Monday, December 09, 2013

الوحدة الخليجية.. شعار متقدم للحفاظ على التخلف


منذ أن دشّن المفكر السياسي الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي فكرة الـ"كونفدرالية الخليجية" و الحديث عنها ثم عن الـ"وحدة الخليجية" لم يتوقف، فالكل أصبح يتناول الفكرة بالتأييد أو المعارضة حسب الإنتماء و المصلحة، و لا عيب بالطبع في ذلك فالنقاش العام يساهم دائماً في بلورة الفكرة و تهذيب شوائبها.


طرح النفيسي الفكرة لأول مرة معتمداً على دراسة للخبير الأمريكي (كاتزمان) يتوقع فيها عدم قدرة دويلات الخليج الصغرى على الاستمرار حتى العام 2025، و هذا ما جعل النفيسي يطرح عليها فكرة الذوبان داخل كيان أكبر حتى تحافظ على وجودها في المدى البعيد، و تقوم فكرته على تشكيل كونفدرالية خليجية تتوحد فيها السياسة النفطية و السياسة الخارجية و السياسة الدفاعية كمرحلة أولى، و من ثم تطورت هذه الفكرة مع هبوب رياح الربيع العربي - على البحرين - لتتحول إلى شعار "الوحدة الخليجية"، الذي تحمس له عدد لا بأس به من السياسيين المروجين لفكرة الاستقطاب العربي (السني) – الفارسي (الشيعي).


قبل الدخول في صلب المقال، و بعيداً عن العبارات الإنشائية، علينا الاتفاق بأن أي مشروع كونفدرالي أو وحدوي بين الدول يقوم على أساس تنازل الدولة الأضعف عن جزء من سيادتها للدولة الأقوى مقابل الحصول على بعض المكتسبات من هذه الدولة (الأقوى)، و نجد هذا المثال واضحاً في الاتحاد الأوربي حيث تنازلت الدول الأضعف – اقتصادياً – بجزء من سيادتها الاقتصادية للدول الأقوى كـ ألمانيا التي أصبحت تتحكم بالسياسات الاقتصادية للدول الضعيفة مقابل مكتسب واضح و هو الدعم المالي الذي ينقذ هذه الدول من الإفلاس.


و يعتمد المتحمسين لفكرة الكونفدرالية أو الوحدة الخليجية على نفس المبدأ المصلحي، و هو تنازل الدول الصغرى (الكويت، البحرين، قطر، الإمارات) عن جزء من سيادتها للدولة الأقوى (المملكة العربية السعودية) مقابل مكاسب أمنية و مالية و سياسية في حال تعرض هذه الدول لخطر التغول الإيراني أو العراقي، و يذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيهمز و يلمز إلى قدرة المملكة العربية السعودية على حماية هذه الدول من الأخطار الداخلية في حال قيام فئة من مواطنيها (الموالية لإيران أو الإخوان المسلمين) بالثورة على النظام المشيخي الحاكم.


أي أننا نتحدث هنا عن صفقة واضحة ، تتنازل فيها العائلات الحاكمة في الكويت و البحرين و قطر و الإمارات عن جزء من سيادتها النفطية و الدفاعية و السياسة الخارجية للعائلة الحاكمة في السعودية مقابل أن تضمن عائلة آل سعود بقاء هذه العوائل في الحكم أمام التهديدات الإيرانية – العراقية من الخارج، و خطر الثورات الشيعية (في حالة الكويت و البحرين) و الإخوانية (في حالة الكويت و الإمارات) من الداخل.


أي أن هذه الوحدة أو الكونفدرالية لا تهدف إلى رفع المستوى المعيشي لمواطني هذه الدول، و لا تهدف إلى نشر الديموقراطية و زيادة الحريات لمواطني هذه الدول، و لا تهدف إلى تطوير القدرات الإدارية لحكومات هذه الدول، و لا تهدف إلى حماية حقوق الأقليات في هذه الدول، هي ببساطة تهدف إلى نقيض كل ذلك، يا عوائل حاكمة سلموني سياستكم الخارجية و النفطية و العسكرية و سأحميكم من الخطر الإيراني العسكري و الهجوم السياسي الغربي في حال أردتم قمع شعوبكم و الأقليات في دولكم كما حصل في البحرين على سبيل المثال، و السؤال الأهم هنا، هل تحتاج هذه الدول لهذه الحماية؟ و هل للمملكة العربية السعودية قدرة على ضمان هذه الحماية؟


للإجابة على هذا السؤال أحتاج للتوضيح بأني لا أتحمس كثيراً للكتابة عن شؤون الدول الأخرى حيث أطبق دائماً نظرية "أهل مكة أدرى بشعابها"، لكن مسألة الوحدة اليوم مطروحة و سنحتاج إلى تسليط الضوء على الحالة السياسية في دول الجوار، و بالنسبة للسياسة الدفاعية، فيجب علينا الانتباه إلى أن المملكة العربية السعودية بذاتها تعتمد في الدفاع عن نفسها على قوة خارجية و هي الولايات المتحدة الأمريكية، أي أنها في الأساس غير قادرة على حماية نفسها أمام المواجهات العسكرية الجدية، فكيف ستحمي غيرها؟ خصوصاً و أن كل دول مجلس التعاون المعنية بالوحدة تستعين هي الأخرى بالحماية الأجنبية الأمريكية بشكل أساسي في الدفاع عن نفسها، وهذا ما يجعلني أقول بأن السياسة الدفاعية لدول الخليج العربية موحدة بالفعل من خلال الاعتماد على القواعد الأمريكية و قواتها و عقود التسليح معها.


أما الثورات الداخلية فهي تعتمد أساساً على الفجوة ما بين الحاكم و المحكوم، فكلما اتسعت الفجوة بين السلطة و الشعب زادت احتمالات قيام الثورات الداخلية التي يعتمد فيها الثوار على تجييش المجاميع الشعبية ضد الحكم تحت شعار المطالبة بالمزيد من الحريات و مكافحة الفساد و الحفاظ على ثروات البلد من السراق، و السؤال الحتمي هنا هو هل الفجوة بين الشعب السعودي و أسرته الحاكمة أقل اتساعاً من الفجوة بين الشعب الكويتي و البحريني و القطري و الإماراتي و أسره الحاكمة؟


من خلال نظرة بسيطة يمكننا القول بأن الفجوة بين الحاكم و المحكوم في المملكة العربية السعودية أوسع بكثير منها في الكويت و الإمارات و قطر بسبب تدني متوسط دخل الفرد في المملكة بالتزامن مع تمتع أفراد الطبقة الحاكمة بثروات طائلة، يحدث هذا في مناخ يفتقد لأبسط آليات التنفيس و حرية التعبير و بلا أي مشاركة شعبية في اتخاذ القرار، لذلك لا أجد أي سبب منطقي يجعلني أتوقع قيام ثورة شعبية (إيرانية أو إخوانية) في الدول الخليجية الصغرى و لا أتوقع قيامها في المملكة العربية السعودية، خصوصا مع غياب الرؤية الواضحة لترتيبات الحكم في المملكة مع اقتراب انتقاله إلى الجيل الثالث من عائلة آل سعود.


أما بالنسبة للسياسة الخارجية، فالمملكة تتخذ الكثير من المواقف الخارجية الجريئة التي قد لا تضرها ذاتياً لكنها ستضر الكيانات الخليجية الأصغر في حال تبنيها لهذه المواقف، نذكر على سبيل المثال استقبال المملكة لزين العابدين بن علي و عدم تسليمه إلى الحكومة التونسية، بالإضافة إلى مواقف المملكة من الصراع السياسي في العراق و لبنان و العسكري في سوريا، علما بأن الموجة العالمية اليوم هي انفصال الكيانات الصغرى عن الكيان الأكبر بسبب عدم الرغبة في تحمل تبعات قراراته السياسية الخارجية، نذكر على سبيل المثال هنا الرغبة الاسكوتلندية في الانفصال عن انجلترا و الذي سيتم التصويت عليه في 2014.


و بالنسبة للسياسة النفطية، فالمسألة تعتمد على العرض و الطلب و لا أعتقد بأن الخيارات المتاحة لدول الأوبك أكثر مرونة من السابق، خصوصا مع مقدمات عودة النفط الإيراني و ارتفاع الانتاج العراقي و توقعات زيادة الانتاج الأمريكي من النفط الصخري، كل هذه الأسباب تجعلني لا أرى أسباب منطقية للحماسة نحو الوحدة الخليجية المزعومة، مع استثناء حالة البحرين التي ستسفيد مالياً من الدعم السعودي و سيستفيد النظام الحاكم فيها سياسياً من الحماية السعودية في ظل وجود أغلبية شيعية تشعر بالظلم و الاضطهاد.


الغريب في الأمر، أن أبرز من يروج لفكرة "الوحدة الخليجية" المتمركزة على فكرة التنازل عن سيادة الدولة - النصف ديموقراطية - لدولة أخرى يحكمها نظام ملكي عائلي هم أنفسهم من كان يطالب بالمزيد من الحريات و الحكومة المنتخبة!!  كل ذلك من أجل تحقيق حلمهم الاستمنائي السخيف بمقاومة "المد الصفوي" و "التغلغل الشيعي"، و هو ما لم يتمكنوا من تحقيقه في ظل التخلف الحالي و الدعم الأمريكي في السنوات السابقة، و المؤكد أنهم لن ينجحوا في تحقيقه مستقبلاً مع تغير الموقف الأمريكي في ظل وحدة خليجية تعتمد على تعميم التخلف و اضطهاد الحريات.