Sunday, September 19, 2010

مقال . . إلى الأرض - 11

قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق
.
صدام حسين في 17 يوليو 1990
.

.
تنويه هام , جميع الإقتباسات في هذا المقال منقولة مباشرة من تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الأمة في العام 1992
.

بينما كانت الأوضاع السياسية في الكويت تغلي من الداخل بسبب حل مجلس 85 و تعطيل مواد الدستور كانت هناك تطورات كبيرة تدور في الخارج , ففي شهر أغسطس عام 88 توصل العراق و إيران إلى إتفاقية وقف إطلاق النار مسدلين الستار على حربهم التي دامت لثمان سنوات متواصلة , الحرب التي طحنت مئات الآلاف من القتلى و الجرحى و الأسرى من الطرفين , بل أن هذه الحرب أهدرت الثروات الطبيعية و الإقتصادية للجارتين المسلمتين , و في العام التالي توفيَ زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني لتتفرغ بعدها إيران لمرحلة إعادة بناء ما أكلته حرب الثمان سنوات , على الطرف الآخر كان العراق يلعق جراحه منتظراً المساعدة من دول الجوار العربي
.
أما الكويت , فقد تنفست الصعداء بـ إنتهاء هذه الحرب و ضغوطاتها , و بادرت لتهنئة العراق الشقيق بهذه النتيجة و بدأت بـ جس النبض لفتح الملف القديم و هو ملف ترسيم الحدود بين البلدين , و هكذا زار الشيخ سعد العراق لبحث هذا الملف الحساس , إلا أن الجانب العراقي لم يكن جاهزاً للترسيم و كان عدائياً في الرد على مطالبات الكويت و لم يعترف بتبعية جزيرة وربة لها , بل أنه طالب الكويت بـ تناصف جزيرة بوبيان و الحصول على تسهيلات و مناطق لإقامة قواعد عسكرية مطلة على الخليج , و هذا ما جعل الشيخ سعد ينوي قطع هذه الزيارة المشؤومة لولا تدخل الرئيس العراقي لمراضاته
.
و مع بداية العام 1990 قام وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد بزيارة العراق فوجد الجانب العراقي يقترح عليه توقيع إتفاقية تعاونية و إتفاقية أمنية تهدف إلى ربط الكويت بالعراق و جعل أرض الكويت مسرحاً مفتوحاً للقوات العراقية , و هذا ما رفضه الشيخ صباح بطريقة دبلوماسية , حيث أنه أوضح للجانب العراقي بأن دستور الكويت لا يسمح للأمير أو لأي مسؤول آخر بالتنازل عن الأرض , لكنه وعدهم ببحث كل الخيارات التي تعطي للعراق متنفساً بحرياً بعد الإنتهاء من ملف ترسيم الحدود
.
و فور عودته إلى الكويت بعث الشيخ صباح رسالة إلى نائب رئيس الوزراء العراقي سعدون حمادي قال فيها
.
إنني قد فوجئت بما قدمتموه لنا من مشروعي إتفاقيتين ذات مضامن أمنية ودفاعية كي تكون محور البحث بيننا, فقضية ترسيم الحدود بإعتبارها مسألة فنية ذات مدلول سياسي ليست بالتي تستحق منا - على أهميتها - كل هذا التأجيل
.

أيضا بعث الشيخ صباح رسالة أخرى في 17 إبريل 1990 قال فيها
.
إنه ليسعدني أن التقي معكم بالكويت لنعمل سويا على تهيئة نهائية لموضوع ترسيم الحدود في إطار الإتفاقيات المعقودة بين بلدينا الشقيقين ، والذي بلا شك سيمهد الطريق لبحث العديد من القضايا ذات الإهتمام المشترك
.

و قد كان واضحاً أن ردود وزير الخارجية الكويتي لم تعجب القيادة العراقية , و هذا ما جعلها تخطو خطوة مباشرة من خلال طلب قرض بقيمة 10 مليار دولار بالإضافة إلى إسقاط الديون الكويتية على العراق , لكن سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد رد على هذا الطلب بالإعتذار حيث أن هذا المبلغ يفوق طاقة الكويت , أيضاً حذر العراقيين من أن إسقاط الديون قد يضر العراق أمام دائنيه الآخرين الذين قد يُعجلوا بمطالباتهم في حال علمهم بعدم قدرة العراق على الإيفاء بجميع إلتزاماته , و قد زار المستشار عبدالرحمن العتيقي صدام حسين لـ إيصال هذه الرسالة التي يقول عنها
.
كان منفعلا جدا ولأول مرة يكون في حالة إنفعال تحس إن واحدا في شيء في داخله يريد يتفجر لكن غير قادر عن الإفصاح عنه
.

و هذا ما جعل العتيقي يقترح طرح الموضوع على دول مجلس التعاون الخليجي فكان رد الرئيس العراقي
.
لا يابه ، إحنا ما نريد هيجي ، إذا كان على إخواننا دول الخليج إحنا نعرف شلون نتصل ، إحنا ما نريد هيجي
.

.
و في هذه الأثناء كان الوضع السياسي داخل الكويت قد وصل إلى ذروة التوتر بسبب إفصاح القيادة عن نيتها في إجراء إنتخابات المجلس الوطني ليحل بديلاً عن مجلس الأمة , و هذا ما أثار الغضب الشعبي الذي دخل في مواجهات عنيفة مع السلطة أدت الى أحداث قمعية و إعتقالات واسعة لرموز الحركة السياسية الشعبية , و بطبيعة الحال كانت القيادة العراقية تراقب هذه الأحداث و تخطط لإستخدامها في المستقبل , فـ في شهر مايو 1990 عقد الرئيس العراقي صدام حسين مؤتمراً في بغداد أظهر فيه نيته العدوانية إتجاه الكويت و الإمارات جاء فيه
.
عدم إلتزام بعض أشقائنا العرب بالذات في مقررات الأوبك عندما أغرق السوق النفطي بما هو فائض عن الحاجة , و لو في الجلد ما فيه يحتمل لـ تحملنا , و لكنني أقول بأننا وصلنا الى حال لا نحتمل الضغط , إن المعركة تدار بالجنود , إلا أن الضرر الأكبر يأتي من الإنفجارات و القتل و محاولات الإنقلاب , و قد يكون أيضا بالوسائل الإقتصادية , إنني أقول لمن لا يريد أن يشن حرباً على العراق هذه هي نوع من الحرب على العراق
.

و في 15 يوليو 1990 صعّد وزير الخارجية العراقي طارق عزيز لغة الخطاب من خلال رسالته إلى الأمين العام للجامعة العربية حيث إتهم الكويت و الإمارات بـ إغراق السوق النفطية ثم إتهم الكويت بـ سرقة النفط العراقي من حقل الرميلة , و قد جاء في هذه الرسالة الآتي
.
أما بالنسبة لحكومة الكويت فإن إعتداءها على العراق هو إعتداء مزدوج , فمن ناحية تعتدي عليه و على حقوقه بالتجاوز على أراضينا و حقولنا النفطية و سرقة ثروتنا الوطنية و أن مثل هذا التصرف هو بمثابة عدوان عسكري
.
و من ناحية أخرى تتعمد حكومة الكويت تحقيق إنهيار في الإقتصاد العراقي في هذا المرحلة التي يتعرض فيها الى التهديد الإمبريالي الصهيوني الشرس و هو عدوان لا يقل في تأثيره عن العدوان العسكري
.

ثم حضر عزيز إلى إجتماع وزراء الخارجية العرب و قال فيه
.
إن بلادنا لن تركع أمامكم , و نساء العراق لن يتحوّلن إلى بائعات هوى , و أطفالنا لن يُحرموا من الحليب
.

و حول هذه التصريحات يقول وزير العدل الكويتي السيد ضاري عبدالله العثمان الآتي
.
بعد أن أودعت المذكرة في مجلس جامعة الدول العربية فكان فيه اجتماع في ثاني يوم لمجلس الوزراء ، وتم استعراض المذكرة العراقية التي بها تحديد لعناصر معينة , وكانت في قراءات متعددة للمذكرة , وكانت لي قراءتي الخاصة من خلال استعراض العبارات التي وردت في المذكرة
.
وأذكر في ذلك الوقت بأن المذكرة هذه أعتقد أنها البداية لتحرك معين من النظام العراقي ، والله يستر الى أي مدى يريدون أن يصلوا في هذا التحرك ، و أنا أعتقد أن النظام العراقي يريد أن يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل ، وهذه العبارة أتذكر أني قلتها
.
الحقيقة أني اتكلم و أنا منزعج جدا ، و أعتقد أن العراق يريد أن يقوم بعمل ما ضد الكويت ، وطبعا أنا إستبعدت القضية ، قضية نزاع على الحدود أو نزاع على الجزر ، لكن كنت أتصور أن القضية أكبر من هذا , أن القضية ليست قضية ما ورد في المذكرة أو قضية نفط و لا قضية مزارع ، القضية أن العراق يريد أن يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل ، فالذئب يريد أن يلتهم الحمل
.

.
و بالرغم من هذه المؤشرات المبكرة لـ نوايا عدوانية إلا أن الحكومة الكويتية ترددت في تصعيد الأمر حيث أن أغلب وزراءها لم يتوقعوا قيام العراق بغزو الكويت , هناك من توقع بأن العراق سيحتل وربة و بوبيان , لكن الغزو الكامل لم يكن متوقعاً , و بين تردد هذا و حذر ذاك جاء خطاب صدام حسين في 17 يوليو 1990 لينقشع الغبار عن نواياه العدوانية الصريحة حيث قال
.
إن العراقيين الذين أصابهم هذا الظلم المتعمد مؤمنون بما فيه الكفاية بحق الدفاع عن حقوقهم و عن النفس , فإنهم لن ينسوا القول المأثور , قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق
.
و إذا ما عجز الكلام عن أن يقدمه لأهله ما يحميهم فلا بد من فعل مؤثر يعيد الأمور الى مجاريها الطبيعية و يعيد الحقوق المغتصبة الى أهلها , و لكن أصحاب السوء هم وحدهم الذين يتحملون أمام الله و أمام الأمة نتائج سيئاتهم , فهم بدلا من أن يكافئوا العراق , غرزوا الخنجر المسموم في الظهر , اللهم الهمنا الصبر الى الحد الذي ليس أمام الصابرين غير ما تعتبره مشروعا و صحيحا ، يوم يفقد الصبر قدرة التأثير، و اللهم اقتل بذور الشر داخل نفوس حامليها
.
اللهم إشهد إنني قد بلغت
.

و فور إنتهاء هذا الخطاب قام عبدالرحمن العتيقي بمقابلة سمو الأمير و أخبره برأيه في الخطاب حيث قال
.
والله طويل العمر أنا أعتقد أن صدام جاي لنا ، الكلام ماله تهديد للكويت ، وأنا كمواطن عادي بغض النظر عن منصبي , الخطاب واضح و صريح ، الرجل جاي ، يقول قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق
.

أيضاً شعر السفير الكويتي في بغداد السيد خالد البحوه بالخطر بعد هذا الخطاب و إن صدام مقدم على فعل و ليس مجرد أقوال , فقام بإرسال عدة برقيات للكويت يقول عنها
.
أنا لم أستدع و لم يطلب مني الحضور للكويت ، و نعم في برقياتي أكدت على العمل العسكري و خاصة في آخر برقية التي نقلتها عن السفيرة الأميركية جلاسبي أن هناك عملا عسكريا
.

و بعد يوم واحد من الخطاب المرعب لصدام حسين قامت الكويت بالرد على إدعاءاته بـ إقتراح تشكيل لجنة عربية للدراسة و التحكيم في الموضوع , أيضا قامت الكويت في 21 يوليو 1990 بـ إخطار الأمين العام للأمم المتحدة و مجلس الأمن بالتطورات الأخيرة من دون طلب أي تحرك أو مساعدة أو تدخل في الموضوع , فالكويت كانت حريصة على حل الأمور تحت مظلة الجامعة العربية , و في نفس اليوم رد العراق على إقتراح الكويت برسالة جاء فيها
.
نحن نكتم الجرح حرصاً منا على الحفاظ على علاقات الأخوة التي لم يحترموها و على المصالح القومية العُليا التي إستهزؤوا بها عمداً
.

تسارعت الأحداث بعد هذا الرد و تلقت الكويت تأكيدات متضاربة حول نوايا صدام إتجاهها , فعلى الصعيد العربي كانت أغلب التأكيدات تطمئن الكويت و تطلب منها عدم تصعيد الأمر , أما الجهات الدولية فقد أكدت أكثر من مرة بأن صدام ينوي القيام بعمل عسكري , و في يوم 27 يوليو 1990 زارت السفيرة الأمريكية في بغداد السفير الكويتي هناك و أخبرته بتوقعاتها , أيضا أكدت الإستخبارات الفرنسية هذا الخبر للسفير الكويتي في باريس طارق رزوقي , و قد قام بدوره بالحضور للكويت لإبلاغ سمو ولي العهد بالأمر في 30 يوليو 1990 حيث قال
.
أن الحشود العراقية يزداد عددها و أنه من المحتمل أن تقوم بعملية و أنه لا يمكن تركها في مواقعها الحالية فـ أما أن تتحرك و ترجع الى الوراء و أما أن تتقدم الى الأمام
.

و قد أكد السفير الكويتي في واشنطن سعود ناصر الصباح بأن الجهات الأمريكية كانت تطلعه على خطورة الموقف و عن إستعدادها للتحرك في هذا الموضوع حيث يقول
.
كنت على إتصال دائم مع وزارة الخارجية الأميركية ، مع وكالة الإستخبارات الأميركية ، مع البيت الأبيض و مع وزارة الدفاع حول هذه الأمور و أقولها بكل أمانه بأن جميع هذه الأجهزة كانوا يطلعوني أولاً بأول بكل ما يحدث من تصعيد و من حشود عراقية على الحدود التي تلت تقديم هذه المذكرة ، و كنت على إتصال دائم مع حكومتي في هذا الموضوع
.
و كانوا الأميركان على إستعداد وعرضوا علينا كما عرضوا على الإمارات ، لو تذكرون بأن التهديد كان موجه ضدنا و ضد الامارات , بأن قوات 87 جاهزة للانتقال للكويت , طبعا تقييم الإخوان و المسؤولين في الكويت بأن هذا الموضوع فيه نوع من المخاطرة السياسية ، لإننا لا نستطيع أن نستدعي قوات اميركية في هذه الظروف لوجود تأكيدات عربية ، و فيه رأي عام كويتي ، هذا الأمر يحتاج الى نوع من التريث و مزيد من التشاور
.
إحنا – أي الأميركان – كأصدقاء و حلفاء لكم مستعدين بإرسال قوات الى الكويت فورا , لكن أحب أن اؤكد شيئا واحدا أن الأميركان عرضوا علينا إرسال قوات ، و لكن إحنا بالظروف اللي كنا فيها يمكن ما كنا نستطيع أن نقبل فيها
.
أنا – أي مساعد وزير الدفاع لشؤون التخطيط بول ولفوبش – ليس سياسي ، أنا مخطط عسكري ، و إحنا نشوف الوضع العسكري القائم على الخريطة أمامنا ، الوضع العسكري لا يبشر بخير ، و لذلك يجب أن تتخذوا التدابير اللازمة عربيا أو إذا أردتم نحن حاضرون
.
و يضيف سعود الصباح أن دولة الإمارات العربية المتحدة قبلت إرسال قوات إليها ، و إن تكن رمزية
.
ففي 25 يوليو 1990 أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة أرسلت طائرتين قادرتين على تزويد الوقود جوا - طائرتي صهاريج - إلى الامارات
.
و في 31 يوليو 1990 قال جون كيلي - وزير الخارجية المساعد لشؤون الشرق الادنى و جنوب آسيا - يجري حاليا في الخليج تدريبات على إعادة التزود بالوقود جواً مع دولة الإمارات العربية و يتضمن ذلك إستخدام ناقلات كي سي 135 و طائرتي شحن سي 141 مزودة بمعدات للصيانة
.
و في 1 أغسطس 1990 نشرت جريدة الواشنطن بوست الأميركية أن جون كيلي أضاف أن الولايات المتحدة مستمرة في تدريباتها الجوية المشتركة مع الإمارات
.

أيضا تلقت القيادة السياسية تحذيرات شعبية بشأن تهديدات العراق كان أحدها للسيد فيصل الدويش أحد أعضاء الوفد الشعبي الكويتي للعراق حيث إلتقى بوزير الخارجية و قال له
.
طال عمرك الوضع في منتهى الخطورة ، و أنا أفضل أنك تستعين بأصدقائك ما استطعت , و الكويت ترى إذا عرف صدام إنها ما هي بلقمة سايغة يبي يحسب ألف حساب
.

كما ذكر جزءا من حديثه مع وزير الخارجية يوم الأربعاء 1 أغسطس 1990
.
يا صباح ، البلد سوف يضيع ، قال لي ليه ؟
.
قلت يا طويل العمر على حدودك حسب وكالة الأنباء و اللي جايين ما بين 35 و مائة ألف عسكري يتأهبون لدخول البلد
.
و كان رد وزير الخارجية ما فيه أمر مقلق
.
.
و نستطيع هنا أن نلخص الطلبات العراقية من الكويت كما عرضتها جريدة الواشنطن بوست الأمريكية بعددها بتاريخ 31 يوليو 1990 بالآتي
.
عشرة مليارات دولار كمساعدة
.
مليارين و أربعمائة مليون دولار كتعويض عن النفط المسروق من حقل الرميلة
.
إلغاء ديون الحرب و التي تقدر بـ عشرة مليارات دولار
.
تخلي الكويت عن حقل الرتقة
.
إبرام عقد إيجار طويل المدى يسمح للعراق بالسيطرة على جزيرة بوبيان
.

و يتضح لنا من تقرير لجنة تقصي الحقائق وجود مؤشرات مبكرة نسبياً لإحتمال قيام العراق بعمل عدواني إتجاه الكويت , إلا أن القيادة السياسية لم تحسن قراءة ما بين السطور , أيضا نجد في التقرير بعض المساحات الفارغة , حيث أكد السفير سعود الناصر على وجود عرض أمريكي للدفاع عن الكويت بينما نفى كل من الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية ، و سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية وجود مثل هذا العرض الأميركي ، و أضافا أنه ليس من المستبعد أن يكون سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية - الشيخ سعود الصباح - قد نقل هذا العرض إلى مستويات أعلى بالنظر إلى أهميته
.
فقد أفاد وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد
.
لم يقدم عرض أميركي في هذا الموضوع حتى نرفضه , لم يعرض علينا هذا الموضوع و لا أذكره في حياتي أن عرضوا علينا الموضوع , لكن لسؤالك لم يطلب الأميركان فرقة و نحن قلنا لا , يمكن أشياء تتصل بين السفير و سمو ولي العهد و أنا مشغول في زحمة العمل يمكن ما يكون لي علم في الموضوع هذا
.

و أفاد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية
.
من جانبنا لم يحدث رسمياً حسب علمي كوزارة الخارجية بأن نقترب من الأميركان أو أي دول أخرى , لم يطرأ حديث على الإستعانة على الأجنبي و كان التركيز على الإستعانة بالجامعة العربية ، لم يكن هناك على الأقل بوزارة الخارجية ما يشير الى مثل هذه الاتصالات بشأن إجراء ترتيبات مع الولايات المتحدة
.
و عند سؤاله , ما وصلكم طلب من أميركا ، من السفير ، عرض ؟
.
أجاب
.
من زاويتي و لم أسمع أيضا حتى على مستوى أكبر أو من خلال وزارة الدفاع ، لم تتوفر لي أي معلومة , لم يكن هناك أي عرض حول الموضوع , لم يكن هناك أي تفكير أو عرض من الولايات المتحدة أو الدول الكبرى لتدخل في هذا الشأن
.

.
من الواضح أمامنا خضوع القيادة الكويتية لـ جرعات التخدير العربي حيث أرسلت الكويت بعض مسؤوليها لزيارة الدول العربية و قد عاد جميعهم بوعود و تطمينات مباشرة من القادة العرب , نذكر منهم في هذا المجال الرئيس المصري حسني مبارك , و الرئيس اليمني على عبدالله صالح , و الملك حسين من الأردن , و رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات , و الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة الذي أوصل للقيادة الكويتية نصائح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بعدم تصعيد الأمر و إستفزاز العراق , و نورد هنا بعض أقوال مسؤولين الحكومة الكويتية حول سبب عدم إتخاذهم التدابير اللازمة
.
ضاري العثمان وزير العدل و الشؤون القانونية
.
أنا أعتقد عدوان من هالنوع لا يمكن بأي حال من الأحوال من خلال فهمي المحدود بطبيعة الأعمال العسكرية بأن يواجه من قبل الكويت و القوات المسلحة الكويتية و حتى السعودية ، يعني القوة العراقية لا يمكن مجابهتها من قبل الكويت و لا حتى من قبل المملكة العربية السعودية , إننا نحن مهما حاولنا نجهز قواتنا فراح تكون النتيجة بالنسبة للكويت مكلفة و باهظة و قاسية جدا
.
لو هيئت القوات الكويتية لتتوقع هجوما محتملا من العراق آخذا بالإعتبار الوضع الجغرافي للعراق و الكثافة السكانية لها و الوضع الجغرافي للكويت و الكثافة السكانية لها ، لما كان هناك صمود أكثر من خمسة أيام هذا في حالة إذا كانت الجاهزية الكويتية عالية
.
أنا شخصيا بالرغم من أنني كنت من أكثر المتشائمين و ممن كانوا يتوقعون أن العراق سيتجاوز الحد المألوف بالنزاعات الحدودية بس مع ذلك لو قالوا لي و الله تتخذ قرارا بإستدعاء القوات الأمريكية ، أنا سأقول لا ، لأنه مو معقول أن كل هذا التراث من العلاقات سينسف بين ليلة و ضحاها ، و يقدم العراق على ما أقدم عليه الخيار العسكري ما كان واردا إطلاقا كان الخيار الوحيد في ذلك هو الخيار السياسي والخيار السياسي ضمن جامعة الدول العربية
.
كلنا مخطئون ، مافي أحد بريء - هكذا قال السيد ضاري العثمان أمام اللجنة
.
إذا أردنا أن نمارس التقييم الأمين و الموضوعي و التاريخي و المجرد ، فعلينا أن لا نبدأ بـ 2 - 8 حيث كنا حلقة من حلقات مسلسل مرعب بدأ من وقت ما تسلم صدام حسين السلطة بدأ من وقت ما كنا نروج أشرطة صدام حسين لما كان يقوِّم هذيله و يعدمهم ، و كنا إحنا نستانس
.
هذي الحقيقة , فلذلك لما تجيب مسؤول سنة 1990 لا تنسى أنه تربى 12 سنة أو أكثر أو أقل في ظل المدرسة الأخلاقية التي أوجدها صدام حسين بالمنطقة ، هذه الحقيقة
.

عبدالرحمن العوضي وزير الدولة
.
تساءلنا ، وتناقشنا بشكل تفصيلي يوم الأحد لدرجة ما كنا نعتقد أن هذا سوف يهاجم ، هناك تساؤل لكن أستبعد أنه يهاجم ، أن هذا من ضمن تهديدات صدام العادية لنا , بدأها بخطاب ، وبالتالي ما كان نتوقع أنه يهجم , للضغط عليها
.
يا معود ، خلو الموضوع لا تصعدونه ، حتى جيشنا المسكين كان محكورا في معسكرات حتى ما أعطي فرصة إنه يكون في حالة هجوم ، و جيشنا أعطى إجازة , لأن القرار كان سياسيا و لم يكن قرارا عسكريا , القرار السياسي كان رافضا مبدأ الحرب ، مو قابل أن الحرب واقع
.

سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية
.
في وزارة الخارجية لم يطرأ حديث عن الإستعانة على الأجنبي ، وكان التركيز على الإستعانة بالجامعة العربية ، و كان أسبق من هذا الرأي هو حل هذا الإشكال حل سياسي , أنا في تصوري أن لو الكويت بادرت و طلبت من فرنسا و الصين و غيرها بهذه القوات لكان مبرر واضح للعراق بأن و الله جابوا لنا إستعمار , يعني الحكومة لو أقدمت على هذا العمل لخلق إنشقاق كبير ليس داخل المجتمع الكويتي ، لكن حتى ضمن أوساطك الخليجية و العربية
.
إنت نفسك كدولة لا يمكن أبدا بأي شكل من الأشكال أن تمتلك قوة رادعة للعراق ، لأن ذلك الوقت مليون تحت السلاح و نصف مليون مستعدين للقتال ، جيشك في ذلك الوقت و كما يؤكد لي ليلة صباح الخميس اللواء الصانع أن ما يتجاوز 7 إلى 8 آلاف

.

وزير الخارجية الشيخ صباح
.
يعني ما كنت يوم من الأيام أتصور أن العراق بده يعمل بغض النظر عن أي مذكرة حصلت ، لكن قلت يمكن يحصل بوبيان و وربة يحتلها ، و لكن أن يصل أن يحتل بلداً بكاملها ، و اللي ما حطيتها في ذهني ، فكذلك قد يكون أنا بتصوري غلط ، لكن هذا كان إحساسي ، إحساسي مو أن يسوي شيء ، يسوي ممكن ما مو سيصل الى الكويت
.
أنه يدخل رأسا الى الكويت و يضمها التاسعة عشر بالسرعة بهذا الشكل ، لا كنا متوقعين يدخل 3 كيلو يأخذ النفط مال الرتقة ، يأخذ الجزيرة مالت وربة و بوبيان ، ينزل فيها ، كل هذا كنت متوقعه ، لكن ما توقعت يوم من الأيام أن يصل الى الكويت , لكن ما كنا يوم من الأيام أفكر في أن العراق سيصل الى هذا الحد
.

أيضا جاء في أقوال الشيخ صباح
.
و الله مالنا بد من هذا – أي الأسلوب العربي الدبلوماسي – ما في خيار لك أكثر من هذا , يعني قد يكون كانت نياتنا حسنة ، صحيح عندنا السلاح موجود ، لكن سلاحنا كله في المراكز ، ما طلعوه برة بناء على تعليمات الإخوان كلهم مصر و السعودية و الأردن ، أرجوكم أن لا تعملوا إستنفار بالجيش
.

سمو ولي العهد الشيخ سعد
.
أنا راح أقول لك الإنطباع اللي كان عندي أنا , أنه إذا حصل هجوم عراقي فقط فيكون محدود في أماكن معينة بأحد حقول نفط في الرتقة , يزيد و يحتل جزيرة بوبيان إنما ما تصورت في بالي بأنه سيحتل الكويت , و أنا قلت أكثر شيء هو بيعمله أنه يعسكر هناك و يساوم
.
إحنا كل الإنطباع عندنا أنه نوع من حرب الأعصاب و النرفزة للكويت
.
و يضيف سموه أنه عندما بلغه نبأ إختراق القوات العراقية الحدود الكويتية من قبل وزير الدفاع - الشيخ نواف - إتجه الى غرفة العمليات ، و ظل الحاضرون في هذا الإجتماع يتابعون - عن طريق الأجهزة سير القوات العراقية , سرعة دخول القوات العراقية تعدت النقاط التي كنت أنا أتوقع أن يتوقفوا عندها , و عندما وصلت قالوا أن القوات العراقية متجهة الى الجهراء , قلت ترى المكان هذا ساقط ننتقل الآن الى مقر الدفاع الجوي أو نروح قصر الشعب
.

و في الأيام الأخيرة من شهر يوليو 1990 زار الكويت بعض الصحافيين لتغطية الأزمة و كانوا يرغبون بزيارة منطقة حقل الرميلة لنقل صورة المنطقة المتنازع عليها إلا أن وزارة الدفاع الكويتية رفضت ذلك خوفاً من تفسير العراق لهذا الأمر بأنه تصعيد و إستفزاز , و مع دخول شهر أغسطس 1990 قامت المملكة العربية السعودية بمحاولة أخيرة للسيطرة على النزاع و دعوة الكويت و العراق للمشاركة في إجتماع جدة لحل الخلاف , و قد رحبت الكويت بهذه الخطوة و توجه الشيخ سعد العبدالله للإجتماع إلا أن الجانب العراقي تعامل معه بـ جفاف و إستكبار , بل أن العراقيين تجاهلوا الكويت تماماً في هذه المحادثات و لم يهتموا إلا بالطرف السعودي , و عاد الشيخ سعد إلى الكويت بـ خفي حنين
.
.
و بعيداً عن إجتهادات القادة في مجلس الوزراء كشفت إفادات القيادات الميدانية عن إختراق عراقي كامل للإعلام و الأمن الكويتي
.
أولاً , الإختراق الإعلامي
.

أفاد يوسف السميط مدير عام وكالة الأنباء الكويتية كونا
.
و للأسف كان هناك إختراق لكثير من المؤسسات الإعلامية و مكاتب الوكالة من قبل تنظيمات عراقية و أردنية ، و الأحكام الجنائية التي صدرت بحق مراسلينا في بعض المكاتب توضح ذلك
.

و أفاد حمد الرومي وكيل وزارة الإعلام
.
و للأسف كان الإعلام العراقي مسيطرا سيطرة تامة على معظم الصحف المحلية لدرجة أن الملحق الإعلامي بالسفارة العراقية بالكويت حامد الملا كان يداوم في بعض الصحف يومياً ، و كانت بعض المقالات ترسل من وزير الإعلام العراقي ، و للأسف تتصدر الصفحات الأولى لبعض الصحف المحلية ، و كان يقدم هدايا مغرية ، و سبق أن نبهنا وزارة الخارجية لنشاطه أكثر من مرة ، و كان الرد يأتي بتهدئة الأوضاع
.

و يقول السيد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية
.
ألا يمكن للصحافة التي إرتهنت تقريبا كلها للإعلام العراقي من خلال رشاوى و من خلال شراء صحف و توزيع و كل الوسائل , أذكر قبل الإجتياح طلبت من السفير العراقي لأن جاؤونا مجموعة من الإخوان الأدباء و قالوا لنا ما يمر ست أسابيع أو شهر إلا دعينا الى مؤتمر في العراق ، و وصلنا الى حد و الله قاعدين يزالون علينا ضغوط ، إذا تعذر علينا حضورنا إتهمونا بالعمالة الى إيران ، و التالي جاؤوا و بلغوا الشيخ صباح هذا الموضوع
.

و يظهر من ذلك
.
كان هناك إختراق لكثير من المؤسسات الاعلامية و مكاتب وكالة الأنباء الكويتية كونا من قبل تنظيمات عراقية و أردنية ، رغم سلامة و إخلاص أصحاب و مديري هذه المؤسسات
.
كان الإعلام الكويتي يكيل المديح للعراق و يحول أخطاءه الى إنتصارات و إيجابيات في المواقف الداخلية و الخارجية
.


ثانياً , الإختراق الأمني
.

كان العراق يعرف كل شيء عن الكويت و عن تحركاتها و تصرفاتها و ذلك عن طريق عناصر تعمل داخل الكويت تحت علم السفارة العراقية و بصفتها الدبلوماسية و ساعد في ذلك أنه في فترة الحرب العراقية الإيرانية أعطت الكويت العراق تسهيلات أرضية - في الشعيبة و الأحمدي - لإستقبال السلاح لدعم الجبهة العراقية
.
و إستمرت هذه التسهيلات بعد توقف الحرب , فـ إستغل العراق هذه التسهيلات لإدخال عناصر الى الكويت دون المرور بسفارة أو قنصلية الكويت لدى العراق ، و هذه العناصر كانت إستخباراتية و ليس عسكرية ، و كانت في صورة مجموعات تتغير على فترات لتحل مجموعة جديدة محل المجموعة السابقة ، و سكتت الكويت على ذلك و لم تعترض
.
و لعل أوضح مثال للإختراق الأمني ما ذكره السيد رشيد العميري و زيرالنفط السابق من أنه عقد إجتماعا سرياً مع هشام ناظر وزير النفط السعودي في فندق ريجنسي بالكويت بتاريخ 28 يونيو 1990 , و بعد إنتهاء الإجتماع غادر هشام ناظر متوجها الى بغداد ، فوجد أن المسؤولين العراقيين لديهم جميع تفصيلات هذا الإجتماع السري
.
هذا الإجتماع كان غير معلن و سري و لم تتناوله وكالات الأنباء و الصحافة ، و قعد معاي حوالي 6 ساعات و سافر الى بغداد
.
بس نحن الحقيقة كنا مخترقين ، بأن تفاصيل الإجتماع هذا وصلت ، إشلون وصلت ما أستطيع أن أجاوب عليه , كل تفاصيل آبارنا و إنتاجها و وضعها كانت معلومة لدى العراقيين من خلال الموظفين سواء كانوا من العراقيين أو الفلسطينيين أو من الناس المتعاونين مع النظام العراقي ، كانوا ينقلون لهم أول بأول ، فنحن كنا مخترقين
.

و يضيف السيد إبراهيم البحوه سفير الكويت لدى العراق
.
إنهم - أي العراقيين - يعرفون كل دبيب حركة من حركاتنا و من إتصالاتنا ، العناصر التي كانت تعمل في الكويت تحت علم السفارة و بحكم أنها دبلوماسية كانت عناصر أمنية , كانت العناصر التي تعمل في الجانب العراقي تدخل – الكويت - مباشرة دون المرور على السفارة الكويتية أو القنصلية لأخذ الفيز ، الإستخبارات العسكرية – العراقية - تبعث مندوب بقائمة تقول أن هؤلاء سوف يحلون محل المجموعة التي كانت في الشهر الماضي ، طبعا رُتَب و أسماء لا نعرف هل هم حقا ما يقولون
.
و فوجئت بأن المذكرات تأتي لي من الإستخبارات العسكرية العراقية ، و لا يفترض بالدبلوماسية أن تتعامل مع الجانب العسكري , فطلبت الخارجية العراقية و قلت لهم أن هذا الشيء لا بد أن ينظم بالأسلوب و العرف المتبع ، فقال لي ماذا تريد ؟
.
فقلت أريد أن تأتي مذكرات الفيز عن طريق وزارة الخارجية ، ظل يماطل الى فترة ، ثم قالوا لي هذا إتفاق بيننا قبل أن تتولى أنت هذه المهمة ، و الإتفاق قائم في ظروف الحرب و سوف يستمر ، و أعتقد أن وجهة النظر الكويتية كانت مطابقة لهذا الرد و إستمر هذا الشيء
.

.
هكذا نستطيع أن نلخص حالة المعسكر الكويتي في يوم 1 أغسطس 1990 بـ خمسة نقاط رئيسية هي
.
أولاً , عدم توقع العمل العسكري ، أو بالأقل عدم توقع الإجتياح الكامل للكويت
.
ثانياً , محاولة حل الأزمة بالطريق الدبلوماسي
.
ثالثاً , عدم تدويل الأزمة خارج النطاق العربي
.
رابعاً , تجنب أي عمل استفزازي قد يعرقل الطريق الدبلوماسي
.
خامساً , وجود إختراق إعلامي و أمني عراقي في الكويت بـ علم كامل من قيادات الحكومة الكويتية
.

و بطبيعة الحال أدت كل هذه النقاط مجتمعة الى الأسلوب الكارثي الذي تعاملت فيه الحكومة الكويتية مع القوات الغازية في 2 أغسطس 1990 , فقد إلتهمت القوات العراقية الكويت خلال مسافة السِكة حسب التعبير المصري , فلم تواجه أي مقاومة جادة كما صرّح رئيس الأركان الشيخ جابر الخالد – وزير الداخلية الحالي - في مقابلة مع جريدة الوطن في 12 مارس 1995 حيث قال
.
كلمة إنهيار غير مقبولة بحق الجيش الكويتي ، لأنه لم يكن في حالة إستعداد حتى يمكن أن تنطبق عليه أي درجة من درجات الإنكسار أو الإنهيار , فالقوات المسلحة لم تستلم أوامر القتال إلا في عشية الغزو في الثاني من أغسطس 1990 , و تحديدًا في الساعة 2.30 مساء – صباحًا
.
و بإضافة الوقت اللازم للتعميم على الوحدات ، و هو في حدود 30 دقيقة ، كانت أوامر القتال الفعلية في متناول الوحدات العسكرية المختلفة في حدود الساعة الثالثة صباحا , ولذلك لا يمكن أن نقيس ما حدث لقواتنا بمصطلحات مثل الهزيمة و الإنهيار , فهذه يمكن إطلاقها على قوات مسلحة إتخذت درجات استعدادها القتالي و قامت بالانفتاح لمواجهة العدو , و كقيادة عسكرية أتحمل مسؤوليتي بما حدث في الثاني من أغسطس ، و لكن
هناك حدود للمسؤوليات
.

و تشير التقارير إلى أن حجم الحشود العراقية على الحدود الكويتية في 30 يوليو 1990 , 100 ألف مقاتل ، 300 دبابة ، 300 قطعة من المدفعية الثقيل
.
و قد إنبنى إستبعاد الخيار العسكري على المعطيات التالية
.
أولا, المواجهة العسكرية مع العراق لم تكن ممكنة ، بالنظر إلى محدودية إمكانات الجيش الكويتي الذي لم يجاوز عشية الغزو ثمانية آلاف مقاتل ، فالمواجهة كانت عملية إنتحارية لا جدوى منها
.
ثانياً , لم تكن هناك – في ذلك الوقت – أي إتفاقية أمنية بين الكويت وأي دولة أخرى ، ذلك أن إتفاقية 19 يونيو 1961 بين الكويت وبريطانيا قد ألغيت سنة 1971
.
ثالثاً , و لو أن الكويت إستعانت بقوات أجنبية ، لما كان من الممكن جلب هذه القوات و وضعها في الموقع الملائم في الوقت المناسب بالنظر إلى ضخامة القوات العراقية التي كانت محتشدة على الحدود العراقية الكويتية
.
رابعاً , الأفكار التي كانت تعيشها الكويت آنذاك حكومة و شعبا - الأمة العربية ، القومية العربية ، عدم الإنحياز – و التي كانت تتعارض مع الإتجاه نحو السعي إلى طلب دعم عسكري خارجي ، و بصورة خاصة الدعم العسكري غير العربي
.
خامساً , الخشية من إستثارة النظام العراقي ، و الرغبة في عدم إعطائه الذريعة للقيام بأي عمل عسكري
.
سادساً , الرغبة في إعطاء الفرصة للحل الدبلوماسي للأزمة ، و في الحفاظ على علاقات الكويت بالدول العربية الصديقة التي تساند هذا التحرك السلمي و تضغط على الكويت للقبول به ، و بعبارة أخرى التخوف من أن تجد الكويت نفسها و قد انعزلت عن سائر الدول العربية و الخليجية
.
سابعاً , عدم فعالية إتفاقية الدفاع العربي المشترك في نطاق جامعة الدول العربية ، و ضعف هذه الجامعة ذاتها و تراخي التعاون بين أعضائها ، على خلاف الحال سنة 1961 أثناء أزمة عبدالكريم قاسم
.

أعتقد شخصياً بأن تفاصيل الأيام الأولى من الإحتلال العراقي للكويت معروفة عند الجميع و الحصول عليها يسير أيضا , لذلك قررت أن لا أتعمق أكثر في ذكر الأحداث اليومية لهذا الغزو , ما يهمني هنا هو بعض النقاط المحورية كـ نجاة الشيخ جابر حاكم الكويت من القوات العراقية و وصوله إلى الطائف في المملكة العربية السعودية ليعيد ترتيب أوراقه حتى يحرر وطنه و يعود الحكم الشرعي إلى أهله , و لم تكن هذه المهمة سهلة كما يتصور البعض , فالأمر يحتاج إلى قرارات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة , و هي تحتاج أيضا إلى قرارات محلية لكل دولة على حدة , فالأمر لم يكن كُن فـ يكون أو خُذ دينار و هات جيشك
.
.
بطبيعة الحال لعبت الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأكبر في تجييش الجيوش و حشد الحشود لطرد القوات العراقية من الكويت , لكن المعركة الأصعب كانت كيفية إقناع كل رئيس دولة شعبه بإرسال أبناءهم لتحرير بلد عربي , مسلم , صغير , و بعيد , قد لا يعرفون موقعه على الخريطة , و هذا ما لمّح إليه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران عندما أعرب عن صعوبة إقناع شعبه بالتضحية بأرواح أبناءهم من أجل تحرير بلد غير ديموقراطي , و هذا ما جعل القيادة الكويتية تستنفر للدعوة إلى مؤتمر وطني في جدة , يجتمع فيه الحاكم و الشعب , و يعلن كل منهما تمسكه بالآخر , هكذا بدأ رموز العمل الشعبي بالتقاطر على جدة لحضور هذا المؤتمر الذي عُقِد في 13 أكتوبر 1990 , و قد ألقى فيه السيد عبدالعزيز الصقر بيان الشعب الكويتي قال فيه
.
نعلن للعالم أجمع تمسكنا بنظام الحكم الذي إختاره شعبنا منذ نشأته و إرتضته أجياله المتعاقبة ، و تؤكد وقوف الشعب الكويتي كله ، رجالا و نساء و شيوخا و شبابا و أطفالا ، صفا واحداً خلف قيادتنا الشرعية ممثلة في أميرنا الشيخ جابر الأحمد الصباح و ولي عهده الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح حفظهما الله
.
الكويت : من الدولة إلى الإمارة ص 124
.

و من المهم أيضا أن نذكر المواقف السلبية لبعض الدول العربية , فقد أظهر الإحتلال المعدن الحقيقي لبعض القادة العرب الذين وقفوا إلى جانب العراق في غزوه للكويت كـ الأردن و السودان و ليبيا و اليمن و الجزائر و موريتانيا و تونس و السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات , و هذا ما تسبب في إضعاف دور جامعة الدول العربية و إضمحلال مكانتها في المستقبل , خاصة بعد تقديم أمينها العام الشاذلي القليبي – تونسي - إستقالته فور بدء حشد قوات التحالف لتحرير الكويت , أيضا لا ننسى وجود اليمن كـ عضو في مجلس الأمن و تصويتها بعدم الموافقة على القرار 678 الذي يعطي العراق مهلة للإنسحاب من الكويت حتى 15 يناير 1991 , و من هنا جاءت تسمية دول الضد التي أطقلها الكويتيون على هذه الدول
.
لم يُذعن العراق لهذا القرار فبدأت معركة عاصفة الصحراء في 16 يناير 1991 لتتحرر الكويت في 26 فبراير 1991 و يعود الحق إلى أهله , و من هنا عاد الحكم الشرعي الى آل الصباح و بدأت مرحلة التعمير و طمس آثار الغزو العراقي , أقول طمس لأن حكومة الكويت لم تسلك مسلك بقية دول العالم التي تُخلد أهم محطاتها التاريخية و أبطالها القوميين , لذلك لا يعرف الكثير من أبناء الجيل الجديد أسماء الشهداء و تفاصيل أحداث هذا الغزو , ربما كان السبب في ذلك عدم رغبة السلطة في فتح باب النقاش حول مسؤولية المتسبب في هذا الغزو و محاسبته , و هذا ما حاول القيام به مجلس 1992 بتشكيله للجنة تقصي حقائق مهمتها تحديد الآتي
.
أولا , الأسباب التي أدت الى كارثة 2 أغسطس 1990
.
ثانياً , تحديد مواطن الخلل في مختلف الأجهزة السياسية و العسكرية
.
ثالثاً , حقيقة الإجراءات التي تم إتخاذها صبيحة ذلك اليوم إزاء الهجوم العراقي على الكويت
.
رابعاً , إستظهار وجه القصور و مواطن المسؤولية عن أحداث الثاني من أغسطس 1990
.
خامساً , الخطوات الوقائية التي تم إتخاذها بعد التحرير لتفادي تكرار مثل هذه الكارثة
.
.
و قد قامت اللجنة بمقابلة أصحاب القرار في الدولة و توصلت الى النتائج التالية
.
ثالثا , أقر المسؤولون أن غزوا جزئيا كان متوقعا ، كإحتلال جزيرتي وربة و بوبيان ، و جزء من الساحل الشمالي ، و حقل الرتقة الكويتي ، و ان كانوا لم يتوقعوا الإجتياح الكامل الذي حدث في 2 أغسطس 1990 و يجمع المسؤولون الذين إستمعت اليهم اللجنة ، أن العدوان الجزئي كان متوقعا منذ أن قدم العراق مذكرته الاولى الى الأمين العام لجامعة الدول العربية في 15 يوليو 1990
.
رابعا , اذا كانت الحكومة قد توقعت فعلا العدوان الجزئي ، فقد كان في وسعها ايضا توقع ما هو أبعد من ذلك ، و هو الاجتياح الكامل لأرض الكويت ، و ذلك في ضوء المعطيات التالية
.
واحد , التوتر الكامن في العلاقات بين البلدين بسبب ادعاءات العراق الحدودية ، و هو توتر إمتد عبر سنوات عديدة
.
أثنين , الضغط العراقي للحصول على مساعدات مالية الذي تزايد منذ مؤتمر قمة بغداد 1990
.
ثلاثة , التهديدات العراقية الصريحة منذ 15 يوليو 1990
.
أربعة , التقارير الاستخباراتية - يراجع التقرير العسكري – و التحذيرات الكثيرة للحكومة احتمالات الغزو العراقي ، و التي وردت من شخصيات رسمية و غير رسمية قبل 15 يوليو 1990 و بعده
.
خمسة , عدم صدور أي بادرة من النظام العراقي في الفترة من 15 - 7 الى 1 - 8 تدل على الاستجابة الجدية للوساطة العربية ، و بصورة خاصة رفضه اقتراح الكويت تشكيل لجنة من اطراف عربية تنظر في أوجه الخلاف بين الدولتين
.
سته , شخصية صدام حسين التي تؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف
.
سبعة , كما انه مما كان يرجح اتجاه العراق نحو العدوان العسكري الظروف الإقتصادية القاسية التي كان يعيشها العراق بسبب حربه مع ايران و زيادة اعباء الديون ، بالاضافة الى طبيعة نظام الحكم في بغداد ، و عدم قدرته على استيعاب الطاقة البشرية الكبيرة التي تضمها قواته المسلحة في المجال المدني
.
خامساً , اطمأنت الحكومة تماما الى الوساطات العربية التي اكدت لها ان النظام العراقي لن يقوم بأي عدوان
.
وعلى هذا الأساس اختارت البديل السياسي ، و سارت فيه الى نهايته ، الى ان كان اجتماع جدة في 31 – 7 , 1 – 8 الذي لم يسفر عن شيء . و فيما بين فشل هذا الاجتماع و اختراق الحدود ، و هي فترة تقاس بالساعات ، لم يكن لدى القيادة السياسية الوقت الكافي لاختيار بديل آخر ، فكان الاجتياح الكامل و سقوط جميع مؤسسات الدولة في غضون ساعات
.
سادسا , يبدو انه حتى بعد فشل اجتماع جدة و عودة الوفد الكويتي الى البلاد في مساء يوم 1- 8 لم يكن الاجتياح العراقي متوقعا لدى القيادة الكويتية , فلدى عودته الى الكويت ، دعا سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء الى اجتماع لمجلس الوزراء يعقد في الساعة التاسعة من صباح يوم 2 – 8 , كما طلب النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء و وزير الخارجية من وكيل وزارة الخارجية الالتقاء بالسفير العراقي لدى الكويت في صباح اليوم ذاته للتباحث حول موضوع جانبي و فرعي
.
اي ان الحكومة لم تعتبر فشل اجتماع جدة فشلا للعمل الدبلوماسي . و لم يحدث ، منذ بداية الأزمة ، و حتى ساعة اختراق القوات العراقية الحدود الكويتية ، أن طلبت حكومة الكويت عونا عسكرياً خارجياً ، خليجيا ، أو عربياً ، أو أجنبيا ، و لم يحدث ان اتخذت اجراء ما ، عسكرياً أو مدنياً ، لمواجهة عدوان محتمل
.
و لم تفق الحكومة إلا بعد أن تم اختراق الحدود فعلا ، فكان طبيعيا أن تصاب بالارتباك و الهلع , و كان ذلك واضحا في اجتماع مجلس الوزراء ليلة 2 – 8 في الجيوان ، الذي حضره سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء و بعض الوزراء ممن أمكن دعوتهم لحضور هذا الاجتماع ، و من الطريقة التي غادر بها المسؤولون أرض الكويت باتجاه النويصيب ثم الخفجي
.
و على ذلك لم تضع اي خطة عسكرية تكون جاهزة عند الاقتضاء ، أو أي خطة عسكرية بديلة في حالة عدم نجاح الخطة الأصلية يقول سمو ولي العهد أنه في فجر يوم 2 – 8 بعد أن بلغه نبأ الاجتياح العراقي ، و انتقل من الجيوان الى مقر الدفاع الجوي في صبحان " طلعت قواتنا بالليل و طيارينا صحيناهم من فرشهم "
.
و إذا كان قرار سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء بالذهاب الى قصر دسمان و اصطحاب سمو أمير البلاد الى خارج البلاد هو من افضل و اسلم القرارات التي كان ممكن اتخاذها في ذلك اليوم و التي ادت الى انقاذ الشرعية
.
سابعاً , كان من الممكن ان تلجأ الحكومة الى الخيار العسكري , و لا نعني بذلك الاعتماد على القوة العسكرية الذاتية للكويت فقط ، فهي لم تكن تتناسب البته مع الحشود العسكرية العراقية ، لا من حيث العدد و لا من حيث العتاد و لا من حيث الخبرة ، و لكنها كانت تكفي لو تم إدارة الأزمة بالاسلوب السليم لتأخير الاجتياح العراقي و لو إلى حين
.
و في تقييم الأجهزة الغربية و المحلية أنه لو كانت هناك استعدادية قتالية لدى القوات المسحلة الكويتية لكان باستطاعتها تأخير تقدم القوات العراقية لمدة يومين و العمل كأسلاك شائكة ، مما يعطي الكويت الوقت الكافي لأن تستدعي قوات شقيقة و صديقة تصل لمساعدة الكويت , و لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، و صدرت الأوامر للقوات المسلحة بالتصدي للغزو العراقي ، بعد عدة ساعات من اختراق الحدود ، و في وقت لم تكن فيه جاهزية القوات المسلحة كاملة للقيام بمهامها القتالية و هو ما أدى إلى سقوط الدولة بالكامل بجميع مؤسساتها
.
و صحيح أيضا ان الاستعانة بالعون العسكري العربي لم يكن ليسعف , فالعلاقات العربية - العربية في 1990 لم تكن كما كانت عليه في سنة 1961 و الوساطات العربية التي كانت تدعو الى التهدئة ، تنبئ بذاتها بأن الدول العربية لم تكن ترغب في ان تخوض وحدها غمار حرب ضد العراق لاتعرف عواقبها
.
و مع ذلك فإن دعوة الدول العربية الى تحمل مسؤولياتها تجاه الأزمة ، كان من الممكن ان تكون لها جوانبها الإيجابية ، السياسية والعسكرية و لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، و اقتصر تحرك الحكومة في إطار جامعة الدول العربية - على العمل السياسي , كما أنه كان من الممكن ، فور التهديدات العراقية بدءا من 15 يوليو 1990 الطلب من الولايات المتحدة المشاركة في رد العدوان و تطمئن اللجنة في ذلك إلى ما أفاد به الشيخ سعود الصباح سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الاميركية من أنها كانت على استعدادا لهذه المشاركة إذا طلبت منها الكويت ذلك ، و هو ما لم يحدث , خاصة و أن الكويت قد نجحت اثناء الحرب العراقية الإيرانية في حماية ناقلات النفط الكويتية التي كانت تتعرض لإعتداءات مستمرة في الخليج برفع العلم الاميركي عليها و ذلك بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية
.
ثامناً , و لاتقتنع اللجنة بما ردده المسؤولون أمامها من أن تقييم الخيار السياسي ، و استبعاد الخيار العسكري ، لم يكن فقط بسبب التطمينات العربية ، بل كان ايضا بسبب المواقف المبدئية للكويت منذ استقلالها ، من حيث ايمانها بالقومية العربية ، و مبادئ عدم الإنحياز ، و إن الرأي العام الداخلي ما كان ليقبل الإستعانة بقوات أجنبية ، و أن ذلك كان من شأنه ان يحدث انشقاقا داخليا و خليجيا لا تقتنع اللجنة بشيء من ذلك ، فالمفروض أنه عندما يكون الوطن في خطر , أن تتوارى الشعارات لتحل محلها الوسائل الكفيلة بدرء الخطر فلحماية التراث الوطني تباح كل الوسائل التي يقرها القانون الدولي للدفاع عن النفس ، أما الرأي العام الداخلي فقد كان مغيبا بسبب حل المجلس النيابي و فرض الرقابة على الوسائل الأهلية للإعلام منذ سنة 1986 و لم تكن تتوافر للرأي العام ، كما توافرت للسلطة التنفيذية ، المعلومات عن حجم الحشود الرابطة على حدوده ، و مدى المخاطر التي توشك ان تتعرض لها البلاد و هذا الرأي العام الذي تقول الحكومة أنها أدخلته في الاعتبار و انه كان من اسباب تفضيلها للبديل السياسي ، هو ذاته الذي لم تعتد به الحكومة و لم تضعه في اعتبارها عندما أقدمت على حل مجلس الأمة حلا غير دستوري في سنة 1976 و سنة 1986
.
تاسعاً , ان علاقة الكويت بالعراق قبل و بعد 15 يوليو 1990 لم تبن على أسس علمية ، و لم تضع الحكومة في الاعتبار ان العلاقات الدولية انما تستهدف اولاً تحقيق المصالح الوطنية السياسية و الاقتصادية ، كما تراها الدولة صاحبة الشأن و ليس كما يراها الآخرون , و حتى الاعمال الانسانية التي تقوم بها الدولة ، كتقديم المساعدات العينية و المنح النقدية و القروض الميسرة ، لا تستهدف فعل الخير في ذاته ، و لا تنتظر الدولة المانحة عنها ثوابا أخرويا ، بل هي وسائل لغايات أبعد ، تصب كلها في مجرى المصالح الوطنية و كان على الحكومة في الكويت أن تدرك ان ما قدمته للنظام العراقي من مساعدات مختلفة الأنواع اثناء حربه مع إيران ، و قبل هذه الحرب و بعدها ، لم يكن من المؤكد ان يؤثر في العراق ايجابا بحيث يغير من سياسته تجاه الكويت ، تلك السياسة التي يعود تاريخها الى عدة عقود مضت ، و التي اصطبغ بها تفكير قادته سواء في ظل النظام الملكي ، أو في ظل أنظمته المتتابعة منذ سنة 1958 ، على اختلاف مبادئها و برامجها
.
عاشراً , إن سياسة الكويت في علاقتها بالعراق ، بل و بالدول الأخرى بصورة عامة ، يجب أن تقوم على استشراف المستقبل في ضوء الحاضر المعاش ، و في ضوء معطيات الماضي ، مع دراسة جميع الاحتمالات المستقبلية دراسة علمية كافية ، و وضع البدائل المختلفة لمواجهة جميع الاحتمالات بما يحقق الأهداف الوطنية و في مقدمتها الدفاع عن الوطن و سلامة أراضية و يدخل في ذلك دراسة طبيعة النظام العراقي و مبادئه و أهدافه و وسائله لتحقيق هذه الأهداف ، و كذلك دراسة شخصية قادته السياسيين و عاداتهم و طبائعهم و طموحاتهم ، و المفروض ان تستعين الحكومة في ذلك بمؤسسات تضم خيرة الخبراء في مجال العلوم السياسة و العلاقات الدولية و علم النفس ، و هم متوافرون في الكويت بفضل الله
.
احدى عشر , تستفاد من أقوال سمو ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء ان اجهزة نقل المعلومات ، لم تنل عناية الحكومة إلا بعد التحرير ، فقذ ذكر سموه أنه " فيما يتعلق باجهزة نقل المعلومات للسلطات المختصة بالكويت و بناء هذه الإدارة على اسس علمية يعني هذه واردة عندنا و بدئ باتخاذ الخطوات الخاصة بإعادة تدريب و توظيف العناصر و الكودار التي تتواجد فيها المواصفات الخاصة للعمل في هذه الإدارة "
.
و عندما سئل لماذا لم تترك قبل مغادرة الكويت قيادة بديلة كان جوابه " أي قيادة تترك هي طامة " , و أنه تحمل مسؤولية تعريض الكويت للغزو العراقي و نتائجه ، و عندما سئل عما إذا كانت قد وصلت معلومات استخبارية عن احتمالات الغزو كان جوابه " أنا قلت إني أنا أتحمل المسؤولية أكثر من هذا تبوني أقولكم ؟ " و واضح من أقواله أن الحكومة كانت ليلة الغزو في اضطراب كامل ، و أنها فقدت القدرة على التصرف
.

.
و ترى اللجنة
.
أن السلطة التنفيذية لم تقرأ بصورة صحيحة موقف العراق تجاه الكويت اثناء الحرب العراقية الإيرانية و بعدها
.
و لم تتوقع الاجتياح الكامل برغم امكانية هذا التوقع
.
و إختارت الحل السياسي و استبعدت تماما الخيار العسكري الى أن وقع الغزو
.
و لم تطلب في الوقت المناسب العون العسكري من أي دولة خليجية أو عربية أو أجنبية ، برغم العرض الاميركي بتقديم المساعدة ، و هو ما فعله المغفور له الشيخ عبدالله السالم سنة 1961
.
و حل مجلس الأمة في سنة 1986 و فرض الرقابة على الصحف ، أدى الى تنامي المطالبة بالعودة إلى العمل بدستور سنة 1962 مما أوحى الى النظام العراقي بوجود انشقاق في الجبهة الداخلية يسهل له عملية الغزو
.
و الدولة كانت مخترقة – من قبل الجانب العراقي - أمنيا و إعلاميا مما سهل عملية الغزو
.
التغييب التام للرأي الشعبي ، حيث كان هناك تعمد لتغييب الخطر و المعلومات و التحركات و الحشود العراقية عن الشعب الكويتي
.
أن الحكومة لم تضع خططا بديلة و في الدراسات المقارنة ما يعرف في مجال العلوم السياسية بـ إدارة الأزمات يحث يضع المسؤولون السياسيون دراسات و خطط لتقليل الخطر عن الكيان السياسي ، و هذا عكس ما فعلته الحكومة في مجال التهديدات العراقية
.
لا يبدو منطقيا أو مقنعا التوجه الذي قامت به الحكومة بالإعتماد الكلي و الوثوق الأعمى بالتطمينات الرسمية من قادة الدول الشقيقة خاصة في ضوء استمرار الحشود العراقية – و تناقض التطمينات من الدول الشقيقة مع التقارير السرية التي نقلت للحكومة من عدة جهات غير عربية تؤكد عزم العراق على شن عدوان على الأراضي الكويتية
.
لم تقم الحكومة حتى باتخاذ أبسط الاحترازات الأمنية للتوقع الأسوأ ، و هو أبسط ما كان يجب أن يقوم به صناع القرار و هم يواجهون خطرا حقيقيا من طرف عرف بعدوانه و طباعه العدوانية , ليس هذا فحسب ، بل لقد قامت القيادة السياسية بخفض الجاهزية و الإستنفار العسكري ، فأصدرت تعليماتها للقيادة العسكرية بخفض حالة الإستنفار العام ، كما أعطيت تعليمات لإعطاء إجازات الضباط ، و ذلك لعدم إستفزاز العراق
.
تتحمل الحكومة ككل و خاصة رئيس مجلس الوزراء و وزير الخارجية و وزير الإعلام و وزير الدفاع و وزير الداخلية يتحملون مسؤولية التقصير و قصور الجاهزية ، و عدم اتخاذ أبسط التجهيزات و الإستعدادات الأمنية المدنية و العسكرية للتعامل مع التهديدات العراقية التي إستمرت طوال إسبوعين كاملين من 15 يوليو إلى 1 أغسطس 1990
.
لقد كان الإعتداء العراقي مبيتا و مخططا ، و تم الإعداد له منذ إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، و كان عدوانا محضا لم تقم دولة الكويت بأي عمل يبرره من قريب أو من بعيد ، بشكل مباشر او غير مباشر , و على ضوء ما تقدم فإن التقصير في مواجهة العدوان العراقي يقع بالدرجة الاولى على عاتق السلطة التنفيذية و بالتالي فهي تتحمل المسؤولية للأسباب التالية
.
أولاً , لم تقرأ الخطر و التهديدات العراقية الموجهة ضد الكويت قراءة صحيحة
.
ثانيا , لم تتعامل مع الخطر تعاملا صحيحا
.
ثالثا , لم تتخذ أبسط الإجراءات المطلوبة - كالدعوة لإجراء مناورات كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة – و الإستفادة من العرض الأميركي
.
رابعا , قللت من الخطر الماثل أمام الكويت و إستبعدت حتى التجهيز والإعداد الدفاعي و العسكري ، و ذكرت تقليلا للخطر بأنه سحابة صيف
.
خامسا , غيبت المشاركة الشعبية و الرأي العام و تعمدت إخفاء أخبار الأخطار العراقية في أجهزة الإعلام الرسمية
.
سادسا , فشلت في مساعيها السياسية التي كانت المحور و المسار الوحيد الذي إتخذته دون غيره من المسارات و لو من باب الإحتياط
.
و تقع المسؤولية كاملة على الحكومة , و بسبب تغييب وجود مجلس أمة و سلطة تشريعية لتتحمل المسؤولية مع السلطة التنفيذية - القائمة و المسؤولة عن إدارة دفة الأزمة - فإن القيادة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء فقط دون غيره تتحمل كل التبعات التي ترتبت على الغزو العراقي لدولة الكويت و ذلك لعدم قدرته على قراءة الأزمة ، و التعامل معها و التصدي و لو بالطرق البسيطة و المتواضعة لدرء أو حتى لتأخير تقدم القوات العراقية ، بما يكفي من وقت
.

قد يتساءل البعض عن الإجراءات أو العقوبات التي قررت اللجنة إتخاذها إتجاه من حمّلته مسؤولية الخلل في مواجهة الإحتلال و التعامل معه بإسلوب كارثي , الجواب على هذا السؤال هو
.
لا شيء
.

يتبع

14 comments:

قـلـم رصـاص said...

بعد عشرين عاماً على غزو العراق للكويت ، نتيجة الغزو
باعتقادي نحصدها الان من تراخي وضعف للسلطة لشعورها بالذنب مما حصل فتحاول ان "لاتزعل" احد
بسياسه .. الكيكه للجميع

Safeed said...

سرد تاريخي مطول
هو بحسب الظاهر تحول من هامش الموضوع إلى أصله
:)
عموما أغلب الاشكالات الموجودة حاليا يجب لفهمها الرجوع إلى الجذور
لا يمكن فهم ما يجري الآن دون النظر للخلف
فالسياسة تعيد نفسها كالتاريخ

Heartfilter said...

A very good article ...indeed

Heartfilter said...

A very good article ...

sa5er said...

ذاكره أليمه ا اود الخوض في الحديث عنها !

Mohammad Al-Yousifi said...

panadol said:

أمر مهم
السفيرة الأميريكية أعطت تطمينات لصدام وقالت له بأن نزاعكم مع الكويت هو نزاع ثنائي ويحل بالإيطار العربي ولا دخل للولايات المتحدة

وكأنها أعطت نوعا من الإطمئنان والضوء الأخضر للغزو
هذه الجملة سمعتها ببرنامج وثاقي مدبلج على سي إن إن

وقرأتها بالقبس قبل فتره



الحمد لله
والله لايرد ذيك الأيام

ويعطيك العافية على هالمجهود

تحياتى يالخوش

Sami said...

ننطر رقم 12

bo bader said...

آخر كلمة لك اختصار ساخر لكل حالتنا " لا شيء "

جملة مشهورة لشكسبير :

Nothing will come of nothing !

http://en.wikipedia.org/wiki/Nothing_comes_from_nothing

تحياتي

le Koweit said...

متابع...

nadya said...

متابعه وبقوة
go on

The Bodyguard said...

Still reading with passion :)

great efforts

Unknown said...

خوووش ملخص عن الغزو

اقترح عليك تعيد طباعته في كتيب صغير
مع بعض التركيز على المصادر الحقيقيه ويكون ملخص
للشباب اللذين لم يلحقون على الغزو
ولا يحبون القراءه الطويله

واذا ما تقدر ماليا اعرض الموضوع على الدكتور يعقوب الغنيم
مسؤل موكز الوثائق
ويمكن يفيدك بالوثائق الحقيقيه

مجهودك جميل تشكر علبه

كششتيل

ahmedamin said...

موضوع شق جدا بجد بارك الله فيك

ahmedamin said...

مدونة جميله و لذيذه بارك الله فيك و مزيد من التقدم