Saturday, January 07, 2012

زوال الكويت

لا يختلف إثنان على أن تجربة الغزو العراقي الغاشم و زوال الكويت من الخريطة في عام 1990 جعل الكويتيين اسرى هاجس زوال الدولة


و هذا ليس عيبا فمن الطبيعي أن يتعلم الإنسان من تجاربه و يستفيد منها بدلا من التعامل معها بإستهتار , لكن المثير في الأمر هو تردد نغمة زوال الدولة بين الحين و الآخر من قبل الخبراء السياسيين و الإقتصاديين


قبل سنتين تقريبا كنت مدعوا على غداء في السفارة الأمريكية و أثرت هذه النقطة التي ظهرت لاحقا في وثائق الويكي ليكس , حيث قلت بأن السؤال هو ليس نوعية مستقبل الكويت ؟ لكن السؤال الأهم هو هل سيكون هناك مستقبل للكويت أم لا ؟


و منذ ذلك الحين و هذا السؤال يشغلني حتى أصبحت أسيرا له من كثرة التفكير فيه و إختبار سيناريوهاته


اليوم و بعد أن أثير موضوع الكونفدرالية و إشارة الأستاذ جاسم السعدون لنضوب النفط في محاضرته الأخيرة أجد أن من واجبي الحديث عن هذا الموضوع و شرح وجهة نظري فيه بإختصار


أعتقد أن موضوع "زوال الكويت" ينقسم الى قسمين

القسم الأول هو زوال "إستقلالية" الكويت , أي أن الكويت تصبح رسميا جزئيا أو كليا فاقدة للسيطرة الكاملة على قراراتها
أما القسم الثاني من الموضوع فهو زوال الكويت "كدولة" و الذي يلمح له الكثيرين

بالنسبة لـ إستقلالية الكويت أو إستقلاليتها في إتخاذ القرار فأعتقد انه ينبع أساسا من رغبة الإنسان نفسه , فالإنسان الذي يعتاد على الإنقياد خلف الآخرين لن يستطيع الإستقلال عنهم حتى لو ملك هذه المقومات , و العكس صحيح مع الإنسان الذي يعيش كـ مستقل بالرغم من إعتقاد الآخرين عدم إمتلاكه لمقومات الإستقلال , و هذا الشيء ينطبق على الدول كذلك


الدولة التي يتصرف حكامها و شعبها كأتباع ستكون تابعة حتى و إن امتلكت مقومات الإستقلالية و العكس صحيح , أما الكويت فقد قرر حكامها منذ القدم أن يعيشوا بأكبر قدر من الإستقلال الذاتي عن الآخرين , و لم نجدهم يتنازلون عن جزء من إستقلال "القرار" إلا لحماية إستقلال "كيان الدولة" , فمبارك تنازل عن جزء من إستقلال قراره للبريطانيين مقابل أن تكون الكويت مستقلة عن الدولة العثمانية , و عبدالله السالم قبل بذلك مقابل أن تكون الكويت مستقلة عن عراق عبدالكريم قاسم , و في العصر الحديث قبلنا التنازل أيضا لتحرير الكويت من إحتلال صدام , لكن النزعة الأساسية لحكام الكويت تظل نزعة إستقلالية متى ما تمكنوا من ذلك


لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا , هل يستطيع الحاكم أن يعيش مستقلا في حال لم يرغب شعبه بذلك ؟ الإجابة على هذا السؤال نقرأها في أحداث مجلس 38 عندما كانت فئة من الشعب تدفع الحاكم للتبعية للعراق لكنه فضل محاربتهم و الفتك بهم على ذلك كما فعل أحمد الجابر مع المتمردين من انصار المجلس و الذين سُجن بعضهم و هرب الآخر للعراق


أما عبدالله السالم فكان أكثر مسالمة لأهواء أبناء شعبه القومية و سايرهم – لمصلحة أكبر – في تبني الأجندة القومية و التي جعلت الكويت بشكل أو بآخر تسير في التيار الناصري القومي


اليوم و بعد تجربة الغزو أصبحت إستقلالية القرار الكويتي مهددة و بشكل أوضح بعد أن تأكدنا من عدم قدرتنا الذاتية على حماية إستقلال الدولة , فأصبحنا في بعض الأمور نتنازل عن إستقلالية القرار للولايات المتحدة الأمريكية , و في قرارات أخرى للمملكة العربية السعودية و أنا كشخص سياسي لا أرى عيبا في ذلك إن كانت هذه هي الطريقة الأفضل للحفاظ على كيان الدولة حسب ما يراه الحاكم


لكن الخطورة تأتي عندما يرغب الحاكم بالإستقلال و لكن فئات من الشعب تدفعه دفعا نحو التبعية , و هذا المثال كان واضحا في قضية إرسال قوات للبحرين حيث أن الحاكم المحلي و لحسابات معينة فضّل الإستقلال عن القرار السعودي , لكنه واجه رغبة جامحة من فئات مؤثرة في الشعب للتنازل عن هذا الإستقلال و الخضوع لتبعية القرار السعودي , بل أن هؤلاء قدموا إستجوابا لرئيس الوزراء و بمساندة شعبية للتأكيد على جدية الرغبة في التبعية حيث صرح الطبطبائي علنا برغبته في التنازل عن شؤون الدفاع و الخارجية للمملكة


قد يكون هاجس هذه الفئات هو أن التبعية – أو نار – المملكة العربية السعودية أرحم بكثير من التبعية للولايات المتحدة أو إيران او العراق , فالمملكة تظل الشقيقة الكبرى و العمق الإستراتيجي و الديموغرافي لفئات كبيرة من أبناء الشعب الكويتي و لا بأس من ذلك


أنا شخصيا أتبع المدرسة التي تفضل أن تظل مسألة إستقلالية القرار في يد الحاكم و إبتعاد الشعب عن التأثير عليها كونهم لا يعلمون ما يدور خلف الكواليس من تنازلات قد تضرهم أكثر مما تنفع , فالحاكم لديه الأفضلية في إختيار نوع و درجة إستقلالية القرار التي يستطيع أن يتعايش معها بدون التنازل عن إستقلالية الكيان


أما القسم الثاني من الموضوع و الذي يتعلق بـ زوال الدولة بعد نضوب النفط أو إنعدام قيمته فالسيناريو المتوقع هو الآتي , الكويت لن تزول أوتوماتيكيا , لكن فقدان النفط لقيمته سيغير شكل الدولة و آليات إتخاذ القرار فيها من الداخل , نحن لا زلنا بعيدين عن هذه النقطة – أوتوماتيكيا – حيث أن الدولة تعيش في وفرة مالية بدون إستخدام أي آلية تمويل ذاتي من الشعب , أي أننا بعد فقدان النفط ستقوم الدولة طبيعيا بالبحث عن مصدر آخر للتمويل و سيكون أهم هذه المصادر هو فرض ضرائب على الشعب , و في حال رفض الشعب ذلك او عدم رضاهم عن أداء الحكم بعد إقتطاع الضرائب سيكون هناك محاولات جادة لتغيير نظام الدولة , قد يكون هناك إنقلاب مباشر على أسرة الصباح و نتحول إلى جمهورية أو إجبار الأسرة على تبني فكرة الملكية الدستورية أو غيرها من السيناريوهات المطروحة


لكن النقطة الأساسية هي أن الدولة لن تزول أوتوماتيكيا , و عندما أقول أوتوماتيكيا أقصد أنها لن تزول فقط لأنها أصبحت فقيرة ! فالأمثلة حولنا كثيرة على دول أفقر من الفقر نفسه لكنها موجودة و يعيش فيها شعب و يحكمها حاكم , أكرر فقر الدولة لا يعني زوالها بالضرورة , لكن التناحر و الحروب الأهلية بين فئات الشعب قد تكون سبب رئيسي في زوال الدولة و إنقسامها إلى دويلات تحارب كل منها الأخرى


شكرا جزيلا على المتابعة و آسف على الإطالة فهذه هي تجربتي الأولى مع هذا الموقع

4 comments:

panadool said...

أحبك لما تكتب ... وما أحبك لما تهجر مدونتك


زوال الكويت موضوع مطروح للمناقشة حتى بين الأطفال مع الأسف

السؤال هل ستزول الإمارات أو عمان أو قطر أم أن هذه الحالة خاصة بالكويت


السؤال الثاني
فرضا جدلا .... لو يتكرر سيناريو البحرين وهو طلب أسرة الحكم بالكويت من درع الجزيرة مساعدة النظام فى الكويت لفرض الأمن إذا أفترضنا بوجود حالات شغب وتخريب

هل هذا السيناريو مقبول منطقيا


تسلم إيدك يالخوووش

radiantguy.com said...

مع أن الموضوع اييب الغم شوي و يخلينا نفكر بمستقبل كويتنا بس سعدت برجوعك للتدوين...

moayad said...

ذكرتني بسالفة التقرير اللي ذبحنا فيه عبدالله النفيسي اللي يتكلم عن زوال نص دول الخليج بحلول عام ٢٠٢٥.. أو شيء من هذا القبيل

السياسة الخارجية للدولة بيد الحاكم بأمر الدستور، يعني النواب اللي يطالبون بإرسال قوات للدولة الفلانية أو بقطع العلاقات مع الدولة العلانية كلامهم هذا كلام للاستهلاك المحلي وليس له ثقل سياسي حقيقي... اللهم إلا تشويه سمعتنا أمام بعض الدول الأخرى

بالنهاية برأيي فإن زوال الدولة -بشكل أو بآخر- لا يعني نهاية العالم! نعم لنا تجربة مريرة خلال الغزو وذلك لأننا سقطنا بيد من لايخاف الله ولا يرحمنا، لكن هناك العشرات أو ربما المئات من الدولة التي اختفت من على سطح الخريطة خلال المئة عام الماضية... وشعوبها تعيش اليوم حياة طبيعية وما عندها مشاكل أكثر من أي شعب آخر

فكرة فقدان "الوطن" هي مشكلة ثقافية قبل أن تكون أي شيء آخر، يعني مفهوم "الوطن" هو الذي نخاف فقدانه وليس القرار السيادي (اللهم إلا الحكام هم من لديهم مخاوف أكبر من ذلك) ، ما سمعنا ناس بعد التحرير تقول -مداعبة- ودنا نصير الولاية الأمريكية الثالثة والخمسين؟ لأن ثقافيا أمريكا قوية و"كوول" وتونّس... بعكس "الكواوله" اللي غزونا! هالكلام وإن كان قيل على شكل دعابة إلا أنه يثبت بأن مخاوفنا ثقافية وعاطفية أكثر من أي شيء آخر

Musaed said...

أنا بتكلم عن الإحتمال الثاني..

زوال الكويت -لا قدر الله- أمر يقلقني بشكل حقيقي .. يجعلني أفكر بكثير من القرارات المصيرية التي لازم آخذها

الضربة الموجعة لن تكون بنضوب النفط فهذا سيكون في زمن أحفادك أو في سن متقدم لأبناءك

الضربة الموجعة هي إكتشاف بديل رخيص للنفط .. تخيل لو عالم كميائي ياباني تمكن من تحويل مياه البحر إلى طاقة تعادل النفط!

صحيح البلد ستفرض فيه الضرائب و ستكون ضربة مؤلمة للغاية .. و بيني و بينك أتمنى لو أن روائي محترف أن يكتبها برواية

الأمر الآخر لو نضب النفط أو لنقل أصاب نفطنا شيء من المكيروب أفسده علينا .. ستتوقف الأشياء المعتمدة على النفط .. أنت تقول بأن هناك شعوب فقيرة جداً و مازالت تعيش .. يا عزيزي نحن في بلادنا الصحراوية نفتقر لأهم عنصر للعيش ألا و هو الماء العذب
لو نضب النفط أو هاجر كيف سنتمكن من إشباع هذه الأعداد المليونية ؟! الأمر ليس كمالضي عندما كان الكويتيين بالآلاف ..
في بعض الدول الفقيرة يوجد الكثير مما ينعزل و يعيش مكتفي بماء النهر و ما تنتجه مواشيه و ما يزرع .. نحن لن يحدث عندنا هذا

الأمر مرعب و لا أدري إذا كانت مخاوفي مبالغ فيها أو إن الكثير يشاركوني الخوف