Monday, February 20, 2012

نفخة عبيد

"مطير قبيلة تحب الفتك و الغزو , و لا تخلد إلى الراحة طالما ينبض فيها عرق . و لهذا ترى أفرادها في شنّ الغارات الدائمة و الهجوم المتصل . و قد استاء الشيخ مبارك الصباح من عمل الدويش رئيس مطير لنزول أعرابه بجوار عجمي بك السعدون فكان خبر إستيائه منهم باعثاً على مزيد فرحهم فجيّشوا جيشاً , و أغاروا على أتباع مبارك النازلين في سفوان , و إستاقوا منهم إبلاً و أموالاً"

ترد هذه الفقرة في مجلة "لغة العرب" الهندية * و الصادرة قبل 100 عام من الآن أي في العام 1912 , و بالرغم من تحفظي الكبير على إستخدام الإسقاطات التاريخية , إلا أن هذه الفقرة لم تبارح ذاكرتي منذ مشاهدتي أخبار الأمس و مفاجأة الدكتور عبيد الوسمي نواب المعارضة بعزمه على تقديم إستجواب لرئيس الوزراء على خلفية إتصال تلقاه من عبدالله الشلاحي و هو المسجون بسبب لا نعلمه بالضبط لكن المرجح هو حرق مقر الجويهل أو إقتحام قناة الوطن للإعتداء على نبيل الفضل .

كتبت في مقالي السابق الفقرة التالية تعليقاً على مخرجات إنتخابات 2012 :"لا تطالبوا بعد ذلك بالتنمية و الجامعات و الإقتصاد و الأمن و سيادة القانون , كونوا صادقين مع أنفسكم و مع مُخرجاتكم , هذه المخرجات قد تطالب بمنع هذا و فرض رقابة على ذاك , لكنها بالتأكيد لن تدفع بأي إصلاح إقتصادي حقيقي , ربما تزعق مخرجاتنا الشعبية بمطالباتها بتطبيق القانون , لكن زعيقها سيتضاعف في تمييع القانون و تجاوزه عندما يقترب من المقربين منهم , هم إنعكاس مباشر لنا , و لنفوسنا , و لسوء نوايانا و إستهتارنا بمستقبل بلدنا"

و بالفعل هذا حصلنا عليه من نواب هذا المجلس , فمن المطالبة بتعديل المادة الثانية إلى إعلان منع الترخيص للكنائس وصولاً إلى زعيق عبيد في الأمس مطالباً بتطبيق القانون على من أهان القبائل "الجويهل" ثم تضاعف زعيقه في تمييع القانون و تجاوزه عندما إقترب من المقربين منه في قضية إقتحام و تخريب قناة الوطن و ما حولها من سيارات .

لن أناقش هنا مدى أحقية عبيد في تقديم الإستجواب فقد شبعنا من ترديد إسطوانة "الإستجواب" حق مشروع للنائب , و لن أناقش هنا إزدواجية الحكومة في تطبيق القانون فكل فئة تعتقد أن القانون يُطبق عليها و لا يُطبق على غيرها كما رأينا مع تجمع الشيعة ضد المليفي و غيرها من التجمعات , و الحقيقة هنا أن القانون كـ "قانون" لم يُطبق على أحد في هذا البلد , فحتى سحب جنسية ياسر الحبيب لم يكن فيها تطبيق للقانون , و القانون لا يطبق أيضا على القنوات الفضائية بنفس الدرجة التي لا يطبق على شركات البورصة ! ربما يعتقد البعض بأن "العقاب" أياً كان نوعه هو قانون , لكن هذا غير صحيح , و هذا ما يجعلني أسأل نفسي دائما هل العيب فينا ؟ أم في قوانيننا الغير قابلة للتطبيق ؟

ليس إهتمامي الآن على شرح ما سبق , فتركيزي هنا على الإنعكاسات السياسية لما قام به عبيد الوسمي بالأمس سواء قدّم إستجوابه أم لم يقدمه , أيدته كتلة المعارضة أم لم تُأيده , تعود معرفتي بالدكتور عبيد إلى العام 2000 عندما كنا نجتمع ليلياً في الأنترنت لنقاش المواضيع السياسية , و الذي لم يتغير في عبيد منذ ذلك الوقت هو نزعته التمردية أو لنقل رفضه التام لتصنيفه محسوباً على جهة أو حزب معين , لذلك كنت أتوقع أن يظهر لنا بمواقف معاكسة للموقف الرسمي للتكتل الشعبي أو حدس أو حتى القبائل , لكني لم أكن أتوقع ظهور هذا الموقف بالتوقيت الحالي .

ما قام عبيد في الأمس و من قبله ترشيحه لمنصب نائب الرئيس سـ يضر المعارضة أكثر مما يضر الحكومة , فمنذ إعلان نتائج مجلس الإنتخابات كتلة المعارضة تحاول التنسيق على قدم و ساق لتحديد أولوياتها في العمل بعد ان أصبحت هي الأغلبية في المجلس , و هذا ما جعل كل فئة منها تسارع في الإعلان عن أولوياتها فطرح هايف موضوع تعديل المادة الثانية , بينما طرح الإسلاميين الأقل نفاقاً حل وسط و هو أسلمة القوانين من دون تغيير المادة الثانية , ثم نزل عليهم أسامة المناور سلايد ليعلن أولويته في الرد على فرنسا و سويسرا من خلال منع إقامة كنائس جديدة و منع توسعة مواقف سيارات الكنائس الحالية ! يحدث كل ذلك وسط ذهول بقية المعارضين المنتمين للتكتل الشعبي و حدس , حيث أن هؤلاء يعتبرون زيادة مقاعدهم في هذا المجلس مكسب لن يكونوا سعداء في تضييعه , خصوصاً بعد تمكنهم من السيطرة على رئاسة المجلس و نيابته و رقابته .

بالعربي الفصيح , عندما خاطب عبيد في الأمس رئيس الوزراء قائلا "عِشك أهون من بيت العنكبوت و بنفخة يطير" فهو كان يوجه نفس الخطاب لكتلة المعارضة و يقول لهم عِشكم أو كُتلتكم أهون من بيت العنكبوت و بنفخة تتفكك" , فتركيز عبيد على قضايا أبناء القبائل "فقط" سيحرج حضر كتلة المعارضة , خصوصا و أن هؤلاء وقفوا مع القبائل في الندوات و التجمعات تعزيزا لمبدأ الوحدة الوطنية , لكن الوحدة الوطنية لا تشمل المطالبة بعدم محاكمة المتورطين بالجرم المشهود في حرق خيمة جويهل و إقتحام قناة الوطن و ضرب رجال الأمن .

أيضاً تركيز عبيد على قضايا أبناء قبيلته "فقط" سيحرج نواب القبائل الأخرى , فالجويهل تمكن من فرز المجتمع إلى بدو و حضر , لكن إندفاع نواب مطير و أولهم مسلم و عبيد سينجح في فرز البدو - أو القبائل - إلى مطران و عجمان و عوازم و رشايدة و هواجر و شمر و عنوز و قحاطين و فضول ! فالثقافة القبلية لا تقبل تفوق أو زعامة قبيلة على أخرى , و نستذكر هنا دخول أمير العوازم فلاح بن جامع على الساحة السياسية في الفترة السابقة , و نستذكر أيضا الأصوات الستة التي حصل عليها عبيد في إنتخابات نائب الرئيس .

و لا ننسى هنا الحرج الذي سيتسبب فيه عبيد لأحمد السعدون الذي وعد السُلطة بالسيطرة على المجلس في حال وصوله للرئاسة , خصوصاً مع إعلان قروب ناصر المحمد تأييد الإستجواب في رسالة واضحة للسُلطة بأن تحالفكم مع السعدون و التكتل الشعبي لن يضمن الإستقرار للبلد .

في نهاية الأمر أعتقد أن الحكومة , و بالتعاون مع بقية كتل المعارضة – الشعبي و حدس و السلف – ستحاول طمطمة الإستجواب و الوصول إلى صيغة معينة يقبلها عبيد مؤقتاً لتأجيل إستجوابه , و هذا ما قد يثير نواب ناصر المحمد فيهدد بعضهم بتوجيه إستجواب لرئيس الوزراء نعود من خلالها إلى لعبة المساومات و التكسبات التي شهدتها حقبة ناصر المحمد , الإستنتاج الأهم هنا هو تعرية عبيد لكتلة المعارضة و نفخه على أحلام أحمد السعدون و خالد السلطان و ربما محمد الدلال في تأسيس كتلة الـ 35 معارض ليعود كل منهم إلى حجمه الطبيعي في السيطرة على 6 إلى 7 نواب فقط .

____________________________________________________________

*أخبار الخليج العربي التاريخية في مجلتي لغة العرب و العرب الهندية للأستاذ طارق نافع الحمداني ص60

3 comments:

احمد said...

يخيل لي عن عبيد واقف على طرف حوض السباحة وجميع الأعضاء بمن فيهم الموالين والمعارضة والرئيس ونائبة ، وهناك جمهور بالأعلى ، عبيد استعد ، 1 ، 2 ، 3 ، هبه ، البعض سقط قبل عبيد ، وثلة من الجماهير سبقت الاعضاء ، وهناك من الجانب الآخر ، على الضفة الثانية سقط أحد المعارضة الحالية ، او بما يسمون الانبطاحيين سابقا ، ووقف عبيد ودقق في وجوه الحضور ووهو يبتسم ، ما راح أسبح ، هونت.

المقوع الشرقي said...

ارفضوا الغزوة الرجعية ضد حرية المرأة في مجلس الأمة
اخرجوا اليوم الي ساحة الإرادة من الساعه5-7مساءا

انشرو جزاكم الله خيراً

أبو جيج يدور نعاله said...

أوتاد

ما أجمل تسامحهم

حين أنظر إلى الدالاي لاما ممثل البوذية وأرى ابتسامته الساحرة الهادئة, وحين أستمع إلى بعض أحاديثه, أو حين أرى طيب تعامله مع الآخرين, أتساءل: لماذا لا نرى مثل هذا في كبار رجال الدين المسلمين? كذلك الأمر مع البابا الراحل وكيفية تسامحه وتواضعه مع الناس. هذان المثلان لممثلي ديانات كبرى يعد أتباعها بالملايين أكثر من المسلمين, وينتمون لبلدان أكثر تطوراً من بلدان المسلمين, يقدمان الأمثولة لأجمل صور التسامح الإنساني والديني. وحين أستعرض ما أراه في البرامج المتلفزة الوثائقية عن رجال الدين غير المسلمين عموماً, أرى فرقاً كبيراً في درجة التسامح الإنساني, لا يمكن لرجل الدين المسلم أن يبلغها يوماً. والطابع الإنساني الذي يجمع هذين العملاقين إنسانياً يتسم بالتالي:
* لم يكفروا إنساناً, ولم »يبشروه« بالنار في الآخرة.
* لم يتدخلوا يوماً في إيمان أو معتقد, بل تركوا الأمر للخالق.
* لم يؤذوا كاتباً أو مثقفاً.
* احترموا أنفسهم فلم يأخذوا كاتباً إلى النيابة والمحاكم حتى ولو كتب ضد دينهم.
* لم يتدخلوا قط لمنع كتاب أو مقال حتى ولو كان ضد دينهم.
* لم يصدروا قط فتاوى دينية ضد الآخرين.
* لم يؤذوا أحداً في دينه كما يحدث في فتاوى المسلمين تجاه غير المسلمين.
* لم يظهروا في الفضائيات والمجلات والصحف لتفسير الأحلام.
* لم يتعاملوا يوماً مع الجن على اختلاف جنسياتهم.
* لم يروعوا أحداً بفتاوى الدم والقتل.
* لم ينصروا يوماً طاغية أو مستبداً, بل اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية عن صمتها إزاء جرائم هتلر.
* لم يتدخلوا في حياة الناس الخاصة.
* لم يتدخلوا في عمل الساسة ولم يسعوا إلى جمع المال باسم الدين.
* لم يرتقوا يوماً منبر كنائسهم أو معابدهم لشتم الآخرين.
* لم يداهنوا حكاماً لمصالح دنيوية.
* لم يدعوا قط لقتال الآخرين باسم الدين.
* لم يضعوا أتباعهم فوق الآخرين دينياً أو أخلاقياً.
* لم يدعوا قط أن دينهم فقط هو دين الحق وأن الأديان الأخرى باطلة.
* يتجنبون التحريم والتحليل حتى لا يحرجوا الآخرين.
* يتجنبون الإثارة الإعلامية لكسب الأتباع.
* يزهدون في الدنيا برغم قدراتهم الكبيرة على التلذذ بها مادياً وأدبياً.
* يطلبون الغفران لكل نفس من دون النظر إلى دينها.
* على مستوى من الفضيلة أنهم لا يترددون في الاعتراف بالخطأ حتى ولو كان تاريخياً.
* لا يجبرون حكوماتهم على تدريس دينهم ونبذ ديانات الآخرين.
أتساءل: من أين جاؤوا بهذا القدر الهائل من التسامح الإنساني تجاه الآخرين المختلفين عنهم دينيا? وما هي القوة الروحية التي لديهم والتي تمدهم بهذه الروح الإنسانية التي لا نجد لها مثيلاً في ديار الإسلام? لماذا لا نتعلم منهم كيفية إشاعة هذه الروح الكريمة المتسامحة في مجتمعنا المسلم? واقرأوا معي ما كتبه المرحوم سيد قطب في كتابه »في ظلال القرآن« المجلد 2 - ص .134
»إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير .. إن البشرية تتآكل إنسانيتها, وتتحلل أدميتها, وهي تلهث وراء الحيوان, وميراث الحيوان, لتلحق بعالمه الهابط, والحيوان أنظف وأشرف وأطهر..«.
حتى الحيوان لم يسلم من الشتم .. بالله عليكم لو يصل هؤلاء إلى السلطة ماذا سيفعلون ببني البشر?
وختاماً, رجل الدين المسلم الوحيد الذي يمنع بناء المعابد للآخرين في بلاد المسلمين, في حين لا يمانع البابا والدالاي لاما بناء المساجد في أي بقعة يصل إليها نفوذهم الديني .. هل هناك تسامح أكثر من هذا?

* يحرص المتدينون على إلباس خادماتهم الحجاب الديني, ثم لا يمانعون قيام الخادمة المحجبة بغسيل سياراتهم!! هكذا الإنسانية.


أحمد البغدادي


منقول من جريدة السياسة