Saturday, November 03, 2012

صراع الحكم


يتميز المشهد السياسي في الكويت – اليوم - بالضبابية أو الغبارية إن صح التعبير , فمع الضباب تكون الرؤية غير واضحة لكنها ممكنة , أما في الغبار – و خصوصاً الغبار الكويتي – فتكون الرؤية معدومة , فلا أحد يعرف أين يقف أو أين يفترض به أن يقف , هو مع السلطة هنا و ضدها هناك , مع المعارضة هناك و ضدها هنا , يحصل ذلك وسط منظر مزعج إلى حد القرف و مقرف إلى حد الإنزعاج تحول فيه الناس إلى قطعان من الحمقى و عبدة للأوثان الإنسية , فذاك يردد علينا "سمعاً و طاعة" و هذا يصف ضميره السياسي بـ"الظاهرة الكونية" !!

أمام هذا الغبار أجد من واجبي الحديث عن ثلاثة نقاط رئيسية أولها الصراع على السلطة , و ثانيها مسألة مقاطعة الإنتخابات , أما ثالثها فهي مسيرة كرامة وطن الجزء الثاني المزمع إقامتها يوم الأحد القادم , و هذا ما سيجعل من هذا المقال طويلاً و متشعباً و منفلتاً في حال عدم قدرتي على السيطرة عليه , لذلك أرجو المعذرة مقدماً من وعورة ما سأكتب .

البحث في مسألة الصراع على الحكم يمتد إلى بدايات تأسيس دولة الكويت الحديثة و بالذات إلى العام 1895 حينما أقدم الشيخ مبارك على إغتيال أخويه جراح و محمد الذي كان يحكم الكويت آن ذاك , و من بعد حكم مبارك أصبح الحكم "شبه" متبادل بين إبنيه جابر و سالم و ذريتيهما , ما يهمنا الآن هو الحديث عن مرحلة حكم الشيخ جابر الأحمد الصباح التي بدأت في اليوم الأول من العام 1978 و استمرت إلى أوائل العام 2006 , و بالرغم من الإضطرابات التي واجهتها الكويت محلياً و إقليمياً أثناء هذه الفترة إلا أنها تميزت - على الأقل - بهدوء الصراع على الحكم .

يعود السبب في ذلك إلى عاملين أساسيين :

الأول هو أن الشيخ جابر الأحمد استلم الحكم و هو في بداية الخمسينات من عمره , أي أنه كان في "عز" شبابه و قوته و نضوجه الفكري و الجسدي مما جعل الجميع يتوقع "طول إمتداد" فترة حكمه فلم يعد المجال مفتوحاً للصراع على السلطة , خصوصاً و أن ولي عهده أيضا يتمتع بالصحة و القوة .

أما العامل الثاني في كبح الصراع على الحكم أولاً , و عدم خروج الصراع السياسي عن حيزه المسموح ثانياً , فكان جمع الشيخ سعد لمنصبي ولاية العهد و رئاسة الوزراء مما وضعه فوق سقف "المحاسبة الشخصية" في مجلس الأمة , أي أن المحاسبة كانت تقف عند الوزراء و لم تتجرأ على الوصول إليه و الشواهد على ذلك كثيرة أهمها أزمة المناخ و لجنة تقصي الحقائق في 1992 .

و مع بداية الألفية الجديدة بدأت الحالة الصحية للشيخ جابر الأحمد و ولي عهده الشيخ سعد العبدالله بالتدهور , جاء ذلك بعد وفاة الشيخ جابر العلي في 1994 و تدهور صحة الشيخ سالم صباح السالم و غياب سياسي للشيخ سالم العلي السالم , إجتماع هذه الظروف صب في صالح الشيخ صباح الأحمد الذي أصبح رجل المرحلة و الحاكم الفعلي للبلاد , لكنه لم يتمكن من القيام بهذه المهمة كما يريد من موقعه آن ذاك كنائب أول لرئيس الوزراء و وزيرا للخارجية , فلم يكن أمامه إلا المطالبة بالفصل بين ولاية العهد و رئاسة الوزراء ليصبح الشيخ سعد ولياً للعهد و يصبح الشيخ صباح أول رئيس وزراء غير محصن بولاية العهد في تاريخ الكويت في العام 2003 .

و بعد ثلاثة أعوام من الفصل استمرت الحالة الصحية للشيخ سعد و الشيح جابر الأحمد بالتدهور إلى أن جاء الخامس عشر من يناير 2006 الذي توفى فيه سمو الأمير جابر الأحمد و إنتقل فيه مسند الإمارة تلقائياً إلى الشيخ سعد العبدالله الصباح , لكن الشيخ سعد لم يكن قادراً على أداء مهام الإمارة فدخلت البلاد في معركة "أزمة الحكم" التي إنتهت بتصويت أعضاء مجلس الأمة على نقل صلاحيات – أو تنحية – الأمير إلى رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الصباح , و بالرغم من تفوق فريق الشيخ صباح في هذه المعركة على الفريق المنافس إلا انها إستمرت على مدى إسبوعين إستُنزفت فيها الكويت بشكل غير مسبوق .

ففي تلك الأزمة شهدنا صراع الشيوخ على الحكم و كيفية إستخدام كل منهم لأسلحته – أو أدواته – لحسمها , شهدنا إستخدام الإعلام و البلوتوث و رئيس مجلس الأمة و أعضاءه , شهدنا أيضاً أصحاب المواقف المريبة الذين حاولوا بقصد أو من دون قصد إطالة عمر الأزمة و عدم حسم الأمور لصالح معسكر الشيخ صباح , المثير هنا أن الرُباعي أحمد السعدون و مسلم البراك و وليد الطبطبائي و محمد عبدالقادر الجاسم قاتلوا بشراسة لإبعاد الشيخ صباح عن الإمارة , لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن الرُباعي و تمكن معسكر صباح الأحمد من حسم الأمور بسبب تفوقه الواضح على معسكر الشيخ سعد الذي كان يتزعمه – بالنيابة - الشيخ سالم العلي الصباح .

و بالرغم من إنتصار الشيخ صباح في "أزمة الحكم" إلا أن ثمن هذا الإنتصار أفقده الضمانات السابقة للسيطرة على صراع الحكم , فالشيخ صباح – أطال الله في عمره – حكم و هو في الثمانين من عمره مما جعل الجيل الثاني من شيوخ الأسرة يتوقعون "قصر فترة" حكمه , و هذا ما دفعهم للدخول في صراع محموم للفوز بمنصب ولاية العهد في اللحظة التي ينتقل فيها الحكم إلى ولي العهد – الحالي – الشيخ نواف الأحمد الصباح , و قد إعتمد هؤلاء في صراعهم على خطين متوازيين :

الخط الأول هو العمل على تشكيل تحالفات مع الأطراف التي ستكون مؤثرة في أزمة الحكم المقبلة , و تعتمد هذه التحالفات على عناصر محددة أهمها الصحف و القنوات الفضائية و أعضاء مجلس الأمة و رجال الأعمال و المجاميع – أو الأحزاب - السياسية بالإضافة إلى شيوخ القبائل و وجهاء الطوائف .

أما الخط الثاني فهو إستخدام هذه التحالفات في تكسير و إضعاف منافسيهم لتقليل حظوظهم في النجاح , و هذا ما جعلنا نشهد هذا الكم الهائل من الوقاحة الإعلامية و السياسية في ضرب هذا الشيخ أو ذاك لإبعاده عن المنافسة , و مما لا شك فيه أن أهم سلاح يستخدمه الشيوخ في تشكيل هذه التحالفات و تحفيز عناصرها على ضرب الخصوم هو المال , لذلك يحتاج كل منهم لتأمين مبالغ تتراوح ما بين الخمسة ملايين إلى خمسة عشر مليون - سنوياً - من أجل المحافظة على هذه التحالفات و توسيعها , و السؤال الذي يطرح نفسه من أين يأتي هؤلاء بهذا الكم الهائل من المال ؟

الإجابة هي أن بعضهم "وارث" و البعض الآخر "مختلس" و البعض الثالث لم ينجح في هذا و ذاك فأصبح فريسة سهلة للإغراءات الخارجية , فالأنظمة الحاكمة في الدول الشقيقة – و المحيطة – تراقب هذا الصراع و من السهل عليها تبني أحد أطرافه مالياً و معنوياً و إعلامياً !! ففي حال نجاح هذا الطرف ستصبح الكويت , و بكل إمكاناتها – 10% من نفط العالم – في خدمة مصالح هذه المحاور الإقليمية التي لا تشكل العشرين أو الثلاثين مليون دينار لها شيئاً , و من المحتمل أن لا تقوم هذه الجهات بدفع المبالغ مباشرة لهذا الطرف – الشيخ – أو ذاك , بل أنها تكتفي بشراء بعض النواب أو وسائل الإعلام و تسخرهم للدفاع عنه أو لمهاجمة منافسيه .

أعترف بأنني لا أمتلك أدلة ملموسة على ما أدعيه هنا , لكن المثل يقول "البعرة تدل على البعير و الأثر يدل على المسير", و قد رأينا خلال السنوات الست الماضية عدد لا بأس به من الـ"بعرات" و الـ"آثار" التي لا يمكن أن يكون إجتماعها من قبيل المصادفة , فليس من الصدفة إلصاق تهمة "المد الصفوي" بالشيخ ناصر المحمد , و ليس من الصدفة إتهام ملك السعودية و ولي عهد الإمارات – علناً - بدعم العنف في الكويت , و ليس من الصدفة أن يكون صاحب هتين التهمتين الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم الذي عمل مستشاراً للشيخ علي الخليفة و كان مستعداً لأن يصبح مستشاراً للشيخ أحمد الفهد و الشيخ ناصر المحمد , فهل من المصادفة أن يتوقف مستشار الشيوخ عن تقديم إستشاراته في الوقت الذي ترتفع فيه قيمته و قيمتها و يزداد عدد الشيوخ الطامعين بالحصول عليها !!؟

هل تبادل الإستجوابات بين نواب الشيخ ناصر المحمد و نواب الشيخ أحمد الفهد من قبيل المصادفة المحضة ؟ و ماذا عن تواجد الشيخ فهد سالم العلي في تجمعات ساحة الإرادة و تبنيه لها في قناته ثم إختفائها فجأة ؟ هل ظهور ما يقارب الـ20 جريدة ثم إغلاق الجيد منها و بقاء السيء من قبيل الصدفة ؟ أين هو الجويهل ؟ و ما هو السر في الأوقات القاتلة لظهوره و من ثم إختفاءه !؟

سردي لهذه الأسئلة لا يأتي من باب الترويج لنظرية المؤامرة أو توجيه الإتهامات يمنة و يسرى , لكني أحاول تسليط الضوء على هذه الظواهر و توضيح دور "الصراع على الحكم" في المشهد السياسي و أزماتنا السياسية , هي محاولة للتفريق بين العفوي منها و المفتعل .

المشكلة هنا ليست في تقدم العمر بسمو الأمير و إنفصال ولاية العهد عن رئاسة الوزراء , المشكلة في أن المتصارعين على حلبة "أزمة الحكم" القادمة لن يكونوا طرفين يتفوق القوي منهم على الضعيف بمواجهة "خفيفة", بل سيتراوح عدد المتصارعين من ثلاثة إلى خمسة و ليس من الواضح حتى الآن تفوق أياً منهم بشكل قاطع على الآخر .

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا كان الشيخ صباح الأحمد الصباح قد اضطر لتقديم فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء في 2003 , و تمكين أعضاء مجلس الأمة من عزل الأمير في 2006 ثمناً – غالياً- لتحقيق النصر في "أزمة الحكم" السابقة بالرغم من محدودية الصراع في طرفين و تفوقه الواضح على منافسه , فما هو الثمن الذي سيدفعه أطراف "أزمة الحكم" القادمة !!؟

 
@ma6goog

6 comments:

SHOOSH said...

Again .. lovely

دكتور كويتي said...

كالعادة
تحليل راقي و دقيق
السؤال: اين نحن من التجاذبات الدولية
هل ستسمح الولايات المتحدة باهتزاز دولة تنتج 5.2 مليون برميل يوميا
لا أعتقد
و السلام

Unknown said...

كلام جميل و ما استنتجته من المقال بانك تريد ان توصل رسالة بأن اللعبة اكبر من ما يتصوره بعض هواة السياسة من الشباب الذي وضع نائب كمثل اعلى و اتبعه بالحق و الباطل.

NakedBoy said...

ما تحدثت عن الثلاث نقاط الرئيسية

Unknown said...

اللعبة في المنتصف و العبرة في النهاية
#روعة

Anonymous said...

تحليل ممتاز لأزمة الحكم في الكويت ولعلها اللعنة الدائمة الملاحقة للأنظمة التى لا تنتقل فيها السلطة تلقائيا لنجل الحاكم الأكبر. لاعتبارات دولية، لا أتوقع أن الثمن سيكون رئيس وزراء منتخب -في القريب العاجل على الأقل- لكن قد يكون هناك تعيين لشخص من خارج الأسرة كحل وسط. أحييك على هذا السرد التاريخي الرائع للنزاع وأتمنالك التوفيق