هناك فرق بين أن يكون لك
رأي في مسألة , و بين الإعلان عن هذا الرأي في حال سؤالك عنه , و بين المبادرة
بإعلان هذا الرأي دون سؤال , و بين محاولتك لإيصال هذا الرأي للآخرين , و بين فرضك
لهذا الرأي على الآخرين بالوسائل المعنوية و المادية .
فالحالة الأولى تنطبق
على موقفي من قضية البحرين و سوريا , لي رأي فيها لكنني فضلت عدم الإعلان لأسباب
كثيرة أهمها إحتمالية تدخل "العاطفة" في تكوين هذا الرأي , أما الحالة
الثانية فتنطبق على آرائي الدينية التي لا أعلن عنها إلا في حال السؤال و
الإستفسار ممن أثق في تطلعهم الحقيقي للمعرفة , و تنطبق الحالة الثالثة على آرائي
السياسية المحلية التي أنشرها في تويتر و المدونة , و أحيانا تنطبق عليها أيضاً الحالة
الرابعة عندما أقوم بإرسال "آرائي" لبعض الأصدقاء و
"القروبات" عبر الإيميل و الواتسب , أما الحالة الخامسة و الأخيرة فلله
الحمد لم أضطر لإستخدامها بسبب إيماني الشديد بأن لكل إنسان عقل يفكر فيه للوصول
إلى النتائج المنطقية و ضمير يحميه و يمنعه من الإنجراف خلف نزعاته التطرفية .
وجدت نفسي مضطراً لكتابة
هذه المقدمة بعد أن وصل حالنا إلى مرحلة لا تطاق , فالخلافات على المواقف السياسية
دخلت بين الإبن و أبيه , و شحنت الزوج على زوجته , و أسقطت الصديق من عين صديقه ,
و أخرست الموظف عن محاورة زميله , هكذا أصبحنا نتهم الآخرين بالخيانة و الإنبطاح
لمجرد إختلافهم معنا في رأي سياسي يختلف عليه فلاسفة السياسة و جهابذة الدستور , و
لن نختلف هنا على أن قضيتي المشاركة في الإنتخابات القادمة و المشاركة في مسيرة "كرامة
وطن" من أهم هذه القضايا الفتنوية التي أخرجت أسوأ ما فينا على العلن .
و للبحث في هتين
المسألتين علينا العودة إلى تفكيك العُقَد المربوطة و معالجة كل مسألة على حدة ,
فالمادة الأولى من قانون الإنتخاب تنص على :
"لكل كويتي بالغ من العمر إحدى و عشرين سنة
ميلادية كاملة حق الإنتخاب"
أي أن الدستور الكويتي يعتبر الإنتخاب
"حق" للمواطن المحدد في القانون , و "الحقوق" بطبيعة الحال
تخضع لمنطق رغبة صاحبها في تفعيلها , فأنا لي "الحق" في التنقل و لكني
حر في عدم الإنتقال و البقاء في المنزل , و لي "الحق" في مقاضاة من
أضرني لكن لي مطلق الحرية في عدم
تفعيل هذا الحق , و علينا هنا الإنتباه إلى أن عدم تفعيلي لحقي في مقاضاة من أضرني
لا يفتح الباب أمامي لـ إنتزاع هذا الحق بأساليب أخرى غير قانونية , و عندما أقوم
بذلك سيصبح من "حق" الجهة المتضررة مقاضاتي .
لذلك تعتبر مسألة
التنازل عن "حق" المشاركة في الإنتخاب "حق" أصيل للمواطن الذي
يقرر ذلك , لكن ليس من "حقه" أيضاً منع أو مصادرة "حقوق" بقية
المواطنين الراغبين في تفعيل هذا "الحق" و المشاركة في الإنتخابات , و
ليس من "حق" الطرفان تبادل الشتائم و السباب على تفعيل أو عدم تفعيل
"حقهما" في الإنتخاب , فالذي سيقاطع الإنتخاب هو مواطن "حر"
في عدم تفعيله لـ حقه , و الذي سيشارك فيها "حر" أيضاً في تفعيل هذا
الحق , هذا هو الأساس الذي نناقش هذه المسألة من خلاله , و نستذكر هنا موقف
الدكتور أحمد الخطيب من المشاركة في إنتخابات 1971 التي قرر زميله جاسم القطامي مقاطعتها
فلم يُخوِّن الخطيب جاسم و لم يصف القطامي أحمد بالإنبطاحي .
أما مسألة المشاركة في
مسيرة "كرامة وطن" فتأتي في ظاهرها كأحد الأنشطة الترويجية لخيار مقاطعة
الإنتخابات إعتراضاً على التعديل الجزئي الذي أجراه سمو الأمير على قانون الإنتخاب
, و نحن هنا نؤكد على أن هذا المرسوم "حق" دستوري لسمو الأمير إلا أنه
يخالف أحد "المباديء" الأساسية للدستور الكويتي و هو نأي السلطة بنفسها
عن التدخل في الإنتخابات , لذلك أتفهم جيداً "منطقية" الرأي القائل
بمقاطعة هذه الإنتخابات و عدم المشاركة بها , إلا أن منطقية مقاطعة الإنتخابات لا
تعني بالضرورة منطقية المشاركة في المسيرة , خصوصاً و أن للمشاركين في هذه المسيرة
أهداف أخرى قد تتعارض تماماً مع من يدعي الإلتزام بالقانون و الحفاظ على الدستور .
فالمشكلة في المسيرة تكمن
في عدم قدرة منظميها على التحكم بها و بـ إتجاهات و أهداف المشاركين بها , فتنظيمك
لمسيرة "سلمية" من النقطة ( أ ) إلى النقطة ( ب ) لا يعني بأن من سيشارك
سيلتزم بهذا المسار و هذه الأخلاق و هذا الهدف , فالواضح أمامنا أن المسيرة الأولى
تحولت من مسيرة سلمية هدفها الإعتراض على مرسوم الضرورة إلى وسيلة ضغط و إبتزاز
للسلطة لإسقاط قضايا إقتحام المجلس و حرق خيمة الجويهل و التعدي على الذات
الأميرية .
نعلم جيداً بأن هناك من
سيحاول التعذر بأن هذه الأحداث جاءت كـ"ردود أفعال" على فساد السلطة ,
لكننا نقول بأن إقتحام المجلس بالطريقة التي رأيناها لا يقل ضرراً على الكويت من
وجود مجلس القبيضة , و حرق مقر الجويهل بهذه الهمجية لا يقل ضرراً على الكويت من
بذاءات لسانه و أفعاله , و مخالفة المادة 54 من الدستور عبر الإساءة للذات
الأميرية لا تقل ضرراً على الكويت من تدخل السلطة في الإنتخابات , لذلك , فكما
أعطيتم لأنفسكم "حق" المطالبة بحل مجلس القبيضة و محاكمة الجويهل و رد
مراسيم الضرورة فمن "حقنا" و "حق" الكويت أن تطمئن بمحاكمة
عادلة لمن إقتحم المجلس و حرق مقر الجويهل و أساء للذات الأميرية .
لقد شهد يوم الأربعاء
الماضي حدثين منفصلين إجتمع في أولهما مجموعة من الشباب أمام مبنى جريدة الطليعة
للحديث عن قضيتهم الأساسية و هي "مقاطعة الإنتخابات" إعتراضاً على مرسوم
الضرورة , و لم يتجاوز عدد حضور هذا التجمع المخصص لقضية "المقاطعة" العشرات
أو المئات , بينما شهد اليوم نفسه تجمع الآلاف الذين أغلقوا شوارع منطقة صباح
الناصر و حاولوا التوجه لمبنى السجن المركزي للمطالبة بالإفراج عن النائب السابق
مسلم البراك الذي يعرف الجنين قبل أن تلده أمه عن مخالفته لنص المادة 54 من
الدستور بتعديه على الذات الأميرية .
و يبقى السؤال هنا من
الذي سيشارك في مسيرة كرامة وطن و ما هي أهداف كل منهم ؟ هل الإعتراض فقط على
مرسوم الضرورة أم أن هناك من يستغل تعاطف الناس مع هذه القضية لعقد صفقة مع السلطة
يتخلص فيها من الملاحقات القضائية ؟
لو كنت في مكان
المعترضين على مرسوم الضرورة و الراغبين بمقاطعة الإنتخابات لـ شاركت و نظمت
الإعتصامات المشابهة لإعتصام جريدة الطليعة بدلاً من بيع قضيتي بثمن بخس لمن يتاجر
فيني و فيها للتهرب من مواجهة القضاء , فالوقوف مع مئتين شخص يؤمنون حق الإيمان بالقضية
أفضل من التواجد مع عشرات الآلاف من المتاجرين بها .
أقول قولي هذا و أسأل
الله الخير و السلام لهذا البلد بكل من فيه .
@ma6goog
8 comments:
(إقتباس)
هذا المرسوم "حق" دستوري لسمو الأمير إلا أنه يخالف أحد "المباديء" الأساسية للدستور الكويتي و هو نأي السلطة بنفسها عن التدخل في الإنتخابات
(إنتهى)
كيف يكون حق دستوري (ضمن الدستور) وفي نفس الوقت يخالف مبادئ الدستور؟؟؟
في هذه الحالة الدستور يناقض نفسه. إنما الأصح برأيي أن المعني بـ "نأي السلطة بنفسها عن التدخل في الإنتخابات" يقصد منها التدخل بالعملية الإنتخابية نفسها وليست بتعديل قوانينها التي أعطى الدستور الأمير صلاحية القيام بها. وهذا بالضبط مافعله
كنت بالأمس أفكر بنفس المنطق المذكور ببداية القصاصة اتي أوردتها (كلام الخطيب؟)، أي أنه لو أي أحد من قادة رأي المقاطعة قد بين لنا خطة أو خارطة طريق تلي عملية المقاطعة لكان من الممكن أن نسايره فيها
لكن أن تكون المقاطعة هي "هدف" بحد ذاتها فذلك أمر غير منطقي بالمرة !
مهما بلغت المقاطعة من قوة فإن الانتخابات لن تتوقف، عشرات المرشحين أعلنوا خوضهم للانتخابات وبالتأكيد سيجدون مئات أو آلاف المصوتين لهم وسينجح منهم ٥٠ سواء شاركت أم أعلنت المقاطعة، ماذا بعد ذلك؟
السيناريو التالي قد يكون فلم رعب دستوري بل وحتى أمني! فماذا خططت لذلك السيناريو؟
أنا هنا لست متحيزا لرأي ولا أرفض آخرا، شارك أم قاطع أنت حر في قرارك، لكني أدعو للتفكر بالخطوة التالية، إنها ليست مباراة كرة قدم ولا معركة عسكرية حتى يخفي كل فريق خطته عن الآخر ولا يكشف عنها حتى آخر لحظة، التعامل مع الجماهير بهذه الطريقة فيه تعزيز لعقلية "إحنا أبخص".. أي اتبعوا ما نمليه عليكم ودعوا القيادة لنا، بينما للجماهير الحق بأن تعلم إلى أين مصيرها لا أن تستخدم كأداة بيد الساسة وأصحاب القرار
استسلام الجماهير التام لقرارات المقاطعة أو عدمها دون تفكر بتبعات هذه القرارات ودون المطالبة بتوضيح لهذه التبعات إن دل على شيء فإنما يدل على الأزمة الفكرية التي نعاني منها والتي هي أساس كل ما يصيبنا من مشاكل، وكما ذكرت سابقا... شعب لا يقرأ ولا يسأل يستحق كل ما يجري له !
Lovely .. here i say it again :)
اخ محمد حق الامير مطلق وهو من يقدر حالة الضرورة حكم المكمة الدستورية سنة 82 قرر ذلك اما عن روح الدستور فاين كان ذلك سنة 81 عند الاتخابات والتي شارك بها رموز المعارضة الآن .
اخ محمد حق الامير مطلق وهو من يقدر حالة الضرورة حكم المكمة الدستورية سنة 82 قرر ذلك اما عن روح الدستور فاين كان ذلك سنة 81 عند الاتخابات والتي شارك بها رموز المعارضة الآن .
ممتاز تسلم يداك على التدوينة الرائعه :
تقبل مروري ...
http://nadimlove.blogspot.com/
قواك الله ..لا كرامه بمخالفة القانون
فقط تعليق
إزالة رد إبط أبو قثم لما فيه تطاول سافر على الرسول الأكرم
Post a Comment