Monday, December 03, 2012

مجلس 2012 الثاني


لي عادة موسمية في تحليل نتائج إنتخابات مجلس الأمة في اليوم التالي لإعلانها , لكن إنتخابات الأمس تختلف بشكل جذري عن غيرها بسبب حملة المقاطعة التي إلتزمت بها نسبة كبيرة من الشعب مما يجعل تحليل نتائج هذا المجلس لا تعكس الصورة بشكل كامل , و هذا ما سيجعل مقالنا اليوم أقرب إلى الجانب السياسي منه إلى الفني و هنا أحتاج إلى توضيح نقطة مهمة هي أنني عندما أقوم بالتحليل السياسي أتجرد من معايير التحليل الأخرى , أي أنني هنا أعالج الجوانب السياسية فقط بغض النظر عن الجانب القانوني و الإنساني و الإجتماعي و العاطفي .

قبل الدخول في شرح النتائج علينا الإتفاق على الفرضيات التالية , نسبة التصويت في الإنتخابات الأولى لـ2012 قاربت الـ60% , و سنعتبر هذه النسبة محققة في جميع الدوائر كوننا لا نملك تفاصيل نِسب المشاركة فيها , أما الفرضية الثانية فهي صحة ما تم الإعلان عنه عن نسبة المشاركة في إنتخابات الأمس و هي قريبة من الـ40% , و بذلك تكون نسبة المقاطعة "الملموسة" 20% يختلف تأثيرها من دائرة إلى أخرى .

الجدول التالي يوضح نتائج إنتخابات الأمس :
 
 

الدائرة الأولى :

الوضع الطبيعي لهذه الدائرة هو تقاسمها بين الشيعة و العوازم مع وجود فرصة لنجاح نائب أو إثنين من الحضر السنة , لكن و بسبب الإلتزام الواضح لقبيلة العوازم بالمقاطعة فتح المجال لإكتساح هذه الدائرة بفوز 8 نواب شيعة تغلب عليهم سمة الإنتماء للتكتلات الدينية بإستثناء معصومة المبارك و عبدالحميد دشتي , و الجديد في هذه الدائرة هو فوز المرشح خالد الشطي المعروف بتطرفه الواضح مما قد يتسبب بتهييج الشارع السني ضد الشيعة و تأكيد مخاوفهم منهم , لذلك سيكون من واجب النواب الشيعة الأكثر خبرة كـ عدنان عبدالصمد و مجموعته إحتواء الشطي و عدم فتح المجال لتكرار ظاهرة عبيد الوسمي و مسلم البراك التي رأيناها في المجلس السابق بين نواب الطائفة .

و بالنسبة لمرشحي السنة من الحضر فلم يكن فوز كامل العوضي و نواف الفزيع غريباً في ظل غياب ما يسمى بالتيار الوطني و الكنادرة إلى حد ما في هذه الدائرة التي كانت نسبة المشاركة فيها هي الأعلى بـ57% .

 

الدائرة الثانية :

نسبة المشاركة في هذه الدائرة 55% تقريباً و هي ثاني أعلى نسبة للمشاركة , و كان فوز علي الراشد بالمركز الأول متوقعاً فيها , أما الجديد هنا فهو فوز ثلاثة من الشيعة و الغياب الواضح لمقاعد التجار بإستثناء عادل الخرافي المدعوم من جاسم الخرافي , و بهذا يخسر مرزوق الغانم و محمد الصقر مقاعدهم – أو من يمثلهم – في هذا المجلس .

 

الدائرة الثالثة :

نسبة المشاركة في هذه الدائرة قاربت الـ52% و لم تشهد الكثير من المفاجآت في ظل غياب رموز المعارضة عنها , فغياب فيصل المسلم و السعدون و الطبطبائي و الإخوان و صالح الملا و أسيل العوضي أدى إلى النتائج الواقعية لهذه الدائرة , و الملفت هنا هو فوز علي العمير بالمركز الأول و بأصوات قاربت الـ6000 مما يشير إلى عدم إلتزام ناخبي السلف بالمقاطعة , أيضاً يعتبر حصول الجويهل على 130 صوت أحد مفاجآت هذه الدائرة بعد أن حل تاسعاً في الإنتخابات السابقة , و ربما تكون هذه إحدى إيجابيات نظام الصوت الواحد و هو الغياب التام لظاهرة النائب المقلوص و النائب المحرقة .

 

الدائرة الرابعة :

نجحت المعارضة في هذه الدائرة في التأثير و بشكل واضح على نتائج الإنتخابات حيث لم تتجاوز المشاركة نسبة الـ29% و هي منخفضة جداً , و الواضح هنا أن المعارضة لم تؤثر بقبيلة الرشايدة بنفس النسبة التي أثرت بها على قبيلة مطير حيث أسفرت النتائج عن فوز 5 من الرشايدة كان من بينهم المرشحة ذكرى الرشيدي و هذا يعتبر مكسب كبير للقبيلة و للمجلس القادم , أما قبيلة مطير فقد غابت تماماً عن هذه الإنتخابات ترشيحاً و إنتخاباً مما أفسح المجال لمرشحي القبائل الأخرى بالتقدم كالمرشح خالد الشليمي و الحسيني و الحريجي .

أما مفاجأة هذه الدائرة فجاءت بفوز المرشح الشيعي مبارك النجادة , و من الصعب هنا توقع مدى قدرة هذه التشكيلة على الإستمرار في حال عودة قبيلة مطير للمشاركة .

 

الدائرة الخامسة :

تستحق هذه الدائرة لقب "عرين المعارضة" فنسبة المشاركة بها هي الأقل على الإطلاق (20%) في ظل مقاطعة واسعة من قبيلة العوازم و العجمان المسيطرة تاريخياً على هذه الدائرة , و بطبيعة الحال أدى هذا الغياب إلى نجاح مرشحين آخرين لم تكن لهم أي فرصة بالنجاح سابقاً كالشيعة شمس و التميمي و الشمري , و الفيلكاوي طاهر بالإضافة إلى الكندري و البوص و الدوسري .

نتائج هذه الدائرة هي الأكثر تغييراً حيث لم يعد أياً من نوابها لمجلس 2012 الأول .

 

بشكل عام و بالمقارنة مع المجلس السابق نجد أن هذا المجلس يتميز بالتالي :
 
 

1- وجود 30 نائب جديد تغلب عليهم صفة الإستقلالية مما يجعل أداءهم غير متوقعاً مع سهولة إستمالتهم لهذا الطرف أو ذاك .

2- إرتفاع نسبة الحضر فيها عن السابق بسبب الغياب الواضح للقبائل الكبرى (العوازم و مطير و العجمان) بإستثناء خالد العدوة .

3- إنخفاض نسبة النواب الإسلاميين إلى أقل من النصف و هي النسبة الأقل على الإطلاق بالمقارنة مع المجالس الأخيرة , ففي العادة يوافق نواب القبائل على كل قانون ذي صبغة "إسلامية" يطرحه نواب السلف و الإخوان , و غيابهم عن هذا المجلس سيجعلنا بعيدين عن معارك تغيير المادة الثانية و أسلمة القوانين مع وجود إحتمال إنتقال المعركة إلى محور "الشيعة و السنة" بسبب الجرأة المتوقعة لنواب الشيعة في تمرير بعض القوانين التي قد تستفز الشريحة السنية .

4- الغياب التام للمعارض الدائم و هو النائب الذي لا يستطيع العمل خارج قالب المعارضة و تقديم الإستجوابات كالنائب أحمد السعدون و مسلم البراك و فيصل المسلم و خالد الطاحوس و غيرهم , علماً بأن عدد هؤلاء النواب في المجلس السابق كان 25 نائباً , و غيابهم عن هذا المجلس يعني غياب الإستجوابات "الحقيقية" عنه , نعم سيكون هناك إستجوابات لكنها لن تكون بنفس خطورة إستجوابات المعارض الدائم .

هنا علينا الإنتباه إلى أن غياب المعارضة الدائمة لا يعني غياب المعارضة بشكل مطلق , ففي مقابل المعارض الدائم هناك معارض متقطع و هو النائب المحسوب على قطب في الأسرة و يستخدم نفسه كسلاح لضرب قطب آخر , أو النائب المتخصص في معارضة وزير معين , أيضاً علينا الإنتباه إلى أن غياب المعارضة الدائمة لم يأتي بسبب تغير المزاج الشعبي المعارض لكنه جاء بسبب مقاطعة هذه الفئة للإنتخابات , أي أن المعارضة الشعبية لم تهدأ إلا أنها تعاملت مع السلطة بسلاح جديد و هو المعارضة التي تهدف إلى الطعن في شرعية المجلس و السلطة التي جاءت به .

 

ماذا بعد ؟

 

للإجابة على هذا السؤال علينا الإتفاق على أن محور المعركة الحالية هو الصراع بين سمو الأمير و المعارضة , و الواضح هنا أن هذه المعارضة تعتمد أساساً على القاعدة القبلية و الإسلامية السنية , أيضاً تتمتع هذه المعارضة بدعم بعض الشيوخ الطامحين للحكم كالشيخ أحمد الفهد بشكل رئيسي مع فتح الباب لتلقي الدعم من معسكر الشيخ سالم العلي و معسكر صباح السالم في المسيلة , أما المعسكر الآخر فيتمتع بدعم الشيخ ناصر المحمد مع إمكانية التحالف مع رئيس الوزراء الحالي جابر المبارك , و هنا علينا الإنتباه إلى أن سمو الأمير يتحرك مؤخراً كمحور مستقل و هو يتحرك بقوة تاركاً أمر مواجته أو الإنضمام إليه للمعسكرات الأخرى .

أعتقد شخصياً بأن النتيجة الأولية لحملة مقاطعة الإنتخابات جاءت بالتعادل بين الفريقين , فنسبة 40% ليست سيئة في ظل غياب دائم لـ40% سابقة مما يعني أن قوة المعارضة تتراوح بين الـ15 – 20% , نعم هي نسبة كبيرة لكن إقتصارها على القبائل فقط و القبائل الكبرى فقط يضعف من مصداقيتها , فهذه القبائل متضررة من النظام الجديد مما يجعل إعتراضها قائم على المصلحة بدلاً من المبدأ , و هذا الإتهام من السهل توجيهه أيضاً لتأييد الشيعة للنظام الجديد فتأييدهم له قد يأتي من أجل المصلحة و ليس المبدأ , و مما يعيب خطاب المعارضة إعتماده الكبير على شيوخ – أو أمراء – القبائل في الترويج للمقاطعة و التعامل مع الموضوع وفقاً للمعايير و المفردات القبلية البسيطة , فالكل يعلم أن الصراع سياسي بحت إلا أن خطاب رموز المعارضة يتعمد إستفزاز النخوة القبلية من خلال حشر مفردات كـ الأحرار و الكرامة و المرجلة في الصراع في محاولة سمجة لتصوير المتقاعس عنها كالفاقد لهذه الصفات .

و المتوقع هنا أن يلجأ رموز المعارضة إلى تعميق هذه المفردات من خلال اللعب على وتر الشرف و العِرض و التركيز على محور المد الصفوي و نجاح متطرفي الشيعة في تجييش القبيلة ضد السلطة و المجلس الجديد , و ذلك قد ينجح في رسوخ المعارضة القبلية إلا أن هذه الأساليب الرخيصة ستفقد جدوتها في الحفاظ على المكون الحضري في المعارضة , فعندما يتفاخر المطيري بمعارضته على العازمي يصبح لسان الحضري "و أنا وين رحت !!".

مع كل ذلك أعتقد بأن موقع سمو الأمير بعد الإنتخابات أقوى بكثير من موقعه قبلها , فإصرار سمو الأمير على إقامة الإنتخابات بالنظام الجديد و نجاحها في إيصال مرشحي القبائل الأخرى و نجاحها أيضاً في إيصال مرشحي الجهراء و الشيعة و حضر الدائرة الخامسة ستجعل كل هؤلاء يتمسكون بهذا المجلس و النظام الإنتخابي الذي جاء به , و في حال نجاح الحكومة في توزير وزراء ينتمون إلى (الفروع المنافسة) في قبائل المعارضة (مطير , عوازم , عجمان) فسيكون من السهل على السلطة سحب البساط تدريجياً من رموز المعارضة الحالية لمصلحة رموز جديدة في هذه القبائل .

أيضاً سيتسبب نجاح هذا المجلس و الحكومة في إقرار 3 أو 4 قوانين شعبية في تمسك مؤيديه به بشكل أكبر و في إفراغ الخطاب المعارض الذي يعتمد على ضعف الإنتاج الحكومي من محتواه , و عندها قد تساهم السلطة في دعم التيارات الشبابية داخل التيارات السياسية للإنقلاب على القيادات التقليدية , خصوصا في التيار الوطني الذي فشلت قياداته في تحقيق أي من أهدافها و خصوصاً الدفاع عن الحريات بينما ضحى سمو الأمير بـ شعبيته و إستقرار حكمه من أجل الدفاع عنها برده لقوانين و تعديلات المجلس السابق .

أعتقد شخصياً بأن سمو الأمير خاض معركة كبيرة في الأسابيع الماضية للحفاظ على البلد من "الضياع" حسب تعبيره , و لكنه لم يصل حتى الآن إلى منتصف الطريق فالتحديات القادمة أكبر , فالتحدي الأول هو القدرة على الإنجاز و إقناع الناس بجدوى تدخلاته في النظام الإنتخابي , أما التحدي الثاني فهو إجبار أقطاب الأسرة و خصوصاً الشيخ ناصر المحمد و الشيخ أحمد الفهد على تأجيل الصراع على الحكم لفترة سنة على الأقل يتمكن من خلالها الشيخ جابر المبارك من العمل , و أنصح شخصياً بأن يذيب سمو الأمير الجليد بينه و بين الشيخ سالم العلي من خلال توزير الأكفاء من فرع السالم .

أما التحدي الثالث لسمو الأمير فهو التعامل مع ما قد تقوم به المعارضة من نشاطات خارج المجلس , خصوصاً بعد فقدانها لكل أسلحتها المشروعة كإصدار القوانين و تقديم الإستجوابات بسبب المقاطعة , هذا ما سيجعلها تتربص بهذا المجلس و تعد أنفاس أنفاسه , أيضاً ستحاول المعارضة و الأطراف المتهورة فيها من إختلاق التصادمات من خلال القيام بالمسيرات و ندوات السقف العالي على شاكلة "لن نسمح لك" .

على العموم , كل ما سبق مرتبط بعوامل السن و المرض للعديد من الأطراف مع تأثره أيضاً بما يحصل في الإقليم , فتطورات الثورة ضد الإخوان في مصر و الخليج و تطورات الأزمة السورية و النفوذ الإيراني في المنطقة كلها عوامل قد تساهم في قلب أو إستقرار الأوضاع في الكويت , أتمنى شخصياً أن لا يكرر البيت الشيعي خطأ الإخوان بالإستعجال على رزقهم و أن يركدوا قليلاً و يُركدوا قواعدهم الإنتخابية فالمكاسب الآنية جاءت و بشكل أساسي بسبب المقاطعة , أيضاً على المعارضة الإيمان بأن السكن في بيت خربان أفضل من السكن في العراء لذلك عليهم أن يحذروا من سياسة الأرض المحروقة , خصوصاً و أنهم في مواجهة أحكام قضائية أطمئنهم مسبقاً بحصولهم على العفو الأميري فيها , علينا جميعاً مراعاة الله في أنفسنا و في بلدنا و في مستقبلنا و تغليب العقل على الطفاقة و التهور .

حفظ الله الكويت من كل مكروه  

6 comments:

VEGA said...

غريبة لم يشمل تحليلك الحملة الاعلانية للانتخابات و الخطابات الثمانية المميزة و خطب الجمعة في مساجد الكويت ... مو هذي عوايدك طاخ طيخ!!

Dahem said...

شكرا جزيلا على هذا التحليل . شيء جيد أن نجد في عصر تويتر من يحلل وبعمق .

imthaye3 said...

أخوي هذا مو تحليل سياسي هذا تحليل مذهبي. "سني" و "شيعي" هذا مذهب مو طائفة أو فئة سياسية.

إذا في واحد لا هو سني ولا هو شيعي، خل نفترض إنه مسيحي ولكن اعتقاداته السياسية تطابق الليبرالية، هذا وين يكون في تحليلك ؟

التحليل السياسي لا يتضمن أي مذهب ولا ديانه. راجع جميع كتب العلوم السيايسية.

AyyA said...

كلمه واحده مطقوق :عجيييب
إمضيع: إنت صج إمضيع...هذه الكويت عزيزي مو واشنطن

Anonymous said...

مقال رائع
وتحليل أتمنى أن تقرأه الأطراف الواردة في المقال

Anonymous said...

إضافة. فاتني أن أشير إلى أن السلف لم يعلنوا مقاطعتهم وإنما حراك المنشقة عنهم أصدرت بيان بإسم سلف الدائرة الثانية أعلنت فيه مقاطعة الإنتخابات إلا أن نجاح الجيران مرشح السلف في الدائرة وحصوله على المركز الثالث يعكس عدم نجاح مقاطعة مؤيدي حراك وربما قلتهم.وأعتقد أن العدد الكبير من الأصوات التي حصل عليها على العمير تؤكد قبوله من قبل العديد من شرائح الدائرة الثالثة وثقتهم به وليس السلف فقط.