Thursday, June 12, 2014

لا حرمنة... ولا خرفنة !!


يعتمد التحليل بشكل عام، والتحليل السياسي بشكل خاص، على نوعين من المعلومات، فهناك تحليل يعتمد على المعلومة الكاملة أو المؤكدة، وهو التحليل الأحكم، لكن عدم توافر المعلومات الكاملة في كثير من الأحيان، يجبر المحلل السياسي على الاعتماد على "أنصاف" المعلومات، فيضطر إلى تركيب "نص" معلومة على "نص" معلومة أخرى للوصول إلى الاستنتاج "المنطقي" أو"الموضوعي" للحدث، وهذا المقال يعتمد على هذا النوع من التحليل.

في أغسطس 2012، تداول الناس تصريحا لرئيس مجلس الشورى الإيراني د. علي لاريجاني قال فيه: "سقوط نظام بشار الأسد مقدمة لسقوط الكويت، والكويت تشكل لإيران عمقا استراتيجياً لا يمكن أن تتنازل عنه، وعلى دول الخليج (الفارسي) ألا تعرقل طموحات إيران الكبرى وإلا فإن العرب سينحسرون إلى مكة كما كانوا قبل 1500 عام"[1].



فور انتشار هذا التصريح، حاولَت إحدى الصديقات (المؤيدة للمعارضة من باب الصدفة) أن تسألني عن رأيي في هذا التصريح، وكانت حريصة على معرفة رأيي فيه لسبب واضح هو انتمائي العرقي والمذهبي، ولذلك كان سؤالها المُبطن هو "لمن ولاؤك، للكويت أو إيران!!؟".

بطبيعة الحال، رددت عليها بــ"لباقتي المعهودة" وطلبت منها أن تأتيني بمصدر المعلومة قبل أن أجيبها على السؤال، فذهَبَت المسكينة للبحث عن المصدر، لكنها لم تجده، فعادت لي وقالت "لم أجد المصدر.. ولكني أريدك أن تعطيني رأيك في التصريح؟".

فرددت عليها بـ"ذرابتي المعروفة" بأني لن أجيب على سؤالها دون الحصول على مصدر المعلومة، وهنا حاولَت أن توضح لي عدم أهمية المصدر، وحاولت أنا الإصرار على طلب المصدر، فوصلنا إلى خط مسدود اضطرها لإخراج ما في جعبتها قائلة: "أنت تتهرب من الإجابة، حتى لا تعترف بأن إيران وأتباعها خطر على الكويت!!".

فأجبتها فوراً بتأييدي الكامل لهذه المعلومة: "بالفعل إيران وأتباعها خطر على الكويت، لكن وجود كويتيين أغبياء (مثلك) يبنون مواقفهم وردود أفعالهم على معلومات مبهمة دون التأكد من مصداقيتها ومصادرها أخطر على الكويت من إيران وأتباعها".

ذكرت المثال السابق، لأن ما أراه اليوم من غباء (متعمد وغير متعمد) مشابه لما حدث في تلك القصة، فالواضح أمام أي محلل سياسي (نص كُم) هو دخولنا رسميا في مرحلة "أزمة الحكم – الجزء الثاني"، حيث أن الصراع بين تحالفين يقود أحدهما الشيخ أحمد الفهد + الإعلام المؤيد (الوطن وعالم اليوم) + المعارضة بزعامة مسلم البراك والإخوان المسلمين وسلف المعارضة والنواب المستقيلين وشباب الحراك وغيرهم.

أما المعسكر الثاني، فهو بقيادة الشيخ ناصر المحمد + جاسم الخرافي + الإعلام المؤيد (الراي، سكوب) + رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك + رئيس المجلس مرزوق الغانم + القضاء + دعم معنوي من سمو الأمير.

والواضح أيضاً، أن هذه التحالفات قابلة للتغيير، وتساهم أخطاء كل طرف في إعادة تشكيلها، بمعنى أن بعض الأطراف لم تكن ضمن هذه التحالفات من الأساس، لكن تعرضها للهجوم من طرف، جعلها تتحالف مع الطرف الآخر للدفاع عن نفسها، ولذلك علينا التفريق بين أطراف الصراع الرئيسية، وبين الأطراف غير الرئيسية.

ومن خلال استعراض سريع لأحداث الأشهر الماضية، يمكن القول بأن التحالف الثاني (ناصر المحمد) أقوى بكثير من التحالف الأول (أحمد الفهد).

فتحالف ناصر المحمد لديه تأثير مباشر على الحكومة، ومجلس الأمة، والإعلام، ومؤسسات الدولة العميقة، وقد كسب "تعاطف" القضاء بعد هجوم المعسكر الآخر على القضاة، بينما يفتقر فريق أحمد الفهد لهذا التأثير، فالشيخ أحمد بلا منصب رسمي يُجيِّره لكسب الولاءات كما كان في السابق، وحلفائه في المعارضة بلا عضوية أو تأثير في مجلس الأمة، وينتظر أغلب شبابهم أحكام قضائية، وحلفائه من الإخوان المسلمين والإسلاميين لم تعد لديهم القوة السابقة بعد سقوط الإخوان في مصر، وعودة حماس إلى إيران، ووضعهم ضمن قوائم الإرهاب في السعودية والإمارات والبحرين.




كل هذه الظروف، تجعل معسكر الشيخ أحمد يشعر بالاختناق، فهو يعيش في عزلة، وخصومه يزدادون قوة، خصوصاً وأن ساعة "الحسم" تقترب، أي أن الوقت ليس في صالحه، ولذلك هو يحاول الاستمرار بالمناورة المرة تلو الأخرى عله يتمكن من تسجيل نقاط تُسقط خصمه، أو على الأقل تمكنه من الوصول إلى اتفاق يضمن وجوده في المرحلة المقبلة، ومن هنا جاءت قضية الشريط، ثم أتبعها بقضية الحسابات والتحويلات المليارية التي فجرها مسلم البراك في مقابلة الوشيحي 27-4-2014.

وعند سؤالي عن الأمر، أقول بأن من يواجه خصم قوي، عليه أن يكون قوياً، أو أن يكون سلاحه قوياً، أو أن يكون مدعوماً من أحد الأطراف القوية.

وبالعودة إلى قضية الشريط، نجد أن الشيخ أحمد الفهد اليوم ليس قوياً وهو خارج منظومة متخذي القرار في الدولة[2]، وسلاحه (الشريط) لم يكن قوياً أيضاً، فهو مبهم وغير منطقي ولم نعرف كيفية تسجيله ومصدره.

وهذا بالضبط ما ينطبق على مستندات مسلم البراك التي كشف عنها بالأمس بالتعاون مع حساب "كرامة وطن"[3]، فـ مسلم والمعارضة لم تعد قوية وهي خارج المجلس، وسلاحها (المستندات) ليست بالقوة والوضوح اللازم لإقامة الحجة على الطرف الآخر، والأهم من ذلك هو أنهم لم يكشفوا عن مصدر هذه المعلومات ومصداقيتها وكيفية وصولها إليهم.

أقول ذلك وأنا أقر أمامكم بأني لا أنزه أي طرف (أكرر أي طرف) عن التورط في تلقي الرشوة والفساد وغسيل الأموال والتآمر على الكويت، لكن وضع الجميع في دائرة الشك لا يعني قبول الاتهامات المتقاذفة هنا وهناك جزافاً، فعندما تحتاج المعلومة إلى اتخاذ "موقف" أو "رد فعل"، وعندما يكون هذا "الموقف" أو "رد الفعل" اتجاه أصحاب شخصيات "اعتبارية" يشغلون مناصب حساسة في الدولة، يكون من المنطقي مطالبة مدعيها بتوضيح المعلومة إلى درجة لا تقبل الشك أو التشكيك، وهذا ما لم يتحقق في قضية "الشريط" وقضية "التحويلات المليارية".

فمحتوى "الشريط" منذ البداية غير منطقي، والطريقة التي تم التسويق والتطبيل فيها لهذه الفضيحة كانت رخيصة وغير مُقنعة، وعندما ظهرت مقاطع منها وجدنا بأنها أقرب إلى الفبركة منها إلى الأصالة، خصوصاً بعد ترويج فكرة ضلوع الشيخ ناصر المحمد بعمليات غسيل أموال تتعلق بـ "حزب الله" و"إيران"!!



وعند الانتقال إلى موضوع "التحويلات المليارية" نجد انعدام المنطقية مرة أخرى، فالمبالغ التي يتم تداولها غير منطقية لأي شخص يعرف أساسيات العمل المصرفي، والطريقة التي تم التسويق والتطبيل فيها لهذه الفضيحة أيضاً رخيصة وغير مقنعة، فقد كانت أقرب إلى الموالد والكرنفالات منها إلى فضيحة مالية تهز كيان الدولة، وعندما أظهر صاحب الفضيحة (في مقابلة الوشيحي وساحة الإرادة وتويتر) مستنداته ظهرت هزالتها واقترابها هي أيضاً إلى الفبركة منها إلى الأصالة، خصوصاً بعد ترويج فكرة ضلوع الشيخ ناصر المحمد بعمليات غسيل أموال في إسرائيل وتدخله في الانتخابات الإسرائيلية لصالح "حزب الليكود" الصهيوني!!

 قمت بوضع إسمي على أحد هذه المستندات من باب التدليل على سهولة فبركتها




وهنا أسأل نفسي وأسألكم، إذا كان الشيخ ناصر المحمد "متعوس"، وفي الوقت نفسه يتمكن من سرقة 23 مليار باوند حسب ما قاله البراك في مقابلة الوشيحي، ويتمكن من غسل أموال "حزب الله" و"النووي الإيراني" حسب ما تم ترويجه في "الشريط"، ويتمكن من دعم "حزب الليكود" الإسرائيلي حسب ما قاله البراك في ساحة الإرادة، فهذا الشخص الذي تمكن من جمع "حزب الله" و"حزب الليكود" و"إيران" و"23 مليار" هو "سوبرمان سياسي" وليس "متعوس"، بل هو يصلح لحكم أمريكا وليس الكويت فقط!!

أما النكتة الأخيرة، فهي مطالبة البراك وأتباعه السُلطة بتكليف شركة "أجنبية" للتحقيق في حقيقة هذه المستندات، والسؤال هنا لماذا لا يقوم مسلم ومن معه بتكليف هذه الشركة بالتحقق من هذه المستندات قبل نشرها؟ فالواضح أن الهمز واللمز اتجاه قضاة المحكمة الدستورية يهدف إلى التشكيك في صحة حكمهم في قضية "الصوت الواحد" في يونيو 2013، وهذا الحكم يتعلق مباشرة بقرارات سمو الأمير، فكيف تطلب من "المستفيد" من هذا الحكم التحقيق في أدلة تدينه وتدين قضاته!؟ بل كيف تثق في أن من لديه 17 مليار كاش، ونجح في رشوة نواب مجلس أمة، وقضاة، وإعلاميين، و"حزب الله"، و"إيران"، و"حزب الليكود" الإسرائيلي، أن لا يتمكن من رشوة هذه الشركة الأمريكية التي ستحقق في هذه المستندات!!؟

ثم يطلب البراك من جماهيره العودة إلى الأشهر السابقة واللاحقة للتحويلات (أبريل 2013) للتأكد من أسبابها المرتبطة بأحكام السُلطة القضائية، وقد عدت شخصيا إلى الأرشيف لأجد بأن هذه الفترة شهدت أحكام قضائية لصالح "الحراك" و"المعارضة" بنفس درجة الأحكام المضادة، وهذه عينة منها:


عالم اليوم 22 مايو 2013

 القبس 28 مايو 2013

 القبس 7 مارس 2013

الوطن 17 مايو 2013


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كان القضاء فاسداً، والقضاة يتلقون الرشاوى لإصدار أحكامهم لصالح الطرف الراشي كما يدعي البراك، فما الذي يجعلنا نطمئن إلى أن الأحكام التي صدرت لصالحه ولصالح "الحراك" لم تكن مدفوعة الأجر!؟

أقول ما أقوله هنا وأنا أكرر للمرة الثالثة بأنني لا أنزه أي طرف من الأطراف، ولن أتفاجأ لو كشفت الأيام عن صحة ما جاء في "الشريط" وصحة مستندات "التحويلات المليارية"، لكن ما تم عرضه حتى الآن من شريط ومستندات لا يرقى إلى مستوى القيام بـ"ردود الأفعال" واتخاذ "مواقف"، وهذا يشككنا في الفاضح قبل المفضوح، خاصة وأن الفهد والبراك لم يكشفا عن مصدر "الشريط" و"المستندات"، فلو كان الشيخ أحمد الفهد هو المسؤول عن التجسس على الشيخ ناصر المحمد وهو من سجّل الشريط، ألا يثير ذلك الشكوك حول الفهد؟ ألا يجعلنا ذلك نتساءل عن الثمن الذي دفعه للحصول على هذه التسجيلات!؟

وفي حال الإجابة بأن هذه التسجيلات وصلته من أجهزة استخبارات "أجنبية"، ألن نشك في العلاقة التي تربط بين الشيخ أحمد وهذه الأجهزة الاستخباراتية؟ ولماذا يتجسس جهاز استخبارات أجنبي على الشيخ ناصر؟ ولماذا يسلم التسجيلات إلى الشيخ أحمد الذي هو بالمصادفة خصم علني للشيخ ناصر ولا يسلمها إلى سمو الأمير أو وزير الخارجية أو الأجهزة الأمنية!؟

ويتكرر هذا التساؤل مع مسلم البراك، فما هو الثمن الذي دفعه البراك أو من يدعمه مقابل الحصول على كشوفات حساب الشيخ ناصر وابنه في البنك البريطاني!؟ ولو قال البراك بأن المستندات وصلته عن طريق فاعل خير، ألا يثير الريبة وجود "فاعل خير" يتمكن من الحصول على كشوفات لحسابات بنكية في بنوك بريطانية!؟ ولماذا يختار مسلم البراك الذي هو خصم علني للشيخ ناصر لـ يسلمه هذه المستندات؟

كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة حتى نتمكن من التأكد أولاً من صحة هذه المعلومات، ومن ثم نتخذ مواقفنا منها، أما ما يحصل حالياً فهو طرف يسرقنا.. وطرف يستحمرنا!! ولا أعتقد أن هناك عاقل يقبل بأن يصبح مطيّة لهذا الطرف أو ذاك.

   


[1] الوطن الكويتية، 24-8-2012.
[2] يقول الشيخ أحمد في إنذاره لرئيس الوزراء: "ان مسار الأمور سوف يجري للتستر على ما حوته التسجيلات بعد أن لم يتم استدعائي للاستماع لإفادتي من قبل سمو الرئيس بعد فحص الأشرطة".
الوطن الكويتية، 3-6-2014
[3] نشرت جريدة السياسة الكويتية (المحسوبة على معسكر الشيخ ناصر) تفاصيل ما سيقوله مسلم البراك قبل يومين من موعد التجمع، وهذا يُظهر بأن معسكر المعارضة مُخترق.

5 comments:

moayad said...

هذا "المنطق" النقدي في فهم الأحداث هو ما نفتقده !

بغض النظر عن اتفاقي أو معارضتي للمنطق الذي اتبعته في تحليلك هذا فإنه بالنهاية يبقى ... منطقا! يأخذ المعلومة من مصادرها ويحاول سد النقص بالمعلومة من خلال استنتاج تكملتها، ببساطة لم يعلمنا أحد أن ننظر للصورة الكبيرة كما فعلت يا أخ محمد، منذ نشأنا تعلمنا أن نحفظ هذه المعلومة وتلك دون أن نسعى للربط بينها، بالتالي إن كرر علينا أحدهم معلومة معينة سنقوم تلقائيا بحفظها وتصديقها بحد ذاتها دون أي تبرير منطقي، وهذا هو أهم أسباب حالة "الخرفنة" التي نعيشها

كمبيوترچي said...

لست فقط أتفق معك، هذا كلامي (العامي) من وقتها، وانت بالدلائل قطعت الشك باليقين

Unknown said...

السيد محمد اليوسفي
اذا كنت ﻻترى الشمس في الصباح فنحن نراها بوضوح .
اذا كنت ممن ﻻيرون ان الحكومة قد قامت برشاوي بعض اعضاء على الرغم من اعتراف احدهم ( الدميثير ) بتلقي اموال من العود وكذلك ظهور الثراء الفاحش لبعضهم مثل ح الحريتي و م العازمي وم المبارك و ر دشتي و خ العدوة وغيرهم كثير وكذلك اﻻستحواذ على مزارع في الوفرة والعبدلي وهي ثمن تصويتاتهم بالمجلس . فإن كنت ﻻترى فيستحن ان تبدل نظارتك . اما كرهكم لجماعة اﻻخوان فهو واضح جدا ومو غريب عليكم لﻻسباب طائفية .
ثانيا . هل تنكر ان التحويﻻت هي سبب استقالة الشيخ محمد الصباح من وزارة الخارجية . اذا كنت ﻻترا الشمس فنحن نراها وحسبي الله ونعم الوكيل

M Jamal said...

كلام موزون . محايد . بعيد كل البعد عن الطائفية
يعجبني تحليلك و اتمنى عدم الابتعاد عن الساحة السياسية

Unknown said...

كلام مضحك و إيراني الهوا و تضليل واضح للحقيقو الموجعة