Monday, February 06, 2012

رسائل مجلس 2012




أكثر ما يزعجني في الكويت هو ترديد الناس لمصطلحات بلا تفكير او تدبير لمعانيها الصحيحة و مدى إنطباقها على المعنى الذي يريدون , و مصطلح الديموقراطية هو أكثر هذه المصطلحات ظلماً في هذا البلد , فالجميع يتفاخر بديموقراطيتنا العريقة , و الكل يدعو الآخرين لتقبل نتائج الديموقراطية , لكن الحقيقة المُرة هي أن ما نمارسه من إنتخابات موسمية لمجلس الامة ليس له علاقة بالديموقراطية , أو بالأصح ليس له علاقة بالـ "نظام" الديموقراطي



ما نطلق عليه تجاوزا ديموقراطية هو في الحقيقة "نظام" ديموقراطي , و الهدف الأساسي من الأنظمة الديموقراطية تمكين الشعوب من حكم نفسها , أو تمكين الشعب من إختيار الإدارة التي تُدير أمواله المُحصلة ضريبياً , و هذا ما جعل هذه الشعوب تبتكر و تطور أنظمة ديموقراطية ترتكز أغلبها على إجراء إنتخابات يتم من خلالها إختيار الأشخاص الذين لهم الحق في إدارة شؤون الشعب



و قبل أن يسأل أحدكم ما شأن هذه المقدمة بالكويت أقول أن ما نمارسه في الكويت هو جزء من الـ "نظام" الديموقراطي و ليس كله , فعندما وضع جيل عبدالله السالم الدستور تجنبوا تطبيق الـ"نظام" الديموقراطي الرئاسي و إبتعدوا عن الـ"نظام" الديموقراطي الجمهوري و قرروا أن يأخذوا الأفضل من النظامين لتكوين مخلوق جديد إسمه النظام الديموقراطي الكويتي , لكنه إسم بلا مُسمى , ففي النظام الكويتي ينتخب الشعب نواب مجلس الأمة , لكن تعيين رئيس الوزراء أو الإدارة التنفيذية لشؤون الشعب يقع تحت سلطة الأمير المُطلقة



هذا ما يجعلني أشدد دائما على أن ما يقوم به الشعب الكويتي فعلياً في إنتخابات مجلس الأمة هو ليس إختيار حُكامه أو الإدارة التي ستُدير شؤونه , لكنه إختيار من سيراقب و يُشرع للإدارة التنفيذية , لذلك أميل إلى وصف نتائج إنتخابات مجلس الأمة في الكويت على أنها "رسالة" يوجهها الشعب الكويتي إلى سمو الأمير يُعلِمه فيها عن طموحاته و توجهاته و آماله التي يجب على سمو الأمير "مراعاتها" في إختياره لرئيس الوزراء الذي سـ يُشكل الحكومة



نحن هنا نتحدث عن رسالة من الشعب إلى سمو الأمير الذي يتعين عليه فهمها و إتخاذ قراره التاريخي على ضوءها , لذلك فمن المهم أن تكون هذه الرسالة واضحة , صريحة , و صادقة مع النفس و مع الطرف الآخر , فليس من المنطق أن أكون من محبي الـ جلو كباب لكن و بسبب عدم صدقي مع نفسي أعبر عن حبي للـ سوشي في الرسالة التي يتلقاها الطرف الآخر - صاحب مطعم البيدزا – الذي لا يتقن إعداد السوشي , لكنه يحاول أن يلبي طلبي و يصنع لي بيدزا بالـ سوشي فيتفاجأ – و أتفاجأ أنا – بأنني لا أرغب بتجربة هذه الوجبة



هذا بالضبط ما يحصل لدينا , فالشعب يريد "التنمية" بلا تعريف أو فهم دقيق لهذه التنمية , ثم يأتي و ينتخب نوابه الطائفيين الإقصائيين المتناحريين فـ يتلقى الأمير هذه الرسالة و يحاول تعيين رئيس وزراء قادر على الصمود أمام هؤلاء النواب عن طريق تشكيل وزاري يعتمد على خطة المحاصصة الدفاعية لـ يتفاجأ الشعب بهذه الحكومة و يقول لسمو الأمير أنت فهمتنا غلط , لكن الحقيقة المُرة هي أن سمو الأمير فهمهم بشكل دقيق , الشعب يريد الضرب , يريد التناحر , يريد إهانة الآخر و تمجيد ذاته القذرة , يريد التشفي بآلام الآخرين , يريد تطبيق فهمه السطحي لما يعتقد بأنه شريعة لم يكن من الممكن تطبيقها على من شكّلها , الشعب يريد أن يخوض حرباً بالوكالة بين الشيعة و السنة , الشعب يريد أن تشعر كل فئة من فئاته بأنها عنصر دخيل عليه , الشعب يستفرغ نفسه و يشعر بالغثيان من مكوناته في الوقت الذي يتلذذ في إستكلاب نفسه للحصول على رضا أسياده في الخارج



هذا هو الشعب ! هذه هي المواضيع التي يُسرف فيها أوقاته , تسيطر على مشاعره و إنفعالاته , هذا ما تريدونه , و هذه هي رسالتكم إلى الطرف الآخر , و هذا ما ستحصلون عليه , فلا تطالبوا بعد ذلك بالتنمية و الجامعات و الإقتصاد و الأمن و سيادة القانون , كونوا صادقين مع أنفسكم و مع مُخرجاتكم , هذه المخرجات قد تطالب بمنع هذا و فرض رقابة على ذاك , لكنها بالتأكيد لن تدفع بأي إصلاح إقتصادي حقيقي , ربما تزعق مخرجاتنا الشعبية بمطالباتها بتطبيق القانون , لكن زعيقها سيتضاعف في تمييع القانون و تجاوزه عندما يقترب من المقربين منهم , هم إنعكاس مباشر لنا , و لنفوسنا , و لسوء نوايانا و إستهتارنا بمستقبل بلدنا , فـ لنبدأ الآن بقراءة رسالتنا إلى السلطة



رسالتنا في الدائرة الأولى هي أننا لم نتغير البته , نحن ملتزمون تماما بالتصويت لأبناء طائفتنا الدينية , إلا أننا إزددنا تطرفاً و وقع إختيارنا على من هم اكثر شراسة في الدفاع عن معتقداتنا و الهجوم على من يعادينا , دليلنا على ذلك المراكز التي حققها الدويسان و القلاف و فوز عبدالحميد دشتي بعد عدة تجارب فاشلة



أما رسالة الدائرة الثانية فهي أيضا البقاء على العهد و البعد عن التغيير , و قبل أن ينبهني البعض إلى دخول أسماء جديدة أقول أن إسم المرشح الجديد لا يعني بالضرورة تغيير قناعات الناخبين , فالناخب لم يتغير فكريا في إسلوب إختياره لنوابه , هو غيّر القالب و لم يُغير النوعية , قد تكون المفاجأة الوحيدة هنا المركز المتقدم الذي حصل عليه الشاب رياض العدساني , بالرغم من وجود شاب آخر أكثر تمرساً منه في العمل السياسي و العمق الفكري و هو المحامي عبدالله الأحمد , إلا أن الأحمد لم يحقق النجاح المتوقع لأسباب إجتماعية على ما أظن



الدائرة الثالثة لم تكن أجرأ على التغيير من سابقاتها , لكن رسالتها تميزت بثلاثة مفاجآت , المفاجأة الأولى هي المركز المتقدم لأحد مؤسسي حركة "إرحل نستحق الأفضل" و هو الشاب فيصل اليحيى , أما المفاجأة الثانية و الثالثة فكانت فوز محمد الجويهل و نبيل الفضل مقابل خروج أسيل العوضي و صالح الملا , ما يميز محمد جويهل هو أنه المرشح الوحيد تقريباً الذي يحمل بين يديه قضية واحدة و واضحة تماما للجميع و هي قضية مزدوجي الجنسية , و بالرغم من عدم إعلانه ذلك إلا أنه يركز بشكل خاص على المزدوجين من أبناء القبائل الذين يحمل بعضهم التابعية السعودية + الجنسية الكويتية , أيضا ما يميز جويهل و يتشارك معه في ذلك زميله نبيل الفضل تحررهم من الإسلوب اللبق في الخطاب و إنفتاحهم الواضح نحو إستخدام الألفاظ البذيئة , الغريب في الأمر أن هذه الألفاظ تطرب أسماع جماهيرهم من كبار السن و صغارهم



أما ربط دخولهما بخروج أسيل و الملا فهو إنعكاس مباشر لبحث الحضر+ الشيعة عن نواب أكثر جرأة في التصدي للمعارضة من نواب القبائل و السلف , فالملا و أسيل كانوا غارقين في معركة إسقاط الشيخ أحمد الفهد البعيدة عن نبض الشارع , هذا ما تحقق لهم إلا أنه أسقطهم معه , نعم تغيرت رسالة الدائرة الثالثة قليلاً , إلا أن تغيرها لم يكن في الإتجاه الإيجابي



هنا علينا التوقف لفحص الدائرة الرابعة , هذه الدائرة الشبه محتكرة من الإنتخابات الفرعية سابقا و قد تجرأ فيها جزء كبير من قبيلة مطير بمقاطعة مخرجات فرعيتة القبيلة و التصويت مباشرة لمن يرون فيه أهلا لأصواتهم , ما يجب علينا الإنتباه إليه هنا هو أن خطوة تجاهل الفرعية خطوة إيجابة , إلا أنها لا تعني تغير فكر الناخب أو العوامل التي تساهم في تصويته , فمن فاز من خارج الفرعية هو نفسه من كان يفوز فيها سابقاً , بل أن الثلاثة الأوائل من مرشحي قبيلة مطير تمكنوا من تجاوز أصوات القبيلة و حصد كمية لا بأس بها من أصوات القبائل الأخرى , و هذا مؤشر إيجابي , لكن تحليلنا لن يكون موضوعياً دون النظر إلى أسماء – و عدد أصوات – بقية نواب الدائرة



الواضح هنا أن 90% من نواب الدائرة هم من نواب المعارضة الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من التصادم مع سلطات الحاكم , و هذا مؤشر خطير على السلطة ألا تتجاهله أو تستهين به , أما رسالة الدائرة الخامسة فهي تتشابه كثيرا مع شقيقتها الرابعة , إلا أن الصوت القبلي في هذه الدائرة كان أكثر إلتزاما بمخرجات الإنتخابات الفرعية



هذا هو مجلس 2012 , صادق , صريح , شرس , متطرف , بكل ما تعنيه هذه الكلمات , مجلس جاء بـ 19 وجه جديد بقوالب مُطورة عن إصدارات قديمة , نستثني من ذلك محمد الجويهل و نبيل الفضل حيث أنهما نواب جدد بكل شيء , و الجديد ليس بالضرورة إيجابي . ما سيميز هذا المجلس هو النزعة الواضحة إتجاه الإسلوب الساذج في ترقيع القوانين عبر أسلمتها أو دروشتها و هو ما نشط به نواب التيار الديني في التسعينات , تتعزز هذه النزعة بوجود عدد كبير من نواب القبائل الذين في العادة يؤيدون هذا التوجه لتصل نسبة المُأسلمين إلى 72% من النواب , أما من سيحاول مقاومتهم فهم 14 نائباً يشكلون 28% من المجلس فقط



أما النزعة الأخرى لهذا المجلس فهي التطرف في المعارضة , و عند الحديث عن المعارضة علينا التفصيل قليلاً , فالمعارضة في العادة تتشكل من حزب الأقلية البرلمانية , أما في الكويت فالمعارضة تجاوزت مرحلة معارضة الحكومة و دخلت في قالب معارضة شيوخ لمصلحة شيوخ , أي أن مصطلح "حكومة" تفتت و أصبح أغلب النواب يوالون هذا الشيخ أو ذاك , و لمصلحة هذا الشيخ أو ذاك , و المشكلة هنا تنقسم إلى جزئين



الجزء الأول هو أن هؤلاء النواب و من يرعاهم من الشيوخ إستمرؤوا إقحام الشعب في هذه اللعبة فأصبحت الفئات الشعبية أسلحة مُجيرة لمصلحة بقاء هذا الشيخ أو ذاك , أما المصيبة هنا فهي أن معدل ذكاء – أو خبث – رجل الشارع العادي ليس بمستوى ثعلبية السياسي المحترف , و هذا ما يجعله يتفنن في جعل نفسه وقوداً لمعركة لا ناقة له فيها و لا جمل , فالمواطن هو من يتظاهر في الساحات , و هو من يكتب في التويتر و المدونات , و هو من يتم القبض عليه ليأتي السياسي في نهاية الأمر و يعقد صفقة مع الطرف الآخر فيتحول فيها الفاسد إلى شريف و الشريف إلى فاسد



أما الجزء الثاني من المشكلة فهي أن هذا الصراع بما فيه من شيوخ و نواب و مواطنين أفقد السُلطة أو الحكم جزءا كبيرا من شعبيته , فمناكفة نواب المعارضة الدائمة لسمو الأمير و معاجلتهم إياه بوضع الشروط و المواعيد القصيرة لتحقيقها جعلت من السُلطة طرفاً دائما في النزاع , و أنا لا أبالغ هنا في ذهابي إلى إعتبار الأرقام القياسية التي حققها معارضي الدائرة الرابعة كرسالة مباشرة إلى السُلطة في إنحدار شعبيتها لدى الناخبين , سأكون اكثر صراحة و أقول أن العاطفة أو الغارية مفقودة بين فئة كبيرة من الشعب و السُلطة , علما بأن عواطف الشعب و غاريته تصل إلى أقصى مداها عند التعرض إلى رموزهم النيابية و الدينية , المُعاصرة و التاريخية , بل أن غاريتهم على الرموز السياسية للدول المجاورة أكبر من غاريتهم على رموزنا السياسية , أعتقد أننا أمام مشكلة , و علي القيادة السياسية دراسة أسبابها و وضع الأساليب العملية لمعالجتها



أمام هذا المجلس , و هذه الفجوة بين الشعب و السُلطة , أجد أن الخيار الوحيد أمام السُلطة هو الإبقاء على الشيخ جابر المبارك رئيسا للوزراء , و تصويت الحكومة لصالح أحمد السعدون في الرئاسة , ثم عقد صفقة مع التكتل الشعبي و كتلة السلف + الإخوان الجديدة , تحتفظ فيها أسرة الصباح برئاسة الوزراء و إختيار وزير الخارجية و الداخلية و الدفاع و النفط و المالية , و تعطي 4 وزارات للتكتل الشعبي و 4 أخرى لحدس , حتى و إن تمنعت الكتلتان عن المشاركة فعلى الحكوم أخذ توصياتهما و مباركتهما على أسماء جميع الوزراء , مع التشديد على وضع خطوط حمراء لهذه الصفقة و هي رئاسة الوزراء التي يسيل لعاب حدس عليها , و قوانين الحريات التي يسِن السلفيون سكانينهم للبطش بها , هكذا تضمن السُلطة سنة كاملة من التهدئة تستطيع من خلالها معالجة وضع الأسرة من الداخل و إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية , حيث أنها قد تحتاج لذلك في المرحلة المقبلة


بالرغم من كل ما سبق , فأنا كمواطن أنشد العيش الكريم و الحرية , لست ممتعضاً من رسائل مجلس 2012 , فإن إستطاع هذا المجلس - المتطرف - دفع الحكومة لتفعيل ما نُطلق عليه تجاوزاً "تنمية" من بناء المستشفيات و المدارس و الجامعات فهذا خير للبلاد و العباد , إما في حالة إستمرار هؤلاء النواب بتضييع أوقاتنا و أوقاتهم في مناكفة السلطة و النزول إلى الشارع على طريقة الربيع العربي فسيأتي اليوم الذي يحاسبهم فيه الشعب كما حاسب من قبلهم , أتمنى من كل قلبي أن يستمر هذا المجلس لأطول فترة و أن يستفيد أصحاب الفكر الليبرالي من هذه المدة في إعادة ترتيب الصفوف و إختيار كفاءات صادقة مع نفسها قبل أن تكون صادقة مع الآخرين


إنتهى

2 comments:

SHOOSH said...

ما حاول أن يُخفيه الشعب من عُنصرية إما لـ قبيلته أو مذهبه أو حتى التيار الذي ينتمي إليه كشفته صناديق الإقتراع


النائب الشرس هو شعب شرس .. النائب
البذيء هو شعب بذيء و هكذا


مُخرجات الشعب هي الشعب نفسه


الشعب كان مٌتطرفاً في مكنونه .. إلا إنه أصبح أكثر جٌرأه في الكشف عن تطرفه الذي بات و لـ "ظروف معينه" يراه "مُبراراً".. حتى أخرج ما يُخفيه من تطرف على شكل "نواب" له يمثلونه داخل المجلس


قرر الشعب أن "يضرب" نفسه من أجل "غيره" فـ ليجني ثمار سطحيته

:)


برافو "مطقوق" .. قراءه جيدة للـ مُخرجات

M said...

أحسنت بوسلمى.. فعلا المخرجات شرسه، متطرفة لابعد الحدود. اتمنى ان لا تكون هذه المساومات على حساب حرياتنا.