بالنظام الجديد و نجاحها في إيصال مرشحي القبائل الأخرى و نجاحها أيضاً في إيصال مرشحي الجهراء و الشيعة و حضر الدائرة الخامسة ستجعل كل هؤلاء يتمسكون بهذا المجلس و النظام الإنتخابي الذي جاء به , و في حال نجاح الحكومة في توزير وزراء ينتمون إلى (الفروع المنافسة) في قبائل المعارضة (مطير , عوازم , عجمان) فسيكون من السهل على السلطة سحب البساط تدريجياً من رموز المعارضة الحالية لمصلحة رموز جديدة في هذه القبائل .

أيضاً سيتسبب نجاح هذا المجلس و الحكومة في إقرار 3 أو 4 قوانين شعبية في تمسك مؤيديه به بشكل أكبر و في إفراغ الخطاب المعارض الذي يعتمد على ضعف الإنتاج الحكومي من محتواه , و عندها قد تساهم السلطة في دعم التيارات الشبابية داخل التيارات السياسية للإنقلاب على القيادات التقليدية , خصوصا في التيار الوطني الذي فشلت قياداته في تحقيق أي من أهدافها و خصوصاً الدفاع عن الحريات بينما ضحى سمو الأمير بـ شعبيته و إستقرار حكمه من أجل الدفاع عنها برده لقوانين و تعديلات المجلس السابق .

أعتقد شخصياً بأن سمو الأمير خاض معركة كبيرة في الأسابيع الماضية للحفاظ على البلد من "الضياع" حسب تعبيره , و لكنه لم يصل حتى الآن إلى منتصف الطريق فالتحديات القادمة أكبر , فالتحدي الأول هو القدرة على الإنجاز و إقناع الناس بجدوى تدخلاته في النظام الإنتخابي , أما التحدي الثاني فهو إجبار أقطاب الأسرة و خصوصاً الشيخ ناصر المحمد و الشيخ أحمد الفهد على تأجيل الصراع على الحكم لفترة سنة على الأقل يتمكن من خلالها الشيخ جابر المبارك من العمل , و أنصح شخصياً بأن يذيب سمو الأمير الجليد بينه و بين الشيخ سالم العلي من خلال توزير الأكفاء من فرع السالم .

أما التحدي الثالث لسمو الأمير فهو التعامل مع ما قد تقوم به المعارضة من نشاطات خارج المجلس , خصوصاً بعد فقدانها لكل أسلحتها المشروعة كإصدار القوانين و تقديم الإستجوابات بسبب المقاطعة , هذا ما سيجعلها تتربص بهذا المجلس و تعد أنفاس أنفاسه , أيضاً ستحاول المعارضة و الأطراف المتهورة فيها من إختلاق التصادمات من خلال القيام بالمسيرات و ندوات السقف العالي على شاكلة "لن نسمح لك" .

على العموم , كل ما سبق مرتبط بعوامل السن و المرض للعديد من الأطراف مع تأثره أيضاً بما يحصل في الإقليم , فتطورات الثورة ضد الإخوان في مصر و الخليج و تطورات الأزمة السورية و النفوذ الإيراني في المنطقة كلها عوامل قد تساهم في قلب أو إستقرار الأوضاع في الكويت , أتمنى شخصياً أن لا يكرر البيت الشيعي خطأ الإخوان بالإستعجال على رزقهم و أن يركدوا قليلاً و يُركدوا قواعدهم الإنتخابية فالمكاسب الآنية جاءت و بشكل أساسي بسبب المقاطعة , أيضاً على المعارضة الإيمان بأن السكن في بيت خربان أفضل من السكن في العراء لذلك عليهم أن يحذروا من سياسة الأرض المحروقة , خصوصاً و أنهم في مواجهة أحكام قضائية أطمئنهم مسبقاً بحصولهم على العفو الأميري فيها , علينا جميعاً مراعاة الله في أنفسنا و في بلدنا و في مستقبلنا و تغليب العقل على الطفاقة و التهور .

حفظ الله الكويت من كل مكروه  

Friday, November 30, 2012

سـ أشارك



بالرغم من تواجدي في الخارج خلال الأسبوعين الماضيين إلا أنني دخلت في العديد من المناقشات حول مبدأ المشاركة ومقاطعة إنتخابات مجلس الأمة التي ستقام في الغد، وللأمانة الأدبية أقول أنني حاولت احترام جميع الآراء حول هذه المسألة، إلا أن أكثر ما يزعجني هو جهل الناس الواضح بالدستور ومواده والتطلعات المنشودة منها، وهذا ما دفعني لكتابة هذا الموضوع الذي أعتبره اجتهاد خاص في هذه المسألة مع الحرص على عدم التطرف فيه، أي أن ما سأكتبه هنا هو رأيي الشخصي الذي أطبقه على نفسي ولا ألزم به الآخرين، فالواضح من نقاشاتي السابقة عدم وجود أرضية مشتركة بين جميع الأطراف لتمكين أحدها من إقامة الحجة على الآخر، وربما يكون في ذلك الاختلاف مصلحة كما جاء في القول المأثور "اختلاف أمتي رحمة".

تعود أغلب دساتير الدول العربية – ودستور الكويت من ضمنها – إلى القواعد التي وضعها دستور الثورة الفرنسية، ويعتبر الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو من أهم فلاسفة هذه الثورة، وفي كتابه "في العقد الاجتماعي" وصف روسو المجتمعات السياسية أو الدول بالآتي:


"إن الأسرة هي المنوال الأول للمجتمعات السياسية: فالرئيس هو الصورة عن الأب، والشعب هو الصورة عن الأولاد" و"أن ارتباط الأولاد بأبيهم لا يدوم إلا طيلة الوقت الذي يحتاجون في أثنائه إليه لحفظ بقائهم، و ما أن تنفك هذه الحاجة، حتى تنحل الرابطة الطبيعية، فأما وقد أصبح الأولاد في حل من طاعة أبيهم التي كانت واجبة عليهم، أما وقد صار الأب في حل من رعاية الأولاد التي كانت واجبة عليه، دخلوا جميعهم على حد سواء في طور الاستقلال.

وإذا ما مكثوا متحدين لم يعد ذلك بالفطرة الطبيعية وإنما بمقتضى الإرادة".


أي أن حالة نزوع الأولاد أو الشعب نحو التحرر من رعاية أو وصاية الأب طبيعية فور زوال حاجتهم الطبيعية له ولرعايته، و أعتقد هنا بأن مبدأ مقاطعة انتخابات الغد يقوم على هذا الأساس وهو الاعتراض على فرض سمو الأمير لإرادته على النظام الانتخابي فيما يعتبره المقاطعون فرض للوصاية على شعب ليس بحاجة لها، وهذا رأي محترم، لكن احترامه لا يعني بالضرورة الاتفاق معه، فبالعودة إلى المذكرة التفسيرية لدستور دولة الكويت أجدها تقتبس من روسو تصوير الأمير كـ"أب" للشعب عندما تقول:


"من هنا جاء الحرص في الدستور الكويتي على أن يظل رئيس الدولة أباً لأبناء هذا الوطن جميعا".

وقد حددت المذكرة الهدف الأساسي من هذا الدستور في الفقرة التي قالت فيها:


"لقد تلاقت هذه الأضواء وتلك المعاني المتكاملة عند أصل جوهري في بناء العهد الجديد، قام بمثابة العمود الفقري لهذا الدستور، وهو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره".


أي أن الهدف الأسمى لهذا الدستور وهذا النظام هو وحدة الوطن واستقراره، ومن أجل القيام بذلك وضحت المذكرة التفسيرية الأساسات التي يقوم عليها هذا الدستور وهو التزاوج المتعمد بين النظام الرئاسي (الوراثي) و النظام البرلماني (الجمهوري) مع المعرفة المسبقة بميزة كل نظام على الآخر حيث يقول المشرع بأن ميزات النظام البرلماني لم تنسيه "عيوب النظام البرلماني التي كشفت عنها التجارب الدستورية، ولم تحجب عن نظره ميزة الاستقرار التي يعتز بها النظام الرئاسي".

فالمشرع يرى بأن النظام البرلماني القائم على الأحزاب قد يدخل البلاد في "معركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل وتجعل من هذا الهدف سببا رئيسيا للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، وليس أخطر على سلامة الحكم الديمقراطي أن يكون هذا الانحراف أساسا لبناء الأحزاب السياسية في الدولة بدلا من البرامج والمبادىء، وأن يكون الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم أسلم وحياة أفضل، وإذا آل أمر الحكم الديمقراطي إلى مثل ذلك، ضيعت الحقوق والحريات باسم حمايتها، وحرف العمل السياسي عن موضعه ليصبح تجارة باسم الوطنية".

أيضاً تعمد المشرع و أصرّ على إعطاء أمير الدولة سلطة "التقدير" في العديد من المواد التي نقتبس منها الآتي:

-"يكون الأمير حكما في الأمر، إن شاء أخذ برأي المجلس وأعفى الوزارة، وإن شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس".

-"لم يشترط الدستور أن يكون الوزراء أو (نصفهم على الأقل) من أعضاء مجلس الأمة، تاركا الأمر لتقدير رئيس الدولة".

-"ترك مجال واسع لتصرف رئيس الدولة أو السلطة التنفيذية دون رجوع سابق إلى مجلس الأمة أو دون الرجوع إليه كلية".

بالإضافة إلى إعطاء سمو الأمير وزناً مساوياً - إن لم يكن متفوقاً – على مجلس الأمة الذي لو أجمع كل نوابه على تعديل مواد الدستور فللأمير الحق منفرداً في رد هذا التعديل "وجعلت حق رئيس الدولة في هذا الخصوص (حق تصديق) بالمعنى الكامل لا مجرد حق اعتراض توقيفي".

أما في شأن الضرورة و تحديدها، فيمكننا القياس على ما ذكرته المذكرة التفسيرية في تفسير المادة 69 من الدستور والمتعلقة بإعلان الأمير للأحكام العرفية حيث تقول:

"يكون إعلان الأحكام العرفية بمرسوم، وذلك مراعاة لضرورات السرعة في عمليات الدفاع، ولكن هذا النص، وكل نص مماثل له في الدستور، لا يمنع رئيس الدولة والحكومة من أخذ رأي مجلس الأمة في الأمر مقدما إذا سمحت الظروف بذلك، وهذا أمر متروك لتقدير الأمير وحكومته دون إلزام".

و بهذا نجد أن الدستور و القائمين عليه أعطوا لسمو الأمير الكثير من الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والتقديرية التي "أوحت" له بأحقيته في إصدار مرسوم الضرورة القاضي بتقليص عدد الأصوات من أربعة إلى واحد، لكن هذا المنطق لن يجد له آذان صاغية في معسكر المعارضة والمقاطعة، فهؤلاء يعتقدون – ولهم الحق في ذلك – بأن "الشعب" أو "الأمة" مصدر السلطات جميعاً وهي المسؤولة عن تحديد آليات اختيار نوابها ومن حقها الاعتراض على مرسوم سمو الأمير بالأساليب التي حددها لها الدستور في مذكرته التفسيرية التي تقول:

"هذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفي على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية، فتكفل لهم - إلى جانب حق الانتخاب السياسي - مختلف مقومات الحرية الشخصية (في المواد 30 ، 31 ، 32 ، 33 ، 34 من الدستور)

وحرية العقيدة (المادة 35)

وحرية الرأي (المادة 36)

وحرية الصحافة والطباعة والنشر (مادة 37)

وحرية المراسلة (المادة 39)

وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 43)

وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44)

وحق تقديم العرائض إلى السلطات العامة (المادة 45)".

و هذا الرأي منطقي أيضاً، أما المسألة كما أراها فهي تعود إلى اختلاف الرأي بين الطرفين من حيث "الأهلية الكاملة" للشعب أو للأولاد حسب وصف روسو في تحديد الآلية التي يختارون فيها ممثليهم، فالأولاد يقولون نحن من نختار ممثلينا بالشكل الذي نريده والأب يقول بأن اختياراتكم السابقة جاءت بنتائج مدمرة تهدد الهدف الأسمى للدستور وهو "الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره" مما جعلني أرى "ضرورة" للتدخل وتغيير النظام الذي تنتخبون من خلاله ممثليكم، وبين هذا الرأي و ذاك، علينا اختبار وجهات نظر الطرفين لمعرفة أيهما الأقرب إلى تحقيق "الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره" والبداية في وضع الفرضيات التالية:

أولاً: نظام الدوائر الخمس والأربع أصوات جاء بإرادة الشعب .

ثانياً: أتاح هذا النظام للشعب اختيار نواب مجلس 2008 و 2009 (القبيضة) و 2012 الذي عوّض فيه الشعب خطأه السابق في انتخاب القبيضة من خلال انتخاب نواب المعارضة الذين تمكنوا من تشكيل كتلة الأغلبية المعارضة التي تمثل إرادة الأحرار من أبناء الشعب الكويتي .

ثالثاً: أداء أغلبية مجلس 2012 كان جيداً ويصب في مصلحة الشعب و"الحفاظ على وحدة الوطن و استقراره" مما أزعج السلطة فتدخلت أولاً في تعطيله لمدة شهر ثم في إبطاله من خلال حكم المحكمة الدستورية ثم في ضمان عدم عودته في تحويل قانون الدوائر للمحكمة الدستورية ثم في القضاء عليه من خلال مرسوم الصوت الواحد .

بعد وضع هذه الفرضيات علينا العودة إلى الأداء الفعلي لنواب هذه الكتلة فور وصولها إلى المجلس والحكم عليه طبقاً للمعايير الأساسية وهي الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، والحفاظ على حريات الناس، والحفاظ على مصالح الكويت الخارجية، فعلى بركة الله نبدأ:

بدأ نواب الكتلة أعمالهم في 4-2 باقتحام السفارة السورية وإتلاف ما فيها وتهديد الحكومة بالاستجوابات إن لم تقم بطرد السفير السوري، ثم قام نفس النواب بحرق صورة الرئيس الروسي أمام سفارته مما أحرج الكويت أمام الخارجية الروسية وأضر بمصالح الكويت الخارجية.




بعد ذلك في 7-2 عقدت كتلة العمل الشعبي برئاسة أحمد السعدون صفقة يصوت من خلالها التيار السلفي للسعدون بالرئاسة مقابل موافقة الشعبي على تغيير المادة الثانية من الدستور في مخالفة واضحة للدستور الذي قالت مذكرته التفسيرية: 

"لو قيل (والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع) إذ مقتضى هذا النص عدم جواز الأخذ عن مصدر آخر في أي أمر واجهته الشريعة بحكم مما قد يوقع المشرع في حرج بالغ إذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في التزام رأي الفقه الشرعي في بعض الأمور وبخاصة في مثل نظم الشركات، والتأمين، والبنوك، والقروض، والحدود، وما إليها".




و في 18-2 أعلن نائب الكتلة أسامة المناور عن وقوفه ضد بناء كنائس جديدة أو توسعة القائم منها في توضيح على تصريحه السابق بهدم الكنائس.


و في اليوم التالي أعلن نائب الكتلة عبيد الوسمي عن استجواب رئيس الوزراء ثم عاد عن هذا القرار بعد ضغوط من نواب الكتلة.


و مع بداية شهر مارس قدم نائب الكتلة محمد هايف اقتراحاً بتعديل المادة 79 من الدستور تجبر الدولة على "أسلمة" قوانينها في مخالفة واضحة للمادة الثانية من الدستور.



و في 11 مارس قام مكتب المجلس برئاسة أحمد السعدون بتعديل بلاغ اقتحام المجلس وتلطيف الحادثة من خلال نزع صفة "الاقتحام" عنها.


ومع ختام شهر مارس قام نواب الكتلة بتهديد وزير الداخلية في حال سماحه لملتقى النهضة بالانعقاد في الكويت مما أدخل الكتلة في خلاف بين مؤيد ومعارض لهذا الملتقى في إشارة واضحة إلى عدم إيمان هؤلاء بالحريات الشخصية وحرية الرأي.


وفي منتصف شهر إبريل قدم وصوّت نواب كتلة الأغلبية على قانون يعاقب بإعدام كل من "يطعن" في الصحابة دون تعريف معنى الطعن ومن هم الصحابة مع التفريق بين إن كان الطاعن مسلماً أو غير ذلك مما جعل هذا القانون شاهداً على تطرف هذه الكتلة وسخافة فكر عقلائها قبل متطرفيها.




أما ختام شهر إبريل فجاء مع نائب الكتلة فيصل اليحيى الذي قدم 9 تعديلات على الدستور تهدف إلى إعطاء صلاحيات إضافية لمجلس الأمة على حساب الصلاحيات الأميرية.


ومع بداية مايو تسابق نواب الكتلة عبيد الوسمي مع النائبين مسلم البراك وعبدالرحمن العنجري لتقديم استجواب إلى وزير المالية مصطفى الشمالي حيث لم يتمكن نواب الكتلة من التنسيق المسبق لتقديم استجواب واحد بسبب مكالمة هاتفية!


وفي منتصف مايو قدم نواب الكتلة تعديلات على قانون المحكمة الدستورية تعطي الحق لمجلس الأمة في اختيار بعض أعضاء المحكمة في مخالفة واضحة لمبدأ فصل السلطات الذي كان ينادي فيه نواب الكتلة سابقاً.


ومع بداية شهر يونيو تقدم نائب الكتلة الصيفي الصيفي باستجواب لوزير الشؤون أحمد الرجيب حول مقالة كتبها سابقاً وأعمال قام بها قبل الدخول للوزارة!! 

ثم تبعه النائب المقرب للكتلة رياض العدساني و قدم استجوابا آخر لنفس الوزير!!



بعد ذلك وجه عدد من نواب الكتلة وبزعامة نائب رئيس المجلس (خالد السلطان) نداء إلى العاهل السعودي للتدخل في الأزمة السورية في تجاوز واضح لسمو الأمير ومحاولة رخيصة لتهميشه!!



هذه باختصار هي مسيرة معارضة مجلس 2012 وأغلبيتها، محاولات لتعديل الدستور وسلب الحريات وتخريب العلاقات الخارجية وتسابق على الاستجواب وتغوُل على السلطات الأخرى.

 نعم هو مجلس جاء بإرادة الشعب و يمثل الشعب في أفعاله، لكن هل يحق لهذا الشعب بعد ذلك أن يعلن تحرره من وصاية ورعاية سمو الأمير الذي لم يجد أمامه سوى كبح هذا المجلس من خلال رد قوانين تعديل المادة 79 من الدستور، ورد قانون إعدام الطاعن في الصحابة، وإيقاف المجلس لمدة شهر تم فيها إبطاله بحكم المحكمة الدستورية.




بعد هذا الاختبار البسيط يحق لنا أن نتسائل من الذي انتصر للدستور ورفض تعديلاته؟

ومن الذي انتصر للحريات ورفض التضييق عليها؟

هل هو سمو الأمير أم ممثلي الشعب؟

هل للشعب الذي يختار ويؤيد هذه النوعية من النواب الحق في المطالبة بزيادة صلاحياته على حساب الصلاحيات الأميرية؟ هل من حق هذا الشعب أن يطالب باختيار سلطته التنفيذية بالإضافة إلى التشريعية؟ هل من حق هذا الشعب رفض تدخلات سمو الأمير في النظام الانتخابي والتي لا أؤيدها شخصياً؟

لذلك، و من مبدأ قبولي بالتصويت لنواب على هذه الشاكلة وعدم مقاطعتي لجميع الانتخابات السابقة بالرغم مما مارسه هؤلاء الأعضاء من تعديات واضحة على الدستور نصاً وروحاً فلا أجد أمامي إلا التعامل بالمثل مع التدخل الذي قام به سمو الأمير في النظام الانتخابي، وهذا ما يجعلني أشارك بالتصويت في هذه الانتخابات.

أشارك من مبدأ الاعتراف بعدم نضوج هذا الشعب و سوء خياراته، أشارك من مبدأ احترام النفس وعدم الكذب على الآخرين والتدليس عليهم، أشارك لأقول شكرا من القلب لسمو الأمير على رده للقوانين السيئة التي أقرتها أغلبية نواب 2012 وليس تأييداً لمرسوم الضرورة، أشارك لأني لم أفقد الأمل بمستقبل أفضل لهذا البلد ولم يتمكن مني اليأس من ممارسات نوابكم.

أعلم جيداً بأن المجلس القادم لن يكون أفضل من غيره، لكن المشاركة في الانتخابات تأتي كـ إشارة على "نصف" تأييد لسمو الأمير ورفض كامل وشامل لممارسات رموز المعارضة وجماهيرها.

أقول سأشارك لأن ذاكرتي ترفض النسيان والتغاضي عن الإجرام التشريعي الذي مارسه نواب الأغلبية السابقة، سأشارك لأن حِسي المستقبلي يدق نواقيس الخطر مما يفعله هؤلاء والمغفلين من جماهيرهم، سأشارك لأن المشاركة حق لا أرغب في تضييعه بعد أن ضيّع الشعب البلد في خياراته السيئة.

أكرر مرة أخرى، هذا اجتهادي الشخصي الذي أطبقه على نفسي ولا ألزم به غيري، شكرا للجميع و الله يعديها على خير.

Sunday, November 04, 2012

لا كرامة بمخالفة القانون


هناك فرق بين أن يكون لك رأي في مسألة , و بين الإعلان عن هذا الرأي في حال سؤالك عنه , و بين المبادرة بإعلان هذا الرأي دون سؤال , و بين محاولتك لإيصال هذا الرأي للآخرين , و بين فرضك لهذا الرأي على الآخرين بالوسائل المعنوية و المادية .

فالحالة الأولى تنطبق على موقفي من قضية البحرين و سوريا , لي رأي فيها لكنني فضلت عدم الإعلان لأسباب كثيرة أهمها إحتمالية تدخل "العاطفة" في تكوين هذا الرأي , أما الحالة الثانية فتنطبق على آرائي الدينية التي لا أعلن عنها إلا في حال السؤال و الإستفسار ممن أثق في تطلعهم الحقيقي للمعرفة , و تنطبق الحالة الثالثة على آرائي السياسية المحلية التي أنشرها في تويتر و المدونة , و أحيانا تنطبق عليها أيضاً الحالة الرابعة عندما أقوم بإرسال "آرائي" لبعض الأصدقاء و "القروبات" عبر الإيميل و الواتسب , أما الحالة الخامسة و الأخيرة فلله الحمد لم أضطر لإستخدامها بسبب إيماني الشديد بأن لكل إنسان عقل يفكر فيه للوصول إلى النتائج المنطقية و ضمير يحميه و يمنعه من الإنجراف خلف نزعاته التطرفية .

وجدت نفسي مضطراً لكتابة هذه المقدمة بعد أن وصل حالنا إلى مرحلة لا تطاق , فالخلافات على المواقف السياسية دخلت بين الإبن و أبيه , و شحنت الزوج على زوجته , و أسقطت الصديق من عين صديقه , و أخرست الموظف عن محاورة زميله , هكذا أصبحنا نتهم الآخرين بالخيانة و الإنبطاح لمجرد إختلافهم معنا في رأي سياسي يختلف عليه فلاسفة السياسة و جهابذة الدستور , و لن نختلف هنا على أن قضيتي المشاركة في الإنتخابات القادمة و المشاركة في مسيرة "كرامة وطن" من أهم هذه القضايا الفتنوية التي أخرجت أسوأ ما فينا على العلن .

و للبحث في هتين المسألتين علينا العودة إلى تفكيك العُقَد المربوطة و معالجة كل مسألة على حدة , فالمادة الأولى من قانون الإنتخاب تنص على :

"لكل كويتي بالغ من العمر إحدى و عشرين سنة ميلادية كاملة حق الإنتخاب"

أي أن الدستور الكويتي يعتبر الإنتخاب "حق" للمواطن المحدد في القانون , و "الحقوق" بطبيعة الحال تخضع لمنطق رغبة صاحبها في تفعيلها , فأنا لي "الحق" في التنقل و لكني حر في عدم الإنتقال و البقاء في المنزل , و لي "الحق" في مقاضاة من أضرني لكن لي مطلق الحرية في عدم تفعيل هذا الحق , و علينا هنا الإنتباه إلى أن عدم تفعيلي لحقي في مقاضاة من أضرني لا يفتح الباب أمامي لـ إنتزاع هذا الحق بأساليب أخرى غير قانونية , و عندما أقوم بذلك سيصبح من "حق" الجهة المتضررة مقاضاتي .

لذلك تعتبر مسألة التنازل عن "حق" المشاركة في الإنتخاب "حق" أصيل للمواطن الذي يقرر ذلك , لكن ليس من "حقه" أيضاً منع أو مصادرة "حقوق" بقية المواطنين الراغبين في تفعيل هذا "الحق" و المشاركة في الإنتخابات , و ليس من "حق" الطرفان تبادل الشتائم و السباب على تفعيل أو عدم تفعيل "حقهما" في الإنتخاب , فالذي سيقاطع الإنتخاب هو مواطن "حر" في عدم تفعيله لـ حقه , و الذي سيشارك فيها "حر" أيضاً في تفعيل هذا الحق , هذا هو الأساس الذي نناقش هذه المسألة من خلاله , و نستذكر هنا موقف الدكتور أحمد الخطيب من المشاركة في إنتخابات 1971 التي قرر زميله جاسم القطامي مقاطعتها فلم يُخوِّن الخطيب جاسم و لم يصف القطامي أحمد بالإنبطاحي .
 
 

أما مسألة المشاركة في مسيرة "كرامة وطن" فتأتي في ظاهرها كأحد الأنشطة الترويجية لخيار مقاطعة الإنتخابات إعتراضاً على التعديل الجزئي الذي أجراه سمو الأمير على قانون الإنتخاب , و نحن هنا نؤكد على أن هذا المرسوم "حق" دستوري لسمو الأمير إلا أنه يخالف أحد "المباديء" الأساسية للدستور الكويتي و هو نأي السلطة بنفسها عن التدخل في الإنتخابات , لذلك أتفهم جيداً "منطقية" الرأي القائل بمقاطعة هذه الإنتخابات و عدم المشاركة بها , إلا أن منطقية مقاطعة الإنتخابات لا تعني بالضرورة منطقية المشاركة في المسيرة , خصوصاً و أن للمشاركين في هذه المسيرة أهداف أخرى قد تتعارض تماماً مع من يدعي الإلتزام بالقانون و الحفاظ على الدستور .

فالمشكلة في المسيرة تكمن في عدم قدرة منظميها على التحكم بها و بـ إتجاهات و أهداف المشاركين بها , فتنظيمك لمسيرة "سلمية" من النقطة ( أ ) إلى النقطة ( ب ) لا يعني بأن من سيشارك سيلتزم بهذا المسار و هذه الأخلاق و هذا الهدف , فالواضح أمامنا أن المسيرة الأولى تحولت من مسيرة سلمية هدفها الإعتراض على مرسوم الضرورة إلى وسيلة ضغط و إبتزاز للسلطة لإسقاط قضايا إقتحام المجلس و حرق خيمة الجويهل و التعدي على الذات الأميرية .
 
 

نعلم جيداً بأن هناك من سيحاول التعذر بأن هذه الأحداث جاءت كـ"ردود أفعال" على فساد السلطة , لكننا نقول بأن إقتحام المجلس بالطريقة التي رأيناها لا يقل ضرراً على الكويت من وجود مجلس القبيضة , و حرق مقر الجويهل بهذه الهمجية لا يقل ضرراً على الكويت من بذاءات لسانه و أفعاله , و مخالفة المادة 54 من الدستور عبر الإساءة للذات الأميرية لا تقل ضرراً على الكويت من تدخل السلطة في الإنتخابات , لذلك , فكما أعطيتم لأنفسكم "حق" المطالبة بحل مجلس القبيضة و محاكمة الجويهل و رد مراسيم الضرورة فمن "حقنا" و "حق" الكويت أن تطمئن بمحاكمة عادلة لمن إقتحم المجلس و حرق مقر الجويهل و أساء للذات الأميرية .

لقد شهد يوم الأربعاء الماضي حدثين منفصلين إجتمع في أولهما مجموعة من الشباب أمام مبنى جريدة الطليعة للحديث عن قضيتهم الأساسية و هي "مقاطعة الإنتخابات" إعتراضاً على مرسوم الضرورة , و لم يتجاوز عدد حضور هذا التجمع المخصص لقضية "المقاطعة" العشرات أو المئات , بينما شهد اليوم نفسه تجمع الآلاف الذين أغلقوا شوارع منطقة صباح الناصر و حاولوا التوجه لمبنى السجن المركزي للمطالبة بالإفراج عن النائب السابق مسلم البراك الذي يعرف الجنين قبل أن تلده أمه عن مخالفته لنص المادة 54 من الدستور بتعديه على الذات الأميرية .
 
 
 

و يبقى السؤال هنا من الذي سيشارك في مسيرة كرامة وطن و ما هي أهداف كل منهم ؟ هل الإعتراض فقط على مرسوم الضرورة أم أن هناك من يستغل تعاطف الناس مع هذه القضية لعقد صفقة مع السلطة يتخلص فيها من الملاحقات القضائية ؟

لو كنت في مكان المعترضين على مرسوم الضرورة و الراغبين بمقاطعة الإنتخابات لـ شاركت و نظمت الإعتصامات المشابهة لإعتصام جريدة الطليعة بدلاً من بيع قضيتي بثمن بخس لمن يتاجر فيني و فيها للتهرب من مواجهة القضاء , فالوقوف مع مئتين شخص يؤمنون حق الإيمان بالقضية أفضل من التواجد مع عشرات الآلاف من المتاجرين بها .
 
 

أقول قولي هذا و أسأل الله الخير و السلام لهذا البلد بكل من فيه .
@ma6goog


Saturday, November 03, 2012

صراع الحكم


يتميز المشهد السياسي في الكويت – اليوم - بالضبابية أو الغبارية إن صح التعبير , فمع الضباب تكون الرؤية غير واضحة لكنها ممكنة , أما في الغبار – و خصوصاً الغبار الكويتي – فتكون الرؤية معدومة , فلا أحد يعرف أين يقف أو أين يفترض به أن يقف , هو مع السلطة هنا و ضدها هناك , مع المعارضة هناك و ضدها هنا , يحصل ذلك وسط منظر مزعج إلى حد القرف و مقرف إلى حد الإنزعاج تحول فيه الناس إلى قطعان من الحمقى و عبدة للأوثان الإنسية , فذاك يردد علينا "سمعاً و طاعة" و هذا يصف ضميره السياسي بـ"الظاهرة الكونية" !!

أمام هذا الغبار أجد من واجبي الحديث عن ثلاثة نقاط رئيسية أولها الصراع على السلطة , و ثانيها مسألة مقاطعة الإنتخابات , أما ثالثها فهي مسيرة كرامة وطن الجزء الثاني المزمع إقامتها يوم الأحد القادم , و هذا ما سيجعل من هذا المقال طويلاً و متشعباً و منفلتاً في حال عدم قدرتي على السيطرة عليه , لذلك أرجو المعذرة مقدماً من وعورة ما سأكتب .

البحث في مسألة الصراع على الحكم يمتد إلى بدايات تأسيس دولة الكويت الحديثة و بالذات إلى العام 1895 حينما أقدم الشيخ مبارك على إغتيال أخويه جراح و محمد الذي كان يحكم الكويت آن ذاك , و من بعد حكم مبارك أصبح الحكم "شبه" متبادل بين إبنيه جابر و سالم و ذريتيهما , ما يهمنا الآن هو الحديث عن مرحلة حكم الشيخ جابر الأحمد الصباح التي بدأت في اليوم الأول من العام 1978 و استمرت إلى أوائل العام 2006 , و بالرغم من الإضطرابات التي واجهتها الكويت محلياً و إقليمياً أثناء هذه الفترة إلا أنها تميزت - على الأقل - بهدوء الصراع على الحكم .

يعود السبب في ذلك إلى عاملين أساسيين :

الأول هو أن الشيخ جابر الأحمد استلم الحكم و هو في بداية الخمسينات من عمره , أي أنه كان في "عز" شبابه و قوته و نضوجه الفكري و الجسدي مما جعل الجميع يتوقع "طول إمتداد" فترة حكمه فلم يعد المجال مفتوحاً للصراع على السلطة , خصوصاً و أن ولي عهده أيضا يتمتع بالصحة و القوة .

أما العامل الثاني في كبح الصراع على الحكم أولاً , و عدم خروج الصراع السياسي عن حيزه المسموح ثانياً , فكان جمع الشيخ سعد لمنصبي ولاية العهد و رئاسة الوزراء مما وضعه فوق سقف "المحاسبة الشخصية" في مجلس الأمة , أي أن المحاسبة كانت تقف عند الوزراء و لم تتجرأ على الوصول إليه و الشواهد على ذلك كثيرة أهمها أزمة المناخ و لجنة تقصي الحقائق في 1992 .

و مع بداية الألفية الجديدة بدأت الحالة الصحية للشيخ جابر الأحمد و ولي عهده الشيخ سعد العبدالله بالتدهور , جاء ذلك بعد وفاة الشيخ جابر العلي في 1994 و تدهور صحة الشيخ سالم صباح السالم و غياب سياسي للشيخ سالم العلي السالم , إجتماع هذه الظروف صب في صالح الشيخ صباح الأحمد الذي أصبح رجل المرحلة و الحاكم الفعلي للبلاد , لكنه لم يتمكن من القيام بهذه المهمة كما يريد من موقعه آن ذاك كنائب أول لرئيس الوزراء و وزيرا للخارجية , فلم يكن أمامه إلا المطالبة بالفصل بين ولاية العهد و رئاسة الوزراء ليصبح الشيخ سعد ولياً للعهد و يصبح الشيخ صباح أول رئيس وزراء غير محصن بولاية العهد في تاريخ الكويت في العام 2003 .

و بعد ثلاثة أعوام من الفصل استمرت الحالة الصحية للشيخ سعد و الشيح جابر الأحمد بالتدهور إلى أن جاء الخامس عشر من يناير 2006 الذي توفى فيه سمو الأمير جابر الأحمد و إنتقل فيه مسند الإمارة تلقائياً إلى الشيخ سعد العبدالله الصباح , لكن الشيخ سعد لم يكن قادراً على أداء مهام الإمارة فدخلت البلاد في معركة "أزمة الحكم" التي إنتهت بتصويت أعضاء مجلس الأمة على نقل صلاحيات – أو تنحية – الأمير إلى رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الصباح , و بالرغم من تفوق فريق الشيخ صباح في هذه المعركة على الفريق المنافس إلا انها إستمرت على مدى إسبوعين إستُنزفت فيها الكويت بشكل غير مسبوق .

ففي تلك الأزمة شهدنا صراع الشيوخ على الحكم و كيفية إستخدام كل منهم لأسلحته – أو أدواته – لحسمها , شهدنا إستخدام الإعلام و البلوتوث و رئيس مجلس الأمة و أعضاءه , شهدنا أيضاً أصحاب المواقف المريبة الذين حاولوا بقصد أو من دون قصد إطالة عمر الأزمة و عدم حسم الأمور لصالح معسكر الشيخ صباح , المثير هنا أن الرُباعي أحمد السعدون و مسلم البراك و وليد الطبطبائي و محمد عبدالقادر الجاسم قاتلوا بشراسة لإبعاد الشيخ صباح عن الإمارة , لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن الرُباعي و تمكن معسكر صباح الأحمد من حسم الأمور بسبب تفوقه الواضح على معسكر الشيخ سعد الذي كان يتزعمه – بالنيابة - الشيخ سالم العلي الصباح .

و بالرغم من إنتصار الشيخ صباح في "أزمة الحكم" إلا أن ثمن هذا الإنتصار أفقده الضمانات السابقة للسيطرة على صراع الحكم , فالشيخ صباح – أطال الله في عمره – حكم و هو في الثمانين من عمره مما جعل الجيل الثاني من شيوخ الأسرة يتوقعون "قصر فترة" حكمه , و هذا ما دفعهم للدخول في صراع محموم للفوز بمنصب ولاية العهد في اللحظة التي ينتقل فيها الحكم إلى ولي العهد – الحالي – الشيخ نواف الأحمد الصباح , و قد إعتمد هؤلاء في صراعهم على خطين متوازيين :

الخط الأول هو العمل على تشكيل تحالفات مع الأطراف التي ستكون مؤثرة في أزمة الحكم المقبلة , و تعتمد هذه التحالفات على عناصر محددة أهمها الصحف و القنوات الفضائية و أعضاء مجلس الأمة و رجال الأعمال و المجاميع – أو الأحزاب - السياسية بالإضافة إلى شيوخ القبائل و وجهاء الطوائف .

أما الخط الثاني فهو إستخدام هذه التحالفات في تكسير و إضعاف منافسيهم لتقليل حظوظهم في النجاح , و هذا ما جعلنا نشهد هذا الكم الهائل من الوقاحة الإعلامية و السياسية في ضرب هذا الشيخ أو ذاك لإبعاده عن المنافسة , و مما لا شك فيه أن أهم سلاح يستخدمه الشيوخ في تشكيل هذه التحالفات و تحفيز عناصرها على ضرب الخصوم هو المال , لذلك يحتاج كل منهم لتأمين مبالغ تتراوح ما بين الخمسة ملايين إلى خمسة عشر مليون - سنوياً - من أجل المحافظة على هذه التحالفات و توسيعها , و السؤال الذي يطرح نفسه من أين يأتي هؤلاء بهذا الكم الهائل من المال ؟

الإجابة هي أن بعضهم "وارث" و البعض الآخر "مختلس" و البعض الثالث لم ينجح في هذا و ذاك فأصبح فريسة سهلة للإغراءات الخارجية , فالأنظمة الحاكمة في الدول الشقيقة – و المحيطة – تراقب هذا الصراع و من السهل عليها تبني أحد أطرافه مالياً و معنوياً و إعلامياً !! ففي حال نجاح هذا الطرف ستصبح الكويت , و بكل إمكاناتها – 10% من نفط العالم – في خدمة مصالح هذه المحاور الإقليمية التي لا تشكل العشرين أو الثلاثين مليون دينار لها شيئاً , و من المحتمل أن لا تقوم هذه الجهات بدفع المبالغ مباشرة لهذا الطرف – الشيخ – أو ذاك , بل أنها تكتفي بشراء بعض النواب أو وسائل الإعلام و تسخرهم للدفاع عنه أو لمهاجمة منافسيه .

أعترف بأنني لا أمتلك أدلة ملموسة على ما أدعيه هنا , لكن المثل يقول "البعرة تدل على البعير و الأثر يدل على المسير", و قد رأينا خلال السنوات الست الماضية عدد لا بأس به من الـ"بعرات" و الـ"آثار" التي لا يمكن أن يكون إجتماعها من قبيل المصادفة , فليس من الصدفة إلصاق تهمة "المد الصفوي" بالشيخ ناصر المحمد , و ليس من الصدفة إتهام ملك السعودية و ولي عهد الإمارات – علناً - بدعم العنف في الكويت , و ليس من الصدفة أن يكون صاحب هتين التهمتين الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم الذي عمل مستشاراً للشيخ علي الخليفة و كان مستعداً لأن يصبح مستشاراً للشيخ أحمد الفهد و الشيخ ناصر المحمد , فهل من المصادفة أن يتوقف مستشار الشيوخ عن تقديم إستشاراته في الوقت الذي ترتفع فيه قيمته و قيمتها و يزداد عدد الشيوخ الطامعين بالحصول عليها !!؟

هل تبادل الإستجوابات بين نواب الشيخ ناصر المحمد و نواب الشيخ أحمد الفهد من قبيل المصادفة المحضة ؟ و ماذا عن تواجد الشيخ فهد سالم العلي في تجمعات ساحة الإرادة و تبنيه لها في قناته ثم إختفائها فجأة ؟ هل ظهور ما يقارب الـ20 جريدة ثم إغلاق الجيد منها و بقاء السيء من قبيل الصدفة ؟ أين هو الجويهل ؟ و ما هو السر في الأوقات القاتلة لظهوره و من ثم إختفاءه !؟

سردي لهذه الأسئلة لا يأتي من باب الترويج لنظرية المؤامرة أو توجيه الإتهامات يمنة و يسرى , لكني أحاول تسليط الضوء على هذه الظواهر و توضيح دور "الصراع على الحكم" في المشهد السياسي و أزماتنا السياسية , هي محاولة للتفريق بين العفوي منها و المفتعل .

المشكلة هنا ليست في تقدم العمر بسمو الأمير و إنفصال ولاية العهد عن رئاسة الوزراء , المشكلة في أن المتصارعين على حلبة "أزمة الحكم" القادمة لن يكونوا طرفين يتفوق القوي منهم على الضعيف بمواجهة "خفيفة", بل سيتراوح عدد المتصارعين من ثلاثة إلى خمسة و ليس من الواضح حتى الآن تفوق أياً منهم بشكل قاطع على الآخر .

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا كان الشيخ صباح الأحمد الصباح قد اضطر لتقديم فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء في 2003 , و تمكين أعضاء مجلس الأمة من عزل الأمير في 2006 ثمناً – غالياً- لتحقيق النصر في "أزمة الحكم" السابقة بالرغم من محدودية الصراع في طرفين و تفوقه الواضح على منافسه , فما هو الثمن الذي سيدفعه أطراف "أزمة الحكم" القادمة !!؟

 
@ma6goog