Tuesday, August 02, 2011

مقال . . إلى من "على" الأرض

تمر علينا اليوم الذكرى الحادي و العشرين للغزو العراقي الغاشم , و أعتقد شخصياً بأن المشكلة هي في مرور المناسبة علينا و ليس مرورنا نحن عليها , فالغزو بكل ما فيه من خيبات أمل و آلام يظل مناسبة نادرة في تاريخ الشعوب , مناسبة تتيح للأمم التخلي عن كل موروثاتها البالية و وضع اللبنة الأولى لبداية جديدة , بداية جديدة نحو الأفضل طبعا , لكن للأسف , نحن لم نكن من هذه الأمم التي تتعمد المرور على تجاربها المصيرية لتتعلم منها , ترصد الأخطاء لتتحاشى تكرارها , و تُعين مواطن النجاح حتى تستثمرها و تطورها

تمر عليَّ هذه المناسبة و قلبي يعتصر ألماً , و الألم لم يعد يغالبني بسبب ذاكرتي اللعينة , و ما تفيظ به من صور و مشاهد لتلك الأيام العصيبة , لكن ألمي الحالي على ما أراه من واقع بشع في بلدي , و لكي لا أكون ظالماً فبلدي ليس المُدان بآلامي , بل أجزم أنه يشاركني الألم مما تقوم به – بعض - مجاميع القرود و المهرجين الذين يعيشون على أرضه , كائنات ممسوخة بكل صفة سيئة , فلم أعد قادر على العيش بينهم , و لم أعد راغباً في التعامل معهم , و المشكلة أن إنتشار هذه الصفات لم تترك أحداً , فالقريب قبل البعيد , و الصديق قبل العدو , فلم أعد أفرق بين الجاهل و المتعلم , الأبله و المتفهم , الصادق و الكاذب , فهم جميعاً يزعجوني بالنعيق و النهيق , هذا ينعق بـ لن أنسى , و الآخر ينهق بالسباب و الشتائم التي لا تستثني أحداً في المجموعة الشمسية

لا أدعي هنا الفضيلة , فعيوبي كثيرة , لكني أعرف عيوبي , أو أحاول معرفتها على أقل تقدير , قد لا أنجح دائماً في تقويمها , إلا أنني أحاول , أما ما أراه في هذا البلد فهو جنون ما بعد العظمة , جنون تفوق على جنون البقر , فأصبح المصاب به يعاني من خلل قاتل في الراصدات المرئية و السمعية , خلل في قدرة المخ على التفكير و التحليل , و العقل على الإستنتاج و التدبير , و الأفواه على حسن اللفظ و التخريج , و السؤال الذي أطرحه عليهم و على نفسي , طيب بعد أن سَبَبتَ العالم بما فيه , و بما أنك لم تنسى , هل تعتقد أن عدم النسيان بحد ذاته إنجاز تضيفه إلى بقية إنجازاتك الوهمية لتطلق شعارك البائس كويتي و أفتخر ؟ ما هي فائدة عدم النسيان إن كنت تكرر نفس الأخطاء ؟ بل أنك إرتكبتها في المرة الأولى بداعي السذاجة و حسن النية , لكنك اليوم تكررها مع سبق الإصرار و الترصد , فأنت تعلم , أو يجب أن تعلم بنتائج أفعالك و أبعادها

من خلال قراءتي المستمرة للتاريخ يتكرر مروري على الغزو بشكل شبه دائم , و عند مروري عليه أقف متسائلاً مع نفسي عن السبب ؟ لماذا حدث ؟ و كيف حدث بالشكل الذي رأيناه ؟ إنهيار كامل و شامل للدولة خلال سويعات قليلة , فالحقيقة المُرة هي أن كل ما نسمعه أحياناً من بطولات ما هي إلا أفعال إرتجالية , لم يخطط لها فاعلها , و لم يتوقعها الآخرين منه , هي فقط ردود أفعال تخضع لقوانين الأمر الواقع , فأنت إما قاتل أو مقتول , لن أكون ظالماً أو قاسياً هنا , فأنا أيضا أخضع لقوانين الأمر الواقع , و هذه القوانين تجبرني على القبول بأني في نهاية الأمر واحد منكم , و هذه مشكلة وجودية لا أنكرها

أنا أيضاً مثلكم لم أنسى , بل أنني عدت إلى التاريخ لأكتشف بأن الأطماع الخارجية في الكويت وُجدت بوجودها , فالدولة العثمانية طمعت و صدها مبارك بحماية بريطانيا في 1899 , و الدويش طمع فطارت فوقه الطائرات البريطانية في 1920 , و طمع غازي في الثلاثينات فلم نهتز لوجود بريطانيا , أما قاسم فقد طمع في 1961 فوجد القوات البريطانيا في الكويت بعد أقل من 24 ساعة , إلى أن جاءت خطيئة الحكم بقذف الكويت في أتون القومية و عدم عقد معاهدة حماية مع أي دولى عظمى بعد خروج بريطانيا من الخليج في 1971 , فكانت النتيجة صامتة 1973 و إعتداءات الثمانينات ثم الغزو في تسعين , و من سخريات القدر أن التحرير جاء على يد قوة أمريكا العظمى

هنا يجب علينا إستيعاب الدرس الأول , و هو أننا دولة صغيرة – جداً – ليس لها القدرة على حماية إستقلالها في أوقات الجد بلا حماية دولة عظمى , و السؤال هنا , من هي الدول العظمى ؟

إن شرعية الكويت الدولية لم تأتي إلا بإعتراف الأمم المتحدة فيها عام 1963 , و قد جاء تحرير الكويت بقرار من مجلس الأمن في 1991 , و الدول العظمى هي الدول التي تمتلك القدرة على إصدار مثل هذه القرارات من مجلس الأمن , أو نقضه إن شاءت , و هي دول الفيتو , أمريكا و بريطانيا و فرنسا و الصين و روسيا , و السؤال هنا كيف تتقرب نتفة مثل الكويت إلى هذه الدول الكبرى ؟

الإجابة هي أن لكل دولة من هذه الدول مفاتيحها , فمنها من يكتفي بالعقود النفطية و منها من تعتمد سياسته الخارجية على الرأي العام المحلي و ما تقوم به مجموعات الضغط المؤثرة , أيضا لكل من هذه المجاميع مفاتيحها , فمنها من يتعاطف معنا فقط لأننا دولة – ديموقراطية – في وسط دكتاتوري , و هؤلاء سيتاعطفون معنا أكثر حين يعلمون أن المرأة عندنا تمارس حقوقها السياسية و الإنسانية كالرجل , أما المجاميع الأخرى فقد يكون ثمن مواقفها بعض العقود التجارية و الإستثمارية , و السؤال هنا هل ما نقوم به من ممارسات تساهم في خدمة قضايانا في الخارج ؟

هل ما نمارسه من عنصرية إتجاه الوافدين يسهم في تعاطف دولهم معنا ؟ أتكلم هنا عن الممارسات الشعبية و الحكومية على حد سواء , فـ ما أخس من المربوط إلا المفتلت , هل سيضغط الشعب الأمريكي على حكومته للدفاع عنا بعد أن أبَّن بعضنا عدو أمريكا الأول بن لادن ؟ هل سيقف الشعب البريطاني معنا بعد أن رفضنا تخصيص موقع بديل للكنيسة ؟ هل تعتقدون أن الصين و روسيا سيضحون بتحالفهم مع دولة كبرى مثل إيران من أجل هايفنا و طبطبائينا ؟ ألا تعلمون بأن تردد الكثير من الدول الكبرى في مساندة ثورات الربيع العربي ناتج عن خوفهم من وصول التيارات السلفية و الإخوانية للسلطة ؟

أعلم أنكم لم تنسوا الغزو , لكن أين أنتم مما يدور حول العالم ؟ أنظروا جيداً إلى قائمة الدول المشاركة – عسكرياً – في تحرير هذه الأرض , هل تعتقدون أن حكومتنا أو حكومات مجلس التعاون قادرة على حشد كل هؤلاء ؟ بالطبع لا , فنحن و هم لم نكن في يوم من الأيام أكثر من برميل نفط و دفتر شيكات , و هذا و ذاك لن يدوما لنا للأبد , فمن سيضحي بأبناءه من أجلنا حين ذاك ؟

من سيرسل إبنه للدفاع عن شرف ضمير أمتنا ؟ بل أن السؤال الأهم هل نستحق نحن كشعب تعاطف الآخرين معنا ؟ ألسنا نحن من نمقت بعضنا بعضاً ؟ ألسنا نحن من نجتهد في إهانة طوائفنا و فئاتنا ؟ ألسنا نحن من نحشر أنوفنا فيما لا يخصنا ؟ نحرض هذه الحكومة على شعبها , و نشعل ذاك الشعب ضد حكومته , و كأننا نضمن أمننا و أماننا ؟

ألم تشعروا بكم الأسى و البؤس في خطابات أميرنا لنا ؟ تطالبونه بإحترامكم و أنتم لم تحترموه أمام العالم ؟ ألا تعرفون بأن المسائلة الأخيرة لرئيس الوزراء تُصنف خيانة في عالم السياسة ؟ فأنتم كمن يستجوب سعد العبدالله لأنه لم يقبل بالتنازل عن نصف بوبيان أو قبول الوصاية العراقية , و المبكي هنا أنكم وجدتم 18 خائـ . . باً يؤيدكم في مخططاتكم التعيسة , تثيرون الفوضى , و تقودون أسراب المراهقين وراءكم لأهداف لا تعرفون أبعادها , بطولات مزيفة و تقليد فاشل للسابقين , و بما أنكم لم تنسوا فمن المؤكد أنكم تتذكرون شعار صدام في الأيام الأولى من إحتلاله , لا أقول هنا بأن تلك الأحداث هي من دفعته للدخول , لكنها بالتأكيد كانت من ضمن المعادلة

أشعر بألم شديد في طبلة أذني من صرخات لن ننسى 2 8 , لن ننسى 2 8 , لن ننسى 2 8 , و هذا حق من حقوقكم , لكن أتوسل إليكم فكروا قليلاً , في الأخطاء التي نرتكبها يومياً و التي قد تساهم في تكرار 2 8 , أو تساهم في عدم قدرتنا على النجاة بأرضنا لو تكررت تهديدات 2 8 , كفوا عن الصراخ . . الزعيق . . الإزعاج , و ليعرف كل منا حجمه على الأرض , و حجمه خارج الأرض , و حجمه . . . تحت الأرض

اللهم إرحم شهداءنا الأبرار و أسكنهم فسيح جناتك

.

صور الشهداء من تصميم ضرار الفضالة

10 comments:

Nadinal said...

مقال رائع ..
المحزن في الموضوع أن :
من يقرأ هذا المقال هم فقط من يعرفون قدرهم وذاتهم.

EXzombie said...

الصج يبقى و الهراء يتلاشى، لا تخطيط و لا رؤى مستقبلية، و الطامة الكبرى ان الكثيرين فقدوا الامل في البلد و اصبحت لهم محطة، يعبون منها البانزين لين يخلص النفط و بعدها يحركون للوجهة القادمة

AyyA said...

بوست عجيب مطقوق و لكن عندي بعض الملاحظات الجانبية الشخصية عليه. في الجملة
"ألا تعلمون بأن تردد الكثير من الدول الكبرى في مساندة ثورات الربيع العربي ناتج عن خوفهم من وصول التيارات السلفية و الإخوانية للسلطة ؟"
الخوف موجود عزيزي سواء تدخلوا أم لم يتدخلوا و لكني لا أعتقد أن سبب عدم تدخل الدول الكبرى هو هذا الخوف، بل السبب يكمن بنظري في أنهم أي الغرب يتعلمون من دروس التاريخ و ليس مثلنا كما تفضلت. الغرب يتحاشى تحويل ما يجري بين الحكام و الشعوب من غليان إلى حرب بين هذه الدول و العدو الخارجي. فما أسهل من تطويع الصراع و إتهام الغرب بالتدخل. عندك على سبيل المثال إيران عندما قامت بها الثورة من سنتين تقريبا إتهم الملالوة الغرب بالتدخل مع أن لا أمريكا و لا إنجلترا تدخلوا. و لكن التعبئة ضد العدو الخارجي هو دائما الطريق الأسهل، و الغرب تعلم هذا الدرس جيدا. و أعتقد أن هذا كان هو لب موضوعك. أما السبب في عدم تعلمنا الدرس أو الدروس المكررة بإعتقادي هو أننا في حالة "دنايل" كامل، لا نرى عيوبنا و لا نعترف بها و لا نضع اليد على الجرح. أو لا نشخص المرض كي نحدد الدواء لأننا نكره النقد و النتيجة هي أن رأسنا نفخ كالبالون الفارغ و لم نعد نفقه شيئا مما يدور حولنا و لا بنا حتى نصلحة. نحن نزور تاريخنا فيبدوا مشرقا مجيدا و خاليا من العيوب. ذكر هذه العيوب هو التشخيص الذي لم نعد نملكه لأننا مسحناه من كتبنا و ذاكرتنا الجمعية
تحياتي

AlSaibie said...

مقال من القلب والقلب يتعصر ألماً ونحن متألمين معك.

أرى شعب بلدي يغمر جسده من بعد رأسه في التراب كالنعام أو أسوأ ولا يستطيع لوهله أن يستوعب أنه يمثل ما نسبته ٠.٠١ بالمئة فقط من سكان هذه الأرض. يجول العالم كله ولا يتعلم من أسفاره شيئا غير الأكل والملبس إلا من رحم ربي

سمعته سيئة في أرجاء المنطقة لكنه يكابر

هل من أمل؟

AlSaibie said...

مقال من القلب والقلب يتعصر ألماً ونحن متألمين معك.

أرى شعب بلدي يغمر جسده من بعد رأسه في التراب كالنعام أو أسوأ ولا يستطيع لوهله أن يستوعب أنه يمثل ما نسبته ٠.٠١ بالمئة فقط من سكان هذه الأرض. يجول العالم كله ولا يتعلم من أسفاره شيئا غير الأكل والملبس إلا من رحم ربي

سمعته سيئة في أرجاء المنطقة لكنه يكابر

هل من أمل؟

Hamad Alderbas said...

كنت اؤمن بأن الحق كان كويتيا خالصا , حتى انني في ذلك الوقت لم اعطي فسحة لمبررات قد تفهم من وقوف بعض الدول مع صدام حسين , كنت اعتقد بأن على كل انسان الوقوف مع الحق الكويتي , وكنت استكثر على العراقيين التزامهم بالموقف الوطني العراقي على اساس انهم مواطنون عراقيون , حتى انني كنت امتنع عن الاستماع لاغاني كاظم الساهر , وكان لي موقف مشدد من اغلب الفلسطينيين والاردنيين , وحتى العراقيين لم اكن اهتم بما كان يثار عن حليب الاطفال في تلك الايام .

هذا الايمان ضعف ودخل الشك , بعد مراجعة طويلة لبعض المواقف الكويتية اصبحت اعتقد بأننا كالاخرين نخطئ , وبأن هنالك مبررات تسمح لكراهية الاخرين لنا , مواقفنا السيئة من قضايا الشعوب ودعم بعض الديكتاتوريات , والرضا الشعبي عن ذلك بالاضافة سوء معاملة ( الاوادم ) , كل هذا ادركته على انها اخطاء قابلة لأن تخلف ردة فعل سيئة من الناحية الانسانية في المستقبل .

مشكور مطقوق

Safeed said...

لا يوجد في التاريخ أن دولة أو مجتمع سقط بفعل الآخرين

الشعوب تُسقط نفسها، أو تهيئ نفسها للسقوط وعندها يأتي دور الآخرين ليستغلوا الفرصة فقط

وقفت الدولة العثمانية في وجه امبراطوريات عظمى وانتصرت عليها .. ثم أسقطتها قبائل خرجت من رحم الصحراء العربية! لم ذلك بسبب قوة هذه القبائل أو تخطيطها الذكي أو دعم الغرب لها إنما كان بسبب انتظار الدولة العثمانية لدفعة بسيطة تكمل مسلسل سقوطها

كما أن السدود لا تنهار بسبب ضغط المياه إنما بسبب ضعف بنيانها، كذلك المجتمعات، تهلك نفسها بنفسها .. وما التذرع بالآخر على أنه السبب إلا لتغطية هذه الحقيقة المرة: أن المرض داخلي، وليس خارجيًا

Anonymous said...

اخ يا القهر ما غلطت عليهم بشي هذا واقع الديره
تخلف بتخلف رووح دش اكبر منتدى نسائي كويتي وشوف عقليات نساء ديرتك شلون صايره رجعيه جهل بجهل شي مو طبيعي

ادش الشرطه ابي اخدم ديرتي لقيت ستين الف باب يتصكر بويهي ليش ؟ لاني انثى

عددنا كلنا على بعضنا ما يتعدى المليونيين كبار وصغار ونساء ورجال وجيشنا ما يدشه الا الشباب صغار السن !! من كثرنا عشان تشرطون ؟

باجر لي صار غزو مثل ما قلت شيبون فينا ارهابيين وطائفيين وجهله وفوق هذا مشاكل اقتصادنا بدت

Anonymous said...

:I

Unknown said...

صباح الخير
وكل عام وانت بخير وسعادة
مقال رائع وواقعي في طرحة . احببت ان ابدي اعاجبي به
دمت بالف خير