يقول عبدالله
القصيمي في بداية كتابه "العرب ظاهرة صوتية":
"إن
العربي ليرفض الصعود إلى الشمس ممتلكا لها إن كان ذلك بصمت ليختار التحدث بصراخ و
مباهاة عن صعوده إلى القمر و امتلاكه له , أي بلا صعود و لا امتلاك .
إن العرب
ليظلون يتحدثون بضجيج و ادعاء عن أمجادهم و انتصاراتهم الخطابية حتى ليحسبون إن ما
قالوه قد فعلوه , و إنه لم يبق شيء عظيم أو جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه..".
عندما أصدرت
المحكمة الدستورية حكمها برفض طعن الحكومة بالدوائر الخمس في سبتمبر الماضي كتبت مقالة أستغرب فيها من بهجة و سرور رموز المعارضة و جماهيرها بهذا الحكم و تسابقهم
على كاميرات الصحافة للإعلان عن انتصارهم المؤزر بالرغم من أن حيثيات الحكم نسفت
أربعة "مبادئ" سعدونية أساسية هي :
1- عدم جواز رجوع الحكومة – وحدها – إلى المحكمة الدستورية و يجب أن يكون للقضية
طرفان فبينت المحكمة جواز ذلك .
2- عدم جواز إقحام القضاء في الخلافات السياسية فجاء الحكم بأن ذلك من صميم
عمل المحكمة الدستورية .
3- الأمة هي مصدر السلطات جميعا و المجلس سيد قراراته فأوضح الحكم بأن سيادة
الدستور الذي تفسره المحكمة فوق سيادة الأمة .
4- عدم اختصاص المحكمة الدستورية بالدوائر الانتخابية و جاء الحكم بـ"رفض
الطعن" أي أن من حق المحكمة النظر في مسألة الدوائر .
رغم كل هذا
الدمار الشامل للـ"مبادئ" السعدونية إلا أن المعارضة أشادت بالحكم و
بعدالته , و كان السؤال الذي يشغلني هو هل هذه المعارضة بلا "مبادئ"؟
أم أنها ذات "مبدأ" يتغير حسب المصلحة ؟ و في الحالتين لم لا يقوم أحد
العقلاء من جماهيرها بالسؤال عن هذا التناقض ؟
بطبيعة الحال
لم أجد إجابة على سؤالي و بلعت الموس إلى أن جاء الحكم بسجن مسلم البراك بالسجن
لخمسة سنوات بتهمة "التعدي على الذات الأميرية و مسند الإمارة", و كان
قراري حينها بعدم التعليق على الحكم إلى أن تتضح أمامي الرؤية بالكيفية التي سيدير
فيها دفاع البراك معركة الاستئناف .
و للحديث عن
هذا الحكم علينا توضيح "مبادئ" المحاكمات القضائية , ففي المحكمة يكون
هناك طرفين يفصل بينهما القاضي حسب القانون الموجود أمامه , و من حق كل طرف أن
يأخذ وقته الكافي للدفاع عن نفسه و إثبات وجهة نظره من خلال "المرافعة"
أو الاستعانة بشهود , و جرى العرف على أن يطالب الشاكي دائما بأقصى عقوبة كما يطلب
المتهم دائما بالبراءة (حتى و إن كان مذنباً).
أما القانون
الذي حوكم به مسلم البراك فينص على :
"يعاقب
بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام , أو في مكان يستطيع
سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم
أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر , في حقوق الأمير و سلطته ,
أو عاب في ذات الأمير , أو تطاول على مسند الإمارة".
و في هذه
القضية كان جهاز أمن الدولة هو الشاكي و هو من طالب – بطبيعة الحال – بأقصى العقوبة
و هي السجن لخمس سنوات , أما المتهم فكان مسلم البراك برفقة ما يزيد عن ثلاثين
محامياً لم "يترافع" أياً منهم للدفاع عنه بسبب رفض المحكمة لطلب المتهم
باستدعاء الشيخ جابر المبارك – رئيس الوزراء – للمحكمة كشاهد في القضية ,
فـ"مبدأ" المحكمة هو أن الشيخ جابر المبارك "لا علاقة له بالواقعة
لا من قريب أو بعيد و هو ليس بشاهد نفي أو إثبات في هذه القضية" و أن المتهم
يصر على استدعائه للشهادة كـ"تكتيك" قانوني لإطالة أمد القضية و
المماطلة فيها .
هكذا استمر
العناد "المبدئي" بين الطرفين – المحكمة و المتهم – على مدى أربعة جلسات
هي 28-1 و 11-2 و 25-3 و 8-4 , فالمحكمة أصرت على أن "يترافع" المتهم
للدفاع عن نفسه و هو أصر على حقه باستدعاء الشاهد – رئيس الوزراء – و رفض التنازل
عن هذا الـ"مبدأ" فكانت النهاية في قبول سماع القاضي لمرافعة الشاكي
(أمن الدولة) و عدم سماعه لمرافعة الدفاع (مسلم البراك), و بما أن الشاكي يطالب بأقصى
عقوبة فكان له ذلك و حكم القاضي بالسجن خمس سنوات على المتهم الذي ماطل أيضا في
تنفيذ الحكم و تسليم نفسه .
و لا أخفي
عليكم هنا بأني و بالرغم من اقتناعي الشخصي بما ذهبت إليه المحكمة إلا أني كنت
معجب بتمسك البراك و درزنين المحامين إلي معاه بالمبدأ و إصرارهم على حضور الشاهد
إلى المحكمة , لكني فضلت عدم التعليق حتى تتبين لي تكتيكات فريق الدفاع أمام محكمة
الاستئناف لتأتي المفاجأة التي لم تفاجئني و هي أن المتهم و فريق دفاعه بلعوا
"مبدأهم" السابق بعدم الترافع قبل مثول رئيس الوزراء أمام المحكمة و
ترافع بدل المحامي أربعة دفاعاً عن البراك فحكمت المحكمة بوقف "نفاذ"
حكم الخمس سنوات إلى صدور حكمها في الشهر القادم .
و كالعادة
خرجت المعارضة بعلامات النصر و البهجة و السرور لتمكنها من كسر خشم السلطة الغاشمة
رغم أنها هي من كسرت "مبدأها" بعدم الترافع دون شهود و هي من أكدت "مبدأ"
قاضي أول درجة بحسم القضية دون الخضوع لتكتيكات فهلوية القانون , و بذلك يكون
المنتصر الحقيقي هو السلطة القضائية التي لم تخضع للابتزاز الجماهيري و صيحات
"يا مسلم يا ضمير الشعب كله", بل أن مسلم و فريقه أثبتوا بأنهم
"ظاهرة صوتية" لا تعرف سوى الحديث و الصراخ على صعود القمر و امتلاكه
بلا "صعود و لا امتلاك".
و يظل سؤالي
الأزلي عالقاً...هل هي معارضة بلا "مبادئ"؟ أم أن "مبدأهم" يتغير
حسب المصلحة ؟
2 comments:
تصحيح يا بوسلمى
اخلاء السبيل ليس بحكم بل هو قرار والمستشار العنزي رغم وجود منع السفر عن البراك من قبل النيابة العامة وضع منع سفر من المحكمة وقد تكون لهذه دلالة رغم أنه في قضية الداهوم والطاحوس رفع منع السفر عنهم .
Totally agree
Post a Comment