Thursday, March 19, 2009

هكذا تكلم النوخذة - الديموقراطية

عندما وصل النوخذة الى الحفرة الثانية , كان البحار جالسا على أطراف حفرته الصغيرة , فبادره النوخذة بالسؤال

هل وجدت الكنز ؟

هه , ليس بهذه السرعة

لماذا توقفت عن الحفر اذا؟

اعذرني و لكني لم أشرب أو آكل شيئا منذ أكثر من 24 ساعة

ما اسمك؟ سأله النوخذة

اسمي أحمد

و ما هو عملك يا أحمد؟

أنا لا زلت أدرس في الكلية , رد عليه أحمد

همـــم , غريب , تبدو لي أكبر بقليل من سن الدراسة ؟

نعم , نعم , و لكني متأخر قليلا في الدراسة نتيجة انشغالي الدائم في الأنشطة السياسية الانتخابية

ممتاز ممتاز , أخبرني , ما هي الديموقراطية يا أحمد ؟

الديموقراطية هي أن تحدد أغلبية الشعب الطريقة التي تريد أن تُحكم بها

آه , و هل أنتم تحددون طريقة حكمكم فعلا؟

تقريبا , فنحن من نختار أعضاء مجلس الأمة و هم من يشرعون القوانين و يراقبون الحكومة , ألا تؤمن
أنت بالديموقراطية ؟

فرفع النوخذة رأسه و قال , أنا لا أؤمن بالعناوين المعلبة , و لكني أحلل الممارسات و نتائجها , النظام الديموقراطي قائم على عقيدة أساسية و هي أن الناخب سيصوِّت للمرشح الأفضل للمصلحة العامة, و من بين هؤلاء المرشحين الجيدين سينجح أفضلهم و هو الحاصل على أكبر عدد من الأصوات , لكن الممارسة العملية للديموقراطية عندكم تُظهر عكس ذلك
.
فأنتم يا سيدي تمارسون الديموقراطية العرجاء لنصف قرن , و مع ذلك فأنا أشك في توفر القاعدة الأساسية للديموقراطية عندكم كناخبين , فلا أعتقد أن الناخب الكويتي تتوفر فيه القدرة على التمييز بين المرشح الجيد و المرشح السيء , فأغلب الناخبين لا يقيّمون المرشح من ناحية قدرته على القيام بدوره التشريعي و الرقابي , بل هم يقيّمونه على مدى قدرته على تحقيق المنفعة الشخصية الضيقة لهم , فالمذهب و القبيلة و العائلة و القدرة على تخليص المعاملات – الغير قانونية - لها الأولوية في معاييركم الانتخابية , فعن أي ديموقراطية تتحدث بحق السماء؟
.
و المشكلة هي أن هذا الضياع التام في تحديد الناخب لأولوياته انتقل سريعا الى
جبهة المرشحين فأصبح المرشح يضع كل ثقله على تعزيز أسلحته المذهبية و القبلية و العائلية و قدرته على تخليص المعاملات – الغير قانونية – و تحقيق المنافع الشخصية للناخبين بدلا من استثمار جهده في تطوير مهاراته التشريعية و الرقابية , و هذا ما أدى بالتأكيد الى عزوف المشرّعين و المراقبين الأكفاء عن خوض الانتخابات كونه يعلم مسبقا عدم استساغة المزاج العام لثقل دمه , و تفضيل أغلبية الناخبين لجاره , مندوب تخليص المعاملات
.
و هذا ما جعل أوراق الناخبين مكشوفة أمام السلطة و الحكومة , فالمعادلة هنا سهلة , الناخب يريد المنافع الشخصية و لا يكترث كثيرا للرقابة و التشريع و المصلحة العامة , فما علينا اذا الا تسهيل تخليص معاملات مرشحينا المفضلين في الدوائر الحكومية حتى نضمن حصولهم على الكم الأكبر من الأصوات
.
, و الطريف في الأمر أنهم درسوا طبيعة كل ناخب و النكهة التي يفضلها , فأصبحوا يدعمون مرشح حكومي قبلي النكهة في الدوائر القبلية , و مرشح حكومي مذهبي النكهة في الدوائر المذهبية , و مرشح حكومي دِفِّيــع في الدوائر التي تعتمد على شراء الأصوات , و النتيجة بالطبع مجالس تضيّع تسعين بالمئة من وقتها في توافه الأمور و عندما تريد أن تُفعِّل دورها في الوقت الاضافي من المباراة فإنها تراقب بالصراخ و تُشرِّع قوانين عوراء
.
هذه هي ديموقراطيتكم يا بنيّ , مسرحية متكررة و مملة و لكنها متقنة يؤدي فيها كل ممثل دوره بلا زيادة أو نقصان , حكومة تصريحات , جامدة في الأفعال و ملتهبة على ردود الأفعال , مجلس أمة مزعج , نصف نوابه من الغوغاء , و النصف الآخر دمى تتحرك عن بعد عبر الأقمار الصناعية , و الشعب يقطع التذاكر كل ليلة ليشاهد هذا العرض الهزيل , يدخل المسرحية سعيدا , و يخرج منها غاضبا يقسم بأنه لن يعيد الكرّة , و لكنه سرعان ما ينسى ليلة البارحة و يعود له حماسه في الغد ليشاهد نفس العرض , و حتى لا أكون ظالما فإن أبطال المسرحية قد يصيبهم التماس كهربائي و يقومون بالخروج عن النص , و هذا ما يجعل المخرج يتدخل ليطلق صافرته معلنا توقف المباراة الى أجل مسمى , ليعود بعده العرض بنفس الأبطال و نفس الأدوار مع تغييرات طفيفة غير مؤثرة
.
هذا أنتم , و هذه هي ديموقراطيتكم يا بنيّ , انتخابات و تصريحات و اهدار لأموال البلاد و أوقات العباد , و تناحر ليس له آخر , و النتيجة لا شيء , جعجعة بلا طحين , العالم يتغير من حولكم و أنتم لا زلتم تتساخفون على السخافة بسياستكم و ديموقراطيتكم السخيفة , عُد يا بنيّ الى مدرستك , و كرِّس وقتك لدراستك , فالشهادة قد تنفعك بعد انتهاء المسرحية , و انكشاف الستار عن الكواليس , لتظهر على الجمهور بشاعة وجوه أبطالهم
.
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى الحفرة الثالثة
.
يتبع

13 comments:

Safeed said...

دعبل قال مرة عن هؤلاء

إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثير و لكن لا أرى أحدًا

@alhaidar said...

هذه المرة أتفق معك إلى مدى بعيد جدا .. سيدي النوخذة :)

إلا أن هناك فقرة استوقفتني وهي :

المشكلة هي أن هذا الضياع التام في تحديد الناخب لأولوياته انتقل سريعا الى جبهة المرشحين فأصبح المرشح يضع كل ثقله على تعزيز أسلحته المذهبية و القبلية و العائلية و قدرته على تخليص المعاملات – الغير قانونية – و تحقيق المنافع الشخصية للناخبين بدلا من استثمار جهده في تطوير مهاراته التشريعية و الرقابية , و هذا ما أدى بالتأكيد الى عزوف المشرّعين و المراقبين الأكفاء عن خوض الانتخابات كونه يعلم مسبقا عدم استساغة المزاج العام لثقل دمه , و تفضيل أغلبية الناخبين لجاره , مندوب تخليص المعاملات



--

نعم أتفق معك بصحتها .. ولكني أتمنى من النوخذة أن يذكر عدم صحة موقف الأكفاء .. فالانسحاب أو الابتعاد ليس هو الحل الأمثل .. واليأس طريق الهلاك

ربما الأكفاء أيضا لهم عيوبهم التي تجعلهم ثقال دم .. ليس لنهم من غير مندوبي المعاملات فقط .. بل ربما خطابهم أعلى من فهم الشارع بمراحل .. وربما لأنهم لم يفعلوا شيئا لينقلوا الشارع إلى مستواهم .. ربما لم يقوموا بدورهم تجاه المجتمع قبل أن يطالبوه بأن يكون على مستوى عالا من الوعي ..

عموما رحلة النوخذة لازالت مشوقة .. وننتظر بقية الحفر ..


تحياتي :)

bo bader said...

بو سلمى

هالمرة المخرج صفر وعطانا الفرصة لتغيير الممثلين

لنحسن اختياراتنا ولا عذر لنا إذا أسأنا الاختيار

تحياتي الحارة

حاطب ليل said...

النوخذه ماراح يعري ويسكت
راح يعطي حلول صح؟؟
...
ناطر الكنز :)

Mohammad Al-Yousifi said...

تونيه بسيط

جميع حلقات هكذا تكلم النوخذة مكتوبة و محملة في المدونة و مبرمجة للعرض اوتوماتيكيا منذ فترة

فحديث حلقة اليوم عن الانتخابات و حل مجلس الامة مجرد صدفة

المقالات راح تنزل كل يوم و ترك الساعة 12 بليل

نشرنا 3 حلقات و الباقي 4

شكرا على المتابعة و الملاحظات القيمة

بو محمد said...

بوسلمى
أولا
أتفق معك حرفا بحرف و كلمة بكلمة
و أحسست و كان الخطاب كان موجه لي شخصيا
العمر يمشي، و البدن و العقل و منهكان و الأوضاع تقلبني صراحة على صفيح القلق
و كل هذا يرهق العقل و القلب و بدد الطاقات التي أنا بأشد الحاجة لكل ذرة منها في الدراسة و العمل
ثانيا
أختلف معك بتسمية الديمقراطية التي نمارسها بالعرجاء
العرجاء تخطو عزيزي و التي نمارسها مشلولة، و شللها هو الشعب نفسه، الشعب إلى الآن لا يفقه المعنى الحقيقي لها، بل يتخذها ذريعة أو عذرا لإعطاء أطماعة الشخصية صفة النبل و التقبل من الطرف الآخر كون المعركة الديمقراطية ينتج عنها فائز و خاسر
ثالثا
هناك جزئية قد تخضع لنقاش طويل جدا، و هي الفكرة المتعلقة بمبدأ الأجندة المبنية على الفائدة الجماعية، شخصيا أرى أنه حتى هنا في الغرب توضع الخطط وفق أجندة حزبية و إن تعارضت مع التوجه العام بحيث يطوع التوجه العام لخدمة تلك الأجندة بحيث تصبح مصلحة الحزب بالنهاية هي السائدة و يجب تغيير التوجه العام حتى تعم الفائدة و كخلاصه سادة مصلحة الحزب على المصلحة العامة
ما أدري إذا قدرت أبين فكرتي و الا لأ، بس مقل ما قلت لك، النقاش هنا يطول
عموما
سامحني على الإطالة و الله يستر من الحفرة الثالثة

دمت و االأهل و الأحبة برعاية الله

Mohammad Al-Yousifi said...

حيدر
وجهة نظر احترمها و احتاج اني اقلبها شوي

حاطب
ماقدر احرق السلسلة

بو محمد
ارجوك , لا تشبه مصالح الحزب بالمصالح الشخصية التافهة اللي عندنا هني

الحزب مكون من افراد , و بالتأكيد مصلحة هالمجموعة من الافراد لن تكون تجنيس أو علاج بالخارج و عيّن ولدي في مكان مافيه دوام

شكرا للجميع و اتمنى تعجبكم السلسلة حتى النهاية

اذا ودكم نتناقش قولولي , انا ما ودي بس اذا فيكم شدة ليش لا

سلام

مش انا said...

يا اخي كلامك مهم
وينحط على الجرح يبرى من كثر ما هو صحيح

طلب صغير في انك تكبر الخط وتخليه Bold
حتى يكون واضح ونازل بثقة امام الجمهور اللي لازم ياخذ هذي المعايير قدر الامكان

وجزاك الله خير

الدســتور said...

عموما
كلامك بيبين بعد ستين يوم
هل ستكرر الاسماء
أم لا

lawyer said...

خوش بوست


بس انتمنى خوش نتايج بعد ستين يوم

Mr_CHoCoLaTe said...

متابع و لا اريد ان اقول ما يجول في خاطري

Kuw_Son said...

كلك دروس يا مطقوق :)

Maximilian said...

قوة بو بوسلمى

الجزء هذا ذكرني بحوار صار بيني وبين بنت انطونيوس


متابعون طال عمرك