Saturday, March 21, 2009

هكذا تكلم النوخذة - دين

شارفت الشمس على المغيب , و وصل النوخذة الى الحفرة الثالثة , هناك وجد البحّار يحفر بجد و اجتهاد , فبادره التحية و قال

جديتك في العمل تذكرني بأجدادك , أهل الكويت السابقين , ما اسمك؟

اسمي صالح , العمل عبادة كما تعرف

أجل أجل , العمل عبادة , جميل , أنت تعمل بجد للفوز بجائزة الآخرة , و ليس للحصول على الكنز الدنيوي؟

ليس بالضبط , فأنا أطمع للحصول على الاثنان معا , رد صالح

تبدو لي أكثر هدوءا و سكينة من رفاقك , هل التزامك الديني سببا في ذلك ؟

بالطبع , فأنا على ثقة بأن هذه المصيبة اختبار من الله , و أننا انشاءالله سنتجاوزها و نعود الى الديار , و ماذا عنك يا نوخذة ؟ هل تعتقد أننا سننجو ؟

أتمنى ذلك , و لكن تفكيري الآن مرتكز على كيفية الحصول على الكنز, الدنيوي طبعا
.
الكنز ! قال صالح , و ما الذي سيفعله رجل في مثل عمرك بالمال؟ أنت اليوم أقرب الى الآخرة منك الى الدنيا , أنصحك بالاهتمام بشأن آخرتك و ركن الأطماع الدنيوية جانبا

أنت محق يا صالح , أنا أيضا أفكر في مالذي سأفعله بالمال , أعتقد أنني جعلت الحصول على الكنز هدفا لي بالحياة , كما جعلت أنت الدخول الى الفردوس هدفا لك في الحياة

أرجوك , لا تقارن كنزك الدنيوي الزائل بجنة الله الخالدة , فالموضوع مختلف تماما , ألا تؤمن بالأديان ؟
.
فأجاب النوخذة , لقد قضيت عمري كله في التنقل و الترحال من جزيرة الى أخرى , و بلد الى آخر , تعرفت خلالها على عشرات الأديان و المذاهب و الطوائف و المعتقدات , فلم أعد أعرف من منكم على صواب و من على خطأ
.
أنا سألتك عن الأديان و لم أسأل عن الناس ؟ ألا تؤمن بالأديان ؟
.
و ما هي الأديان من غير الناس؟ يا صديقي ان الفكرة الاساسية لكل الأديان تتشابه , فهي جاءت لتجاوب الانسان على ثلاثة اسئلة أساسية , من أين أتينا ؟ و كيف علينا أن نعيش ؟ و الى أين سنذهب بعد الموت ؟ هذه هي الأديان يا بُني
.
أما بقية التفاصيل و التعقيدات فهي تتشكل على شكل القالب الذي تُصب فيه , و البيئة التي تنشأ فيها , و الزمن الذي تتطور من خلاله , و الظروف المحيطة حول من يمارسها , و هذا ما يجعل تفاصيل المعتقدات الدينية تتغير بتغير الزمان و المكان و ظروف الفئة المؤمنة فيها
.
اندهش صالح من كلام النوخذة ,فحاول أن يصحح له أفكاره , لكنك لا تستطيع أن تساوي بين جميع الأديان , فهناك أديان صحيحة و هناك أديان خاطئة ,و لا تستطيع أن تساوي بين الاثنان ؟
.
نعم نعم , أنت محق يا صالح , فالصحيح بالنسبة لك خطأ عند غيرك , و الصحيح عند الآخرين خطأ عندك , و من هنا نشأت الأديان و المذاهب و الطوائف المتعددة , فالاختلافات بين الأديان تبدأ من فكرة نشأة الخلق و تنتهي الى أدق تفاصيل الممارسات الدينية ككيفية مسح القدم في الوضوء و غيرها من التفاصيل الكثيرة
.
كما قلت لك يا صالح , الأديان عبارة عن معتقدات و تعليمات عامة , و الانسان هو من يفسر و يحلل و يطبق هذه التعليمات حسب مفاهيمه الخاصة , فأنا لا أرى للدين رجال , و لكني أرى أديان فصِّلت لكل رجل , و أعتقد أن الأديان تلعب دور ايجابي ان تمت ممارستها حسب هذه المفاهيم العامة, لكنها تتحول – أو يحولها الانسان - الى آلة مدمرة تولد الكراهية عندما يتعامل معها كمقياس وحيد لتقييم الآخرين , المختلفين معهم في الأفكار العامة أو التفاصيل الخاصة للأديان
.
فهمهم صالح ثم قال , و ما رأيك في الاسلام؟
.
فرد النوخذة , لكم اسلامكم و لي اسلامي
.
و ما هو اسلامك ؟ سأل صالح
.
اسلامي هو الحياة البسيطة و العقل الصافي و الأخلاق المتسامحة , اسلامي هو ترك الآخرين يديرون شؤونهم بلا تطفل و لا أحكام مسبقة , اسلامي هو التأمل في الخلق و الخالق , اسلامي هو معرفة الله , و الخشية من الافراط في استعماله و التجني على الآخرين بسلطاته , اسلامي هو عدم تأليه الناس و عدم أنسنة الخالق , اسلامي هو رسالة الأذان الذي علمه محمد – ص - لبلال الحبشي
.
الله أكبر , أن الله عظيم , و هو أكبر من أي شيء و كل شيء
.
أشهد أن لا اله الا الله , أعترف بأن الله هو الإله الوحيد , لا شريك له
.
أشهد أن محمد رسول الله , و محمد هو رسوله
.
حي على الصلاة , و فيها نحمد الله و نتواصل معه
.
حي على الفلاح , و نعمل الخير للجميع و نتعامل به مع الجميع
.
لا اله الا الله , تأكيد على أن الله هو الاله الوحيد
.
فقط ؟ سأل صالح
.
فابتسم النوخذة و قال , لكم اسلامكم و لي اسلامي
.
و في هذه الأثناء كان الظلام يودع النور و قد حل وقت صلاة المغرب فقال صالح
.
هل نصلي المغرب جماعة ؟
.
فأجاب النوخذة صالح , و صلى الاثنان جماعة , و بعد انتهاء الصلاة ودع النوخذة صالح
.
هكذا تكلم النوخذة , ثم انصرف الى الحفرة الرابعة
.
يتبع

14 comments:

why me said...

عجيب


بانتظار الحفره الرابعه

ساحبة سايد said...

حلقات رائعة يا مطقوق

مبدع دائماً وأبداً..

متابعة : )

بو محمد said...

لم تشذ عن التي سبقتها من أخواتها في روعتها
و لكن أكثر الذي نال اعجابي فيها هو بواطن المعان يا بو سلمى، ظاهر الكلام قد يثير حفيظة من لا يتعمق به، بشرط أن يكون هذا التعمق مصحوبا بسرعة قياسية لاستخلاص الفكر و إلا تاه الباحث

بقول لك مثال وهو سيعبر عن وجهة نظري و أنا متأكد من أنها ستصلك

عندما يمرض الإنسان يلجأ إلى الطبيب لعلاجه و وصف الدواء و يرفض أي كلام قد يتعارض مع ما يقوله الأطباء أو ما يتعلق بصحة البدن
و لكن
الدين بات مرتعا لكل العقول و كل الناقدين ففسره كل على هواه حتى بات كما ينظر إليه البعض بلا هوية عامة، بل تحدد هويته بعقلية و شكل من يتكلم به

و هذا اللي كان يرمز إليه النوخذه، الكل وضع نفسه موضع المحاسب، فبات يقيم تصرفات غيره وفق ميزانه الخاص الذي يزن به أعماله

أعتذر عن الإطالة، و كأني بالحفرة الرابعة تستعل لهبا

دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

Anonymous said...

Incredible, Marvelous and Unusual !

I can't wait till I read the next part!

bo bader said...

كل مالها وتحلو يا بو سلمى !!

ابداع لطيف ، تحياتي

حاطب ليل said...

القراءه السريعه مشكله
كنت احسب ان النوخذه اسمه مردخاي
وافكر شمعنى سماه مردخاي..شنو يقصد..وليش؟:)
طلع الكنز كنز ..مردخاي
....
متابع وناطر حفره
"رومانسيه":)

Safeed said...

" من دخل الدين بالرجال خرج منه بالرجال" - الإمام الصادق عليه السلام

معناها إن الدين مو موضع لآراء الرجال حتى نفهمه من خلالهم ، الدين قيم و أخلاق و مُـثل يُغذى بها الإنسان ليجعلها مقياسه و منظاره للأمور

لا تسطيح الدين مقبول ، و لا التطرف في تفسيره مقبول .. و كلاهما لا يقلان سوءا عن الآخر سواء التسطيح أو المبالغة

ما لا يفهمه معظم الذين يدعون "الدين" ان هذا الدين ليس مهمته أن يغصب الناس أو أن يوفر لهما سلما للصعود الاجتماعي و السياسي ، بل مهمته أن يرسم منهج حياة يعطيك هوية مميزة عن غيرك .. هوية توفر لك التفرد من خلال القيم السليمة التي يحملها هذا الدين

هذه الثلاث أسئلة ، هي أساس وجود كل إنسان ، بلا إجابة واضحة عليها لا معنى للغنسان لانه سيكون مخلوق عبثي لاطائل و لا فائدة من وجوده و إذا انعدم وجوده انعدمت فائدته و لا حاجة لما ليس له فائدة .. إذن إجابته عن هذه الأسئلة هي من تجعل الإنسان بشرا ذو قيمة و مكانة في هذه الدنيا

هل تغيرت الاديان بتغير الزمان ؟
لا اعتقد ، ظل جوهرها واحدا و إن اختلفت أشكالها ، هذه الأديان لم تتغير بذاتها ، بل غيرها الإنسان الذي شاهد في قيمها العالية حدا لأنانيته و طمعه و رغباته لذلك عمد إما إلى تسطيحها او صبها في غير قالبها و ادخل بها عاداته و تقاليده الاجتماعية او صب فيها قوالبه الفكرية حتى تناسب ما يريده هو منها

عدو الدين يريد أن يصورها عدوة للبشرية حتى يستحوذ على عقول البشر لنفسه ، و المتمسح باسم الدين يريد أن يصعد نجمه على حساب هذا الدين

و كلاهما دعوة "صنمية" بحتة

لذلك وصف الله آياته للـ"موقنين" أصحاب اليقين ، و اليقين وليد التعقل و الإيمان .. و ليس وليد التبعية و التنظير

Hashemy said...

حلقات مبين عليها اكثر من رائعه انا قريت الاخيره وكاني بقرا الباجي :)

فريج سعود said...

شكله النوخذه لبرالي

بوسند said...

"اسلامي هو معرفة الله , و الخشية من الافراط في استعماله "

لم أفهمها يابوسلمى

هل من توضيح حبيبي :)

تحيّتي

المتهـافت said...

نايس مطقوق كمل لا يوقف

Mohammad Al-Yousifi said...

الأخ العزيز بو سند

شايف لمن الياهل يقولك ابوي يقول

ابوي يقول لازم ترد البيت قبل الساعة 12

ابوي يقول ماكو لعب كرة بالفريج


اسلامي هو معرفة الله , و الخشية من الافراط في استعماله "

هذه الجملة تعني ان علينا ان لا نفرط في استخدام او استعمال كلمة الله يقول سو كذا و الله يقول لا تسوي كذا

على الانسان ان يحذر من التقول على الله و استعمال اسمه في الطالعة و النازلة

شكرا

حرف said...

هكذا تكلم زرادشت :)

مطقوق

مدونتك من المدونات القليلة التي أشعر بفائدة عند قرائتها

KEEP GOING

مع التحية

@alhaidar said...

كلام منطقي .. وسليم يا نوخذة

المشكلة في التطبيق .. فالكثير يرددونه بكل أسف ..

تحياتي ..